بيروت | Clouds 28.7 c

تظاهرات الشارع المبعثرة، بروفة للفوضى/ بقلم مدحت عبيد

تظاهرات الشارع المبعثرة، بروفة للفوضى

بقلم مدحت عبيد – مجلة الشراع 4 تشرين أول 2019 العدد 1919

 

لم يخرج يوم الاحد الماضي، الى التظاهرة الاحتجاجية على الوضع المعيشي سوى المئات من الاشخاص، وكانت هذه التظاهرة بحق هي أصغر تظاهرة ضمن حلقة التظاهرات التي يشهدها لبنان منذ العام 2015 احتجاجاً على الأوضاع المعيشية المتردية والتي باتت توصف اليوم بأنها ((مزرية)). 

ورغم انها التظاهرة الأصغر منذ العام 2015 الا انها كانت التظاهرة الأكبر من حيث نوعية وحجم رد فعل السلطة اللبنانية عليها. فلقد اعتبر رأس الدولة رئيس الجمهورية  العماد ميشال عون ان هذا التظاهرة تحمل أجندة سرية وهي إسقاط العهد والتشويش عليه وتشويه صورته، وردد الكلام نفسه بمعناه العشرات من وزراء ونواب واعلاميين مؤيدين للعهد وللرئيس ميشال عون . فيما الرئيس سعد الحريري اعتبر هذه التظاهرة انها تستهدف الإطاحة بالتسوية الرئاسية التي انتجت عهد الرئيس عون وحكومة ((الى العمل)) . اما ناشطو وسائل التواصل الاجتماعي القريبون من حركة ((أمل)) وحزب الله، فهاجموا التظاهرة ووصفوها بأنها منقادة من مشبوهين. 

وهناك سمتان اضافيتان ميزتا تظاهرة يوم الاحد، وهما انها من ناحية جرت من دون ان يكون للداعين لها عنوان محدد، وانها من ناحية ثانية اعتمدت أساليب للتجمع مخالفة لتلك التي كانت تعتمد في التظاهرات السابقة. وهاتان السمتان طرحتا أسئلة عما اذا كان هناك جهة خفية منظمة لها وعما اذا كانت نوعية الناشطين فيها مختلفة؟؟. 

بخصوص السمة الأولى تم لحظ ان تظاهرة الاحد الفائت لم تعتمد اُسلوب التجمع في ساحة وسط البلد الرئيسة كما كانت تفعل التظاهرات السابقة لها، بل كانت عبارة عن عدة تظاهرات امتازت جميعها بأنها قليلة العدد، ولكنها حدثت في غير منطقة من لبنان في وقت واحد، وعمدت كل واحدة منها تقريباً الى قطع طرق رئيسة تربط احياء العاصمة بعضها ببعض او تربط مناطق لبنانية بأخرى. ففي الوقت الذي كانت فيه تظاهرة وسط البلد تتشظى لمجموعة تظاهرات، قصدت احداها مفترق الرينغ (جسر فؤاد شهاب) الذي يربط القسم الشرقي من بيروت بوسط العاصمة في الشق الغربي، وقامت بقطعه بالإطارات المشتعلة، كان هناك تظاهرت صغيرة العدد وسريعة التحرك تقطع جسر الكولا والطريق الساحلي الجنوبي، وكانت تظاهرات مماثلة تقطع طريق المصنع عند حدود لبنان مع سورية، واُخرى في بريتال ((كبرى بلدات منطقة بعلبك التي تعتبر الخزان الشعبي للشيعة في لبنان))، اضافة لتظاهرة صغيرة سارت في طرابلس ((عاصمة الشمال، وعاصمة السنة في لبنان)) وقصدت منزل الرئيس نجيب ميقاتي وهتفت ضده، واُخرى قصدت ساحة النور في طرابلس وأنزلت صورة الرئيس سعد الحريري. 

السؤال الذي طرح نفسه لدى مؤسسات السلطة اللبنانية المعنية، هو هل ما يحدث مخطط له أم أمر عفوي؟؟. 

كل واحدة من هاتين الإجابتين كان لها وقائع تدعمها بشكل قوي: فالقائلون بأنها عفوية قدموا عدة مبررات لتأكيد صحة نظريتهم، وهي: 

اولاً - قلة عدد المشاركين في هذه التظاهرات المتنقلة في معظم مناطق لبنان، حيث انهم جميعهم لم يتجاوزا الألف او الألف والخمسماية شخص. وعليه فإن هذه الاحتجاجات كانت أقرب ما تكون لتوصيفها بأنها احتجاجات فردية. 

