بيروت | Clouds 28.7 c

طبيبه السوفياتي الخاص يكشف: هكذا مات عبدالناصر

طبيبه السوفياتي الخاص يكشف:

هكذا مات عبدالناصر

مجلة الشراع 10 كانون الثاني 2020 العدد 1933

 

*كان بعض ممن حول عبدالناصر ينتظر وفاته!

*جمال لقي حتفه بسبب النزاعات العربية

*علاج عبدالناصر بالنسبة الى السوفيات كان يعادل ارسال فرقتين عسكريتين سوفياتيتين الى مصر لدعمها

*السادات أراد معلومات يريدها الاميركان عن الوضع في الاتحاد السوفياتي

*علي صبري حدثني عن السياسة والثقافة في حواره معي اما أنور السادات فتحداني في شرب الفودكا!

 

بتفصيل دقيق غير مسبوق كشف الطبيب السوفياتي الذي كلف من القيادة السوفياتية بعلاج جمال عبدالناصر، يفغيني شازوف طبيعة مرض جمال، والمسار العلاجي له ثم معاندة عبدالناصر تعليمات الطبيب حتى رحل الى جوار ربه.

وأخطر ما في حديثه هو كشفه محاولة أنور السادات الحصول على معلومات عن الوضع السياسي في الاتحاد السوفياتي وعلاقات المسؤولين ببعضهم وتفسيره بأن هذا الأمر كانت أميركا حريصة على معرفته ايضاً.

د. شازوف كشف هذه المسائل وغيرها في حوار أجرته معه محطة ((روسيا اليوم)) التي تبث برامجها باللغة العربية.

#اذاً لنبدأ بقصة تعرفك على الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر؟

-ليس سراً ان كثيرين كانوا يعرفون ان عبدالناصر مصاب بمرض السكري، كما كتب أحد أعوانه سامي شرف في مذكراته، فقد كان الى جوار عبدالناصر دائماً ثلاثة أطباء، يراقبون حالته من الاخصائيين في أمراض السكري، أحدهم الماني، والثاني دانماركي والثالث انكليزي.. كانوا يتابعون حالته بصورة مستمرة..

#لماذا قرر عبدالناصر فجأة طلب المساعدة من الأطباء السوفيات برأيك؟

-اتصل بي أمين عام الحزب الشيوعي السوفياتي ليونيد بريجينيف وقال اسمع الزعيم المصري عبدالناصر في ضيافتنا، انه سياسي مهم جداً بالنسبة لنا، وعلاوة على ذلك فهو شخص طيب.

وقد طلب منا عبدالناصر ان يفحصه الأطباء السوفيات. انه يعاني مشكلة كبيرة في قدميه ويكاد لا يستطيع السير، بالطبع حددت موعداً للكشف عليه، فجاء الى مستشفانا ودعوت عدة أطباء آخرين للحضور.. وكان ذلك عام 1968..

فحصت انا وزملائي عبدالناصر فلم يعد يساورنا شك، ان مرضه ناجم عن اصابة عروق القدمين، وتوصلنا الى استنتاج بأنه يحتاج الى علاج في الاتحاد السوفياتي.

عندئذٍ أوضحت ان لدينا علاجاً خاصاً ليس بالعقاقير لعلاج العروق المصابة، يتلخص في أخذ حمامات في بلدة جورجية تسمى ((تسخالطوبو)) كانت هناك ينابيع مياه معدنية حارة تردد اليها باستمرار ((ستالين)) نفسه.. قال عبدالناصر انه مستعد للذهاب الى الينابيع او أي مكان آخر نراه مناسباً.. المهم ان يأتي العلاج بنتيجة.. بالطبع لم يكن بوسعي ان أضمن الشفاء مئة بالمئة ومع ذلك أصررت على مجيء عبدالناصر للعلاج لفترة معينة.

وبالفعل بعد بضعة أشهر من لقائنا أخبرنا عبدالناصر انه يستطيع المجيء الى ((تسخالطوبو)) بالفعل جاء العلاج بنتيجة لم أكن أنا شخصياً اتوقعها لقد اختفت الآلام في ساقي عبدالناصر واستؤنفت الدورة الدموية في العروق بشكل طبيعي.. وحتى انه استطاع ان يعود الى لعب ((التنس)).. لكن المهم ان العلاج نجح.

