بيروت | Clouds 28.7 c

نصرالله بين خامنئي وسليماني..الايرانيون وترامب: لن نكرر واقعة عزل الاشعري للامام علي / بقلم السيد صادق الموسوي

نصرالله بين خامنئي وسليماني..

الايرانيون وترامب: لن نكرر واقعة عزل الاشعري للامام علي

بقلم السيد صادق الموسوي / مجلة الشـراع 4 تشرين أول 2019


 

انتشرت في آخر الأسبوع الماضي صورة تجمع آية الله خامنئي والسيد حسن نصر الله واللواء قاسم سليماني قائد لواء القدس التابع لحرس الثورة الإسلامية أثناء زيارة نصر الله الأخيرة إلى العاصمة الإيرانية، وتوقف كثيرون عند مغزى نشر هذه الصورة وفي هذا التوقيت بالذات علماً بأن العلاقة المتينة بين إيران وحزب الله لا تحتاج لتأكيد لكي يتم الإستناد إلى هذه الصورة، والتعامل بين حزب الله وقاسم سليماني هو من أوضح الواضحات، لكن هذا اللقاء جاء بعد زيارة السيد مقتدى الصدر قبل أيام قليلة لإيران ولقائه مع آية الله خامنئي برفقة اللواء قاسم سليماني أيضاً، وقبله بفترة جاءت زيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى طهران ولقاؤه مع آية الله خامنئي برفقة قاسم سليماني كذلك ((كتبت في مقال سابق في مجلة ((الشراع)) تفاصيل الزيارة وخفايا اللقاءات))، وقبل ذلك بمدة قصيرة جاء وفد الحوثيين اليمنيين إلى طهران والتقى آية الله خامنئي حاملاً رسالة من زعيم أنصار الله السيد عبد الملك الحوثي، وقبله بفترة جاءت زيارة إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحماس ووفد كبير من قيادات الحركة لإيران والتقوا مع آية الله خامنئي أيضاً، كل هذه الزيارات واللقاءات المعلنة وغيرها السرية هي حلقات في سلسلة كنا أكدناها في مقالنا السابق ومقالات أخرى في هذه المجلة الموقرة بأن الجمهورية الإسلامية في إيران يمتد نفوذها الآن في كامل منطقة الشرق الأوسط من ساحل البحر الأبيض المتوسط حتى أفغانستان بما فيها شبه الجزيرة العربية إلى البحر الأحمر والمحيط الهندي، وهي تجاوزت حدود الطائفة الشيعية التي أراد أعداؤها حصرها فيها، فهذا ميشال عون المسيحي في لبنان يتكيف مع سياسات الجمهورية الإسلامية عبر تحالفه مع حزب الله وتعامله مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، وحتى أن إيران استطاعت أن تُقنع وزيراً في الكيان الصهيوني بالتعامل معها وتزويدها بالمعلومات الحساسة من أعلى قمة الهرم وهذا ما أصاب المؤسسة الصهيونية بالصدمة والذهول، وقد انفضح أمر هذا الوزير قبل فترة وها هو يقضي عقوبته في السجن.

