بيروت | Clouds 28.7 c

نهاية نظام الأسد ستكون كنهاية نظامي جنوب افريقيا والخمير الحمر/ بقلم محمد خليفة

نهاية نظام الأسد ستكون كنهاية نظامي جنوب افريقيا والخمير الحمر

بقلم محمد خليفة

مجلة الشراع 23 آذار 2020

 

  • الثورة / المحنة السورية بين سنتيها التاسعة والعاشرة  :
  • صمود السوريين يدفع قضيتهم الى مقدمة الأزمات الدولية   
  •  نهاية نظام الأسد ستكون كنهاية نظامي جنوب افريقيا والخمير الحمر
  • صحوة ضمير عالمية تحول القضية السورية من سياسية الى انسانية مجردة

 

دخلت الحالة السورية بمسمياتها المتعددة (الثورة ، أو القضية , أو الأزمة) عامها العاشر ، وهي أشد حضورا وتفوقا على مستوى الأزمات الدولية ، بأوجهها الثلاثة , العسكري , والانساني, والسياسي . وأظهرت المواجهات الأخيرة في ادلب, وتداعياتها قدرة هذه الأزمة على أن تكون ثقب الفضاء العالمي الأسود . فهي ما زالت قادرة على جذب مزيد من الدول الى أتونها المجهول النتائج . فقد ازداد تورط اللاعب التركي مؤخرا , وجر معه مزيدا من امكانية تورط الولايات المتحدة من خلف تركيا بمواجهة مع روسيا , ومعها ايران ونظام الاسد .

 ولكي نرى حجم هذا التطور, يجب أن نتذكر أن اللاعب الاكبر فيها, روسيا, بشر العالم منذ أواسط 2018 بنهاية الحرب السورية , وطالب بالاسراع بإعادة النازحين واللاجئين وتقديم الأموال لإعادة الإعمار , وإعادة بشار الأسد الى المنظمات الدولية وتطبيع العلاقات مع نظامه !.  ثم جاء 2019  ليثبت زيف دعايتهم السابقة , لأن روسيا بدأت مع وكيلها المحلي عملية حربية واسعة للقضاء على فصائل معارضة تنتشر بين ريف حماة الغربي – الشمالي ، وجنوب ادلب ، وريف حلب الغربي ، وريف اللاذقية الشمالي , لاستعادة مزيد من المناطق الخارجة عن سلطته , وتدحض مزاعم موسكو بنهاية المعارضة السورية واستتباب الأمن لصالح الأسد . استغرقت العملية العسكرية عام 2019 كله ، وترحلت الى 2020 مع ارتفاع حدة القتال , واشتباك تركيا للمرة الأولى مع قوات الأسد وايران, وازدياد احتمالات الصدام مع روسيا وتدخل حلف الناتو لدعم تركيا  .

وقد شاهدنا أيضا الوجه الانساني من الكارثة الناتج عن حدة الصراع العسكري في ادلب بشكل يدحض البروباغندا الروسية . إذ أن قتال الشهور الفائتة وحده تسبب بدفع 1,600 مليون شخص الى المجهول . مات منهم الالاف معظمهم مدنيون , ونسبة كبيرة منهم أطفال , قضوا جراء القصف الروسي , أو بسبب الجوع , والعوامل الجوية الباردة . وتدخل العالم كله والأمم المتحدة والمنظمات الدولية لتقنع روسيا ووكيلها المحلي بالسماح للأمم المتحدة بإيصال المعونات الانسانية لإغاثة النازحين , ولم تفلح إلا بتمديد الرخصة الروسية لعدة شهور فقط .

