بيروت | Clouds 28.7 c

كتاب جديد لـ أسعد حيدر / أيام مع الامام الخميني

كتاب جديد لـ أسعد حيدر

أيام مع الامام الخميني

مجلة الشراع 6 آذار 2020 العدد 1941

 

يمكن الكتابة بكل موضوعية ان الزميل أسعد حيدر هو واحد من أبرز الخبراء في الشؤون الايرانية في الصحافة العربية وهو كان وما زال متابعاً لما يحدث في ايران.. حتى لو ابتعدت به السبل عن الحضور داخلها وقد اكتنـز خلال السنوات الواحدة والأربعين من تاريخ بدء الثورة حتى اليوم (1979- 2020) الكثير من المعلومات تمده بقدرة التحليل والاستنتاج، خصوصاً مع متابعته الجدية لكل ما يجري فيها.

للزميل حيدر كتاب جديد أصدره مؤخراً عن دار الفارابي حمل اسمه ((ايام مع الامام الخميني وبدايات الثورة)) ننشر في هذا العدد ما أورده من حديث (مختصر) للامام الخميني مع الكاتب الصحافي محمد حسنين هيكل.

جاء محمد حسنين هيكل يرافقه فؤاد مطر وأنا الى نوفل لوشاتو حيث استقبلنا السيد حسين الخميني. دخلنا الى منزل الامام الذي يقع تحت الطريق العام. بعد السلام، جلس الامام وجلسنا على الأرض كما جرت العادة. وتولى السيد حسين الخميني الترجمة. وبدلاً من ان يستمر اللقاء فالحوار نصف ساعة استمر ساعة وثلث الساعة، كان الامام الخميني يقنع هيكل بدعم الثورة بكتاباته، لذلك استفاض بالحديث عن أوضاع ايران قديماً وحديثاً.

وهذا أبرز ما جاء في اللقاء، حسب النص الذي أعطاه لي السيد محتشمي ثم أرسلته الى الاستاذ هيكل عبر الزميل فؤاد مطر.

البداية كانت عن طبيعة حركة الامام الخميني.

((ان الحركة الحالية في ايران هي نموذج للحركة التي حدثت في صدر الاسلام، وفي مدة قصيرة سيكون لحركتنا التأثير الكبير وعلى مدى فترة طويلة)).

((لقد فرضت دعايات الغرب وأجهزة اعلامه أجواء اليأس على الشعوب في جميع الدول الاسلامية. وفرضت أيضاً سيطرتها لتحول دون تحرر هذه الشعوب. لكنني متأكد من ان شعوباً اسلامية كثيرة ستفعل ما نفعله، وتلحق بحركتنا من أجل التحرر من السيطرة، وانني اسأل الله ان يتحرر المسلمون وتتحقق آمالهم)).

((ان الحركة مستمرة حتماً من جانب الشعب الايراني المسلم، لكنها في أي حال محتاجة الى من يدعمها في الخارج. انها تحتاج الى الدعم الاعلامي من جانب الكتّاب الكبار. انني أرى ان يكتب هؤلاء بصدق عن الحركة. بهذا يظهرون الحقائق لشعوبهم، فضلاً عن ان مثل هذه الكتابات سترفع من معنويات الشعب الايراني وتثبت أقدامه أكثر)).

وهنا سأل هيكل الامام عن ماهية عامل التوسع العظيم لحركته، فاستفاض الامام في المقارنة بين الماضي والحاضر.

ان هذه القوة مصدرها الاسلام. وخلال حركة الكاشاني ومصدق حيث كان الطابع السياسي للحركة هو الأقوى، كتبت الى الكاشاني أقول له انه من الضروري ان يولي أهمية للجانب الديني، وبدلاً من ان يقوي الجانب الديني ويغلبه على الجانب السياسي فعل العكس، بحيث أصبح رئيساً لمجلس الأمة، وكان ذلك خطأ. فأنا طلبت منه ان يعمل للدين لا ان يصبح سياسياً.

((على النقيض، ان الحركة اليوم دينية في جميع الجوانب، والسياسة ايضاً في صميمها. ومن المستحسن ان تسافروا الى ايران هذه الأيام لتروا عن كثب كيف هي اليوم وكيف كانت بالأمس. ان المشاكل كثيرة، والقوى العظمى موجودة، وكلها قلقة من حركتنا، وهذه القوى لا قدرة لديها سوى إنزال قوات عسكرية. انها لا تستطيع ان تفعل شيئاً، لا على يد الحكومات ولا عن طريق الانقلاب العسكري او الحكومة العسكرية. ان جذور الحركة عميقة الى درجة ان الشعب الايراني غير مكترث بكل الاجراءات التي تقدم عليها هذه القوى)).

