بيروت | Clouds 28.7 c

من هنا نبدأ/ لماذا لا يتفاهم الحريري مع حزب الله؟ بقلم حسن صبرا

من هنا نبدأ

لماذا لا يتفاهم الحريري

مع حزب الله؟

بقلم حسن صبرا

مجلة الشراع 7 شباط 2020 العدد 1937

 

فلنفترض جدلاً ان الرئيس سعد الحريري، خلا الى نفسه، ليراجع معها سياق المرحلة السابقة، التي بدأت منذ ثلاث سنوات ونصف تقريباً، يوم قرر ان يرشح النائب ميشال عون لرئاسة الجمهورية.. وعقد معه التسوية الشهيرة التي سلّم له فيها رئاستي الجمهورية والحكومة عبر صهره الصغير.

ولنفترض ايضاً انه أسرّ الى نفسه اعترافه بالفشل في هذه التسوية.. ونقول فيها، ولا نقول بنتائج التسوية، لأن الفشل بدأ لحظة ذهب اليها بنفسه، لأن النتائج كانت محسوبة سلفاً، لكنه كابر وعقدها مخاصماً جمهوره والقسم الأعظم من اللبنانيين، وبينهم عدد كبير من السياسيين.. من أجل ان يكون رئيساً للحكومة.. متوهماً بأنه سيظل في موقعه هذا طيلة فترة حكم زميله عون.. والوهم بدأ يوم صدّق انه يمكن ان يتعايش معه، فإذا به يجد من يتقمص عقل وسلوك وسياسة عمه داخل مجلس الوزراء نفسه.. انه صهر عون الصغير.

ولنفترض ثالثاً ان الحريري يراجع كل اللقاءات بينه وبين ابن عمته نادر الحريري الذي كان مديراً لمكتبه، فإذا به رديف صهر عون الصغير في عقد كل ما جرى بين الاثنين عون والحريري، ثم صهر الرئيس وابن عمة الحريري.. وما كان سعد يتردد في قبوله كان نادر كفيلاً بإقناعه به.. وكان يكفي لجبران ان يجلس مع نادر لساعة او ساعتين حتى يرتبا كل ما يحتاجانه في تلك الجلسة.. وكان يكفي جلوس الاثنين بعدها لخمس دقائق مع الحريري حتى تسير الأمور ويقتنع الحريري!!

ولنفترض رابعاً ان سعد الحريري يحاسب نفسه على خياراته في النواب وفي الوزراء وفي المديرين العامين وفي رؤساء المجالس وفي كبار الموظفين وفي المتعهدين.. وفي الأشخاص الذين وصفهم في لقاء مفتوح مع عدد من ابناء بيروت في دارته، بأنهم أكلوا من خيره وسرقوه ثم تخلوا عنه.

ولنراجع مع سعد الحريري مسيرته مع سمير جعجع قبل ان يرشح الأخير غريمه عون للرئاسة، حين التقى الحريري جعجع في باريس ليسمع منه تشجيعاً او فلنقل امكانية للسير بعون للرئاسة.. وعلى ضوئها التقى الحريري عون في العاصمة الفرنسية.. وعندما سألناه عن الأمر نفى لقاءه عون، لكنه قال شبه غاضب بأن جعجع لا يعارض انتخاب عون!!

ولنراجع مع الحريري محاولة وليد جنبلاط اقناعه بعدم السير بعون رئيساً، مفضلاً عليه سليمان فرنجية، لأن فرنجية في رأيه صاحب كلمة واحدة ويلتزم بما يقول، حتى لو كان صديقاً لعدونا بشار الأسد.. لكن الحريري صمم على انتخاب عون رئيساً حتى لا يدخل لبنان في الفراغ الرئاسي، فإذا به مع الحريري يعيش فراغاً في رئاسة الحكومة ملأه بانتفاخ غير مسبوق صهر عون الصغير الوزير في حكومة سعد الحريري..

ربما تكون كل هذه القرارات السياسية، حاضرة خلال نقاش الحريري مع نفسه.. ومراجعتها بنتائجها هي المدخل الطبيعي للتصحيح.. اذا أراده.

