بيروت | Clouds 28.7 c

قائد الجيش بين مطرقة السياسيين وسندان الحراك وخاطفيه / كتب زين حمود

قائد الجيش بين مطرقة السياسيين وسندان الحراك وخاطفيه

كتب زين حمود

مجلة الشراع 22 تشرين الثاني 219 العدد 1926

 

*قائد الجيش في وضع لا يحسد عليه والكل في السلطة والحراك يريده على قياسه

*العماد عون يتعاطى حتى الآن بتمهل وليس بتردد وبعيداً عن الارتجال

*الجيش أهم معاقل الوحدة اليوم وقائده مؤتمن على عدم الانزلاق الى الفوضى

*العلاقة غير السوية بين العهد وعون سابقة للحراك وباسيل أراد تغييره

*قائد الجيش ينظر الى المشهد ككل وليس للحراك وحده ومسؤوليته الحفاظ على الاستقرار

*الجيش يتصرف من منطلق الحفاظ على سلمية الحراك ويتصدى لخاطفيه عندما تدعو الحاجة

*هكذا تعاطى قائد الجيش بحزم لهدم جدار نفق نهر الكلب ومنع تشييده

*جعجع سارع لسحب عناصر القوات من النفق بعد اتصال تحذيري من عون

*عون يتصدى لمحاولة تحويل الجيش الى اداة لبعض الداخل والخارج وإغراق البلد في مستنقع الصراعات

 

كتب زين حمود

كثر الحديث في الآونة الاخيرة عن الجيش ودوره, وطرحت تساؤلات حول طبيعة موقف قائده العماد جوزاف عون.

اللافت ان بعض التساؤلات المطروحة وضعت في سلة الاتهامات الموجهة للعماد عون وما سمي تقصيره في الحفاظ على الحياة العامة في البلاد خلال موجة الاحتجاجات الشعبية التي تضرب البلاد حالياً, وأسباب هذا التقصير المتعمد او ((التطنيش)) كما يذهب بعض المشككين للقول خدمة لما يقول هؤلاء انه جزء من أجندة يختلط فيها مشروع الجنرال الشخصي للوصول الى سدة الرئاسة الاولى مع مشاريع معدة للبنان تبدأ بالعمل على تغيير معادلة الحكم وتوازناته ولا تنتهي باستهداف حزب الله ومقاومته.

الكلام في هذا السياق كبير ويكاد لا ينتهي, خصوصاً وانه يأتي على خلفية ما يحكم العلاقة غير السوية بين قائد الجيش وفريق الحكم المتمثل، خصوصاً في هذه المرحلة برئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل, وهي علاقة غير سوية سابقة للحراك الشعبي في السابع عشر من الشهر الماضي وتشمل ما وجه من ملاحظات وانتقادات لأداء قيادة الجيش في أكثر من محطة وحدث في العام المنصرم وبينها ما جرى خلال حادثة قبر شمون.

وقد تصاعد الموقف سلباً من قائد الجيش وطبع الحديث اللافت في الصالونات السياسية في لبنان ببصمته, رغم ان عون ((قائد الجيش)) كان عين بناء على رغبة فريق العهد, ليصل الأمر كما هو معروف الى ما وصل إليه بينه وبين وزير الدفاع الياس بو صعب والى تواتر معلومات قبل استقالة الرئيس سعد الحريري عن وجود توجه لدى فريق العهد  لتعيين بديل لقائد الجيش عندما يصبح مثل هذا الأمر متاحاً.

ما صحة هذه الأجواء؟ وما هي حقيقة ما يدور في العلاقة بين عون الرئيس وعون العماد؟

مع بداية الاحداث الدائرة في لبنان منذ السابع عشر من تشرين الاول / اكتوبر الماضي, فإن أول ما يمكن قوله بالنسبة للجيش اللبناني هو انه بات الآن بين مطرقة  وسندان.

المطرقة يحملها في وجهه السياسيون الذين يريدونه اداة للجم الحراك الشعبي تمهيداً لإجهاضه.

والسندان يتجسد في حماية الحراك المستمر على امتداد المناطق اللبنانية, والحؤول دون استخدامه من قبل قاطعي الطرق والزعران والأدوات المستخدمة من قبل بعض الاحزاب والميليشيات السابقة لتصفية حساباتها مع قوى حزبية وسياسية منافسة بهدف تعزيز حضورها في معادلة السلطة.