ثانياً - المتظاهرون كانوا يتحركون من دون خطة، فهم يتنقلون في وسط البلد من شارع لآخر على غير هدى. والأمر نفسه كان يفعله متظاهرو الشمال والجنوب. 

ثالثاً - لم يكن هناك جهة وازنة داعية للتظاهرة. فما حصل هو حملة على ((الفايس بوك)) و((التويتر)) مهدت لمناخ من المزاج الشعبي القلق والخائف، وتم تنفيس هذا المناخ بتظاهرة يوم الاحد. 

.. غير ان القائلين بأن تظاهرات يوم الاحد لم تكن عفوية لا شكلاً ولا مضموناً، يردون هذه التبريرات السابقة على اعتبار انها دلائل على وجود غرفة عمليات كانت تقود كل هذه التظاهرات التي حصلت في نهاية الاسبوع الفائت. وهؤلاء يقدمون صورة ما حصل على النحو التالي: 

اولاً - التظاهرات في بيروت والشمال وفي الجنوب كانت جميعها تعمل بأسلوب واحد، وهو محاولة قطع الطرقات، ورفع شعارات وهتافات سياسية تتوخى واحداً من هدفين إما الرئيس ميشال عون شخصياً او التسوية الرئاسية عبر استهداف الحريري. 

ثانياً - التظاهرات نفذها المئات في كل لبنان، ما يوحي بأن ما حدث لم يكن تحرك شعبياً عفوياً بل تحركاً منقاداً من جهة لها طابع أمني في التفكير والتخطيط، وهذه الجهة تسيطر على نحو ألف شخص وزعتهم ليقوموا بأعمال شغب متشابهة فوق كل الاراضي اللبنانية. 

ثالثاً- كان واضحاً من طبيعة الحملة الاعلامية  التي غطت التظاهرات سواء على منصات التواصل الاجتماعي او على شاشات تلفزيونات، انها كان لها عدة رسائل تريد ايصالها للجمهور اللبناني: أولاً تشويه صورة العهد، ثانياً تحريض الناس على الالتحاق بالمحتجين في الشارع، ثالثاً قطع طرقات مناطق عدة في لبنان. رابعاً كان لافتاً ان مزاج القسم الاكبر من المحتجين كان يميل للتصعيد رغم ان القوى الأمنية حاولت احتواء التظاهرات بأسلوب لين. 

ويصل أصحاب هذا التحليل لتظاهرات يوم الاحد للاعتقاد بأن هذه التظاهرات كانت بروفة نفذتها جهة ما لحركة انقلاب سياسي عبر الشارع ضد العهد. 

ويبدو ان قصر بعبدا مقتنع بهذه النظرية ولذلك قامت رئاسة الجمهورية بالرد على تظاهرات يوم الاحد بأسلوبين اثنين: اولهما محاولة معالجة السبب المباشر للقلق الذي ساد الشارع نتيجة التلاعب بأسعار الدولار، والثاني قمعي وتمثل بإعلان الدولة عن جديتها بمعاقبة كل من يحرض على العهد والوضع المالي للدولة على وسائل التواصل الاجتماعي. 

ويرى أصحاب هذا التحليل ان لبنان يوم الاحد الماضي شهد بروفة للفوضى التي أجرت خلالها تمارين على كيفية شل قدرة القوى الأمنية على التحرك بمواجهة تظاهرات شبيهة تجري في المستقبل ولكن بعد ان تكون أعداد المشاركين فيها كبيرة لحد ما. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو ماذا سيكون الوضع لو خرجت مئات التظاهرات في وقت واحد وقطعت عشرات الطرق الرئيسة وتحركت مسيرات صغيرة ومتوسطة الكبر في غير شارع داخل المدينة الواحدة وغير منطقة داخل كل محافظة؟؟. 

هذا السؤال بحسب بعض المحللين يعتبر هو السيناريو المترقب الحدوث والتي كانت تظاهرات الاحد الماضي بروفة أولية عليه، والتي كانت الشعارات ضد رئاسة عون وضد التسوية الرئاسية، هي هدفه السياسي السري الذي سيكون في المقبل من الأسابيع هو هدف الفوضى التي يخطط لها.  

مدحت عبيد

الوسوم