بيروت | Clouds 28.7 c

خفايا وخلفيات لقاء عنتيـبي بين البرهان ونتنياهو: هل هي بداية ثورة مضادة لإعادة السلطة للجيش؟ بقلم: محمد خليفة

خفايا وخلفيات لقاء عنتيـبي بين البرهان ونتنياهو:

هل هي بداية ثورة مضادة لإعادة السلطة للجيش؟

بقلم: محمد خليفة

مجلة الشراع 14 شباط 2020 العدد 1938

 

  • *من دون ((الشيطان)) يستحيل التخلص من العقوبات الأميركية
  • *الأزمات مستعصية, والسودان مهدد بالتحول دولة فاشلة
  • الشارع يثور مجدداً بسبب الجوع, والقوى السياسية تتشظى*

 

 فوجىء السودانيون والعالم كله يوم الاثنين 3 شباط/ فبراير الجاري بنبأ اللقاء السري بين رئيس مجلس السيادة السوداني المشير عبدالفتاح البرهان ورئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو في اوغندا, النبأ المثير صدر عن مكتب رئاسة الحكومة الاسرائيلية بعد ساعات قليلة, واعترف به البرهان في اليوم التالي. ودعا مكتبه عدداً من الصحافيين ليطلعهم على ما جرى في اجتماعه بنتنياهو.

البرهان يروي أسرار اللقاء

 وروى رئيس تحرير صحيفة ((الاهرام اليوم)) عزالدين الهندي أن البرهان نفى لهم بشكل قاطع, وجود دولة ساعدت أو توسطت في تنظيم اللقاء، غير الولايات المتحدة الأميركية. وأن الاتصالات استمرت شهرين بينه وبين بومبيو ونتنياهو بوساطة مغتربين سودانيين في أميركا. وحول ترتيبات اللقاء قال إن زيارته تزامنت مع زيارة لرئيس وزراء إسرائيل لأوغندا في برنامجين منفصلين، وتم الاتفاق على استغلال الفرصة لعقد ((لقاء تفاكري)) وقال ((البرهان)) أنه لمزيد من الضمانات ظل قبل اللقاء اربع ساعات على الهاتف مع واشنطن يطلب تأكيدات لما سيتحقق للسودان من مكاسب نتيجة اللقاء، مشيراً إلى الوعود الأميركية الكثيرة للنظام السابق برفع العقوبات الاقتصادية، ولم يتم تنفيذها. وأوضح أنه لم يقابل نتنياهو إلاّ بعد أن استوثق من واشنطن وإسرائيل لإزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرعاب، ورفع العقوبات الاقتصادية وعودته عضواً فاعلاً في المجتمع الدولي. وقال البرهان ((الجملة الأخيرة هي نص الوعد الذي وصلني من واشنطن بالضبط)). وتوقع الرئيس البرهان إزالة اسم السودان من قائمة الإرعاب قريباً. وحول ما سيكون رد فعل السودان إذا لم تف واشنطن بوعودها قال: ((نحن لم نوقع اتفاقية، ولا حتى مذكرة تفاهم , هو اتفاق مبدئي على التعاون المشترك، وإذا لم يتم الالتزام بتحقيق مصالحنا بسرعة، سنوقف الاتفاق)). وأضاف : نتنياهو عرض مساعدتنا في مجالات الطاقة والكهرباء والزراعة، إلا أننا أرجأنا البحث فيها لحين دراستها من الحكومة. وقال إن اللقاء مبادرة شخصية أتحمل مسؤوليتها، وأنه يتابع الحملة الشخصية عليه ولن يرد، و((سيحتسبه لأجل الوطن))! .

