بيروت | Clouds 28.7 c

الحلقة الثانية من أوراق جهاد كرم: الثلاثي العلوي محمد عمران، صلاح جديد، حافظ الاسد

الحلقة الثانية من أوراق جهاد كرم

الثلاثي العلوي

محمد عمران، صلاح جديد، حافظ الاسد

مجلة الشراع 11 تشرين اول 2019 العدد 1920

 

*كان محمد عمران وحدوياً يريد استعادة وحدة سورية مع عبدالناصر

*كان صلاح جديد بعثياً متأثراً بالفكر الماركسي وتطبيقه في سورية

*حافظ الاسد تخلص من جديد في دمشق وقتل عمران في طرابلس

 

في ما يلي نص الحلقة الثانية من أوراق المناضل العروبي البعثي السفير والمحامي والصديق جهاد كرم (رحمه الله)، وتتناول نظرته للثلاثي العلوي في سورية محمد عمران وصلاح جديد وحافظ الاسد.

حافظ الاسد وصلاح جديد ومحمد عمران، ثلاثة من القادة العسكريين الذين خاصموا بعضهم، بشراسة، بدأوا حياتهم النضالية، رفاقاً وأصدقاء، جمعت بينهم صفات وخصال..

اولاً: بدأوا السياسة من سن مبكرة، وانتسبوا الى حزب البعث، منذ ان كانوا طلاباً في المرحلة الثانوية. أي قبل ان يدخلوا الى المدرسة الحربية ويتخرجوا، ضباطاً..

ثانياً: جميعهم أتوا من الساحل السوري، من خلفية مذهبية علوية، في وقت لم تعرف فيه سورية، الاختلاف الطائفي والمذهبي. واذا سأل أحدهم في تلك الفترة منتصف الاربعينيات وقبل الاستقلال، عن ديانته لأجاب، بكل فخر.. انه عربي سوري، لا يعرف هوية، غير القومية العربية..

ثالثاً: كلهم تقدموا عن سائر اقرانهم، بالجدية والمثابرة واظهار الروح القيادية والانضباط والانصياع الى توجيهات قيادة البعث وأوامرها..

رابعاً: وعوا باكراً مشاكل الحزب ولا سيما بعد الاندماج بين البعث العربي والعربي الاشتراكي ليصبح البعث العربي الاشتراكي، حيث طغت على سطح الاحداث، خلافات الامزجة وتباين الرؤى والنظرة الى الاحزاب السورية وطريقة التعامل معها..

وعلى الرغم من هذا فقد ظلوا يتجاوبون مع توجيهات القيادة وان رافقت ذلك همسات الانزعاج وصيحات التذمر..

ومن المفيد ان أبرز في هذا المجال، مثالاً حياً عن استنكار ((حادثة قطنا)) عام 1956.. آنذاك، اي بعد انتخابات ايلول/ سبتمبر عام 1954 حيث فاز البعث بسبعة عشر مقعداً. وبالفعل كانت قوته الشعبية، أقوى بكثير من نسبة تمثيله في البرلمان.

يضاف الى ذلك سيطرته في الشارع، لا سيما بين الطلاب، العمال ومعلمي المدارس الثانوية. اصطدم البعثيون داخل احدى جلسات البرلمان السوري، مع نواب حزبي، ((الوطنيين)) و((البعث))، بالنسبة الى قوانين تتعلق بصغار الكتبة ترافق مع ذلك صراع عنيف داخل المؤسسة العسكرية ((الجيش))، بين الضباط البعثيين وبقايا ضباط الشيشكلي الذين استمروا داخل هذه المؤسسة..

كان من جراء ذلك تمرد ضباط البعث وسيطرتهم بواسطة العصيان على معسكر كبير ومهم، بالقرب من العاصمة ((دمشق))، يطلق عليه اسم معسكر قطنا.

لم يكتفوا بالتمرد بل حملوا الى القيادة مشروع القيام بانقلاب عسكري وتسلم السلطة. رفضت القيادة التاريخية واصابها الهلع، لإيمانها، بعدم جدوى الانقلابات العسكرية، وبالتالي عدم جواز، استلام السلطة، اذا لم يترافق معها تحرك جماهيري واسع..

وبرز في هذه المحاولة، ضباط بعثيون من جماعة الاستاذ أكرم الحوراني: مصطفى حمدون، عبدالغني قنوت، بشير صادق، محمد عمران وصلاح جديد من المحسوبين على قيادة الاستاذ ميشال عفلق وصلاح الدين البيطار. لقد نجحت القيادة في منع الضباط البعثيين من اجراء انقلابهم وتسليم السلطة للحزب.

