بيروت | Clouds 28.7 c

قرار الداخل والخارج : "فوضى مضبوطة" وتقطيع وقت بانتظار "الحلول" كتب المحرر السياسي لــ"الشراع"

مجلة الشراع 4 أيار 2020

  • الجيش والاحزاب وفي مقدمتها حزب الله للجم الفوضى والحفاظ على الاستقرار
  • خطة متكاملة من اجل وقف تدهور الليرة واستعادتها قيمتها ولو بعد حين
  • التوافق على الامن هل يكون مقدمة للتوافق على خطة لتقطيع الوقت بانتظار الحل المنشود؟
  • خياران مطروحان اليوم:إما طاولة حوار تمنح حكومة دياب فترة سماح وإما حكومة وحدة وطنية برئاسة الحريري
  • لبنان ليس بلداً رئاسياً حتى يتم تجاوز المجلس النيابي وتجويف صلاحيات الرئاسة الثالثة
  • كلمة السر الدولية لمسؤولين لبنانيين حسب معلومات "الشراع": صندوق النقد الدولي سيساعدكم                        

كتب المحرر السياسي ل"الشراع"

لم يمر لبنان بأزمة مماثلة للأزمة التي يشهدها حالياً منذ انتهاء الحرب فيه عقب اقرار اتفاق الطائف في اواخر الثمانينيات من القرن الماضي.

الأزمة متعددة الوجوه.

ثمة وجه اقتصادي ومالي معروف وسافر  في ما يحمله من مخاطر وتهديدات.

وثمة وجه سياسي , يتجسد في الإنقسام الحاصل داخل الطبقة السياسية في الحكم والمعارضة وتصاعد حملة التجاذب لتسجيل النقاط من قبل كل طرف ضد الآخر رغم ان الأزمة وهي وجودية الطابع لا تحتمل مثل هذا الترف.

وثمة وجه أمني خفي ,يشكل الهاجس الاكبر للقوى الامنية والعسكرية المولجة حفظ أمن البلاد, وكذلك للقوى الدولية والاقليمية المعنية بعدم انفجار الوضع في لبنان لاسباب واعتبارات عديدة.

وبالطبع ,ثمة وجوه اخرى معيشية واجتماعية ,تنذر بثورة جياع جارفة غير مسبوقة مع تردي الاوضاع المعيشية وتفاقم حالة الفقر بسبب تعرض الليرة اللبنانية لهزات توازي في تراكمها اذا لم تتم المسارعة الى حلها, ما يشبه الزلزال المدمر والكاسح.

ومع ان بعض المطلعين على خفايا وخلفيات ما يتعرض له لبنان حالياً ,خلص الى القول بان البلاد امام اسبوعين حاسمين ومفصليين للخروج من نفق الأزمة من خلال الاطاحة بحكومة حسان دياب وايجاد البديل المناسب,بعد ان اخفقت في مواجهة التحديات ,فان المشهد اللبناني شهد خلال الايام والساعات القليلة الماضية سباقاً محموماً بين الواقع المزري والشنيع والخطير الذي تعيشه وبين تبلور إرادات داخلية وخارجية تعمل حالياً من أجل لجم التدهور والانهيار والحؤول دون الانزلاق الى الفوضى, ليس على قاعدة ايجاد حل ناجز للأزمة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى ,بل لفرملة مسار السلبيات التصاعدي بما يحمله من تهديدات وتحديات لن يكون لبنان وحده قادراً على وقفه ,والعمل تالياً على ايجاد هوامش زمنية تتيح بناء قواعد يمكن الاستناد عليها على مستويين :

الاول : جبه المخاطر المباشرة التي يتعرض لها لبنان ,وتجميد ما تنطوي عليه من مفاجآت لن تكون في صالح الاستقرار العام الامني والمالي والاقتصادي فضلاً عن السياسي.

الثاني: التأسيس في هذه المرحلة ,وهي مرحلة يمكن وصفها بمرحلة الوقت الاضافي و المستقطع   لمرحلة تقطيع الوقت بأقل الخسائر الممكنة , بانتظار توافر الظروف المؤاتية اقليمياً ودولياً لانضاج معادلة الحل في لبنان.

هذا مع العلم , ان مرحلة تقطيع الوقت المشار اليها ,يربطها البعض بانتهاء ازمة فيروس كورونا في العالم ومن ضمنه لبنان  ,حيث تشير التوقعات العلمية والطبية الى إمكان حدوث ذلك في فترة تتراوح بين شهرين وثلاثة اشهر , بينما يربطها البعض الاخر بتبلور المشهد اقليميا ودوليا حيال اكثر من ملف وأزمة , وخصوصا على   صعيد العلاقة الاميركية – الايرانية وما يمكن ان تصل اليه تصعيداً او تهدئة ,بعد الانتخابات الرئاسية الاميركية في الخريف المقبل والتي يبدو حاليا ان  حظوظ الرئيس الحالي دونالد ترامب تتراجع بامكان البقاء في البيت الابيض لولاية ثانية.

