بيروت | Clouds 28.7 c

أزمة جديدة قديمة / بقلم الدكتورة سلوى شكري كرم

أزمة جديدة قديمة / بقلم الدكتورة سلوى شكري كرم

مجلة الشراع 24 كانون الثاني 2020 العدد 1934

 

يمر لبنان، في الآونة الأخيرة، وتحديداً إبان اندلاع الثورة الشعبية، التي أتت نتيجة تراكمات عبر عقود عدة لأزمات مختلفة، على أكثر من صعيد، بأزمة اقتصادية مالية لا مثيل لها، ولم يشهدها من قبل، حتى في أوج الحرب اللبنانية، خلال ربع قرن.

إن الأزمة التي يعيشها اللبنانيون اليوم لم تولد في لحظة واحدة، أو بسبب عامل واحد أو ظرف واحد. ان الفوضى العارمة التي تجتاح الوطن، منذ سنوات خلت، هي نتيجة تراكمات سياسية اجتماعية، لا بل نتيجة احتساب عوامل وعادات عدة لطالما عايشها مجتمعنا اللبناني الذي، في الغالبية الساحقة من عاداته وتصرفاته وتفكيره، لطالما اتجه نحو قاعدة  تقليد الآخرين، حتى من ضمن المجتمع الواحد، بحيث نرى جيداً ومفيداً ما يراه غيرنا ناجحاً ومفيداً وجيداً، من دون الأخذ في الاعتبار الظروف الخاصة التي تولدت عن تلك العادة، الى أن أصبحت وتصبح ضرورة ماسة، نظراً لظروف خاصة شخصية، هي أيضاً ماسة.

نتكلم هنا عن العاملات الاجنبيات اللواتي أصبحن جزءاً وأفراداً من معظم العائلات اللبنانية. وكما سبقت الاشارة، أصبح استخدام العاملة الاجنبية، في مجتمع ضيق صغير، من العادات السيئة، أكثر من كونه مفيداً، عادات تقتاد بها وعبرها السيدة اللبنانية، أي ربة المنزل، في أكثر من جانب من جوانب الحياة الأسرية، وذلك عبر  ايلائها مهمة تربية الاولاد، الى القيام بالعمل المنزلي التقليدي، الى الاهتمام بالمرضى والمسنين، الى ما هنالك من أعمال تحتاج، بالضرورة، الى أخصائيات تتولى كل منهن، في دائرة اختصاصها، العمل الموكل اليها، كي تقوم به على النحو الأفضل والأكثر نفعاً لرب العمل.

فبعد ايكال مهمة التعليم وتربية الاولاد، أو مهمة الاعتناء بالمرضى وبالمسنين، الى عاملات لا تتمتعن، في الأغلبية الساحقة منهن، بالمهارة المطلوبة، ان كان من ناحية الشهادة الجامعية، أو الخبرات التقنية العملية الصرف، تأتي تلك العاملات، في نهاية كل شهر، وتقوم بعملية تحويل ما تقاضته من راتب الى بلدها الام، سواء الى ذويها أو أي من أفراد عائلتها، أو لأي سبب آخر، وهذا ما زاد ولا يزال يزيد من الأزمة، الجديدة القديمة، التي بدأت مع استقدام العاملات الاجنبيات الى المنازل والمؤسسات اللبنانية، منذ عقود مضت.

ان استقدام العاملة الاجنبية ربما يكون ملحاً وضرورياً ولا بديل عنه، في بعض الحالات الاجتماعية العائلية، التي قد تتميز وتنفرد بها بعض العائلات. فقد يكون هنالك مريض أو مريضة، لا أحد من أفراد عائلتها يمكنه الاهتمام بها، بسبب العلم والانشغال اليوميين، أو لأي سبب من الاسباب، وعندها يمسي استقدام العاملة أمراًَ ملحاً لا حل سواه ولا مفر منه. ولكن، في نهاية الامر، وخصوصاً أن راتب هذه العاملة، وليعلمه جميعنا، لن يقل عن ال 700 أو الـ 800 دولار أميركي، (مع مصاريفها) وفي الأكثرية الساحقة من الحالات، سوف تقوم تلك العاملة في تحويل راتبها الى بلادها ولن تصرفه في بلدنا نحن، وهذا أمر شهدناه في الآونة الاخيرة، أكثر مما شهدناه في الماضي، رغم أنه أمر قديم جديد، عبر الزحمة الخانقة واللافتة والتي لا مثيل لها، في مراكز مؤسسات تحويل الاموال.

رغم الضرورة التي تتمثل، أحياناً، في واقعة استقدام العاملات الاجنبيات، بحيث أصبح ويصبح هذا الأمر، يومياً وعلى مدار الساعة، أمراً واقعاً واقعياً لا بديل عنه أو لا مفر منه، فان في هذا الأمر مساوىء جمة لا يدركها مواطنونا وقد لا يمكنهم ادراكها، خصوصاً في المدى القريب، وهذه المساوىء، كما سبقت الاشارة، تتمحور حول أمرين أساسيين، أولهما أن العائلة تستقدم عاملة غير متخصصة في المجال المطلوب اليها القيام به، وهذا ينتج عنه، في الغالب، سوء معاملة وسوء دراية وعدم تبصر للنتائج الوخيمة التي تقوم بها تلك العاملة، والأمر الثاني انما هو أن أزمة جديدة قديمة، قد تضاف الى أزمات مجتمعنا، التي للأسف لا تعد ولا تحصى، وهي أزمة واقعة تحويل الأموال التي سوف تتقاضاها تلك العاملة، وعلى الفور ومن دون أي تأخير أو تلكؤ أو تردد، الى بلدها الام، وهذا ما يزيد من أزمة شح وقلة تواجد الدولار بين أيدي المواطنين، الذي نشهده مؤخراً، وهو، للأسف الى تزايد وتفاقم، واقعاً ونتائج وتصرفات.

 

الدكتورة سلوى شكري كرم

دكتوراه دولة في علم الاجتماع

الوسوم