بيروت | Clouds 28.7 c

لقاء نصرالله - باسيل: نسخة جديدة لتفاهم مارمخايل / بقلم زين حمود

لقاء نصرالله - باسيل: نسخة جديدة لتفاهم مارمخايل / بقلم زين حمود

مجلة الشراع 18 تشرين أول 2019 العدد 1921

 

*هل يكون اللقاء بمثابة غرفة عناية فائقة لإخراج المريض اللبناني من أزماته؟

*أبرز نتائج ((مارمخايل)) الجديد الانتقال من الاقتصاد الريعي الى المنتج وتطبيع العلاقة مع دمشق

*النسخة الجديدة تعبير عن معادلات القوة الجديدة في لبنان والاقليم

*حزب الله لا يتعاطى بمنطق المنتصر بل بمنطق من أسقط مشاريع ضرب محوره

*هل يمهد لقاء نصرالله - جبران للقاء بشار مع ميشال عون؟

*نصرالله يعمل على وضع آليات تنفيذية لاندفاعته بوجه الفساد إما توخياً للاصلاح وإما لمحاصرة خصوم محوره وسلاحه

 

من الممكن القول, لا بل من شبه المؤكد ان لقاء امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله والوزير جبران باسيل طرح نفسه كغرفة عناية فائقة جرى ادخال المريض اللبناني الى سريرها, خصوصاً وان دور الظل الذي يقوم به الحزب من خلال الاتصالات شبه اليومية والدائمة التي يقوم بها وفق المعلومات مع طرفي التسوية الرئاسية أخذ شكلاً جديداً.

ولهذا السبب, فإن لقاء نصرالله المطول ((امتد لسبع ساعات ونصف وتخلله عشاء عمل)) له وجهان:

الوجه الأول يتصل بالعلاقة الثنائية بين الحزب من جهة والتيار والعهد من جهة ثانية, ويتخذ طابعاً استثنائياً في كونه يمثل اليوم النسخة الجديدة لتفاهم مارمخايل.

نسخة جديدة تؤكد استمرار ومتانة التحالف بين الطرفين, مع تعمد نصرالله مرات ومرات خلال اللقاء توكيد على صوابية خيار انتخاب الرئيس ميشال عون رئيساً للبلاد على غير صعيد, وتحدثه عن الصعوبات التي كان سيواجهها حزبه ولبنان لو لم يكن في سدة الرئاسة الاولى. كما تؤكد استمرار السير بهذا التفاهم في ظل ما طرأ من تغييرات على المعادلات في لبنان والمنطقة.

والوجه الثاني يتصل بادارة الوضع في لبنان ككل, ووضع ما يشبه جدول اعمال سيتم السير به, ومن ضمنه الحفاظ على ما كرس في التسوية الرئاسية, بالنسبة لموقع رئاسة الحكومة ودورها, علماً ان لقاء نصرالله وباسيل جاء بعد لقاء عقده باسيل مع الرئيس سعد الحريري. الا ان ما تغير اليوم كما يبدو هو الاطار الذي ستوضع فيه التسوية الرئاسية وهو من دون شك اطار معدل لما كانت عليه هذه التسوية في السنوات الثلاث السابقة.

 معالم التفاهم الجديد المعدل

والوجهان المشار اليهما في النسخة الجديدة لتفاهم مار مخايل, يتوخيان جملة امور لعل أبرزها ما يلي:

اولاً: استنفار كل الطاقات من اجل مواجهة الضغوط القائمة على الوضعين الاقتصادي والمالي, والحؤول دون اي انهيارات على هذا المستوى، خصوصاً وان الطرفين يعتبران ان ما جرى مؤخراً في الاسواق المالية كان مدبراً وقد ذهب باسيل الى حد القول ان هناك فتنة وراء ما يجري وهي لافشال العهد واسقاطه. وكان لافتاً الكلام عن الاتفاق على ضرورة الانتقال من الاقتصاد الريعي الى الاقتصاد المنتج بكل ما يترتب عليه هذا الامر من نتائج ستطال حكماً ما يسمى ((الكارتيلات)) التي لا تتردد في فعل أي شيء من أجل الحفاظ على مكاسبها ومصالحها وتحقيق المزيد منها.

ثانياً: تزخيم العمل على المستوى الحكومي من أجل تأمين الوصول الى انتاجية بمستوى أعلى تضمن الاهتمام اللازم بأمور المواطنين ومعالجتها، وفي الوقت نفسه تضمن السير باتجاه عدم اغراق البلاد في انقسامات من النوع الذي شهدته البلاد على مدار الأشهر  الماضية.

