بيروت | Clouds 28.7 c

في سورية، الغاز قبل فلسطين!! بسبب بوتين / كتب حسن صبرا

في سورية

الغاز قبل فلسطين!!

بسبب بوتين

كتب حسن صبرا

مجلة الشراع 28 شباط 2020 العدد 1940

 

كلما عاش السوريون أزمة غاز او وقود آخر.. همسوا كعادتهم من الرعب الذي ألبسهم إياه حافظ الاسد وأجهزته: انه بوتين يريد امراً من بشار.. وصاحبنا لا يجيبه فيعاقبه ونحن ندفع الثمن.

سوريون يستذكرون حكاية الباخرة الايرانية التي كانت أوقفتها سلطات جبل طارق بحجة انها محملة بالوقود الايراني الى سورية.. ولم تخلها الا بعد ان احتجزت ايران سفينتين بريطانيتين.

تحررت السفينة الايرانية عبرت البحر المتوسط، وقيل انها ستفرغ حمولتها في تركيا، لكنها تابعت ابحارها الى ميناء قبرصي.. ثم أفرغت حمولتها في نهاية المطاف في ميناء بانياس السوري.. وما كان لها ان تفرغ في سورية لولا حمايتها من بارجة روسية ضخمة رافقتها من المياه الدولية الى المياه الاقليمية.

كان بوتين راضياً على عامله على الشام بشار الاسد فحلت أزمة فقدان الوقود في سورية، وعندما كان مجرم الحرب بوتين غاضباً على بشار كتبنا كيف ان سورية كلها دخلت في أزمة وقود.

لـِمَ الغضب الروسي على بشار؟

بوتين يعتبر نفسه – فعلاً – صاحب الفضل الأول والأكيد في بقاء بشار حاكماً في سورية، باعتراف كل القوى التي حاربت الى جانب هذا الأخير كي يبقى في السلطة حتى الآن.. وفي المعلومات التي قالها الروس (وأكدها حلفاء بشار) ان حرب بوتين على الشعب السوري هي التي جعلت بشار حاكماً ولم يكن ممكناً له ان يصمد من دونها أكثر من اسبوع او عشرة أيام (انه تصريح وزير خارجية بوتين سيرغي لافروف).

طالما الأمر هكذا.. فعلى بشار ان يطيع معلمه صاحب الفضل عليه ليظل رئيساً حتى الآن وكان بشار ذاهباً الى السقوط عن السلطة في خريف 2016 (30- 9- 2016 تاريخ بدء العدوان الروسي على الشعب السوري).

ما هي طلبات بوتين من بشار؟

  1. الدستور السوري الجديد الذي كانت ((الشراع)) الوسيلة الاعلامية الأولى في العالم التي تحدثت عن نسخته التي كتبها الروس وفيها نص على مجموعة مبادىء سياسية وقانونية واجرائية وأولها:

1-تطبيق حرفي وفعلي لمبدأ حذف المادة 8 من الدستور السوري التي تنص على ان حزب البعث هو قائد الدولة والمجتمع والجيش.. صحيح ان هناك قراراً اتخذه بشار عام 2014 بذلك لكنه لم ينفذه كعادته.. الآن مطلوب تطبيق هذا القرار من دون ان ننسى ان موسكو استدعت مئات قيادات الحزب الى سوتشي في روسيا لإبلاغهم هذا القرار ولجعلهم يعتادون على انهم ليسوا هم قادة الدولة والمجتمع والجيش.

2-توكيد علمانية الدولة السورية وجعل السلطات كلها مداورة وتطبيق مبدأ تداول السلطة، وفي هذا ضرب للعصبية العلوية المتمسكة برئاسة الجمهورية التي تملك صلاحيات حكم مطلقة وكذلك قيادات الأجهزة الأمنية الفاعلة.. وكلها علوية.

3-تعريق الحالة السورية اي تطبيق الحالة العراقية في سورية، بحيث تصبح السلطة في أيدي الحكومة ويكون رئيسها سنياً حتى لو ظل رئيس الجمهورية علوياً او درزياً او مسيحياً.. وهذا ما يحاربه بشار ويتهرب منه ويعد بتطبيقه ولا يلتزم.

4-إلغاء صفة العربية من اسم الدولة لتصبح جمهورية سورية كما جمهورية العراق..

