بيروت | Clouds 28.7 c

جوزيف ابو خليل رجل الظل الزاهد بالنجومية /بقلم: زين حمود

جوزيف ابو خليل رجل الظل الزاهد بالنجومية

بقلم زين حمود / مجلة الشراع 20 كانون الأول 2019 العدد 1930

 

تعرفت الى جوزيف ابو خليل في العام 1987, كإعلامي من المنطقة ((الغربية)) لبيروت يحاور قيادياً حزبياً في ((المنطقة الشرقية)) ويبحث عن ثغرة يمكن النفاذ منها لبناء ولو مشروع جسر تواصل في مواجهة أجواء الحرب والانقسامات التي كانت سائدة في ذلك الحين.

كان عليّ يومها ان أسلك معبر المتحف - البربير على خط التماس بين المنطقتين لألتقيه في مكتبه على طريق النهر قرب الجسر الواطي.

أول انطباع تركه هذا الرجل في نفسي, هو انني اعرفه منذ سنوات طويلة, ليس فقط بسبب حرصه على أمني الشخصي وانتقالي بأمان من منطقة الى منطقة وما بينهما من اشتباكات مسلحة قد تنشب في أي لحظة, بل بسبب تعاطيه الشخصي المنفتح مع ما طرحته يومها معه عندما كان حزب الكتائب يعاني من انقسام بين فريق يدعم الرئيس امين الجميل الذي سافر الى فرنسا بعد انتهاء ولايته ((في العام التالي)) وحجزه من قبل القوات اللبنانية بقيادة سمير جعجع ((وابو خليل ضمنه)), وبين فريق معارض تولى رئاسة الكتائب عبر النائب الراحل جورج سعادة.

يومها أسّر لي ابو خليل بكثير من الاسرار على هامش الحوار معه, واستطاع كمفكر ان يتجاوز فارق السن بيننا بكسب ثقتي, أكثر منه كإعلامي تولى رئاسة جريدة ((العمل)) الناطقة بإسم حزب الكتائب لعشرين سنة او كحزبي بقي أميناً  على ما اقتنع به حتى آخر رمق من عمره المديد, عندما كان رفيقاً لبيار الجميل المؤسس او من خلال علاقته الوطيدة مع الرئيس امين الجميل او من خلال سعيه الدؤوب لاحتضان وإنجاح رئيس الكتائب الشاب سامي الجميل في محاولاته التي لا تكل ولا تمل لإستعادة مجد حزب أنهكته الصراعات والحروب والانقسامات وانقاذه من مهب التراجع والأفول.

وللأسف يؤسفني القول انه لم يتح لي الاجتماع بأبو خليل منذ أكثر من عشر سنوات, الا انني وحتى في فترة انقطاعي عنه لظروف عديدة كنت دائماً استعيد ما كان يدور في لقاءاتي معه وهي لقاءات  تكررت وكثرت  في تلك الفترة ((ما بعد العام 1987)) واستمرت بعدها ولكن ليس بالوتيرة نفسها, وكانت على الدوام ساحة لنقاش سياسي وفكري لا ينتهي عن واقع لبنان وخصوصياته وموقعه ودوره  وأهمية الحفاظ على الدور الريادي للمسيحيين فيه.

 وقد اختلفت مع ابو خليل يومها , في الكثير مما طرحه, نتيجة ما كنت اعتقد ان حزب الكتائب تسبب به بدءاً  من العام 1975 وامتداداً مع صعود نجم بشير الجميل في اواخر السبعينيات من القرن الماضي والاجتياج الاسرائيلي للبنان عام 1982, وصولاً الى رئاسة امين الجميل وما تلاها لجهة تكليف ميشال عون رئاسة الحكومة الانتقالية, الا ان ما كان يسرده لي ابو خليل من وقائع في تاريخ قريب او بعيد سواء بلقاءات عقدها مع الرئيس السوري الراحل حافظ الاسد او لدى تواصله مع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات قبل حرب لبنان وخلالها, او لدى تكليفه بالقيام بزيارة الكيان الصهيوني وهو ما رواه في ما بعد في كتابه  الفريد والاستثنائي ((قصة الموارنة في الحرب)), او لدى تحدثه عن علاقته بـ بيار الجميل الاب وكميل شمعون وكمال جنبلاط وحواره مع موسى الصدر, كان له وقعه في نفسي واثره في عقلي لأنني أحسست انني امام انسان غير عادي لا يتعاطى مع الأمور بتفاصيلها فقط بل ينظر اليها بكل الجوانب المحيطة فيها وان كان يقوم بذلك أحياناً بمبالغة غير ضرورية.

لم يكن ابو خليل نجماً او تهمه النجومية, كما لم يكن من الطامحين لتولي منصب وزاري او نيابي رغم ان الأمر كان متاحاً له في مراحل عديدة. كان رجل ظل يعمل دائماً خلف الأضواء وكانت له في مراحل حساسة وحرجة في تاريخ لبنان بصمته. رجل ظل لا هم له إلا خدمة الفكرة مقدماً العام كما يراه على الخاص والمبدأ الذي يؤمن به على ما عداه سواء كان هذا المبدأ برأي الآخرين صحيحاً او غير صحيح. ويصح القول انه كان زاهداً بكل المراكز والمناصب وحتى النجومية، معتبراً ان كل ذلك من شأنه ان يعطل دوره كرجل ظل يعمل لفكرة او سياسة او مشروع نجاحه أهم من كل ما يمكن ان يتحقق له من رصيد على مستوى هذه النجومية.

ولعل من الانصاف القول ان الكتائب في ذلك الزمان, كان في جزء منه مدرسة للقيادات, تخرج منها الكثير من النخب الفكرية غير العادية, مثل ابو خليل من دون ان ننسى العشرات من أولئك الذين يتقدمهم من دون شك الوزير السابق كريم بقرادوني, خلافاً لأحزاب اليوم من كل الاتجاهات التي تحولت الى أحزاب لا وجود فيها الا للزعيم فيما الآخرون مجرد أرقام تنفذ ولا تقرر او تشارك في صنع القرار وتأتمر فقط بما يصدر من أوامر عليا.

جوزيف ابو خليل رجل ظل, عمل في الليل والنهار كحمال لا يتعب ولا يكل ولا يمل حتى يصل الى غايته او ما يمكن الوصول اليه على مستوى تنفيذ ما آمن به, لا يتردد في الحديث وبموضوعية عن الأخطاء المرتكبة ومنها على سبيل المثال لا الحصر العلاقة مع الكيان الصهيوني وغيرها من طرق التعاطي مع الداخل اللبناني من قبل من عرفوا قبل الحرب بأركان المارونية السياسية.

 مع رحيل هذا الرجل وهو من دون شك احد الرجال اللبنانيين الكبار الذين عملوا لـ((وطنية لبنانية)) قائمة على ميثاق العام 43 وهي ((وطنية)) عيوبها كبيرة اين منها عيوب ((وطنية)) الفدراليات الطائفية السائدة اليوم , سنفتقد شخصيته الهادئة والرزينة والعقلانية وحكمته وحلمه بأن نصل الى صيغة حكم تتسع لكل ابناء البلد ولا تجبر أحداً منهم على الهجرة وتوسل الخارج بحثاً عن حماية او دعم او مؤازرة او استقواء.

ز.ح.

 

الوسوم