فالجيش معني بحماية أي حراك سلمي, لا سيما اذا كان عنوانه مطلبياً من نوع مكافحة الفساد واستعادة الأموال المنهوبة, الا ان الأمر يصبح مختلفاً في المقابل عندما يتحول الحراك الى قطع طرقات وايذاء شرائح لبنانية واسعة غير مشاركة في هذا الحراك, وهو موضوع التزم به الجيش في جولات عديدة مر بها الحراك منذ أكثر من شهر وحتى الآن. والأمثلة على ذلك كثيرة أيضاً.

والجيش معني بمنع استهداف أي تجمع سلمي من قبل اي جماعة, الا انه معني أيضاً بالتصدي لكل محاولات ركوب موجة الاحتجاجات لضرب الاستقرار العام وانتظام عمل المؤسسات, وهو ما فعله الجيش مراراً حتى الآن والأمثلة على ذلك كثيرة ايضاً.

والجيش معني أيضاً وأيضاً بمحاولات استخدام الشارع واستغلاله من قبل مجموعات حزبية وميليشياوية سابقة, بطريقة مستوحاة من فصول سوداء من أيام الحرب السابقة في لبنان لايجاد معادلات سلطة رديفة لمعادلات السلطة القائمة والمنبثقة عن الانتخابات النيابية الأخيرة. وقد تصدى لعدة محاولات في هذا الصدد, والأمثلة على ذلك عديدة.

ولذلك يصح القول ان قائد الجيش العماد جوزاف عون هو اليوم في وضع لا يحسد عليه, وذلك بمعزل عن الاشاعات التي تستهدفه يوماً بعد يوم، وخصوصاً على وسائل التواصل الاجتماعي, وآخرها ما تحدث بطريقة مستغربة عن وضعه في الاقامة الجبرية او تعيين بديل عنه وما الى ذلك من اشاعات غير بريئة, ربما تختلف خلفياتها الا انها واحدة في استهدافها للجيش كونه أهم معاقل الوحدة والاستقرار والسلم الأهلي في بلاد  الارز.

والغريب ان الكل يريد الجيش على قياسه سواء كان يتولى منصباً او لا يتولى أي مسؤولية, ويتعاطى مع قائده وكأنه مجرد موظف مطلوب منه ان يتعاطى بشكل مقولب او معلب تبعاً لمصلحة او حسابات كل فريق في السلطة او في الشارع.

الا ان كل ذلك لا يلغي ما وجه للجيش من انتقادات على عدم أدائه واجبه في أكثر من مكان قطعت فيه الطرقات ومورست فيه بعض الممارسات غير المبررة ولا سيما لجهة منع سيارات العسكريين والحالات الخاصة والطبية من العبور, ما أدى الى حبس مواطنين في سياراتهم وتعطيل أعمالهم وهم بعشرات الآلاف ان لم نقل أكثر, هذا فيما بقي أداء الجيش بعيداً عما يمكن ان يستخدمه من وسائل لردع كل متظاهر يتجاوز حقه في التعبير عن رأيه بمصادرة حقوق غيره سواء في التنقل او في تحصيل لقمة العيش, ومن ضمن هذه الوسائل استخدام خراطيم المياه، القنابل المسيلة للدموع وحتى الرصاص المطاط غير القاتل.

وبالطبع ليس المقصود من ذلك الدعوة الى استخدام هذه الوسائل, الا ان المطلوب هو الحفاظ على الأمن. والأمن مهما قيل في هذا المجال هو هيبة, ولا يمكن القبول بسقوط هيبة الجيش او هالته لأن البديل عنها هو شيوع حالة الانفلات والغوغائية والعصبيات الفئوية.

وبعد ان صارت مسألة  تشكيل الحكومة ومعها الاستشارات النيابية الملزمة جزءاً من لعبة الشارع الذي صار اليوم عدة شوارع بينها المحق والصادق والأمين على تحقيق الأهداف التي بدأ الحراك لأجلها لمعالجة الازمات المعيشية ووقف الهدر وسرقة المال العام واستعادة الاموال المسروقة ومن بينها أيضاً المستغل والمدسوس بغرض تحقيق مكاسب سياسية وحزبية, ومن بينها أيضاً الدخيل والمرتزق بهدف ادخال البلاد في فوضى قد يكون معروفاً أين تبدأ لكن ليس معروفاً كيف تنتهي بحرب او بتحويل البلاد الى ساحة صراع من الصراعات المحتدمة في المنطقة..

