بيروت | Clouds 28.7 c

من هنا نبدأ / كان الملك سلمان.. ناصرياً – بقلم:حسن صبرا

من هنا نبدأ / كان الملك سلمان.. ناصرياً – بقلم:حسن صبرا

مجلة الشراع 26 تموز 2019 العدد 1910

 

يكاد لم يمر لقاء مع الأمير سلمان بن عبدالعزيز في منزله او في مكتبه في قصر الامارة، إلا ويردد لنا عبارة أنا كنت ناصرياً.. ثم يشرح لنا معنى كنت ليقول ((اننا ما عدنا ناصريين منذ ان طبق جمال عبدالناصر الاشتراكية لأنها جاءت بالفقر الى مصر، وليس من حق الحاكم ان يأخذ المال من الأغنياء ليوزعه على الفقراء)).

ثقافة الملك سلمان واخوانه التي يصفها البعض بأنها اسلامية.. ويرى البعض انها كانت تغطي الخلاف السياسي بين مصر والسعودية والذي بلغ ذروته في أزمة اليمن (1962- 1967)، هي ثقافة الجماعات الاسلامية على امتداد الوطن العربي وربما الاسلامي.. لكنها أيضاً ثقافة الأغنياء الذين يكرهون جمال ولا يجدون في عصره أي ايجابية ليتحدثوا عنها، بل انهم يقولون انه أخطأ في تأميم قناة السويس كما أخطأ في بناء السد العالي كما أخطأ في مجانية التعليم، كما أخطأ في التصنيع الشامل في مصر، كما أخطأ في مشروعه الوحدوي، كما أخطأ في نجدة شعب اليمن..

آخرون يرون ان جمال انحاز الى الفقراء ومتوسطي الحال فأنشأ طبقة مكتفية وسمح لأبنائها بالتعليم والثقافة والتنوير والعمل.. وكان يجب ان يكون هذا كله حكراً على الأغنياء.. ليكون ابناؤهم هم فقط الأطباء والمهندسين والصيادلة وأساتذة الجامعات..

هؤلاء يلومون جمال لأنه سمح للفقراء ان يصعدوا بالتعليم وفرص العمل من تحت الأرض ليتنشقوا الهواء النظيف، ويشاهدوا المسارح ويدخلوا قاعات السينما.

كثيرون يعتبرون ثورة جمال في 23 تموز/يوليو 1952 سبب تسلط العسكر على الحياة السياسية منذ تاريخه حتى اليوم وفي عدد من البلاد العربية..

دعونا نستعير من التاريخ العربي والديني معنى ان يكون الرسل الثلاثة موسى وعيسى ومحمد رعاة.. وقد أدى كل منهم دوره في هداية قومه الى الدين القيم بأسلوبه، فهل يصح ان يكون أي راعي غنم صاحب رسالة؟

لقد تباهى معمر القذافي بأنه راعي غنم وحكم ليبيا (42 سنة) وانظروا ماذا فعل في ليبيا..

اذن

نحن لا نقلل من رعاة الغنم وقد جاء منهم ثلاثة أنبياء ورسل، لكننا لا نفترض ان رسولاً آخر قد يجيء من بعدهم وقد وصف الله النبي محمد بأنه خاتم النبيين، ولا يمكن ان نصف أي حاكم عسكري جاء بعد جمال عبدالناصر بأنه مثله.. لا في مصر ولا خارجها.. خصوصاً وان لكل مجتمع سماته الخاصة والمميزة كما لكل صاحب سلطة في الوطن العربي تحديداً.

أما وصف تجربة جمال بأنها فشلت لأنها لم تحكم بالديموقراطية، فلا نجد أمامنا للرد سوى تجربة الصين الشعبية الناجحة جداً بكل المقاييس، وهي ربما واحدة من أكثر دول الأرض اغفالاً وانكاراً للديموقراطية.

مرّ زعماء العالم كلهم وعبروا.. انتهوا بالوفاة او بالعزلة او بالقتل.. وكتب عنهم في حياتهم الكثير وربما كتب بعد رحيلهم ايضاً.. الا جمال عبدالناصر.. انتقل الى رحمة الله منذ نحو نصف قرن (1970- 2019) وما زال عرضة للتطاول عليه، ويكاد لا يمر يوم منذ 50 سنة الا ويكتب عنه، معه وضده، حباً وكراهية، مجاناً وبالدفع المسبق.. وما زال على قيد الحياة كتبة يتطاولون عليه لأنه رفض ان يقابل أحداً منهم في حياته، او فضل آخرين عليهم، او كانوا محرومين من التمتع بمباهج الحياة التي ما عرفها جمال طيلة عصره (1952- 1970).. وهم يعيشون شبق المتعة في الطعام وفي المنام وفي مرافقة أصحاب المال والسلطة.

ومن سخرية القدر وسخافة هؤلاء انهم حين يتطاولون على جمال وعصره نجدهم خدماً وحشماً وحاشية وندماء لحكام او مسؤولين أقل ما توصف أعمالهم بأنها قمة اللصوصية والنذالة والتفاهة..

بعد كل هذا لا يمكن الندم او الأسى او الأسف لتطاول هؤلاء على جمال.. فيكفيهم ذلاً انهم اتباع شهواتهم الى مرافقة لصوص، أنذال، تافهين.

عذراً يا جمال.. لقد أطلنا النظر بين أقدامنا والآن نحن نتطلع الى الشجرة الباسقة ووجه القمر فلا نجد إلا اسمك ورسمك وجبينك مضيئاً كما عصرك.

حسن صبرا

الوسوم