بيروت | Clouds 28.7 c

من هنا نبدأ / لماذا تحمي اميركا لصوص لبنان؟ بقلم: حسن صبرا

من هنا نبدأ / لماذا تحمي اميركا لصوص لبنان؟ بقلم: حسن صبرا

مجلة الشراع 27أيلول 2019 العدد 1918

 

الأجهزة الاميركية المعنية بمتابعة أمور لبنان، تحتفظ بملفات عن لبنانيين من مختلف الاتجاهات والاختصاصات، سياسيين، اقتصاديين، مثقفين، اعلاميين، عسكريين، أمنيين، أصحاب جامعات ومستشفيات وكسارات وتكاد معرفة الاميركان بلبنان تصل الى معرفة أحوال بوابي العمارات.

ومع هذا

فهم يجهلون، والأصح أنهم يتجاهلون أوضاع كبار كبار المسؤولين في لبنان، يتجاهلون مصادر أموالهم وعقاراتهم وحساباتهم المصرفية ليس في لبنان فحسب حيث السرية المصرفية، بل حتى في البلاد التي هرّب اليها هؤلاء المسؤولون أموالهم وهي ليست في جزر واق الواق، او في مثلث برمودا او في صحارى سيبيريا الجليدية.. انها في مصارف مرتبطة بمقاصة نيويورك تحديداً وهي عاصمة المال العالمية.

لماذا؟

لأن الأميركان يعتبرون ان أولويتهم في المنطقة الآن هي خنق حزب الله مالياً تمهيداً لعزله في البلد ثم لفض الناس عنه، وخصوصاً من بيئته الشيعية، ولاحظوا حجم التركيز على كل مصلحة او مؤسسة او رجل أعمال شيعي سواء داخل البلاد او خارجها، وخصوصاً في بلاد أميركا اللاتينية وأفريقيا.

الاميركان يعتقدون ان خنق حزب الله مالياً يمر عبر مراعاتهم وتسامحهم مع القوى الأخرى، سواء التي تناصب الحزب العداء او الخصومة، او تلك المستفيدة من دعم حزب الله لها سياسياً ومسؤولية.

يسمح الاميركان لأي كان في لبنان ان يسرق وان يهرّب الأموال وان يعقد الصفقات وان يوصل البلاد الى حافة الافلاس، طالما هذا (الأي كان) يمكن ان يساعدهم في خنق حزب الله، اما اذا كان مواطناً شيعياً بالتحديد، يضع أمواله في مصرف صغير، ويشتبه فيه الاميركان بأنه يوفر خدمة لحزب الله، فيتم وضعه على لائحة العقوبات الاميركية.. وهات يا ملاحقات في الداخل وفي الخارج.

انهم يرون طائراً على بعد آلاف الكلمترات في غابات الامازون ولا يرون القذى في عين حليف لهم وهو على بعد ربع متر عنهم.

هذا أولاً.

ثانياً، ما يمنع كشف اللصوص لبعضهم انهم نجحوا في تنظيم مصادر مسروقاتهم، فهذا يسرق من الكهرباء. لا يقترب ممن يسرق في الكسارات، والاثنان لا يقتربان ممن يسرق في مشاريع الطرقات وجميعهم لا يقترب أي منهم ممن يسرق من القمامة..

نجحوا بعد تجربة في ان ينظموا أمورهم حتى لا يختلفوا فيفضح بعضهم بعضاً، وبذلك تضيع على الجميع.

كارثة الكوارث هي قصة الكهرباء.. ممنوع حلها كما حلتها دول أخرى سواء كانت متقدمة او متخلفة او بين بين، اذ ان حصة لصوص الكهرباء هي من ضمن الـ 2 مليار دولار التي تسرق عبرها.

كل دول العالم وجدت حلاً لمسألة الكهرباء خلال سنة وبتكلفة لا تزيد عن ميزانية سنة واحدة في لبنان.

لصوص الكهرباء في لبنان، وهم ليسوا الذين يعلقون شرائطهم على أشرطة كهرباء الدولة الرسمية، لا يريدون حل المشكلة، لأنها درت عليهم نحو 25 مليار دولار توزعت بين أمنيين وسياسيين سوريين كانوا أدوات آل الاسد لاحتلال لبنان، وبين مسؤولين لبنانيين أوصلوا مصاريف الكهرباء الى 36 مليار دولار خلال أكثر من عقدين، وهي الآن تنهب 60 % من ميزانية الدولة اللبنانية.