الجدير بالذكر أن البرهان اصطحب معه رئيس جهاز الاستخبارات الفريق جمال عبدالمجيد الذي كان منذ عهد البشير مسؤول الملف الإسرائيلي ويعرف أدق أسرار العلاقات بين الطرفين سابقاً وحالياً. بما فيها الخطوات التطبيعية في عهد البشير كالسماح للطيران الاسرائيلي عبور أجواء السودان, وهي مسألة اتهم البشير بالموافقة عليها في السنوات الاخيرة  عملياً من دون اعلان، وسمتها ((هآرتس)) ((التطبيع العملي)) وكان وزير خارجيته ابراهيم غندور صرح مراراً بإمكانية ترسيمها, وشرعنها الشيخ حسن الترابي من منظور ((فقه الضعف))! .

لماذا رضخ البرهان؟

مضت ستة شهور على المجلس السيادي الذي سيحكم السودان في المرحلة الانتقالية ((39 شهراً)) ويلاحظ أن الرئيس البرهان لم يزر سوى القاهرة, وأبو ظبي, والرياض. ولم يقابل أي زعيم دولة في السودان أو في الخارج , فالبلاد منذ ربع قرن تخضع لعقوبات اقتصادية بالغة الشدة, ومدرجة على لائحة الدول الداعمة للارعاب. ويعلم أعضاء المجلس السيادي والحكومة أنه لا أمل بالخروج من الأزمات الاقتصادية الطاحنة إلا برفع العقوبات. ولذلك أعطاها القادة الجدد الاولوية في عملهم. وإذا كان رفع اسم السودان من لائحة الدول الداعمة للارعاب مسألة سياسية يمكن للرئيس الاميركي اتخاذه بنفسه خلال 45 يوماً, فإن رفع العقوبات غير ممكن إلا بموجب اجراءات قضائية معقدة جداً, تتضمن تسديد تعويضات بالمليارات لعائلات ضحايا تفجير سفارتي اميركا في تنزانيا وكينيا عام 1994 اللتين أعلن تنظيم القاعدة مسؤوليته عنهما بينما كان أسامة بن لادن قائد التنظيم مقيماً في الخرطوم برعاية حكومته. وكذلك ضحايا البارجة كول التي نسفها التنظيم قرب سواحل اليمن وأغرقها عام 2000. وهذه التعويضات لا يمكن للحكومة الاميركية إزالتها ولا بد من مفاوضات مع اسر الضحايا, والسودان لا يملك المبلغ المطلوب حسب رئيس الوزراء عبد الله حمدوك. ومن دون رفع العقوبات لا يمكن للسودان الحصول على مساعدات أو قروض من المؤسسات والدول الغربية , ولا يمكن لأي دولة أو شركة الاستثمار في السودان. ويعرف المسؤولون أنهم ورثوا معضلة لا حل لها سوى بتدخل جهة دولية نافذة, ودفع ثمن سياسي مقابل ذلك, وإلا تحول السودان دولة فاشلة في القريب العاجل.

وتشير مصادر سودانية أن هذه المشكلة كانت الهم الأول للنظام الجديد, وجرت اتصالات مستمرة مع ادارة ترامب توسطت فيها دول عربية وأفريقية, وكانت ضمن المفاوضات التي جرت بين الدول الغربية وقادة الجيش والثوار التي رعت الانتقال من العهد السابق الى العهد الجديد. ونوقشت مع حمدوك الذي كان أول مسؤول رفيع يزور واشنطن منذ 1985 ولكن بلا جدوى, فنصحت بعض الدول البرهان باللجوء لاسرائيل لأنها الوحيدة القادرة على التوسط لدى الاميركيين . وبعد مشاورات عديدة داخلية وخارجية توصل البرهان الى أنه لا حل آخر سوى ((اللجوء الى الشيطان)), فوافق صاغراً لا راغباً, وهذا هو معنى ما قاله بعد انكشاف لقاء عنتيبي ((لقد قمت بالخطوة ايماناً بمسؤوليتي وبأهمية العمل لحفظ وصيانة الأمن الوطني وبالمصالح العليا للشعب السوداني)). وقال في لقائه مع الصحافيين إن الذين يهاجمونه بسبب اللقاء يعيشون في عام 1948، و67، و73، بينما الواقع يتغير، ويتجاوز هذه المحطات القديمة في التعامل مع القضية الفلسطينية. وزاد : ((لو قعدنا في الكلام القديم دا ما ح نخدم قضيتنا ولا ح نمشي قدام))) وقال ((عندما احتلت حلايب لم تقف معنا دولة عربية, ولا حتى اتصلت بنا))!, وختم حديثه ((رغم ذلك سنبقى ملتزمين بموقف الجامعة العربية تجاه القضية الفلسطينية, ولن نتخلى عن دعمنا للشعب الفلسطيني)).   

