بيروت | Clouds 28.7 c

الجيش اللبناني يخلو من ضباط الميليشيات عام 2022؟ بقلم حسن صبرا

من هنا نبدأ

الجيش اللبناني يخلو من ضباط الميليشيات عام 2022؟

بقلم حسن صبرا

مجلة الشراع 10 كانون الثاني 2020 العدد 1933


سواء كانت البنود اللاحقة هي من صميم مهمات قائد كل جيش لبناني مرّ منذ الاستقلال حتى اليوم، أم ان ايرادها يحمل معنى التذكير بها علّ بعض من تولى المسؤولية العسكرية العليا قد غفل عنها او أرغمته ظروف سياسية معقدة على غض الطرف عن اعتمادها كاملة.. فإنها تبدو جوهرية في سياسة قائد الجيش اللبناني الحالي العماد جوزاف عون وهي كالتالي:

1-المحافظة على وحدة الجيش.

2-تطوير وتحسين وتحديث الجيش.

3-المحافظة على أمن الوطن على الحدود وعلى أمن المواطن في الداخل.

4-ابعاد العسكريين قدر الامكان عن الحزبية.

وهذا البند رقم 4 هو التحدي الأكبر لقائد الجيش الحالي العماد جوزاف عون، وقد ورث حالته كما ورثها كل قادة الجيش منذ العام 1989 حتى اليوم وهم على التوالي اميل لحود، ميشال سليمان وجان قهوجي ولكنها لم تثر في عهد اي منهم مشكلة الى ان أصبح 126 ضابطاً يحملون رتبة عقيد مؤهلين للترفع الى رتبة عميد، هنا بدأت المشكلة.

فما هي قصة ترقية الـ 126 ضابطاً التي رفض رئيس الوزراء المستقيل سعد الحريري توقيع ترفيعهم بسبب الخلل الطائفي ووقع رئيس الجمهورية ميشال عون مرسومهم بناء على طلب قائد الجيش جوزاف عون؟

انها احدى تداعيات نهاية عهد الرئيس امين الجميل في 23 ايلول/ سبتمبر 1988، وتسليمه السلطة لقائد الجيش يومها ميشال عون، بعد تعذر انتخاب رئيس جديد للبلاد، اثر فشل جلسة انتخاب المرشح الوحيد الرئيس السابق سليمان فرنجية بسبب فقدان النصاب قسرياً حين منعت القوات اللبنانية نواباً لبنانيين من الحضور الى قصر منصور، ثم فشل انتخاب النائب مخائيل الضاهر.. الذي ساد قبل ترشيحه الشعار الاميركي لمبعوث واشنطن روبرت مورفي: ((اما ميخائيل الضاهر او الفوضى))..

وبدأت الفوضى بتشكيل عون حكومة استقال نصف وزرائها وكلهم مسلمون وظل هو متمسكاً بالوزراء المسيحيين وهو كان واحداً من ثلاثة، ثم كانت حرب التحرير في آذار/ مارس 1989.. وخلال حكومة عون أعلن عن تطويع ضباط في الكلية الحربية فتقدم مئات المرشحين معظمهم من المسيحيين واستقر الأمر على قبول 126 طالباً للحربية 98 طالباً منهم من عموم المذاهب المسيحية و28 من مختلف المذاهب الاسلامية.. وهؤلاء بعد تخرجهم واستبعاد دخولهم الجيش بعد اتفاق الطائف اطلق عليهم اسم خريجي دورة 1994، التي حملت اسم دورة ميشال عون التي شهدت خللاً في التوزيع الطائفي سبب المشكلة حتى الآن.

اذن

المشكلة بدأت في تطويع عون لطلاب في المدرسة الحربية عام 1989.. ثم تلاها قرار حكومة ما بعد الطائف في مطلع حكم الياس الهراوي (1989- 1998 مع التمديد له ثلاث سنوات) ضم قادة وعناصر من الميليشيات الى الجيش اللبناني وفق نسبة محددة في الاعداد للأفراد والضباط.. فانخرط لأول مرة في تاريخ الجيش اللبناني افراد وضباط معروفون بانتماءاتهم الحزبية لفرقاء الصراع المسلح المذهبي والطائفي والاقليمي (نظام سورية ومنظمة التحرير الفلسطينية.. والعدو الصهيوني) وكان هذا محظوراً طيلة الفترة من 1943 حتى تاريخه 1989، اي طيلة 46 سنة.. وان كان الوجود الحزبي داخل الجيش سرياً بالمطلق، وربما كانت محاولة الحزب السوري القومي الانقلابية عبر الضابطين فؤاد عوض وشوقي خيرالله استثناء.. لهذا الحظر.