لصوص الكهرباء وغيرهم يريدون مداراة سرقاتهم بجريمة أخرى وهي سرقة أموال متقاعدين او موظفين حتى لا يعترف هذا اللص الكبير بما سرقه خلال مسؤولياته فيطالبه الناس والاعلام والقضاء برد تلك المسروقات.

وكم كان واضحاً وصريحاً ومنذراً أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله وهو يطالب برد المنهوب من المال العام.. ولكن على من تقرأ انذارك يا سيد حسن؟

يا أهل الخير

عندما يتجرأ اللصوص على السيد حسن نصرالله، وعندما لا يهتموا بتهديداته بمطالبته اياهم برد المال المنهوب.

وعندما يوغلوا في المزيد من السروقات.

وعندما يوزعوا السمك في البحر بينهم قبل اصطياده اي قبل استخراج وبيع النفط وهي عملية ستستغرق 7 سنوات للبدء بها.

وعندما نسمع أنباء عن ان بعض اللصوص لا يريدون تطبيق مقررات ((سيدر)) لمساعدة لبنان – تطبيقاً وليس قبول المساعدات والقروض والهبات- الا عبرهم فمنهم المتعهدون اللصوص ليس أكثر منهم انما من صغارهم، وهم لا يريدون اشراف الدول المانحة او المقرضة او المشاركة على أي مشروع يحتاجه لبنان، بل يريدون فقط تلزيم متعهدين يعملون تحت أحذيتهم.

عندما يصل فجور اللصوص وعهرهم وجشعهم وغرورهم الى هذا الدرك الأسفل من السفالة وقلة الاخلاق.. فعليك ان تتأكد بأن اميركا هي التي تحمي هؤلاء.. فلماذا؟

البعض يسارع الى القول لأن اميركا لا تريد انهيار لبنان.. ولكنها لا تريد ايضاً شفاءه من مرضه.. اميركا تريد لبنان دائماً في غرفة الانعاش ليظل محتاجاً الى الاوكسجين وهو الشفافية والنزاهة، وهي تعرف ان هاتين القيمتين شبه مفقودتين في لصوص البلد.. تماماً كما كان احتلال آل الاسد للبنان يتعامل معه سياسياً طيلة 30 سنة..

ومثلما جاء آل الاسد بلصوص ومذلولين وانتهازيين وحثالات ومعدومي كرامة لحكم لبنان ليسرقوا من خلاله كذلك تريد اميركا معاقبة حزب الله بجعل لبنان في غرفة انعاش يعجز الحزب عن توفير متطلباته في المال او المساعدات او الشفافية والنظافة والنزاهة، فمعركته الكبرى هي مع العدو الصهيوني، ومن خلال هذه المعركة يتنازل للصوص لبنان كي يكونوا معه، او حتى لا يغدروا به ويطعنوه في ظهره، او يبيعوه عند أول مفترق.

فهل يصدق أحد ان السيد حسن نصرالله عاجز عن منع اللصوص من السرقة، اذا تصورنا انه عاجز عن الزامهم برد ما نهبوه خلال عقود؟

نصرالله ليس عاجزاً ابداً.. نصرالله يحتاج الى من يقف معه في هذه المرحلة التي يهدد فيها دونالد ترامب ايران ويخوض معركة خنق حزب الله في لبنان، ولأن هناك علاقة جدلية بين الحزب وايران، ولأن البادىء بإيران سيتابع في لبنان، والعكس صحيح فهذا ما يفسر لماذا يجهر السيد حسن نصرالله بولائه الشديد للمرشد الأعلى في ايران.. الى هذه الدرجة.

حزب الله يعرف ان حرب دونالد ترامب ضد ايران تستهدفه.. وهل هي مصادفة محاولة اميركا تجفيف مصادر تمويل حزب الله في لبنان والخارج بدءاً من ايران، في وقت واحد مع غض الطرف عن اللصوص للاستمرار في سرقاتهم؟ ولا تصدقوا للحظة ان اميركا ستعاقب سنياً او شيعياً او مارونياً او غيرهم خارجاً عن حزب الله، او حتى مسانداً له، لأنها تحتاج هؤلاء في وقت ما.

وللأسف بل ومن مفارقات القول ان اميركا وحزب الله مختلفان في كل أمر.. الا في الموقف من لصوص لبنان.. فكروا وحاولوا حل هذا اللغز.

حسن صبرا

 

الوسوم