ولكن قبولهم جاء بغير قناعة ولم يفسروا على اساس الاعتبارات المبدئية وانما عزوا اسبابه الى التردد والجبن والضعف وتصاعد وتيرة الخلافات داخل القيادة الحزبية.

شكلت هذه الحادثة اول مظهر من مظاهر غياب الثقة بين الاساتذة الثلاثة وعسكر الحزب. وبدأوا يفكرون بأنهم لا يمكنهم ان يتركوا مصيرهم، لدى مثل هذه القيادة..

وأتت الوقائع بعد ذلك، من اتخاذ قرار في الحزب بحل نفسه، تحقيقاً للوحدة بين مصر وسورية. واستعداداً نقل جميع الضباط البعثيين الى مصر وتفريقهم على وحدات عسكرية مختلفة ومتباعدة.

وعلى الرغم من ذلك فقد نجحوا في تشكيل اللجنة العسكرية التي لم ينضم اليها مصطفى حمدون وعبدالغني قنوت وبشير صادق والاخير فضل الاستقالة والاقامة في بيته. وعلى صعيد آخر تسلم مصطفى حمدون وعبدالغني قنوت مناصب وزارية في دولة الوحدة..

هنا، خلا الجو لمحمد عمران وصلاح جديد وحافظ الاسد وآخرين، امثال صلاح الضلي، وأحمد المير، محمد رباح الطويل واحمد سويداني..

ويجب الاعتراف، بكل امانة وصدق، ان تلاقي هؤلاء الضباط لم يكن على اساس الولاء الطائفي او المذهبي، انما على اساس انتمائهم البعثي، ليس كحزب، صاحب رسالة، لتحقيق أهداف الامة العربية. ولكن كعسكريين يمكنهم تسلم السلطة وخدمة أهداف الحزب والأمة، كما يرونها.

تميز من بين هؤلاء الضباط، كل من محمد عمران، حافظ الاسد  وصلاح جديد، وشكلوا وحدة متراصة، على اساس تسلم السلطة، مجتمعين من دون ان يدروا ان فعلتهم هذه قد وضعت أسس البداية، للتناقض والاختلافات..

عقب قيام الضباط البعثيين، بانقلاب الثامن من آذار/ مارس عام 1963، بالتعاون مع الناصريين بقيادة لؤي الاتاسي وجماعة زياد الحريري، بدا واضحاً ان محمد عمران من جهة وكل من صلاح جديد وحافظ الاسد، كانوا على تناقض في الطروحات الاساسية، بصورة خاصة اعادة طرح شعار الوحدة مع عبدالناصر.

كان محمد عمران، اكثر وحدوية منهما وبالتالي اقرب الى تفكير الاستاذ ميشال عفلق، الذي تمسك بالوحدة بكل ما أوتي من قوة. وكذلك صلاح الدين البيطار الذي ايده وانتمى اليه بعد ندمه على توقيع صك الانفصال مع بعض السياسيين السوريين..

مر معنا ان الخلاف بدأ بعد مضي سنة على قيام 8 آذار/ مارس عام 1963 بعد ان كانت اللجنة العسكرية متراصة ومتضامنة حيث بدأت تواجه انقسامات أبرزها بين محمد عمران من جهة وصلاح جديد وحافظ الاسد من جهة أخرى.. الأكثرية من العسكريين كانت مع حافظ الاسد وصلاح جديد في حين ان جماعة القيادة القومية وجماعة أمين الحافظ وعمران كانت ملتفة حول شعارين هما: اعادة الوحدة مع مصر عبدالناصر، واعطاء الجناح المدني في الحزب حيزاً أوسع.

استمر الوضع صعوداً ونزولاً، هدوءاً واثارة بشكل اساسي في الفترة الممتدة بين نهاية الـ 1964 و23 شباط/ فبراير عندما جرت حركة شباط/ فبراير 1966 بعد ان أصدرت القيادة القومية قراراً بحل قيادة قطر سورية واستفزت بالتالي العسكريين المناوئين لها والمتصلين بحافظ الاسد وصلاح جديد.