 دمشق بين تفاهمين

ثالثاً: الانتقال من مرحلة المراعاة والمسايرة في بعض المواقف الى اطلاق مواقف صريحة وواضحة ازاء ملفات اساسية وهامة من نوع ملف عودة سورية الى الجامعة العربية كما فعل الوزير باسيل في الاجتماع الأخير لمجلس وزراء الخارجية العرب, وان كان في ذلك يتكىء على موضوع اعادة النازحين السوريين في لبنان الى بلادهم طبقاً لما طالب الرئيس ميشال عون المجتمع الدولي به في الامم المتحدة الشهر الماضي, وعلى تلويح النائب محمد رعد باستخدام ورقة النازحين في وجه كل من يمارس ضغوطاً اقتصادية ومالية على لبنان.

واذا كان تفاهم مار مخايل في  شباط /فبراير من العام 2006 مهد له بشار الاسد, فإن النسخة الجديدة لهذا التفاهم قد تكون محطة للقاء يجري الحديث عن احتمال عقده قريباً ليس بين بشار الاسد وجبران باسيل بل بين الاسد والرئيس ميشال عون.

وما اعلان الوزير باسيل في ذكرى 14 تشرين الاول /اكتوبر عن عزمه على الذهاب الى العاصمة السورية سوى احدى النتائج المباشرة والسريعة للنسخة الجديدة من تفاهم مار مخايل, في موازاة ردود الفعل غير المؤثرة عملياً وعلى ارض الواقع رغم الموقف غير المسبوق للنائب السابق وليد جنبلاط ووزيره في الحكومة وائل ابو فاعور الذي شن هجوماً هو الأعنف ضد العهد ورئيسه والتيار الوطني الحر.

واذا كان من المبكر الحكم على ما يمكن ان يحصل على هذا الصعيد، خصوصاً وان الرئيس سعد الحريري اعتبر ان ما يقوم به باسيل لا يلزم الحكومة, فإن الأمور يبدو انها تسير وفقاً لما اراده باسيل المستند بالطبع الى ما جرى التفاهم عليه بينه وبين نصرالله. وهذا المسار لن يكون للمواقف المعترضة عليه سواء كانت من القوات اللبنانية او غيرها ما يؤدي الى تعطيله او وقفه, ولذلك فانه من غير المستبعد ان يعود طرح موضوع التواصل مع دمشق الى مجلس الوزراء من خلال مقاربات جديدة تتيح لمن يطرحها الوصول الى نتائج عملية, بدءاً من نقطة الافادة لبنانياً من فتح معبر البو كمال بعد معبر نصيب, وفي ظل ما يتردد في الكواليس عن تزايد عدد الدول العربية التي اعادت تطبيع علاقاتها مع دمشق.

هذا السياق وان كان يمس بسياسة النأي بالنفس المعتمدة كما سيرى الكثير من السياسيين, الا انه يشير بوضوح الى ان مرحلة جديدة بدأها طرفا تفاهم مارمخايل داخلياً وعربياً وعلى مستوى العلاقات مع دول العالم, وهي مرحلة بدأت ملامحها الاولية بالتبلور وينتظر ان تتضح خطوطها أكثر فأكثر في ضوء المتغيرات الحاصلة على مستوى الاقليم سواء بالنسبة لنتائج الصراع الاميركي - الايراني حتى الآن او بالنسبة لمآل لعبة الامم المحتدمة في سورية او بالنسبة لما نجم عن تعثر تمرير ما سمي صفقة القرن لتسوية الصراع العربي - الاسرائيلي حتى الآن. وكل ذلك يجري ضمن توقيت ليس خافياً على احد وهو توقيت الولايات المتحدة ومعها العالم في مرحلة الانتخابات الرئاسية الاميركية التي يطمح دونالد ترامب من خلالها للبقاء في البيت الابيض ويعمل بكل الوسائل من أجل ان يقدم على أية ((دعسة ناقصة)) تطيح بحظوظه في ذلك.

والنسخة الجديدة من تفاهم مارمخايل, لا تتعاطى مع الواقع الحالي بخلفية المنتصر, الا انها غير بعيدة عن ذلك لجهة التعاطي مع الملفات والمسائل المطروحة من جهة انها نجحت في قطع الطريق على فرض هزيمة او واقع جديد على محور المقاومة  كما يصف نصرالله  تحالف حلفائه في لبنان والمنطقة ويردد ذلك  باستمرار مع تركيز متعمد عليه في الآونة الاخيرة, فلا النظام في سورية سقط او تنحى ولا حلفاء ايران في اليمن ضربوا ولا وضع العراق اهتز وانتقل الى المقلب الذي يريده خصوم طهران ولا صفقة القرن  فرضت كأمر لا مرد له.. الخ.