بعد كل ذلك, ومع تعذر التوافق على تشكيل حكومة جديدة, نتيجة الشروط والشروط المضادة, فإن دور الجيش بات أكثر تعقيداً , لتكبر التحديات في وجه قيادته التي تحاول اليوم ولدى اتخاذها أي قرار الابتعاد عن الارتجال وتقصي ما يمكن ان تنطوي عليه من تهديدات ووزن أي تدبير بميزان الصائغ ليس لأن كل قرار تتخذه يحسب عليها, بل لأن تداعيات كثيرة قد تنجم عن مثل هذا القرار, رغم ان مثل هذا الأمر كلفها الكثير حتى الآن وما حصل في بلدة سعدنايل خير دليل على ذلك.

ويمكن القول ان التمهل كان عنوان تعاطي الجيش مع الاحداث وليس التردد, اضافة الى الحزم عندما تدعو الحاجة الى ذلك, والعمل على تجاوز كل ما هو رمادي لفهم كنهه قبل اجراء المقتضى.

ولعل هذا ما يجعل الأولويات لدى قيادة الجيش مختلفة عما كانت عليه قبل الحراك, على مستوى الأداء وليس على مستوى المبدأ.

وسلم هذه الأولويات يتصدره ما يلي:

اولاً: الحفاظ على الاستقرار العام في البلاد والتصدي لأي عبث او خلل يهدف الى زعزعته او اسقاطه.

ثانياً: حماية الحراك السلمي والتظاهرات الشعبية سواء من المندسين الذين يريدون ضربه او الذين يريدون تحويل بوصلته في اتجاهات تتعارض مع وجهته الاساسية والمحقة.

ثالثاً: الحفاظ على الانتظام العام في البلاد والمؤسسات العامة والأصل في كل ذلك, الحفاظ على النظام الديموقراطي المعتمد، خصوصاً وان كل الهيئات الحاكمة هي هيئات منتخبة او جرى اعتمادها وفق الأصول الدستورية.

رابعاً: العمل على رفع الجهوزية في كل المناطق من أجل تنفيذ هذا الأمر, مع ابقاء مستوى الجهوزية على كل الاصعدة في أفضل حالاته في مواجهة ما يسمى الخلايا النائمة للارعاب والتي كان للجيش بقيادته الحالية بصمته في تحقيق انجاز الانتصار عليها في ما عرف بمعركة الجرود على الحدود مع سورية.

وحتى لا يبقى الكلام عن دور الجيش في هذا الاطار نظرياً، فإن ما قام به في منطقة نهر الكلب في مواجهة اقفال الطريق في النفق المعروف, ببناء جدار فاصل بعد قطع الكهرباء عن المنطقة يفصل كسروان عن المتن وبيروت كان حاسماً ويشكل ربما منعطفاً في ادائه بدأت مظاهره تتوضح في أكثر من منطقة.

وفي التفاصيل فإن معلومات وردت الى العماد جوزاف عون عن قيام مجموعة تابعة لحزب القوات اللبنانية معروفة بالأسماء بالعمل على بناء حائط داخل نفق نهر الكلب وانها قامت بإحضار كل التجهيزات لذلك من حجارة وباطون. وعلى الفور أمر المعنيين بالاتصال برئيس حزب القوات سمير جعجع من أجل سحب العناصر المذكورة خلال ربع ساعة, معطياً الأوامر للجيش بالنزول الى المنطقة وجرف الجدار وكل من يعمل على بنائه. وقد جرى التعاطي مع الأمر من قبل عون باعتباره عملية عسكرية مقنعة بالغة الخطورة لا يمكن أبداً السكوت عنها او السماح بها.

وسريعاً جاء جواب جعجع بالايعاز لمن كان يقوم ببناء الجدار بهدم ما بني منه وإعادة فتح الطريق. وقد قامت تلك العناصر بتنفيذ ما طلبه منهم فيما كانت وحدة من الجيش وجرافاته حاضرة لتنفيذ ما أمرت بتنفيذه مهما كانت الظروف والاعتبارات وتراقب عملية فتح الطريق وإزالة هذا الجدار الذي وصفه خصوم القوات بأنه ((كانتوني)) ويعيد التذكير بأيام سوداء من أيام الحرب في لبنان ولا سيما أيام الاقتتال بين المسيحيين.