بداية ,فان ما يطمئن وفق معلومات خاصة ب"الشراع" هو ان  الاتصالات بخصوص لجم الفوضى او اي محاولة لجر البلد الى مثل هذه الفوضى, عبّرت لا بل جسدت ارادة داخلية قوية وثابتة وصلبة من اجل الحؤول دون حصولها ,وتحويلها في حال تسارعت خطواتها الى ما يمكن تسميته "فوضى مضبوطة".

ومن دون التقليل من شأن سعي قوى اساسية لمواجهة احتمال وقوع البلاد في فوضى هدامة ومدمرة ,وبينها حركة امل والحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية وتيار المستقبل الذي شهدت قنوات التواصل بينه وبين حزب الله عودة الحرارة  اليها( رغم بيان النفي الصادر عن المستقبل حول لقاء جمع الرئيس سعد الحريري مع المعاون السياسي لامين عام حزب الله السيد حسن نصرالله).. من دون التقليل من جهود هذه القوى,فان قرار الجيش اللبناني وكذلك القرار المماثل من حزب الله للحؤول دون هذه الفوضى وضبطها شكل ويشكل الضامن الاساسي لعدم زعزعة الاستقرار وعدم السماح باي اخلال بالامن ,مع التشديد على حق كل اللبنانيين في التظاهر والاحتجاج والتعبير عن الغضب ازاء ما آلت اليه الاوضاع في لبنان.

وهناك اليوم قرار واضح وحاسم من قبل قيادة الجيش ومعها قادة الاجهزة الامنية , بالعمل على خطين متوازيين : الاول ضبط الامن والتجاوزات والتصدي لاي محاولة للعبث بالاستقرار,والثاني ضمان حق اللبنانيين بالتعبير عن حرية رأيهم لا بل وغضبهم حيال ما آلت اليه الاوضاع. وقيادة الجيش تحظى في هذا الاطار باوسع دعم سياسي محلي وكذلك بدعم دولي غير مسبوق لخطوات المؤسسة العسكرية على هذا الصعيد ,بعد ان تصاعد القلق في اكثر من عاصمة معنية بالوضع في لبنان من مغبة تفاقم الموقف وانهيار او سقوط الدولة اللبنانية.

وهو توجه ,تعامل مع حزب الله بمنتهى الدعم والتبني والعمل في الوقت نفسه على مساعدة الجيش في ترجمته حيث يمكن ذلك على امتداد الجمهورية اللبنانية.

وشبكة الامان هذه يمكن البناء عليها ,والاستناد الى ما تعبر عنه من معطيات لا شك انها ستكون مدماكاً لاي جهد يمكن ان يبذل من اجل ايجاد المعالجات المطلوبة على اكثر من صعيد للازمة الخانقة التي يعيشها لبنان حالياً.

والامر نفسه ينطبق ايضاً على ما ينتظر صدوره تباعاً من قبل حاكمية مصرف لبنان في خطة كاملة ومتكاملة من اجل ضبط الفلتان في سعر الدولار والعمل على استعادة الليرة اللبنانية قيمتها ولو بعد وقت تشير التوقعات الى انه لن يكون طويلاً..

وهناك الكثير مما يمكن ان يقال ويكشف على هذا الصعيد ,وهو يحتاج الى سياق اخر منفصل ,كون المسألة لا تتعلق بالشأن النقدي فقط بل تتصل بالازمة التي يمكن اعتبارها أزمة وطنية وكيانية ووجودية بكل ما للكلمة من معنى.

ولعل ما يجعل هذا السياق مهماً للغاية ,هو المسارعة الدولية ولاسيما من قبل فرنسا وكذلك بريطانيا (واميركا ضمناً )وغيرها من الدول الى التدخل لمد يد المساعدة.وجاء الطلب اللبناني من صندوق النقد الدولي للمساعدة خطوة اولى في هذا السياق , علماً ان ما وصل من رسائل دولية على هذا الصعيد كما يكشف مسؤول كبير (غير حكومي) يؤكد ان الدول المعنية بوقف الانهيار في لبنان والقلقة للغاية من انفلات الامور وفقا لما كان يسير عليه الوضع- وفي مقدمة تلك الدول فرنسا- اكدت بصريح العبارة "ان صندوق النقد سيساعدكم", وذلك على الرغم من كل الكلام الذي اعقب ذلك ويضع شروطاً للمساعدة والدعم,بينها الاصلاح المطلوب لبنانياً اليوم قبل الغد وبآليات تتطلب اول ما تتطلب ,تحقيق التفاهمات المطلوبة لخلق مناخات تضمن تحقيق هذا الاصلاح وعدم تحوله الى شعار لتصفية الحسابات او تسجيل النقاط  وممارسة الكيدية السياسية .