في المقابل نرى الخيبة بادية في وجوه الأميركيين بسبب فشل خططهم المتعددة ومؤامراتهم المتوالية، فالدول الحليفة للولايات المتحدة في المنطقة لا قوام لسلطة حكامها حتى ليوم واحد من دون غطاء الأساطيل والحماية المباشرة من قوات المارينز وهذا ما أعلنه مراراً دونالد ترامب وبصراحة كاملة ومن دون خجل وكناية، وهو لأجل حمايته لهم يطلب علانية المليارات وهم يدفعون ما يطلب دون تردد وتأخير، وهكذا دول وكيانات لا يمكن الاعتماد عليها في ساعات الحشرة كما يقال، والدول الأوروبية لكل منها حساباتها الخاصة فلا يمكن لواشنطن الاعتماد على الإتحاد الأوروبي ككتلة واحدة لأن آليات اتخاذ القرار فيه معقدة ويمكن لدولة أو عدد من الدول عرقلة الإتفاق جماعياً حول موضوع معين، وروسيا هي اليوم في حالة تحدٍّ للولايات المتحدة في مناطق عديدة في العالم بعد أن استعادت مكانتها كقوة عظمى عقب انهيار الإتحاد السوفياتي، أما الصين فهي القوة العظمى الإقتصادية الجديدة التي تتحكم حتى في أبسط متطلبات المواطن الأميركي حتى قال الرئيس ترامب أن أميركا اليوم مستعمرة صينية، وهي على الصعيد الدولي تنسق مع روسيا، وبالنتيجة فلا يمكن لدونالد ترامب ووزير الخارجية المتملق له بومبيو أن يحصل على نتيجة من محاولاته إيجاد تكتل دولي لمواجهة الجمهورية الإسلامية في إيران، وها هو دونالد ترامب يقضي أيامه الأخيرة في البيت الأبيض في حال مشى الديموقراطيون في خطوتهم بمساءلة ترامب وعزله قبل انتهاء مدة ولايته الأولى، وبالنتيجة لا يحق له الترشح لولاية ثانية، والتطورات المتلاحقة تشير إلى إجماع النواب الديمقراطيين الـ 206 على ذلك وانضمام عدد من النواب الجمهوريين ما يسهل عملية المساءلة، وردود فعل ترامب التهويلية والتلويح بانهيار الإقتصاد الأميركي في حال عزله ووصفه معارضيه الديموقراطيين بالوحوش دليل على هلعه وخوفه الشديد من جدية الخطوة وإمكانية تحقق النتائج منها، وبالنتيجة لم يقف مع الولايات المتحدة في اقتراح تشكيل قوة لحماية ناقلات النفط في الخليج سوى الكيان الصهيوني و3 دول في المنطقة ممن لا بقاء لكيانهم من دون غطاء الأسطول الأميركي وحماية المارينز الأميركي، أما الطرف الإيراني فإن حلفاءه اليوم هم حزب الله في لبنان الذي هزم الجيش الإسرائيلي الذي لم يكن يُقهر من قبل ويمكنه متى يشاء إرسال طائرات التجسس لالتقاط الصور الجوية للمناطق الحساسة والمؤسسات الحيوية وكذلك اختراق نظام التحكم في طائرات التجسس الصهيونية، وأثبت فاعليته في مواجهة التكفيريين في سورية ونجح في إفشال خططهم التفجيرية في الساحة اللبنانية، والسيد مقتدى الذي يمكنه أن يسيطر على الشارع العراقي وبأمره تسير التظاهرات المليونية وتحت قيادته جيش المهدي الذي يمكنه تفعيل دوره متى يشاء وهو الآن يبسط سيطرته على لواء بالكامل في الحشد الشعبي العراقي بإسم لواء السلام، وحركة حماس التي تسيطر سيطرة كاملة على قطاع غزة وفرضت معادلة توازن الرعب مع الكيان الصهيوني من خلال إطلاق الصواريخ الذكية والطائرات المسيّرة التي تطال كل أرض فلسطين المحتلة ويمكنها إصابة أية منطقة في الكيان الغاصب بدقة وحتى مفاعل ديمونا النووي حيث تُخزّن القنابل النووية الصهيونية، وحركة أنصار الله التي أثبتت قوتها فعلياً وهي تُلحق الهزائم تلو الهزائم بقوات التحالف ومن ورائهم الولايات المتحدة، ومنذ ٥ سنوات والطائرات القاذفة الحديثة جداً تقذف حممها على كل شيء يتحرك على مساحة اليمن كلها لكنها لا تزال عاجزة عن الإدعاء بالسيطرة الكاملة على شبر من الأرض، بل يشهد القاصي والداني، والعدو قبل الصديق بقدرة الشعب اليمني على الصمود دون تزتزع أو تراجع على الرغم من كل المجازر، بل استطاع اليمنيون بقدراتهم الذاتية إطلاق الصواريخ البالستية إلى مسافة مئات الكيلومترات داخل السعودية حتى العاصمة الرياض، وأخيراً وجّهت من خلال إطلاق المسيّرات أقوى ضربة قاصمة لصناعة النفط السعودية واهتزّ العالم كله لمّا تمّ قصف منشآت آرامكو لكونها أهم مصفاة نفط في العالم، وقبل أيام تمكنوا من التوغل داخل السعودية وأسر آلاف من الجنود بهجوم مباغت في منطقة نجران.