وقبيل عودته الى الوطن أعرب عبدالناصر عن امتنانه لكل الأطباء وقال: ((شكراً جزيلاً لكم، انتم أنقذتموني.. الآن بوسعي ان أحضر العروض وأزور الوحدات العسكرية، وان أظهر امام الشعب، انني شاكر لكم على ذلك))..

وهكذا نجح العلاج وبعد بعض الوقت بدأ النسيان يطوي في ذاكرتي هذا الموضوع..

ثم فجأة وبعد مرور فترة من الزمن وكنت في احدى السفريات البعيدة استدعيت الى مكتب الاتصالات الهاتفية.. كان المتصل هو الأمين العام ((بريجينيف)) نفسه الذي وجه اليّ سؤالاً واحداً: ((ألم تنس ان لديك مريضاً في الخارج))؟

على الفور أدركت من المقصود، قال بريجينيف غداً في العاشرة والنصف ستسافر الى ((مصر)) ولا ينبغي ان تتحدث مع أحد في هذا الأمر.

بالطبع سافرت الى القاهرة صباح اليوم التالي وسارعت الى الكشف عن حالة عبدالناصر.

كانت حالته صعبة جداً لقد بدله المرض فأصبح شخصاً مضعضعاً، وبجواره كان يتواجد دائماً شخصان، واحد الى يمينه وواحد الى شماله.

كانا شخصين على طرفي نقيض.. أحدها نائب الرئيس: علي صبري.

والثاني نائب الرئيس: انور السادات.

كانا يسيران معاً ويجلسان معاً ويتحدثان معاً.

#يعني كانا سيرافقانك حيثما ذهبت وأينما تواجدت؟ ولكن لم يحذرك عبدالناصر من الحديث مع اي احد عن حالته الصحية؟

-كلا، عبدالناصر لم يحذرني، انما حذرني رئيس لجنة أمن الدولة آنذاك يوري أندروبوف (أصبح أميناً عاماً للحزب الشيوعي السوفياتي فيما بعد).

قال لي ((اندروبوف)) لا تتصل بالقاهرة حتى بالسفارة السوفياتية.. يجب ان لا يعرف احد عن حالة عبدالناصر وعن وجودك هناك حتى.. أقمت في فندق فخم على شاطىء النيل في جناح خاص على السطح له مدخل مستقل ومصعد مستقل لتحاشي اللقاء بأشخاص آخرين، كانت اقامتي في مصر سرية للغاية وكان علينا ان نبلغ الجانب المصري بأي شيء غير عادي قد يحصل معنا..

#ألم تجد شيئاً غير عادي في مرض عبدالناصر ربما أعراضاً غير مفهومة او شيئاً من هذا القبيل؟

-كلا، كان مصاباً باحتشاء عادي في عضلة القلب.. وكنا قد حذرناه في السابق من احتمال وقوع ذلك..

قلت لعبدالناصر منذ أول لقاء بيننا، ان هناك احتمالاً بحدوث احتشاء في عضلات القلب.. لقد رأينا نوعية قلبه مصابة تماماً مثل أوعية ساقيه وكنت انا في ذلك الحين مشهوراً الى درجة ما في العالم كأخصائي قلب وكانت طريقتي في معالجة مرض احتشاء القلب مستخدمة في كثير من بلدان آسيا وأوروبا واميركا.

وضعت تلك الطريقة في أوائل الستينيات وتمت تجربتها بنجاح وجرى تطبيقها في الممارسة الطبية اعتقد ان هذا الأمر ادى الدور الرئيسي في اختياري انا بالذات لفحص حالة الرئيس عبدالناصر.

قمت بكل الفحوص والمتابعة الممكنة لعشرة ايام متتالية وقلت لعبدالناصر الشيء الأساسي التالي:

الآن وبعد العلاج والاستشارات سيكون عليك ان تتمسك بنظام متشدد في حياتك..

أذكر انه هتف عندها ان ذلك غير ممكن بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة وكان عليه ان يزور القوات باستمرار وان يلتقي بأشخاص وقال ان جدول أعماله مركز للغاية..

لكنني كطبيب نصحته بأن يحافظ على نفسه ويعمل طبقاً للنظام الذي حددته بدقة والذي يمنعه من مزاولة اي نشاط قد يرهقه.