ما شاهدناه من عنف ودموية في ادلب يعيد للذاكرة مشاهد الحرب الروسية على حلب عامي 2015 – 2016 . وما شاهدناه من صور لمليون ونصف مليون نازح ولاجىء , يعيشون في العراء بلا أي معونات , يعيد للذاكرة صور موجات النزوح المليونية من سورية الى اوروبا عبر تركيا في العامين المذكورين , ما يؤكد أن المزاعنم الروسية عن نهاية الحرب عام 2018  باطلة جملة وتفصيلا , ومجرد دعاية لتجميل وجه روسيا الملطخ بالعار بسبب جرائمها التي تستوجب المحاكمة . كما يؤكد أن الحرب ما زالت حبلى بمفاجآت وإحتمالات تصعيدية, وجر أطراف إضافية للقتال, بما فيها امكانية تدخل الناتو واميركا, وإمكان نشوب حرب تركية - روسية .

القضية تعود للمربع الأول :

 في كل الأحوال يمكننا استنتاج أن قابلية الأزمة للاستمرار وقدرتها على جر أطراف أخرى للتورط فيها ستبقيان طالما أن جذور الأزمة وأسبابها لم تعالج بشكل منطقي وواقعي, ولأن روسيا تواصل نهجها الاخرق لسحق المعارضة , وهو منطق الأسد نفسه .

محصلة المقارنة بين ما كانت عليه الأزمة السورية في أواخر عام 2018 , وما آلت اليه في أواخر 2019 , وما نراه اليوم يثبت أنها على عكس ما يزعمه الروس وحلفاؤهم عن نهاية الحرب وانتصارهم فيها , واستقرار السلطة لصالح النظام , هي أزمة متفجرة وبعيدة كل البعد عن الحل السياسي والعسكري معا .

 ولا بد أن نلاحظ إن الأساس الذي استند عليه هذا الاستنتاج هو العامل الداخلي حصرا , لا الخارجي , لأن المعارضة لم يعد لها نصير أو ظهير في العالم , وهو بشكل محدد العامل الذي ولّد الأزمة منذ 15 مارس 2011 , أي رفض الشعب السوري للنظام الذي يحكمه منذ اربعين عاما (خمسين عاما الآن) . وما زال الشعب السوري حتى اليوم يرفضه بالقوة نفسها التي أظهرها طوال تسع سنوات من التحدي والقتال . وما زال مستعدا لتحمل مخاطر الهلاك بالقصف الجوي , ومخاطر النزوح الى المجهول لكيلا يعود للعيش تحت سلطة النظام الوحشي .

 يقودنا هذا الى إدراك أن ( الثورة السورية ) كتجسيد لإرادة السوريين الجماعية استعصت على آلة الحرب الروسية كما استعصت على آل الاسد , وازدادت تجذرا في سلوكهم . وأن النظام المستند على قوة حلفائه مهزوم ولا يمكنه الاعتماد على نفسه . وما زالت المعادلة على الارض منذ 2012 :

- على المقلب الأول هناك نظام انهزم أمام شعبه, وسقطت شرعيته, وانتهى عمليا, ولكن التدخل الخارجي المكثف منع ويمنع التسليم بهذه الحقيقة .

وعلى المقلب الثاني شعب ثائر فرض إرادته وانتصر , لكن قوى الاستكبار الدولي تمنع التسليم بهذه الحقيقة .

 وستبقى المعادلة تراوح هكذا حتى يعترف الروس بالواقع القائم ويذعنوا  له , لأن العكس مستحيل الحدوث . وستظل المراوحة منطوية على كوارث انسانية , ومخاطر على أوروبا , واحراجات أدبية واخلاقية للعالم, بسبب ادراكه لضرورة التدخل الحازم لرفع الظلم عن الشعب السوري وردع الاسد, ومنع روسيا من التضحية بكل شيء لحمايته . فهذا الوضع غير مقبول, وثبتت استحالة تكريسه .

صحوة ضمير عالمية ؟

 يعود الفضل في وصول العالم الى تلك النتيجة الى صمود ثوار سورية وشعبها وتحمله أكلاف التمسك بالموقف الذي صاغته الثورة منذ مظاهرات درعا ودمشق وحمص وحلب عام 2011 حتى معارك ادلب الراهنة . وهذا الصمود هو الذي هزم أعداء الثورة , وأحدث تطورا في وعي العالم , وصحوة ضمير محدودة جسدتها مواقف عديدة لا يستهان بها :

1 – مواقف المنظمات والحكومات الاوروبية الرافضة للتطبيع مع الأسد ونظامه المكروه , ولأي مشاركة في إعادة اعمار سورية قبل تطبيق ( الحل السياسي ) كما حددته وثيقة جنيف 2012 وقرار مجلس الأمن الدولي 2254 لعام 2015 , لا كما حدده الروس وحلفاؤهم في آستانا وسوتشي .