((في الماضي كانت الصرخة الشعبية من اجل النفط، لكن الصرخة المنبثقة من حركتنا هي في سبيل الاسلام. والفرق كبير جداً بين من يناضل من أجل الدين وبين من يناضل من أجل المادة. الحركة في الماضي كانت مادية لكن حركتنا اليوم هي من أجل الانسان المسلم. انها شبيهة بما حدث في صدر الاسلام، ولذا فإننا نأمل بانتصارها)).

((اننا نعرف ان جميع القوى السياسية في العالم تريد تحطيم حركتنا، لكننا نعرف في الوقت نفسه، ان مسؤوليتنا الاسلامية والحكم الالهي يفرضان علينا عدم الاغراق في القلق. اننا بمنطق صدر الاسلام نتحرك. فإذا قتلنا فنحن في الجنة، فإذا هزمنا فنحن في الجنة، واذا أوقعنا الهزيمة بأعداء الاسلام فنحن ايضاً في الجنة. ومن أجل ذلك لا نخاف الهزيمة، بل اننا لا نخاف من شيء. ان النبي صلى الله عليه وسلم هزم في بعض الغزوات. اننا نحارب بسيف الله ولا نخاف وستستمر الحركة)).

((في عهد الشاه زاد الضغط والارعاب وأصبح الشعب يشعر بالتعاسة من جراء ما كان يمارسه رجال الـ ((سافاك)) وعملاء النظام. ان هؤلاء عقدوا الشعب بتعاملهم السيىء وأصبحت العقدة عامة. وكان الجميع بانتظار الابرة التي تتولى تنفيس هذه العقد)).

((وكان علماء الدين هم الذين فجروا هذه العقدة. انني أفهم الشعب وأعرف مكنونات المجتمع، وأتحدث بلسان الناس وعما يختلج في صدورهم. وأنا أعرف جميع نقاط الضعف. فقد عشت التطورات على مدى نصف قرن. كنت أعرف وأرى وأتحسس شقاء الناس من الارعاب. كان الناس في لحظة انفجار. كما ان جو العدوان جعل الانفجار أمراً واقعاً. وجاءت ثورة العلماء سبباً في الانفجار)).

وعن مطالبة الامام للدعم الاعلامي من الخارج، سأل هيكل: ما هو الفرق في رأيكم بين نضال الأمس واليوم؟

التقط الامام الخميني هدف سؤال هيكل بأنه يذكّر بفشل حركة مصدق فقال:

-((انني اعتقد ان الحركة اليوم أعمق بكثير منها أيام المرحوم الدكتور مصدق، يومذاك كانت الحركة سياسية بحتة، لكنها اليوم يغلب عليها الجانب الديني، ومعنى ذلك ان الايرانيين يحبون السياسة لكن الدين هو الذي يحركهم. الحركة ايام الدكتور مصدق كانت سياسية فقط، لكن حركتنا اليوم سياسية – دينية، ولها جذور، ومن أجل ذلك فالأمل بالانتصار أكبر. ونأمل في ألا ينجحوا في إطفاء جذوة هذه الحركة)).

((اننا نطرح مطالب يرددها الجميع في ايران من الولد في المدرسة الى المسنين، الرجال والنساء يرفعون الصوت بهذه المطالب. حتى الذين لا يفقهون شيئاً في أمور السياسة يرفعون صوتهم غالباً. ان الشعور الديني حرك الجميع، وبسببه أصبحت الشعارات مطالب وطنية لا تقبل النقاش)).

ورداً على سؤال للامام الخميني حول موقف الأزهر المؤيد للشاه أجاب هيكل: ((الأزهر تاريخياً وفي استمرار لا يتخذ مواقف مغايرة لمواقف الدولة. ثم انكم أول حركة في الاسلام تواجه النظام والدولة علناً)).

بهدوء قال الخميني:

((احدى خصائص المذهب الشيعي انه لم يكن في يوم من الأيام تابعاً للنظام.. قادر على ان يتصدى للشيوعيين، والعلماء ليسوا أتباعاً للأنظمة)).

ان مذهبنا سياسي وعلماء مذهبنا ليسوا قلة وعندهم وعي سياسي. لدينا علماء يستوعبون جميع الشؤون. وبعد رحيل الشاه تكون ولّت عصابة السارقين وحلت محلهم فئة الخبراء.

عندما خرجنا، كانت تقف مجموعة من الايرانيين بينهم صادق قطب زاده. وشيخ معمم لم نتعرف عليه، وفيما بعد عرفت انه آية الله حسين منتظري. وعندما شاهدوا هيكل أخذوا يهتفون: ((يعيش جمال عبدالناصر)).

فابتسم هيكل ونحن .. ومضينا.

 

الوسوم