5-منح الأكراد حكماً ذاتياً في المناطق التي يشكلون فيها الأكثرية..

روسيا تلاحق بشار لاقرار هذه الاصلاحات منذ سنوات وهذا الوالي الروسي على سورية يتهرب منها، لذا عمدت موسكو الى سلسلة اجراءات مؤخراً منها:

1-دعت موسكو الى مؤتمر هو الـ (11) لحزب البعث لإقرار الطلبات الروسية ممن ما زال يعتبر - نظرياً على الأقل او قانونياً - أعلى سلطة في سورية.. وقد سبق هذا المؤتمر انتخابات الفروع التي تحمل اليه ممثليها، يليها تغيير الحكومة الحالية وتعيين محافظين جدد.. وطبعاً كف يد حزب البعث عن المؤسسات الرسمية.

2-ألزمت موسكو بشار ان يشكل خليتين للأزمة في سورية:

-الأولى عسكرية – أمنية على غرار الخلية التي فجرها ماهر الاسد ليتخلص من صهره آصف شوكت الذي قتل فيها وزير الدفاع داوود راجحة واللواء حسن تركماني وأصيب فيها محمد الشعار.. في 18- 7- 2012.

الخلية الجديدة هي برئاسة اللواء علي المملوك المسمى مستشاراً أمنياً أولاً لبشار ويحضر اجتماعاتها رؤساء الأجهزة الأمنية الأخرى في سورية ويلتقون في أماكن مختلفة كلها سرية مرة كل خمسة أيام.

-الثانية خلية سياسية برئاسة بشار وتضم اليه وزير خارجيته وليد المعلم ورئيس جامعة دمشق د. محمد ماهر قباقيبي وآخرين.

الملاحظ هنا ان بشار وضع مسؤولين سنة في أهم خليتين أرادهما الروس لإدارة الأزمة هما علي المملوك ووليد المعلم، ويريد بوتين بهذا الحضور السني توجيه رسالة انفتاح على مصر والسعودية ودولة الامارات العربية المتحدة.. حيث يقيم المعلم والمملوك علاقات جيدة مع مسؤولي هذه الدول.

لماذا؟

لأن موسكو تريد تهيئة المناخ لصفقة قرن أخرى تحل مكان صفقة القرن التي ولدت ميتة وحملت اسم صفقة ترانت – اي ترامب – نتنياهو.

وصفقة بوتين هي البديل الأميركي لصفقة ترانت، فلن تعارض واشنطن ضمانة أمن اسرائيل اذا نفذتها روسيا، خصوصاً وان العلاقات بين العدو الصهيوني ومجرم الحرب بوتين هي في أحسن حالاتها، وموسكو أعطت الضوء الأخضر للمجرم الآخر نتنياهو لشن العدوان بشكل ممنهج ودائم على سورية.. ويوفر ضباط بوتين كل الاحداثيات المطلوبة لضباط نتنياهو وقيادييه كي يضربوا كل الأماكن التي تريد اسرائيل استهدافها داخل سورية.

بوتين يريد صفقة قرن في سوتشي برعاية أممية يحضرها بشار شخصياً ولا يرضى حضور أي شخصية أخرى من دونه.

وعندما يتلكأ بشار وتحصل أزمة غاز في سورية، فروسيا التي تضخ الغاز من 16 أنبوباً ضخماً يستوعب كل منها مرور سيارة داخله، تمنعه عن سورية كي تفهم بشار ان عليه الطاعة العمياء.

فماذا عن ايران؟

بوتين يريد استغلال انشغال طهران بمشاكلها العديدة مع العدوان الاميركي الذي يحاصرها ويكاد يخنق اقتصادها، وبوتين لا يغامر بالعداء مع ايران لا في سورية ولا في أي مكان آخر.. بل هو يريد النفاذ من المساحة التي تخرج ايران منها لمعالجة أوضاعها.. كي يفرض أوامره على بشار.

عود على بدء.

اذا فقد السوريون الغاز صرخوا انه بوتين.. واذا قيل لهم ان بوتين يريد من كل هذه الضغوطات فرض حله هو للقضية الفلسطينية صرخوا: نريد الغاز قبل فلسطين وهكذا يرضى بوتين.

 

الوسوم