لكن هناك أمرين لا ندّعي ان الحريري ناقشهما ولا ندّعي ايضاً انه يتجاهلهما وهما مدخل ابن رفيق الحريري للمصالحة مع جمهوره ولمصالحة القسم الأعظم من اللبنانيين هما:

في الاطار الشخصي

  1. محاسبة نفسه على كل ما اقترفت يداه- بوعيه او من دونه – خلال السنوات الثلاث ونصف السنة الماضية.. بدءاً بانتخابه ميشال عون للرئاسة.. ثم الاعتذار عن ذلك، وشرح ذلك بالنقد الذاتي الحتمي كي تعرف الناس ماذا فهم هو من خطئه وأين كان الخطأ؟

وهذه شروط موضوعية كي لا يكرر الحريري هذه الأخطاء.. وهل ان الحريري على استعداد كي يكشف الصفقات التي عقدت خلال هذه المدة ومع من؟ وأين؟ وكم هدرت من المال العام؟ وأين ذهب؟

2-تقديم كل الذين اتهمهم هو نفسه بأنهم خانوه وسرقوه وكانوا في منزله، الى المحاسبة وكشف أوضاعهم المالية ليعرف ماذا سرقوا وممن كانت السرقة؟ وهل كانت من ماله الخاص وكيف؟ او من المال العام وكيف وكم؟ او من المالين اي المال الخاص والمال العام؟

3-كشف الوزراء الذين جاء بهم الى مواقعهم.. ماذا سرقوا؟ وكم؟ وما هي الصفقات التي نهبوا فيها المال العام؟ ومن معهم من المتعهدين ومن المحيطين وكيف كانت تتم الصفقات؟ وكم الأموال التي نهبت؟

ان من شأن ذلك ان يفتح الباب أمام الاصلاح، وأمام استرجاع المال المنهوب، وأمام استرجاعه ايضاً من اللصوص الآخرين الذين تولوا مسؤوليات فيها مال منذ عشرات السنين، او على الأقل خلال السنوات الثلاث والنصف.

-تنظيف السلم يبدأ من أعلى درجاته.

-السمكة تفسد في رأسها.

-اذا كان رب البيت بالدف ضارباً فشيمة أهل البيت هي الرقص.

سعد الحريري سيكون نموذجاً وقدوة ومثلاً في كيفية استرجاع المال، وبدء الاصلاح، وبدء المحاسبة، وبدء استقامة الأوضاع في لبنان، وبدء خروج لبنان وبنيه من الأنفاق التي كانوا يُدفعون اليها منذ عشرات السنين وتحديداً منذ ثلاث سنوات ونصف.

ب-في الاطار العام

دخل سعد الحريري في اتفاقيات وتحالفات وعقد صفقات وتفاهمات مع كل الأطراف السياسية والحزبية في لبنان الا مع حزب الله.

فلنقرأ سريعاً مسار تحالفاته مع القوات اللبنانية وانظروا الى العلاقات بينهما الآن.. وقد ألزمته القوات ان يتخلى عن تشكيل الحكومة لأنها لم تسمه في عملية التكليف.

ولنمر سريعاً على مسار تحالفه مع وليد جنبلاط.. وأين هو الآن.. وهو لم يثبت على حال منذ آب/ اغسطس 2008.. صعوداً وهبوطاً، حرداً وشهر عسل..

ولنقرأ سيرة علاقاته مع حريريين آخرين حاليين وسابقين، لم يستطع ان يكبح جماح طموح عدد منهم، خصوصاً من يرى نفسه مؤهلاً ليحمل لقب دولة رئيس، وخصوصاً عندما يشتبك هؤلاء مع بعضهم البعض فيعجز عن الوقوف بينهم، ويسحبه حريري كي يجعله متراساً يطلق النار من خلفه على حريري آخر.

وكان كل هذا قائماً عندما كان في تسوية مع ميشال عون عبر جبران باسيل ونادر الحريري.