#لا شك انه حاول اقناعك انه من الصعب عليه ان يركن الى الراحة كرئيس يخوض حرب استنزاف ويؤدي دوراً مركزياً في جميع الشؤون العربية بلا شك انك تعلم انه قام بدور الوسيط بين ملك الاردن الراحل حسين وياسر عرفات..

-نعم.. وبسبب هذه النزاعات العربية لقي حتفه وقد بدا لي وكأن بعضاً ممن حوله ينتظرون هذه اللحظة.. فخلال فترة وجودي في القاهرة أبدى عبدالناصر اهتماماً بي وحرصاً على راحتي فقد طلب من علي صبري ومن السادات ان يهتما بالترفيه عني بحيث لا أبقى وحيداً في الفندق بعد انتهاء زيارتي للرئيس. فكان نائباه يتناوبان دعوتي لزيارتهما في منزليهما، دعاني علي صبري الى منزله ذات مرة.. كان كل ما في بيته ينم عن ذوق رفيع كما كان الاستقبال ذاته على مستوى عالٍ من التحضر، خصوصاً في ادارته للحوار، ثم دعاني السادات وكان كل شيء عنده مختلفاً جاءت زوجه على الفور بزجاجة ((الفودكا)) ووضعتها على المائدة ووزع السادات الكؤوس وصب على الفور نصف كأس لي ونصف كأس له قال وهو يصب ((الفودكا)) أتدري، انا مشغول كثيراً بالعمل مع مستشاريكم العسكريين لذلك أعرف التقاليد الروسية وأعرف ما في الأعراف لديكم فهيا بنا نشرب.

وأول نخب سنشربه في صحة الرئيس فقد قال لي رجالكم ان أول نخبٍ ينبغي شربه في صحة أحب شخص اليك في هذه اللحظة..

#يقصد عبدالناصر؟

-نعم.. وافقت على ما قاله السادات وتناولت الكأس.. فإذا به يقول ينبغي ان تشرب حتى القعر.. وشربه حتى القعر دفعة واحدة ثم نظر اليّ ليعرف اذا كان باستطاعتي ان أفعل مثله ام لا..

لكنني كنت في هذا الأمر شخصاً ذا خبرة وأفرغت الكأس دفعة واحدة ثم وضعته على الطاولة ونظرت الى السادات وكأنني اقول له لا داعي لهكذا تحدٍ.. فأمامك شخص روسي من هواة الصيد.

المهم أجهزنا في ذلك المساء على زجاجة ((فودكا)) كاملة لم تكن هناك أية حوارات فكرية مثل التي كانت مع صبري.

راح السادات يسألني عن عملي وعن الحالة الصحية لوزير الخارجية ((غروميكو)) والأمين العام ((بريجينيف)) ثم أخذ يسأل عما أعرفه عنهما وعن موقف أحدهما من الآخر.. ثم يسأل عما اذا كان زعماء الاتحاد السوفياتي على وفاق فيما بينهم.

كانت أسئلة تبدو بسيطة في المظهر لكنني كشفت المقصد منها فوراً.

#يعني أراد من خلالك ان يعرف أسرار الوضع السياسي الداخلي في الاتحاد السوفياتي؟

-اعتقد ان الاميركان يريدون ذلك.. لكني كنت أدرك القصد جيداً.. لذلك أجبته ان الجميع في المكتب السياسي أصدقاء ولا شيء يدعو الى القلق.

#وهل سألك عن صحة عبدالناصر وطبيعة مرضه وغير ذلك؟

-هذا ما كنت أريد ان أحدثك عنه، وهكذا فقد شربت مع السادات في صحة عبدالناصر وبعد ان تأكد السادات من عدم وجود أي شرخٍ في القيادة السوفياتية سأل: برأيك الى اي درجة سيؤثر ما حدث للرئيس عبدالناصر من وعكة صحية على حياته؟ كنت معتاداً على هذه الأسئلة فأجبته على الفور: بوسعي ان أقول لك انني استطيع ان أذكر اسماء مرضى كثيرين أشرفت على علاجهم وعاشوا لأكثر من عشرين سنة بعد الاحتشاء وما زالوا يعملون بنشاط حتى الآن..

عندها بدا الإعجاب على وجه السادات وقال: حقاً، عشرون سنة؟

فمضيت أقول نعم ويعملون الآن وكأنهم لم يصابوا بالمرض أصلاً.. المهم هو اتباع ارشادات الطبيب بشكل صارم..