2 - محاكمة بعض مسؤولي الأستخبارات السورية في أوروبا عن جرائمهم الوحشية سوف تؤدي الى انقلاب جذري في ملاحقة المجرمين, بما فيهم الأسد ذاته, وتحقيق العدالة للشعب السوري .

3 -  اصدار الكونغرس الأمريكي قانون سيزر الذي يمكن تطبيقه على الأسد وزمرته وعلى روسيا وقواتها وقادتها السياسيين والعسكريين.

4 - ثبات الغالبية العربية على رفض عودة الأسد ونظامه للمنظمات العربية .

إن هذه التحولات الايجابية لن تلبث أن تؤسس تحولا نوعيا في التعاطي الدولي مع (القضية السورية) باعتبارها قضية انسانية وحقوقية وأخلاقية مجردة ،لا ينظر لها من خلال السياسة , تشبه تحرك المجتمع الدولي لعزل نظام جنوب افريقيا العنصري واسقاطه, وتشبه موقف العالم من نظام الخمير الحمر في كمبوديا ونظام بينوشيه في تشيلي .

 إن تقارير العذابات التي يعيشها السوريون , وصور القتلى تحت التعذيب في زنازين الأسد التي نقلها المنشق السوري (قيصر) للعالم , والمعلومات الموثقة عن مئات الوف المعتقلين والمخطوفين والمغيبين قسرا في غياهب المعتقلات بدأت تحدث آثارا عميقة في الرأي العام من بدون ربطها بأي شيء آخر كالحرب على الارعاب وشيطنة الثورة . وثمة قرائن وشواهد على أن القضية السورية بكل وجوهها الامنية والانسانية والسياسية أخذت تلامس الضمير العالمي مقرونة بوعي جديد , يرى أنه لا حل إلا بتلبية مطالب الشعب المحقة واجراء تغيير جذري يستند الى (الحل السياسي) الذي يحاول الروس تحاشيه .

ولكي نرى كيف تتقدم القضية السورية الى المقدمة بفضل صمود السوريين شعبا وثورة , ولا تتراجع كما يأمل بوتين والأسد , علينا اجراء مقارنة بين ترتيبها في سلم الأزمات الدولية قبل عامين , وأين وصلت الآن .          

 في بداية عام 2018 كتب (رئيس مجموعة الأزمات الدولية) روبرت مالي مقالا في مجلة فورين بوليسي الامريكية الرصينة حدد فيه الأزمات الدولية العشر الأولى , وجاء ترتيب الأزمة السورية سادسا , سبقتها , الأزمة الكورية الشمالية بسبب تهديدات الرئيس الكوري بقصف امريكا بسلاحه النووي , والأزمة الايرانية – الأمريكية / السعودية التي تهدد الأمن في الخليج , وأزمة مسلمي الروهينغا , والأزمة اليمنية بسبب المجاعة التي تهدد ثمانية ملايين يمني بالهلاك , والأزمة الأفغانية التي يتنبأ لها أن تشهد تصعيدا في عام 2018 .   

بعد عامين نلاحظ الآن أن الولايات المتحدة احتوت المواجهة مع كوريا الشمالية , وتوصلت أخيرا الى حل للصراع مع طالبان في أفغانستان , وخففت محنة مسلمي الروهينغا , وبقيت الحالة اليمنية تراوح مكانها , وتصاعدت نذر المواجهة مع ايران , كما تصاعدت المواجهة في سورية , ما يعني أنها تتقدم ولا تتراجع ، كما يتوهم بوتين تذكروا القول الشائع : ليس المهم من يضحك أولا , بل المهم من يضحك في النهاية

الوسوم