وليس المقصود بإطلاق صفة الميليشيات السابقة على ضباط في الجيش اللبناني الاساءة الى أحد منهم، او اليهم جميعاً، ذلك ان بينهم من كان يستحق شرف حمل علم لبنان في ساحات الوغى، وقدم نفسه من أجل حماية وطنه ومواطنيه، ويحضرنا هنا اسم العميد المغوار المظلوم نورالدين الجمل.. كواحد من الذين التحقوا بدورة ميشال عون عام 1989 لكنه قاتل وقتل دفاعاً عن وطنه.. لبنان.

فما هي دورة ميشال عون؟

انها الدورة التي تحمل اسم دورة 1994 محل النزاع في ترقية ضباطها من رتبة عقيد الى رتبة عميد المشار اليها.

ولماذا كانت أغلبيتهم الساحقة من المسيحيين؟ (98 من أصل 126) لأن قائد الجيش ميشال عون يومها، الذي عينه امين الجميل رئيساً للحكومة بعد انتهاء حكمه من دون الاتفاق على بديل كما أسلفنا، طوع تلامذة ضباط كان 98 منهم مسيحياً ومن المناطق التي تسيطر عليها قواته، والتحق الـ 28 من المسلمين بها، لتعذر وصول البقية التي تجعل الدورة متوازنة طائفياً، من المناطق ذات الأغلبية الاسلامية كبيروت والجنوب والبقاع وجبل لبنان المسلم (اقليم الخروب، قضاء بعبدا وفيه الضاحية الجنوبية..).

وعندما تسلم العماد اميل لحود قيادة الجيش وبدأ عملية توحيد الجيش وضع خريجي دورة ميشال عون قيد الدرس في وقت أفسح فيه المجال لدخول عناصر وقادة من الميليشيات المتقاتلة كما أسلفنا.

ومع احترافية وكفاءة العماد لحود، الا ان كثيرين اعتبروا يومها ان ابعاد دورة ميشال عون من الجيش جاءت استجابة لرغبة الاستخبارات السورية التي سيطرت على كل نواحي الحياة السياسية والاقتصادية والادارية والأمنية والعسكرية والجامعية والدبلوماسية في كل لبنان.. وبناء عليه أبعد هؤلاء عن الجيش لمدة سنتين وعدة أشهر، وما عادوا الا بعد بدء تطبيق ما سمي بدورات الاستيعاب للميليشيات، لاقامة توازن يمكن اعتباره توازناً حزبياً – سياسياًً على حساب ما كان سائداً من حيادية شبه كاملة في تركيبة الجيش حيث الولاء للوطن من دون حسابات طائفية او مذهبية (نظرياً).

دورة 1994 او دورة ميشال عون تدرج ضباطها الذين تخرجوا برتبة ملازم الى رتبة عقيد عام 2014 بات من حقهم الحصول على الترقية الى رتبة عميد، لأنهم أمضوا سنوات الخدمة المطلوبة، لذلك، وقادة الوحدات التي يتبع لها هؤلاء الضباط قدموا لهم الترشيحات اللازمة لذلك، لكن الذي عقّدها هو التوزيع الطائفي كما أسلفنا، وليس ابداً الكفاءة او المناقبية العسكرية، وبعض هؤلاء الضباط يتولى حالياً قيادة أفواج مقاتلة، وألوية عسكرية.

ويجب لفت النظر الى ان بعض هؤلاء الخريجين عام 1994، وقد ألزموا على الابتعاد عن المؤسسة العسكرية لمدة تتجاوز العامين، فإن بعضهم عاد للدراسة الجامعية ودخلوا اختصاصات علمية مختلفة، اكسبتهم تعليماً اضافياً وثقافات ولغات ساهمت في تكوين شخصياتهم علمياً، أضافت الى كفاءاتهم العسكرية بعداً علمياً، ربما فاقوا به زملاءهم الآخرين.

وبالتالي

فمن الظلم استبعاد ترقية هؤلاء لأسباب طائفية وغيرها لا ذنب لهم فيها، فالذنب يتحمله السياسيون المختلفون ومزايداتهم الطائفية والمذهبية.

لذا

يسجل لقائد الجيش العماد جوزاف عون تمسكه بترقية هؤلاء وتوقيعه مرسوم الترفيع نظراً لأهليتهم، ولأنهم لا يتحملون مسؤولية ما آلت اليه التوزيعات الطائفية، ولهم الحق بإسم القانون، الترفع، وتنطبق عليهم شروط الترقية بالكامل وهي:

1-تمضية المدة اللازمة للترقية (5- 6 سنوات).
2-وجود مراكز شاغرة يجب ملؤها من خلال هؤلاء الضباط لأن دورة 1986 وما قبلها لم يتبق من ضباطها سوى 125 ضابطاً تقريباً، وسيتم تسريح هؤلاء جميعاً بالتقاعد خلال مدة تتراوح بين سنتين وثلاث سنوات.

3-توفر الاعتمادات المالية اللازمة لترقية هؤلاء الضباط جميعاً، وهي تحتمل زيادة مالية على الترقية لا تتجاوز المليون ليرة شهرياً لكل منهم كحد أقصى أي 126 مليون ليرة لبنانية.

