بيروت | Clouds 28.7 c

خاتمي يناشد العالم: ترامب يهدد بإفناء البشرية؟!/ بقلم: السيّد صادق الموسوي

خاتمي يناشد العالم: ترامب يهدد بإفناء البشرية؟!/ بقلم: السيّد صادق الموسوي

مجلة الشراع 9 آب 2019 العدد 1912

 

ما حدث الأسبوع الماضي من فرض عقوبات من جانب الحكومة الأميركية على وزير الخارجية الإيراني الدكتور محمد جواد ظريف يدل على خروج الرئيس الاميركي دونالد ترامب وإدارته على أوليات الأمور للتعامل بين الكيانات منذ تأسيس المجتمعات البشرية على الأرض، فبالرغم من أنه لا تأثير عملياً لهذه العقوبات على تحركات الوزير الإيراني على نطاق الأمم المتحدة طبقاً للمعاهدة بين الأمم المتحدة والولايات المتحدة ووجوب إعطاء التأشيرة الأميركية له لحضور اجتماعات المؤسسات التابعة للمنظمة الدولية، ومع أن التضييق على تحركات الوزير ظريف سبق إعلان فرض العقوبات عليه حيث حظر عليه التحرك داخل مدينة نيويورك خارج مبنى الأمم المتحدة وممثلية الجمهورية الإسلامية ومقر إقامة ممثل ايران لدى المنظمة الدولية وتمّ منعه حتى من الوصول إلى أي مسجد لأداء الصلاة فيه والدخول إلى أي مطعم لتناول الطعام فيه وارتياد أي متجر لشراء سلعة استهلاكية ضرورية له، لكن هذا الإعلان يؤكد وصول ترامب ومن معه إلى مرحلة الجنون بعدما فقدوا الأمل في إجبار إيران من خلال ألوان وأنواع الضغوط كافة على الرضوخ لهم والقبول بمقترحاتهم، بل انعكس الأمر حيث أقدم الإيرانيون على إسقاط رمز الهيمنة الأميركية الطائرة المسيّرة الأحدث والأغلى ثمناً دون أن يجرؤ الرئيس الأميركي على القيام بأي رد فعل على ذلك، ولما أوقفت بريطانيا ناقلة النفط الإيرانية في مضيق جبل طارق قابلت إيران ذلك بإيقاف ناقلتين بريطانيتين خارج مياه الخليج ولم تستطع بريطانيا العظمى فعل شيء سوى التوسل بهذا وذاك للتوسط مع الإيرانيين لعلهم يطلقون سراحهما، وإن صحت رواية خطيب الجمعة في النجف الأشرف فإن البريطانيين ارفقوا ترجّيهم ذلك بالقسم بأبي الفضل العباس أخي الإمام الحسين عليه السلام كونهم يعلمون منزلته الخاصة عند عموم العراقيين من مختلف المذاهب والطوائف لعل ذلك يثير العاطفة ويؤدي إلى نتيجة، والرئيس الفرنسي أيضاً يتواصل مراراً مع الرئيس الإيراني طالباً تخفيف التوتر في المنطقة.

وكان جواب الإيرانيين على الولايات المتحدة أن زمن الإستقواء على الشعوب في القاموس الإيراني قد ولّى بل إن الطائرة الإيرانية المسيّرة هي التي صارت تحلق اليوم فوق الأسطول الأميركي وتراقب تحركاته وتزود القيادة العسكرية في طهران بالمعلومات المطلوبة ولا تستطيع الدفاعات الأميركية المتطورة حتى كشفها فكيف يمكنها إسقاطها.

وإن العادة عند الدول كافة أن الإعلان عن الأمور العسكرية يتمّ عبر الناطق باسم الجيش أو من خلال وزير الدفاع في الحالات الخاصة، لكن الذلّ الأميركي وصل إلى حد أن انبرى الرئيس الأميركي بنفسه لإعلان إسقاط الطائرة الإيرانية المسيّرة، وسريعاً ما تبين كذب هذا الإدعاء حيث نشر الإيرانيون صوراً تثبت تمكن الطائرة الإيرانية من القيام بالمهمة الموكلة لها ولم يتمكن ترامب من نشر أية صورة تدل على إصابة أو إسقاط الطائرة الإيرانية على الرغم من إعلانه عن قرب القيام بذلك، ولما أُحرج ترامب أمام الرأي العام قال إن الطائرة الإيرانية صارت في قاع البحر ولا يمكن الوصول إليها، في حين تمكنت القوات الإيرانية قبل ذلك من انتشال قطع الطائرة الأميركية المسيّرة التي أسقطتها من مياه الخليج وإظهارها أمام العالم.