هذا على الصعيد الميداني، أما في الميدان الديبلوماسي فقد تجلى الحضور الإيراني في الأمم المتحدة هذا العام بأبهى صوره على الرغم من كل المحاولات التي بُذلت لعزل إيران من قبل الإدارة الأميركية بدءاً من التلكؤ في إعطاء التأشيرات للرئيس روحاني والوفد المرافق على الرغم من أن الإتفاقية الموقعة بين الولايات المتحدة والأمم المتحدة توجب تسهيل أمر حضور وفود الدول الأعضاء للمشاركة في اجتماعات الأمم المتحدة، ولما أرغم ترامب على إعطاء التعليمات لوزارة الخارجية بإصدار التأشيرات وفي الساعات الأخيرة، فإنه تم تحديد الأعضاء إلى أقصى حد واقتصار مدة التأشيرات على أيام معدودة أيضاً، ولم تعطَ التأشيرات للفريق الإعلامي المرافق بالكامل، وهذا يدل على الخوف من النشاط الإعلامي الإيراني وفضح الأكاذيب التي يبثّها دونالد ترامب وأركان إدارته، وفي محاولة للتضييق على تحركات الوفد الإيراني على الأرض فقد تمّ تحديد مجال حركة أعضائه واقتصاره على مبنى الأمم المتحدة والفندق الذي ينزل فيه الوفد وتم منع ذهاب أي عضو في الوفد المختصر أصلاً حتى لأداء فريضة الصلاة في أحد المساجد في نيويورك خوفاً من التواصل بين الوفد وأحد من أفراد الجالية الإسلامية، ومُنع وزير الخارجية حتى من عيادة مندوب إيران في المنظمة الدولية المصاب بالسرطان والراقد في المستشفى على بُعد أمتار من مبنى الأمم المتحدة.

لكن على الرغم من كل هذه المضايقات فقد بدأت اللقاءات المكثفة فور وصول وزير الخارجية محمد جواد ظريف مع نظرائه المتواجدين في مبنى الأمم المتحدة وتهافت وزراء الخارجية في عشرات الدول للقاء وزير الخارجية الإيراني، واتصل به أيضاً عدد من أعضاء الكونغرس الأميركي هاتفياً، وهذا النشاط المكثف أغضب كثيراً الذين جعلوه في قائمة العقوبات وشنّوا ضده أشد الحملات بغية عزله، ولما وصل الرئيس روحاني إلى نيويورك ففد تسابق رؤساء الدول الكبرى والمتوسطة والصغرى على طلب مواعيد للقائه ومنهم الرئيس الفرنسي ورئيس الوزراء البريطاني اللذان حاولا جاهدين تهيئة الأجواء للقاء ولو شكلياً بين روحاني ودونالد ترامب، ووعد الرئيس الأميركي للرجلين وكذلك للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بأنه سيلغي كافة العقوبات فور حصول اللقاء إذا وافق الرئيس روحاني على ذلك، لكن الإيرانيين لا يثقون بكلام ترامب الذي لم يحترم توقيع بلاده على الإتفاقية ولم يحترم الإجماع الدولي في مجلس الأمن وتأييد ممثل بلاده للقرار، ولأن هناك سابقة تاريخية حيث وعد عمرو بن العاص أبا موسى الأشعري أثناء التحكيم بعد وقعة ((صفين)) أن يخلعا معاً علياً ومعاوية، ولما تقدم الأشعري وصعد المنبر وأعلن خلع علي عليه السلام من الخلافة صعد بعده ابن العاص المنبر وأكد موقف الأشعري لكنه أعلن تمسكه بمعاوية في الحكم خلافاً للإتفاق؛ وهذه الحادثة التاريخية محفورة في أذهان المسؤولين الإيرانيين والشعب الإيراني ولا يهتمون بالعبارات المنمقة التي يستعملها ترامب في ((احترام الشعب الإيراني)) وما يقوله الزعماء الأوروبيون في تمسكهم ببنود الإتفاق ومحاولتهم تليين موقف الرئيس الأميركي، حيث أنهم في المحصلة لم ينفذوا شيئاً مما تعهدوا به في الإتفاق النووي بحجة عدم قدرتهم على مناهضة القرارات الأميركية كون الإقتصاد العالمي مرتبط كلياً بالدولار الأميركي رغم أن اليورو المستعمل في غالبية دول الإتحاد الأوروبي غير خاضع للدولار في أغلب حركته لوجود مصرف مركزي أوروبي وانعقاد كافة التعاملات بين الدول الأعضاء ومع الدول الأخرى باليورو، لكن التصرف الإستكباري الأرعن لدونالد ترامب واستعماله ورقة الإرتباط الإجباري للشركات الأوروبية في حالات عديدة مع الولايات المتحدة كسلاح لإشهاره في وجه المتعاملين مع إيران هو بعبارة أخرى الإرعاب الإقتصادي، فليس الإرعاب هو شهر المسدس الحربي في وجه أحد تهديداً فقط بل التهديد بأية وسيلة بغرض الحصول على المطلب بغير حق هو الإرعاب مهما كان نوع السلاح وشكله ولونه.

