بيروت | Clouds 28.7 c

سَنة ((الصالحيْن)).. العراقي بعد الجزائري / بقلم: فؤاد مطر

مع التمنيات بسنة جديدة تعوِّض الجميع معاناة 2019

سَنة ((الصالحيْن)).. العراقي بعد الجزائري / بقلم: فؤاد مطر

مجلة الشراع 10 كانون الثاني 2020 العدد1933

 

إعتدنا كصحافيين في الستينيات من القرن الذي مضى وفي سنوات لاحقة أن نبدأ في الربع الأخير من العام التحضير لتقليد إقتبسناه من كبيرات المجلات والصحف الأميركية والأوروبية وهو إختيار شخصية سياسية أو عامة لتكون ((رجل العام)) أو ((سيدة العام)). وكنا لا نشقى كثيراً في الإختيار، ذلك أن صانعي الأحداث المهمة قلة والإضاءة على أحدهم ليست عسيرة.

ولم يحدث أن كان الإختيار حول ظاهرة تتقاسمها أكثر من دولة على نحو ما حفل به العام 2019، وبذلك تصبح الظاهرة هي الشخصية وليس رجلاً معيَّناً. كما يصبح بعض الجنرالات من ذوي الزهد جزءاً من شخصية العام. والظاهرة التي نعنيها هي إنتفاضة الشعب بدأت في السودان وتلازمت معها إنتفاضة من النوع نفسه في الجزائر، ثم إذا بلبنان يعيش إنتفاضة غير مسبوقة وينتهي صدى هذه الإنتفاضات الثلاث مجتمعة في العراق حتى إشعار آخر في إنتظار إنتفاضة آتية. وتتسم ثالثة الإنتفاضات بالذات بأنها كانت الثانية التي يراق فيها دم محتجين وبأرقام عالية فاقت بكثير ما أريق من دماء في الإنتفاضة السودانية. وأما الإنتفاضة التي لم يُرقْ على جوانبها دم وبقيت خضراء إلى نهاية المطاف فإنها الإنتفاضة الجزائرية. والفضل في ذلك بعد العناية الإلهية، هو لحاميها رئيس الأركان الفريق قايد صالح الذي وضع إسمه في قائمة الجنرالات العرب الأكثر تميزاً وتعقلاً وبُعد نظر إلى جانب الجنرال فؤاد شهاب في لبنان والجنرال عبدالرحمان سوار الذهب في السودان. ولقد أكرم المولى سبحانه وتعالى هؤلاء الجنرالات على زُهْد كل منهم في السلطة فلم يخطفوها بإنقلاب ولا ورثوها بالرضى، مع الأخذ في الإعتبار أن الظروف كانت مواتية أمام كل منهم لكي يغادر إهتمامات الثكنات إلى هموم السرايات. ولنا في كل من هؤلاء ما يؤكد ما نشير إليه. جنرال لبنان رأى في تجديد رئاسة سعت إليه ما قد يقلل من رصيد معنوي وعسكري إرتبط بشخصه، فغادرها مرتاح النفس والضمير، ثم لاقى وجه ربه كمسيحي مستقيم الرأي حريصاً أشد الحرص على لبنان وصيغة التنوع. ثم ها هو جنرال السودان يلقى وجه ربه وهو في السعودية يخضع للعلاج وتحدث غمضة العين الأخيرة بعد الإطمئنان إلى أن أمثولة زهده في السلطة وتسليم المقاليد إلى حكومة مدنية قبل إنقضاء الساعة الأخيرة من الموعد الذي حدده للتسليم، قد أثمرت حيث لا مجال بعد الآن في السودان لغير الجنرالات الزاهدين غير الساعين ولا المقبولين كتفرُّد وكبقاء إلى الأبد، وأن الشراكة العسكرية - المدنية وعلى نحو ما إنتهت إليه الإنتفاضة هي الصيغة الوقائية البديلة التي تنجي السودان من ممارسات جنرالات الحاكم بأمر البلاد والعباد. وكما نهاية جنرال لبنان كانت كريمة فإن نهاية جنرال السودان كانت إلى جانب الحديث عن شمائل هذا الجنرال أن الملك سلمان بن عبد العزيز وقد بلغه أن سوار الذهب أوصى بدفنه في المدينة المنورة وجَّه بنقل الجثمان في طائرة خاصة.. هذا عدا التعبير عن المشاعر الطيِّبة وطلب الرحمة له.