إن أصدقاء اميركا من دول الخليج التي راهنت على القوة الأميركية والعداء المستحكم من جانب ترامب تجاه الجمهورية الإسلامية وقدمت إليه مئات المليارات من ثروات شعوبها لكسب ودّ السيد ترامب اكتشفت مؤخراً أن لا مفرّ من التقارب مع إيران والتفاهم مع القيادة الإيرانية فكان السبّاق في ذلك الإمارات العربية المتحدة حيث خرجت من ساحة الحرب الخاسرة في اليمن ثم بادرت إلى الانفتاح على ايران وأرسلت ممثليها طالبة فتح صفحة جديدة من العلاقات الطبيعية، وكان الإتفاق بين القيادات العسكرية في البلدين للتعاون والتنسيق في ضمان الأمن وضبط الحدود المشتركة، ولحقتها المملكة العربية السعودية حيث تجاوزت حالة العداء الشديد السابق واستقبلت الحجاج الإيرانيين بالورود والحلوى ورحبت بهم باللغة الفارسية ((خوش آمديد)) وأبلغتهم التحيات الحارة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وزادت هذا العام على حصة إيران المحددة 2000 حاج كبادرة حسن نية، وأفرجت عن ناقلة النفط الإيرانية التي احتجزتها من قبل في البحر الأحمر وعالجت أحد أفراد طاقمها في مستشفاها وسلمته بكل احترام إلى السلطات الإيرانية، وهناك مفاوضات بين السعودية والجمهورية الإسلامية لاستئناف رحلات العمرة بعد التوقف عن أدائها إثر الهجوم على سفارة المملكة في طهران وقنصليتها في مدينة مشهد المقدسة.

إن الأزمة التي يعيشها ترامب وفريقه عقب الخروج الإنفعالي من الإتفاق النووي مع إيران وفشلهم في إجبار إيران على التواصل معهم رغم ابداء الرئيس الأميركي ووزير خارجيته استعدادهما للسفر إلى طهران من دون أية شروط وتوسيط العراق وعُمان وغيرهما لعل طهران تلين قليلاً وتعطي لترامب أملاً ولو ضئيلاً في فتح قناة للتواصل، وحتى استغلال إسقاط الطائرة الأميركية المسيّرة للمطالبة بإيجاد خط هاتفي ساخن بين البلدين لعل ذلك يكون مدخلاً أولياً للتواصل، لكن الموقف الإيراني كان الرفض التام لأي نوع من التواصل مع هذا الرئيس بالذات، ومن جهة أخرى كانت العزلة الأميركية وعدم موافقة حلفاء واشنطن لخطواتها ضد الجمهورية الإسلامية وإعلانهم الإلتزام بالإتفاق النووي وتأسيسهم لنظام مالي خاص من أجل التعامل التجاري مع إيران مما اضطر ترامب لتليين موقفه السابق وتمديد الإعفاءات للتعامل مع الإيرانيين رغم أنه أكد من قبل أن لا إعفاءات لأحد ثم قال إن الإعفاء هو لمرة واحدة فقط، كل هذه الإخفاقات دفعت الرئيس الأميركي إلى التصرف خارج الأصول الأولية للعلاقات بين الدول وكسر القواعد المتفق عليها بين بني آدم حتى قبل تأسيس الدول، والإقدام على الخطوة الجنونية ضد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف في الوقت نفسه الذي يكرر فيه كل يوم مقولة استعداده للجلوس مع إيران من دون شروط مسبقة، ولا ندري كيف يمكنه افتراض التواصل عن غير طريق وزارة الخارجية، ولعل ترامب الذي اشتهر لدى مواطنيه بالرئيس الفوضوي وفي نظر أكثر أعضاء الكونغرس بغير المتزن عقلياً وعند وسائل الإعلام الأميركية بالكذاب يتوقع أن يجاريه باقي زعماء العالم في شطحاته وسقطاته والاستهزاء بكافة العهود والخروج عن جميع المواثيق والسخرية بالقيم الأخلاقية، وأن توافقه شعوب العالم الحرّ في منطقه العنصري الفجّ ضد الملونين حتى من أعضاء مجلسي النواب والشيوخ في بلاده.

ولأن دونالد ترامب المتعجرف واجه الصدّ من قادة الدول والرفض من الرأي العام فإنه قد يُقدم على خطوة جنونية تورط الولايات المتحدة ودول العالم في حرب عالمية تتسبب في القضاء على جميع ما أنتجته البشرية في مختلف المجالات، وتؤدي إلى مقتل عشرات الملايين من الناس الأبرياء في كل مكان على الكرة الأرضية كونه يملك الزرّ النووي، وللحؤول دون وقوع الفاجعة الكونية ندعو إلى التجاوب مع رسالة السلام التي بعثها مؤخراً الرئيس الإيراني الأسبق السيد محمد خاتمي صاحب مبادرة حوار الحضارات وتشكيل كتلة من محبي السلام في العالم ومن كافة الجنسيات والقوميات والأديان والطوائف والمذاهب والتوجهات لتقف بكل جدية في وجه التصرفات الجنونية غير المستبعدة للرئيس الأميركي والتي تهدد مستقبل البشرية بأسرها ولا تستثني دولة ولا شعباً ولا حضارة ولا قومية وذلك قبل فوات الأوان، والله على ما نقول شهيد.

السيد صادق الموسوي

 

 

الوسوم