أما وسائل الإعلام التي تتحكم كثيراً بنبض الرأي العام العالمي فقد كانت مسخّرة طوال فترة تواجد الوزير ظريف والرئيس روحاني في نيويورك لإطلالاتهما رغم كافة المحاولات التي بُذلت لحرف الأذهان عن الخطاب الإيراني من خلال ترتيب عدد من المؤتمرات الصحفية في الزمان والمكان نفسه لعل ذلك يمنع من بيان الحقائق التي يحاول ترامب وفريقه حجبها عن الشعب الأميركي وفضح الأكاذيب التي تلقّن كل يوم للعقول البريئة من قبل ترامب المشهور اليوم بـ ((الكذاب)) لأن عدد كذباته حتى الآن قد فاقت العشرة آلاف حسب إحصاء وسائل الإعلام الأميركية، وقد اضطرت إحدى قنوات التلفزة الأميركية إلى قطع البث المباشر لكلامه وعدم نشرها كذبه الصريح.

ومن المصاديق البارزة الأخيرة لكذب الرئيس الأميركي هو توسله برئيس الوزراء الباكستاني والرئيس العراقي ووزير الخارجية العُماني للإستفادة من علاقاتهم الطيبة مع الجمهورية الإسلامية والتوسط لقبول إيران ترطيب الأجواء ولو قليلاً مع الإدارة الأميركية، وهذا ما كشفته كافة وكالات الأنباء، فيما يدّعي ترامب كل يوم أن الإيرانيين هم يريدون الإتفاق معه وأنه هو الذي يتردد في ذلك.

وبالمناسبة فإن الرئيس الأميركي الذي أعلنت إدارته الحرس الثوري حركة إرعابية يتواصل مراراً قادة أساطيله المتواجدين في المنطقة و بصورة مباشرة مع الحرس الثوري عبر اللاسلكي لتحاشي الصدام وتسهيل حركتهم في بعض الأحيان، وهذا أيضاً من مصاديق الكذب والنفاق عند الأميركيين.

لكن في الجانب الآخر يرى العالم كله صدق مواقف وثبات الجمهورية الإسلامية وحلفائها، فلما أعلنت إبران إسقاط الطائرة التجسسية المسيّرة الأميركية الأحدث كذّب الخبر ترامب شخصياً أول الأمر، ثم قال إن ذلك كان في المجال الجوي الدولي، وقال أنه سيُظهر الأسطول الأميركي المتواجد في المنطقة قطعات الطائرة أمام العالم، ولما أظهر الإيرانيون تلك القطعات التي التقطوها من قاع البحر في المياه الإقليمية الإيرانية سكت عن الكلام، ولما أعلن حزب الله بأنه أسقط طائرة صهيونية مسيّرة أتى التكذيب أولاً ثم أقرّ قادة الصهاينة بالأمر بعد نشر صور قطعات إحداها المتناثرة والأخرى التي تمت السيطرة عليها سليمة، وفي العراق نجح الحشد الشعبي مراراً من إسقاط عدد من الطائرات المسيرة الصهيونية والأميركية أثناء غاراتها على مواقعه فأتى التنصل أولاً ثم جاء الإذعان بذلك بعد نشر صورها فجاء التذرع بحق الدفاع عن النفس من جانب القوات الأميركية، وفي غزة المحاصرة من كل جانب يتم إسقاط الطائرات الصهيونية المسيرة مراراً على يد أبناء المقاومة وتوعدوا بإصابة تل أبيب بصواريخهم وصدقوا في وعدهم، ولم ينفع نظام القبة الحديدية الذي تفتخر به إسرائيل.

إذن جاءت زيارة الأمين العام لحزب الله اللبناني للعاصمة الإيرانية وبرفقة اللواء قاسم سليماني المسؤول المباشر عن النشاطات العسكرية الإيرانية في الخارج كخاتمة لمجموعة زبارات الأطراف المتحالفة ضد الإستكبار الأميركي والسائرين في ركبه، وللإستهزاء بالقرار الأميركي الذي أعلن حرس الثورة الإسلامية منظمة إرعابية وحزب الله منظمة إرعابية.

السيد صادق الموسوي

 

الوسوم