هذا من دون اغفال ان عدداً كبيراً من ضباط هذه الدورة هم من المستقلين فعلاً، وكان التحاقهم بها رغبة بالدخول الى الجيش والتخرج كضباط تعبيراً عن طموح شخصي، لما تحمله كلمة ضابط جيش في المجتمع اللبناني، من احترام وتقدير.. مع ضمان المستقبل المنشود والمكانة المميزة والفخر وهؤلاء تحق لهم الترقية من رتبة عقيد الى رتبة عميد نهاية عام 2020.

وفي حقيقة الأمر ومع ان بعض الضباط يسعده ان يترفع الى رتبة أعلى، فإن هذا يؤشر الى ان خروجه من الخدمة يقترب أكثر كلما ترفع ليصبح حاله كحال كل من يحتفل بعيد ميلاده، وهو لا يحسب ان نهاية عمره تقترب.. مع احتفاله بمرور عام جديد على مولده.

وهذا يعني وفق حساب ان عمر العميد الجديد يتراوح ما بين 53 الى 54 سنة، فإن معظمهم سيتقاعد بعد 4 او 5 سنوات على الأكثر، وبذلك سيخلو الجيش اللبناني من وجود اي ضابط كانت له خلفية ميليشياوية.. لأن الحد الأقصى لبقاء العميد في الجيش سيكون مع بلوغه سن الـ 58، او اللواء فيبقى حتى سن الـ 59.

علماً بأنه سبق ان قدمت قيادة الجيش مرسوماً عرف بإسم مرسوم الحوافز بغية التخفيف من عديد العمداء في الجيش وتنظيم التراتبية العسكرية.. وقد طبق ايضاً سابقاً على ضباط من مختلف الرتب العالية (رائد – مقدم – عقيد – عميد).

مع التذكير بأن كل رئيس للجمهورية في مطلع عهده يقدم مشروعاً للضباط يحمل الحوافز المشجعة على استقالة ضباط من الجيش من مختلف الرتب.. واذا ما تبقى سنتان وسبعة أشهر لميشال عون كرئيس فإن الرئيس المقبل الذي يجب ان ينتخب عام 2022 سيفتح باب الاستقالات كما أوردنا وهذا يعني ان آخر ضابط انتمى الى الميليشيات في الجيش سيخرج في عام 2022.

تبقى كلمة أخيرة

لا شك ان العماد جوزاف عون هو واحد من قادة الجيش الذي تحملوا الكثير من أجل هذه المؤسسة الوطنية الجامعة.. لكن موقعه ومنذ سنوات لا يحسد عليه وهو يتلقف كرة النار الملتهبة منذ تسلمه موقعه ساعياً الى اطفائها من زواياها المختلفة.

وكان أول انجازاته هو استعادة قيمة الجدارة والكفاءة في الانتساب الى الكلية الحربية تحديداً.. وهو صاحب حكمة في كيفية التعامل مع طلاب دخلوا اليها – كما قيل – بعد ان دفع بعض من أهالي هؤلاء اموالاً طائلة لسماسرة تلاعبوا بهم ونهبوا من جيوبهم وأرزاقهم عشرات آلاف الدولارات، مقابل قبولهم في هذه الكلية الوطنية، على الرغم من ان كفاءة وجدارة بعض هؤلاء الطلاب قد تؤهلهم للدخول اليها من دون إلزام أهاليهم ببيع أملاكهم وأرزاقهم ليدفعوا لسماسرة مجرمين لصوص، المال لتأمين وساطة ليست لازمة.. الا بسبب وجود فاسدين ومجرمين.

هذه مسألة

تبقى مسألة أخرى.. وهي ان العماد جوزاف عون في سعيه لجعل رتب الضباط وتراتبيتهم متسقة مع بعضها البعض فتح باب التقاعد للضباط من رتبة عقيد وما فوق وكذلك الرتب الدنيا – لتجاوز حقيقة ان نسبة عديد عقداء في الجيش اللبناني كانت كبيرة، وهذا يؤثر على حسن الامرة وبناء الجيش.. وما يلاحظ منذ فترة ان قطاعات الجيش باتت متناسقة من رتبة ملازم الى رتبة عقيد (باستثناء دورتي 1994 – 1995) والعديد منطقي وفق آلية تنظيم وبناء الجيش اللبناني وتوازنه الطائفي.. وهذا سائد في كل الوحدات القتالية، اذ التوزيع القيادي فيها منسجم مع عديد أفرادها.. وهؤلاء جميعاً من عنصر الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين سني الـ 20  والـ 38، وتسود مقاييس الكفاءة والجدارة في التعامل مع حالاتهم وهذه تسجل ايضاً للعماد عون كما يردد الخبراء والمتابعون لمسار الجيش اللبناني في عهده.

حسن صبرا

الوسوم