ما ورد يطغى عليه الطابع التفاؤلي ,لكنه وسط الازمة الطاحنة التي يعيشها لبنان مؤشر على ان المطلوب اليوم واكثر من اي وقت مضى هو الابتعاد عن محاولات التذاكي وتسجيل النقاط .ومع ان من المبكر الحديث عن مآل ما سمته الحكومة خطة الاصلاح بانتظار لقاء  بعبدا مع رؤساء الكتل النيابية , فان الاكثر اهمية اليوم هو وضع الحصان امام العربة وليس العكس كما يحاول بعض السلطة القيام به ,حيث ظهر بوضوح ان ثمة خلفيات للدعوة الى الاجتماع المشار اليه تندرج في اطار المحاولات  المستمرة لفرض اعراف جديدة تؤدي الى تجويف ما نفذ من اتفاق الطائف ,سواء بالقفز على دور وصلاحيات السلطة التشريعية او تجاوز صلاحيات الرئاسة الثالثة وبكثير من الاصرار, وكأن النظام الرئاسي بات مكرساً وبشكل قد يتجاوز ما كان قبل الطائف ولم يبق الا الاعلان عنه رسمياً .

وهناك افكار متداولة اليوم ويجري البحث فيها ,من اجل ان تستقيم الامور في السياسة اولاً, وبشكل بعيد عن احلام الوصول الى الرئاسة  وتعليب كل خطوة تتخذ على قياس احد المرشحين لها, كون الامر ليس مطروحا الآن, وعلى اعتبار ان الازمة تتطلب تضافر جهود الجميع وتضامنهم ,وذلك من خلال طرح اليات ممكنة لهذا الامر .

وقبل الدعوة الى اللقاء مع رؤساء الكتل النيابية وعدد منهم ليسوا نواباً  اصلا وعلى رأسهم سمير جعجع ووليد جنبلاط وسليمان فرنجية, كان البحث يدور حول خيارين يمكن اعتماد احدهما للخروج من الازمة ويمكن بالتالي العودة اليهما في حال استمر التعثر في السياسة وبما لا يتناسب مع ما أمكن تحقيقه في الامن والسياسة النقدية كما ورد انفاً او اعتماد خيار ثالث اذا كان يتناسب مع خلفية الخيارين المشار اليهما وهي خلفية التعاطي بروح التفاهم والتسوية مع الازمة الحالية في بلد التسويات والتفاهمات الذي ينتكس اذا غابت عنه ولم يتم مراعاتها وينتعش اذا اعتمدت .

الخياران المطروحان وفقا لمعلومات خاصة ب"الشراع "هما:

الاول : قيام الرئيس ميشال عون بالدعوة الى طاولة حوار وطني تضم الاطراف اللبنانية الوازنة والاساسية والتي كانت تتشكل منها طاولة الحوار الوطني التي كان الرئيس نبيه بري اول من اطلقها وحمت لبنان في كثير من الظروف الصعبة والدقيقة.

ويمكن في هذا الاطار كما يدور البحث في ضم مندوبين جدد عن انتفاضة 17 تشرين وهيئات المجتمع المدني .

وامام طاولة الحوار الوطني هذه مهمة وحيدة , وهي منح حكومة حسان دياب فترة سماح محددة زمنياً للعمل على لجم الانهيار والبدء بالاصلاح الذي يحتاج الى وقت غير قصير وجهد كبير. على ان تتولى الحكومة وضع خطة اصلاح تلقى اجماعا ولا تكون مستنسخة من خطة حكومة حسان دياب الاخيرة النظرية وغير الواقعية والتي يوجد الكثير من الملاحظات النوعية عليها.

فترة سماح لحسان دياب وحكومته ,تقوم خلاله بتنسيق كل خطواتها مع ما تطرحه طاولة الحوار من آليات ورؤى , من دون الاجتهاد او التعاطي بمنطق "انا على حق والاخرون على خطأ".

الثاني: تشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة الرئيس سعد الحريري على ان تضم هذه الحكومة كل اطياف النسيج اللبناني ,وتضع رؤية موحدة وبرنامج انقاذ يخرج لبنان من المتاهة التي يعيشها , كما يخرجه من حال العزلة التي يعيشها عربياً ودولياً ويعيد ثقة اللبنانيين بدولتهم ومؤسساتها عبر اصلاحات باتت تشكل اليوم ألف باء اي خطوة يؤمل اتخاذها للحؤول دون "الصوملة ".

وعليه ,فان المسألة هنا لا تعود قائمة على معادلة :"تبقى حكومة حسان دياب او لا تبقى " ,بصرف النظر عن الخيار الذي يمكن اعتماده ,لان المهم اليوم هو انقاذ الهيكل , لانه اذا سقط سيسقط على رؤوس الجميع.

 

الوسوم