قبل تنفيذ الانقلاب صبيحة 23 شباط/ فبراير كان صلاح جديد صاحب الشخصية البراقة والجاذبية الواضحة والذكاء الوقاد والدماثة العجيبة والنزاهة الموصوفة قد تطرف في طروحاته الاقتصادية والسياسية على سبيل المثال مزيداً من التأميم وعدم مهادنة رجال الاعمال وبالتالي تأييد الثورة الفلسطينية واعتماد الكفاح المسلح.

وقد نجح حافظ الاسد بأن يكون معتدلاً غير مشكوك به من قبل القيادة القومية كصلاح جديد الذي ذهب بعيداً في تمسكه بشعارات اليسار، وكي لا نظلم الرجل فلم يعد ينطبق عليه صفات البعثية كما هو متعارف عليه.

23 شباط/ فبراير كانت حصيلة تحالف صلاح جديد سليم حاطوم، قائد المغاوير درزي من جبل العرب شجاع حتى التهور.

وقد أيدهم في ذلك حافظ الاسد من دون ان يُظهر وكان الهدف هو تحييد أمين الحافظ الذي قاتل ببسالة ولم يستسلم الا بعد نفاد ذخيرته ومقتل عدد كبير من حراسه الشخصيين، ذهب الجميع الى السجن جماعة القيادة اعتقلوا في منزل مريح نسبياً كان سابقاً للسياحة وكان حافظ الاسد يزور المعتقلين في ذلك البيت باستمرار ليتحاور معهم ويدعوهم لإيجاد صيغة تبعد الخلافات داخل الحزب.

في حين ان عمران والعسكريين المحسوبين على القيادة السورية دخلوا الى سجن المزة المعروف بظروفه القاسية، لكن حرب حزيران/ يونيو 1967 واحتلال القنيطرة, وأراضٍ في مصر وسورية ادى الى اطلاق سراح جميع المعتقلين الذين جاؤوا الى لبنان ومنهم محمد عمران الذي كان وزيراً للدفاع أثناء قيام 23 شباط/ فبراير، وأقام في شمال لبنان بمدينة طرابلس في حي معظمه من العلويين من ابناء المدينة.

عمران كان محبوباً من جماعته وكان يمتلك كتلة كبيرة من الضباط العلويين الذين آمنوا به وأيدوه، القيادة الجديدة التي انبثقت بعد 23 شباط/ فبراير والتي كان قوامها التحالف بين صلاح جديد وحافظ الاسد بعد ان خرج سليم حاطوم اثر محاولة 8 ايلول/ سبتمبر الفاشلة عام 66 اضافة الى اعتقال المحسوبين على القيادة القومية بقيت عناصر واضحة الولاء لعمران وكانت قوة لا بأس بها وكان يبدو ان عمران يعد لمحاولة فقرروا التخلص منه والذي خطط ونفذ عام 1972 في طرابلس هو رفعت الاسد شقيق حافظ الاسد ونسبوا التهمة الى جماعة العراق.

علماً بأنه لو لم يتم تأييد جماعة عمران لحافظ لما كان باستطاعته ان يسيطر على الجيش عام 1970.

 

كيف قتل عمران؟

 

رصد المنزل الذي يقيم فيه عمران من قبل الاستخبارات السورية وأيضاً استخبارات سرايا الدفاع التابعة لرفعت الاسد وكان قد تلقى تحذيرات كثيرة من أعوانه في سورية والوجهاء العلويين في طرابلس بأنه مستهدف ويريدون التخلص منه وحدث في صباح يوم من الايام ان جاءته امرأة فقيرة من أهل المنطقة تستجدي عملاً لها لاعانة ولدها المقعد فتجاوب معها مدفوعاً بكبريائه وغروره بأن احداً لن يستطيع النيل منه وبعد عدة ايام جاءته ثانية برفقتها رجل يحمل سلة كبيرة بحجة انه بائع مكانس، طرقت الباب وكان الرجل يختبىء وراءها فتجاوب مع الطرق على الباب وما كاد ان يفتح ابوابه حتى ارداه بست رصاصات كلاشينكوف.

وطبعاً لم يستطع أحد ان يتابع الموضوع لأن الأجواء وجهت التهمة الى العراق الذي ليس من الصعب اتهامه بالقتل.

 

يتبع

 

 

كلام صور:

محمد عمران الوحدوي الذي قتله رفعت الاسد في طرابلس - لبنان

صلاح جديد: صاحب نزاهة موصوفة

حافظ الاسد: ايد انقلاب 23 شباط/ فبراير من دون ان يظهر

 

الوسوم