الآن

كل هذا بات خلفه وفوقه وعبئاً عليه يحاول التخلص منه.. هذا مع افتراضنا منذ البدء بأن الرجل خلا الى نفسه ليراجع معها، أين أخطأ.. ثم ما العمل؟

نحن نقترح على سعد الحريري ايجاد صيغة تفاهم مع حزب الله، وهو أكثر العارفين بأن حزب الله يلتزم كل تفاهم جدي واستراتيجي مع أي كان.. ولعل الحريري يقرأ جيداً التزام الحزب تفاهمه مع ميشال عون.. وها هما الحزب وتيار عون يحتفلان بذكرى مرور 14 عاماً على عقده في كنيسة مار مخايل.. الحزب على عهده وميشال عون بهذا العهد أصبح رئيساً للجمهورية.. طبعاً بانتخاب الحريري له.

الحريري يعلم بأن حزب الله جاء به رئيساً للوزراء في مطلع عهد ميشال عون، وهو يعلم ايضاً انه ظل متمسكاً به حتى تاريخ استقالته في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، وان الذي ألزمه رفض التكليف هو حليفه اللدود سمير جعجع مظهراً حرصاً على الميثاقية من الناحية المارونية، وما حسب عون – باسيل للحريري اي حساب في تغييب الميثاقية في اختيار حسان دياب (اذا لم نناقش مسألة خوفه من العودة في ظل اقتراب الانهيار الاقتصادي والمالي، وتهربه من تحمل المسؤولية، حتى لا يحاسب وحده او ان تنفجر الأمور كلها في وجهه).

وانه – أي حزب الله – أراده وربما ما يزال يريده رئيساً للحكومة المقبلة، وبالتالي فإن على الحريري مراجعة حساباته وتعديل تحالفاته واستيعاب طبيعة المرحلة التي يجد نفسه فيها شبه وحيد على المستوى الداخلي وأيضاً على المستوى العربي.

ان من شأن التفاهم مع حزب الله تحقيق الأمور التالية:

  1. اراحة الشارع بين السنة والشيعة، خصوصاً وان ((الانتفاضة الوطنية ضد الحرامية))، وفّرت الفرصة لهذا التفاهم.. ومن دونه يحصل الاستنفار المذهبي الذي يهدد الأوضاع الأمنية والاجتماعية والاقتصادية بما لا تحمد عقباه.. والاثنان اي الحزب والحريري يجهران بالمواقف التي تحذر من هذا الاستنفار ولا مصلحة لأي منهما به، خصوصاً وانه اذا حصل وصار التمادي فيه مؤذياً فإنه سيحصل وللأسف بين أبناء الطائفة الواحدة. ثم انه ويا للخجل بين فقراء السنة والشيعة ليزدادوا فقراً وتعتيراً.
  2. ان من شأن تفاهم الحريري – حزب الله تشكيل حالة استقرار حقيقية تشكل استقطاباً هو الأوسع في تاريخ لبنان نحو حالة وطنية تلزم كل من يفكر ان يكون خارجها ان يتفهم دوافعها، وان يتصرف بواقعية من دون جموح او طموح، يهدد في كل لحظة بالتفجير الطائفي تلبية لهذا الجموح او الطموح.
  3. ان من شأن هذا الاستقرار وهذه الحالة الوطنية ان تفتح الباب واسعاً نحو الاصلاح من دون الخوف في السقوط في الحسابات المذهبية، وبما يجعل الناس تصدق ان لا استهداف لطائفة او مذهب، شرط ان يبدأ الفريقان بمحاسبة كل واحد لذاته وجماعاته.. اي داخل البيت الشيعي وداخل البيت السني. ومن ساواك بنفسه ما ظلمك.