وكما هو معروف فان بعض المحسوبين على حزب الله او ((محور المقاومة)) لا يترددون في المجاهرة والتباهي في وسائل الاعلام بما يرونه انتصارات تحققت في اكثر من مكان وفي عدد من الدول وعلى غير صعيد ودفعت الرئيس الاميركي دونالد ترامب الى العمل بشتى الوسائل من أجل اللقاء بالرئيس الايراني حسن روحاني الذي لم يقبل الاجتماع به في ظل الظروف الحالية التي تقوم واشنطن خلالها بممارسة أقصى وأقسى انواع العقوبات الاقتصادية والمالية ضد ايران وتطبق عليها حصاراً شبه كامل.

نصرالله واندفاعته ضد الفساد

اما الأمر الآخر اللافت في لقاء النسخة الجديدة من تفاهم مارمخايل, فكان استكمال ما بدأه نصرالله في اعلانه على صعيد مكافحة الفساد وواصله مؤخراً عندما تحدث وبطريقة غير مسبوقة عن استعادة ما نهب من مال عام ممن سماهم أباطرة المال, وهو امر يعطي لما جرى الحديث عنه في اتفاقه مع باسيل من اصلاحات بعداً جديداً يشير الى ان اندفاعة نصرالله في هذا المجال تعمل اليوم على وضع الآليات اللازمة للبدء في تنفيذ ما أطلقه من وعود بهذا الشأن.

وما اتفق عليه لا يشمل كل البنود الاصلاحية, الا انه يعبر عن اصرار نصرالله على ان تكون عملية استعادة الاموال المنهوبة ومكافحة الفساد في صدارة الاولويات, رغم ان هناك خلافاً في النظرة بين المراقبين حول خلفيات امين عام حزب الله في هذا المضمار بين من يعتقد ان نصرالله يقوم بذلك بهدف الاصلاح وبين من يعتبر انه يريد استخدام هذا الملف كسلاح يقتص به من الطبقة السياسية السائدة والغارقة في معظمها في الفساد والارتكابات وسياسة الهدر المتعمد والتي ينخرط قسم منها في مشاريع خارجية لضرب الحزب ونزع سلاحه وتحويله من قوة اقليمية الى مجرد قوة محلية يتم العمل كل يوم على زرع الشروخ بينها وبين بيئتها الحاضنة.

في كل الاحوال فإن تفاهم مارمخايل بنسخته الجديدة والمعدلة, سيكون له وقعه على أكثر من صعيد,كما كان لتفاهم مارمخايل عام 2006 تأثيره ووقعه ونتائجه على أكثر من صعيد وفي غير مجال والاسابيع او الايام المقبلة ستكون شاهداً قوياً على ذلك.

 

جبران ووعد الرئاسة

لم تتسرب أية معلومات حول ما اذا كان اللقاء بين السيد نصرالله والوزير جبران باسيل تطرق الى موضوع الانتخابات الرئاسية المقبلة في لبنان, وموضوع ترشيح وزير الخارجية لخلافة الرئيس ميشال عون. الا ان من الواضح ان الموضوع كان في صلب النقاشات حتى ولو لم يطرح بشكل مباشر وصريح ومحدد, كونه من أبرز اولويات باسيل الطامح بقوة الى الوصول الى قصر بعبدا.

وحزب الله الذي يرفض قياديوه مجرد البحث ولو بالتلميح في هذا الموضوع مع كل من يفاتحهم بالأمر من مرشحين او غير مرشحين للرئاسة, ثمة لازمة تتكرر على ألسنتهم وهي لازمة ان الامور رهن بمواقيتها, وانه من المبكر فتح هذا الموضوع. هذا الحزب يدرك جيداً مدى ((استقتال)) جبران باسيل عليه, والذي يبدو انه يريد ان يقدم اوراق اعتماده كما يفعل عدد من المرشحين ليكون خيار الحزب في الانتخابات المقبلة بعد نحو ثلاث سنوات امتداداً لخياره قبل ثلاث سنوات, أي تأمين خلافة باسيل لعون من خلال التنسيق الكامل والتام في كل الملفات والقضايا والمواضيع مع الحزب.

وعلى هذا الأساس فإن حزب الله لم يعد جبران باسيل بالرئاسة كما لم يعد غيره سواء كان سليمان فرنجية او شخصيات اخرى, الا انه عن قصد او غير قصد يقوم بتشجيع كل من يريد الرئاسة على العمل من أجل الاقتراب منه ومن رؤيته, ولعل هذا هو بيت القصيد.

 

زين حمود

 

الوسوم