اطمأن السادات بعدها ظاهرياً على الأقل.. وبعد هذا اللقاء بعدة أيام عدت الى موسكو ثم وصلني الخبر بوفاة عبدالناصر..

#هل كنت تدرك لدى زيارتك لمصر ان عبدالناصر قد يموت في اية لحظة؟ لقد كان صغير السن نسبياً؟

-لقد أخبرت القيادة السوفياتية باحتمال حدوث ذلك.. كانت هناك تغييرات كثيرة في أوعية القلب لدى عبدالناصر.. أعود وأكرر اننا أوصيناه باتباع نظام صارم.. وتجنب أي مؤثرات نفسية وعدم التعرض للارهاق وفي حال عدم اتباع هذا النظام فلن يستطيع احد لا أنا ولا غيري ان يتعهد بعدم وقوع ما لا تحمد عقباه.. على العموم كان المسؤولون عندنا وفي مصر يدركون ذلك..

#ما الذي كان على عبدالناصر ان يفعله تحديداً لإطالة عمره ولو لعدة سنوات؟ يعني كم من الزمن كان عليه ان يقضيه لاتباع هذا النظام؟

-بشكل مستمر.. لقد أخبروني بعد وفاة عبدالناصر انه لم ينم ثلاث ليالٍ متتالية قبل النوبة القاتلة الأخيرة. ثلاث ليالٍ تصور، فقد كان يصالح زملاءه المتعادين، كان عبدالناصر من صناع السلام.. كان يحاول الاصلاح بينهم.. مثلاً بين عرفات والملك حسين بالطبع العمل على هذا النحو يجلب المرض حتى للشخص السليم.. فما بالك وقلبه كان يعمل بأقصى قدرة لا يستطيع اي جسم ان يتحمل ذلك..

#لو حدثتنا عن مدى اهتمام القيادة السوفياتية بصحة عبدالناصر.. بالمناسبة لقد قلدوك ((وسام لينين)) مكافأة على علاجه، يعني كان من أعلى الأوسمة في ذلك الحين في الاتحاد السوفياتي..

-نعم.. لقد سألت عن سبب منحي الوسام بعد نجاحي في علاج عبدالناصر اول مرة..

على هذا السؤال أجابني رئيس لجنة امن الدولة ((يوري اندروبوف)) شخصياً قال لي:

بروفيسور يفغيني: لقد أنجزت عملاً هاماً لبلادنا يصعب تقدير مدى أهميته.. ان مساعدتك لمصر في علاج عبدالناصر أمر فائق الأهمية.. ويعادل ارسال فرقتين عسكريتين الى مصر لدعمها، ثم أضاف: من المهم للغاية بالنسبة لنا ان يبقى عبدالناصر في الحكم لأطول فترة ممكنة.. ضمان استقرار مصر هو صحة عبدالناصر.

#هذا عن رئيس kgB ((اندروبوف)) ولكن لم يكن أندروبوف وحده في القيادة السوفياتية الذي قال مثل هذه الكلمات..؟

فقد أوردت في كتابك ما قاله لك الأمين العام ليونيد بريجينيف نفسه قال لك: ينبغي بذل كل الجهود كي يستعيد عبدالناصر صحته، لأنه لا توجد في الشرق الأوسط شخصية مماثلة قادرة على توحيد العرب ومواجهة الولايات المتحدة واسرائيل ولو توارى عن الساحة السياسية فسيكون ذلك ضربة قوية لمصالحنا ومصالح العرب.. ابذل كل ما بوسعك لانقاذ هذا الشخص.

-نعم، نعم، قال لي ذلك عندما شرعت في علاج عبدالناصر.. في الأيام الأولى بعد تعرفي على تاريخ مرضه، وكان ((بريجينيف)) يتابع باستمرار مسار العلاج ويسأل عن نتائجه، بالفعل كان يؤكد دائماً ((ابذلوا كل ما في وسعكم من أجل ان يعيش لأطول ما يمكن..)).

#يعني كانوا يدركون انه مهما كان الشخص الذي سيحل محله فلن يستطيع ان يؤدي الدور الذي كان يؤديه عبدالناصر؟

-صحيح لن يكون مثله..

 

الوسوم