تعالوا الى نقاط الخلاف الجوهرية التي يمكن للتفاهم ان يؤجل فتحها حتى لا تنفجر في الوطن وبنيه، وخصوصاً جمهور كل منهما:

1-المسألة الجوهرية هي النتائج المنتظرة للمحكمة الخاصة بلبنان، وقد بات واضحاً انها أصبحت سيفاً مسلطاً على استقرار لبنان، لأنها وفق مداولاتها تحمّل قيادات مختلفة في حزب الله مسؤولية اغتيال الرئيس المظلوم رفيق الحريري في 14- 2- 2005.. وبدلاً من التقاط فرصة اللقاء في الظروف الحالية، ستبدو احكام هذه المحكمة بمثابة قنبلة موقوتة من شأنها اذا انفجرت ان تضع مصير لبنان والسنة والشيعة فيه، في فوهة المدفع والبندقية.. لا سمح الله.

2-الخصومة الايرانية – السعودية التي تفرض نفسها على لبنان، وفي حين اننا ننادي ومنذ فترة بلقاء الفريقين لمصلحة وطننا، فإن التناقض في نظرة كل من طهران والرياض الى الأوضاع في لبنان ليس في قدرتنا عمل أي شيء لتعديلها، والمفارقة ان الحريري الذي ما زال محسوباً على السعودية لا يتلقى اي دعم منها لا في السياسة ولا في الاعلام ولا في العلاقات.. وعلى الجميع نسيان حصول الحريري على أي دعم مادي من السعودية منذ سنوات والى ان يقضي الله أمراً كان مفعولاً..

أما وضع حزب الله مع ايران، فهو في حالة يستعد فيها الحزب الى تقاسم احتاجتها كسرة الخبز مع ايران اذا ما احتاجها.. وايران في المقابل لن تتخلى عن حزب الله تحت اي ظرف ومهما كان الحصار عاتياً ومؤذياً ولئيماً.

لذا

من المنطقي ان لا ينعكس اي خلاف سعودي – ايراني على لبنان لأن الطرف المعني سعودياً اي الحريري يعاني منها.. ربما الآن أكثر مما يعانيه لو أرادت ايران محاصرته كما تحاصره الرياض.. بل لعلها فرصة كي يتحلل الحريري من أعباء محاولته ارضاء السعودية على حساب المصلحة اللبنانية – ليقدر ايضاً على فرض هذه المعادلة على حزب الله ليجعل المصلحة اللبنانية فوق المصلحة الايرانية وفي كل الحالات فليحاول الحزب والحريري تجنيب لبنان آثار أي صراع ايراني – سعودي. وليتفق الاثنان على البحث عن الايجابيات وتعميقها ومحاولة تأجيل أي مسار في السلبيات.

ونحن نزعم ان من شأن تفاهم الحريري مع حزب الله ان ينعكس ايضاً على مواقف القوات اللبنانية التي يبدو ان الرياض باتت تعتمدها في صراعها مع ايران في لبنان ليضمها الحريري الى التفاهم المفترض.

هنا

لا بد من الوقوف أمام المفارقة التي تسود سياسة السعودية تجاه حلفائها في لبنان.

فالرياض عاقبت الحريري من ضمن ما عاقبته في انتخابه ميشال عون لأنه حليف حزب الله على ما يقولون هناك في السعودية.. بينما حافظت السعودية على أفضل العلاقات مع القوات اللبنانية وسمير جعجع، على الرغم من ان جعجع سبق الحريري في ترشيحه لعون، بعقده تفاهم معراب معه تحت عنوان ((أوعى خيك)).

والمسألة الآن تتأرجح بين ان يمتنع جعجع عن مصاحبة الحريري للتفاهم مع حزب الله، وبين ان يشن جعجع حملة جديدة على الحريري بسبب ذلك ليعيد جعجع سيناريو خصومته مع الحريري يوم رشح الأخير سليمان فرنجية، للرئاسة فيسبقه جعجع لترشيح عون قبله.

نبقى على عقدة العقد أمام تفاهم الحريري مع حزب الله.. ونحن ندعو اليه.. وهي أحكام المحكمة الخاصة بلبنان التي قد تحكم على قياديين أمنيين في حزب الله وأحدهم هو مصطفى بدرالدين الذي قتل في دمشق منذ عدة أعوام.

غير ان هذا حديث الاسبوع المقبل.

حسن صبرا

 

الوسوم