ويأتي الرحيل المفاجىء لرئيس الأركان الجزائري أحمد قائد صالح الذي الإسم على المسمى قائداً وصالحاً، فضلاً عن أنه إرتضى أن يكون حامداً شاكراً فينجي الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة من شِرْك التمديد لرئاسته الذي نصبه له تزييناً وإستغلالاً في الوقت نفسه للحالة الصحية الميؤوس من شفائها، الأقربون والمنتفعون. ولقد أثمرت المعادلة التي رسمها الجنرال الجزائري القائد والصالح: تركَ الحراك الشعبي يسجل جولات من الإحتجاج في أبعد مدة ومن دون أن تتأثر حياة الناس ولا يتم قطْع الطرقات. وعلى مدى أسابيع ألقى من الكلمات التي تجمع بين النصح والتمسك بالأصول وإحترام الدستور ما لم يفعله جنرال عربي من قبْل. وإعتبر الدم الإحتجاجي خطاً أحمر وبذلك لم يُصب أي إحتجاجي جزائري بأذى، كما أن جولات الإحتجاجات إنتهت بيضاء متميزة بذلك عن المآسي التي شهدها الحراك السوداني الذي أثمر بعد سنة من الصولات والجولات أول شراكة مدنية - عسكرية تؤسس لهذا النمط من التغيير حيث الحاجة في بعض أقطار الأمة ودول العالم الثالث عموماً لمثل هذا التشارك الذي يغني عن الصراعات والإنقلابات والتوترات عموماً. ولقد أكرم الله خير تكريم الجنرال الجزائري، حيث أنه توفي إثر سكتة قلبية مفاجئة وتلك أرحم الميتات لمَن يسأم تكاليف الحياة في ثمانينيته. وجاء الرحيل بعدما تحققت المعادلة التي رسمها بكل بنودها: إنقاذ منصب الرئاسة بإنتخاب وفْق ما ينص عليه الدستور. قضاء لا ضغوط عليه وأحكام بحق مقامات يتم على الفور تنفيذها. رد جمائل بوتفليقة عليه بمثلها. تكريس أمثولة برسم المؤسسات العسكرية العربية وهي أن دور الجيش هو حراسة الوطن وعند حدوث تناقضات بين أهل الحكم والناس يتم التصرف بحكمة وبما تتضمنه الدساتير، وكذلك حماية الشعب في حال كانت هنالك موجبات ودوافع للإحتجاج.

تغيب شمس اليوم الأخير من العام 2019 ويشرق شمس اليوم الأول من العام 2020 وهنالك إنتفاضتان لم يُحسْم أمر نهاية كل منهما ربما نتيجة غياب الجنرال الزاهد والمتبصر أو في إنتظار ظهور مفاجئ لهذا الجنرال أو رئيس جمهورية يحترم نفسه وشعبه، وعندها نبدأ كصحافيين تدوين يوميات شخصية العام 2020 وهل هو صيغة حُكْم يرتضيها الشعب المحتج وبفعل جنرال زاهد أو رئيس تعنيه إرادة الشعب وإستقلالية الوطن وتقديم الكرامة على المنصب حتى إذا كان المنصب الأعلى. وهذا ما بدأ يخطه برهم صالح في التاريخ السياسي والرئاسي للعراق المغلوب على أمره. ثم جاءت الأمثولة البرهمية تؤكد أن كلمة الإرادة الشعبية تتقدم عنده على الأهواء الميليشياوية الملتحفة بالمذهبية.

رحمة الله على ((صالح الجزائر)) أحمد قايد الجنرال الذي أدى قسطه للعلى وللشعب الجزائري، وأعان الله ((صالح العراق)) برهم الرئيس على تثمير خطوته الشجاعة.

 

الوسوم