الوضع الداخلي حالياً

تزامن الحدث مع عودة الاحتجاجات الشعبية للشارع بصورة تشبه ثورة كانون الأول/ ديسمبر 2018 , وللأسباب ذاتها, فهناك الآن أزمة خبز حادة, وأزمة وقود خطيرة, وانهيار سريع في أسعار العملة وارتفاع مستمر في التضخم يهدد بإنهيار الاقتصاد, فالدولار وصل الى 110 جنيهات, مع أنه كان في آب/أغسطس الماضي 60 جنيهاً. الشارع عاد للثورة, لأننا لم نستطع تحسين الوضع المعاشي الذي ثار الناس بسببه, والسودان برأي كثير من المراقبين يتجه الى ثورة جديدة, وربما الى فشل الدولة وانهيارها , ويرى بعض أقطاب ((قوى الحرية والتغيير)) أن الوضع مدبر من جماعات النظام السابق الذين ما زالوا يقبضون على مفاصل الادارة والدولة ومفاتيح السوق والمال والاقتصاد, والتجار الكبار الموالون لهم , في غياب تام للدعم الخارجي.

ويلاحظ أن مبادرة البرهان شقت صفوف القوى السياسية والسلطة, وكشفت عن صراع خفي على السلطة بين العسكر والمدنيين في المجلس السيادي, فكل رجال الدولة لم يعلموا باللقاء إلا بعد اعلان وسائل الاعلام عن حدوثه. ورغم أن البرهان قال إنه أطلع حمدوك عليه قبل يومين فباركه, فإن هذا نفى وكذب ادعاء الرئيس. وأصدرت الاحزاب والنقابات والقوى السياسية الكبرى والشخصيات البارزة اليسارية والقومية والليبرالية ادانات شديدة لخطوة الرئيس وتمسكت برفض ((التطبيع مع العدو الصهيوني)), إلا أن بوادر الانقسام ظهرت بوضوح , ورفع كثيرون شعارات جديدة مثل: ((السودان أولاً)) , و((المصالح لا الايديولوجيا هي معيار العلاقات الخارجية)), ولم يؤيد البرهان غير أحزاب صغيرة وبعض الجماعات المسلحة التي تطالب بدولة متعددة الهويات وترفض الهوية العربية.

 وحذر آخرون من تعليق آمال كبيرة على اسرائيل أو أميركا في ضوء التجارب المختلفة لشعوب أخرى من مصر الى الاردن الى فلسطين, بل الى دولة جنوب افريقيا التي نفذت كل ما طلبته منها اميركا وإسرائيل ولم تحصل على شيء ! ولكن على الرغم من الحملات اللفظية الشديدة على البرهان لم يشهد الشارع تحركاً كبيراً لادانة اللقاء, وحتى الحكومة أو أعضاء المجلس السيادي لم يشهد انقساماً أو استقالة أحد مع توفر الأسباب, لا سيما وزيرة الخارجية!

وبينما رأى بعض المحللين أن البرهان قد يلقى مصير جعفر النميري الذي ثار عليه الشعب بعد انكشاف دوره في نقل يهود الفلاشا عبر السودان عام 1985. رأى آخرون أن الخطوة ربما تكون حيلة مبتكرة ومتفقاً عليها مع الدول الأجنبية للانقلاب على الثورة ودعم البرهان ليكون الرئيس القادم للسودان, والارتداد عن الديمقراطية التي أرست دعائمها الثورة. أي بعبارة أخرى إنها صورة جديدة من الثورة المضادة على الربيع العربي.

  

الوسوم