واذ نفت القوات اللبنانية في بيان لها علاقتها بالأمر, فإن وزير الدفاع الياس بو صعب سرب لائحة بأسماء العناصر المذكورة الى وسائل الاعلام. وسواء كان جعجع وراء هذه الخطوة او كانت  عناصر من القوات خلفها من دون علمه, فإن الجيش قام بواجبه وكان حاسماً في اجهاض خطوة كان يمكن ان يكون لها تداعياتها الخطيرة وردود أفعال كبيرة, علماً ان بو صعب تحدث علناً عن انه كان يراد بناء هذا الحائط مع حائط آخر على الطريق الساحلي بين بيروت وصيدا, في اشارة واضحة الى ان هناك من يريد ان يقطع أوصال المناطق وإدخال الحراك المطلبي او ما سمي انتفاضة 17 تشرين الاول / اكتوبر في نفق الفوضى وجر الفئات اللبنانية الى مستنقع الانقسامات والفتن والحروب.

وفي المقابل, فإن كل ما يروج من قبل بعض المتضررين من الحراك الشعبي والمتوجسين من نتائجه, عن غرف سوداء تدير الحراك وسفارات تتولى تحريك الخطوات في الشارع, هو حسب المعلومات قيد المتابعة الدقيقة من قبل الجيش والأجهزة المعنية فيه, وهو أمر  قائم وان كان مضخماً, علماً انه تم العمل على متابعة بعض الحالات المعينة التي يمكن القول ان تاثيرها محدود فضلاً عن انها تحت مجهر المتابعة والرصد.

اما الأهم من كل ذلك, فإن مشكلة الجيش وقيادته اليوم هي في استمرار فترة تصريف الأعمال في الحكومة المستقيلة, وعدم اتخاذ خطوات من قبل المعنيين في السلطة باتجاه استعادة ثقة اللبنانيين او المعترضين منهم على السياسات السابقة المتبعة, ولعل هذا ما يجعل مسألة تشكيل حكومة جديدة وسد أي فراغ على مستوى السلطة في بلد توافقي وجاء اتفاق الطائف لتوكيده من المسائل الأكثر حيوية للجيش.

ولذلك فإن السؤال المطروح اليوم : ماذا لو طالت فترة عدم تشكيل حكومة جديدة وحالة انعدام الثقة بين السلطة واللبنانيين؟ وماذا يمكن للجيش ان يفعله، خصوصاً اذا تصاعد الحراك من جديد وسقطت رهانات البعض على ان هذا الحراك صار في فصله الأخير؟وماذا لو تكرر مشهد أحد العسكريين في طرابلس وهو يعلن استقالته قبل ان تتم لملمة الموضوع بعد الكلام عن انه غير طبيعي ويعاني من أزمات صحية نفسية؟

لا شك بأن جوزاف عون يريد حل الأزمة الناشبة اليوم قبل الغد, وهو بما عرف عنه من مناقبية عسكرية وانضباطية وحكمة وصلابة في الموقف وعدم تفريط بالثوابت والمصلحة العليا للدولة وكذلك بما عرف عنه من التزام بالمسؤولية الوطنية التي يتولاها يدرك اليوم ان البلاد تمر في مرحلة استثنائية, وقد أثبت حتى الآن على الأقل انه عامل وحدة وطنية فعلية, مطل على المشهد بأكمله وليس على جوانب منه فقط, وقد تعاطى حتى الآن بما يفرضه عليه الواجب الوطني رغم ما تخلل بعض ما رافق أداء المؤسسة العسكرية من أخطاء عابرة.

وجاء كلامه الأحد الماضي خلال جولة قام بها على بعض المراكز العسكرية في بيروت والجبل ليشير بوضوح الى طريقة التعاطي المسؤولة التي ينتهجها, وهو ما ولد اطمئناناً لدى الشرائح اللبنانية كافة سواء المشاركة في الحراك او غير المشاركة, بأن الجيش جاهز للقيام بواجباته للحفاظ على الأمن والاستقرار والتصدي لأي محاولة للعبث بالسلم الأهلي.

لهذا السبب, فإن جوزاف عون هو أحد أبرز المؤتمنين اليوم على البلد, رغم وجود خشية لدى البعض من أي دعسة ناقصة قد يخطوها سواء بهذا الاتجاه او ذاك بين مطرقة ضغوط السياسيين وسندان الحراك الشعبي واختراقاته.

هو احد أبرز المؤتمنين على السلم الأهلي والاستقرار, وأبرز المعنيين بعدم استخدام الجيش وسيلة او أداة من قبل بعض الداخل او الخارج  لإدخال لبنان في مرحلة من أبرز وأخطر أهدافها ضرب مرحلة الاستقرار ولو الهش السائدة منذ سنوات وسط محيط وجوار ملتهب تشتعل في ساحاته لعبة الامم بشكل متصاعد وغير مسبوق.

 

الوسوم