بيروت | Clouds 28.7 c

الأمسيات الفيسبوكية

أمسى الشعر في متناول الجميع. لم يعد حكراً على الجرائد والمجلات. او على الكتب، والأمسيات المعهودة، لقد تجاوز ذلك الى قراءات شعرية عبر ((الفايسبوك)).

كل يقرأ ما يشاء من منزله، او مكتبه، او مقهاه، ثم يتم تبادل الأدوار، حيث يُمسي القارىء مستمعاً، والمستمع قارئاً، والأمسية مفتوحة على عدد كبير من الاصدقاء الذين يستمتعون بمثل هذه النشاطات المتميزة.

لم تعد هناك ضرورة ملحة لاحياء أمسيات في هذا النادي او ذاك. والوقوف عند الروتين الممل، وانتظار جمهور قد يأتي وقد لا يأتي. لقد خرجت المسألة من كل التعقيدات المعروفة التي تعيق نجاح الأمسية، لتبلغ الغاية المرجوة منها.

الأمسية الآتية من المنازل لعدد من الشعراء الشباب أمسية بسيطة، لا صعوبات فيها ولا ترتيبات مسبقة. بل بساطة متناهية في العرض، وفي القراءة، وهدوء يشعرك بالسكينة، والاطمئنان، والاستئناس بما تسمع.

أمسيات لا تحتاج الى جمهور تقليدي يتجشم مشقة الذهاب الى هذا النادي او المركز، ليحضر الأمسية التي يرغب، بل الجمهور المفترض موجود في أماكن أخرى، ويستمع الى الأمسية ساعة يشاء، وساعة يريد لمن يرغب من الشعراء، وليس مكرهاً على الالتزام بوقت محدد.

لا شك ان هذه الطريقة السلسة تدفع المعنيين الى الاهتمام بهذه الأمسيات. وبهذا النتاج. وتتمكن من استدراج عدد كبير من المشاهدين دون جهد يذكر. وهذا – لعمري – أمر جيد يخدم القصيدة العربية عبر ايصالها الى جمهور محدد او غير محدد.

لكن لماذا تقتصر مثل هذه الأمسيات على الشعراء الشباب، او على الهواة منهم في أبعد تقدير؟ ولماذا لم ينجذب الشعراء المعروفون في لبنان والوطن العربي الى التكنولوجيا والى استخدام وسائل متطورة، لتحقيق المزيد من الانتشار المفترض، والمجاني؟

يكتفي عدد من الشعراء المعروفين بكتابة نص على صفحته ((الفايسبوكية))، او بقراءة هذا النص. وهذا في كل الأحوال جيد. لكن المطلوب ايضاً هو التفاعل مع الآخر، والاحتكاك به للوصول اليه، والى أعماق ذائقته الشعرية.

أغلب الشعراء المعروفين مستأنسون بما أنجزوا. ويعتقدون انهم وصلوا الى ما لم يصل اليه الآخرون. وانهم لا يحتاجون الى الوسائل التكنولوجية التي باتت معروفة للقاصي والداني. لأن الشهرة التي حققوها باعتقادهم كافية، وقد أوصلتهم الى حيث يطمحون.

ربما أمسى أكثر الكبار خارج الزمن. فالوسائل المعتمدة اليوم بكل ما فيها من حداثة وجدة، لا تروق لكثيرين من الجيل الماضي، فالشاعر الراحل انسي الحاج على سبيل المثال لم تكن لديه صفحة ((فايسبوكية))، ولا أذكر انه تعامل مع احد عبر ((الواتس – أب)). ولم يكن يأبه كثيراً لجدوى هذه الابتكارات.

الزمن يتغير. ووسائل الاتصال تتغير. والشعر لم يبق محله بل أمسى يتحرك على ايقاع جديد. ووتيرة جديدة، تتناسب مع التكنولوجية القائمة، ومع التطورات المدهشة، على غير مستوى وصعيد.

 

لامع الحر

الوسوم