بيروت | Clouds 28.7 c

محمد مرسي حكم سنة ومات ست سنوات / كتب حسن صبرا

محمد مرسي حكم سنة ومات ست سنوات / كتب حسن صبرا

مجلة الشراع 21 حزيران 2019 العدد 1905

 

لم يكن الدكتور محمد مرسي معروفاً خارج اطار جماعة ((الاخوان المسلمين)) قبل ان ترشحه هذه لمنصب رئيس جمهورية مصر العربية عام 2012، وفيما بعد قدمته بصفته مهندساً عمل في مؤسسة الفضاء الاميركية ((ناسا)) في محاولة لاضفاء صفة العلم عليه.

الجماعة التي وعدت المصريين والعالم انها لن ترشح أحداً منها للمنصب الأول في أرض الكنانة رشحت ثلاثة على الأقل هم: عبدالمنعم ابو الفتوح، سليم العوا.. ومحمد مرسي واستقر الرأي على الأخير لأن الأولين كانا كثيري النقاش (والغَلَبة باللهجة المصرية) وهو أمر يكرهه الاخوان بينما كان مرسي شديد الالتزام بما يمليه المرشد.

انتخب مرسي بأصوات مصريين من الاخوان ومن اليسار ومن نشطاء ثورة 25 يناير الذين أسقطوا حكم الرئيس حسني مبارك، وما كانوا مستعدين لانتخاب نسخة ثانية عنه هو الفريق احمد شفيق، فانتخبوا مرشح الجماعة على قاعدة عصر الليمون أي ان المصريين المستقلين واليساريين ونشطاء الثورة انتخبوا مرسي وعصروا فوقه الليمون (الحامض) حتى يتمكنوا من هضم هذه الوجبة الثقيلة!!

ومع ان الاخوان أعلنوا فوز مرشحهم من مقر مكتب الارشاد في المقطم، كانت صناديق الاقتراع المفرزة تعطي النصر لشفيق.

ومع تردد أنباء بأن سفيرة اميركا في مصر آني بترسون أبلغت المشير محمد حسين طنطاوي (وكان رئيساً للمجلس العسكري الحاكم) بأن مرسي هو الذي فاز، وعلى الجيش حمايته كرئيس، ولم يوفر الجيش الأمان لنحو 900 ألف قبطي حوصروا في قراهم ومنعوا من التوجه الى أقلام الاقتراع لانتخاب احمد شفيق.

ومع تردد أخبار بأن الاخوان هددوا بتفجير مؤسسات أساسية في طول مصر وعرضها عبر 500 اخواني لبسوا أكفانهم وتحتها الأحزمة الناسفة.

فإن فوز مرسي جاء أمراً واقعاً لم يدم أكثر من سنة واحدة كرئيس للجمهورية كانت ملأى بالمتناقضات والمضحكات والغليان والارتباكات.

أشاد محمد مرسي الاخواني مطيع المرشد القطبي (من سيد قطب الذي أعدم عام 1966 بعد محاولته الاطاحة بالحكم الناصري) بجمال عبدالناصر، وقال لعمال حلوان والمحلة جئتكم على طريق جمال عبدالناصر!!

استقبل الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد الذي تعرض للضرب عند خروجه من مسجد الامام الحسين في القاهرة..

تعرض مرسي لأوسع وأشرس هجوم اعلامي في تاريخ مصر كان عنوانه الدائم هو السخرية من شخصيته وأدائه وطواعيته للمرشد.. وكان رمز هذه الحملة الأولى هو الاعلامي باسم يوسف وبرنامجه (البرنامج).

استمع الى نصيحة رجب طيب أردوغان باقتحام الدولة العميقة وفكفكتها، فحاول الاخوان السيطرة على المجالس المحلية بإسم تعيين المحافظين، فعصيت عليه المجالس، وقبع محافظوه في مكاتبهم حتى المحافظون الناصريون من أتباع حمدين صباحي لم يستمع اليهم أحد..

حاول فكفكة الجسم القضائي المصري بطرد 3000 قاضٍ تحت زعم كبر السن بعد تخفيض سن التقاعد وجهز 3000 محامٍ اخواني واسلامي ليحلوا مكانهم.

خرج ابو العلا ماضي (اخواني مدعي الاستنارة) من لقاء مع مرسي ليعلن ان الاستخبارات المصرية شكلت عصابات من البلطجية قدر عددها بـ 80 ألف بلطجي لمجابهة الاخوان فأثار حرباً ضد الاستخبارات الوطنية.

عقد مؤتمراً علنياً لبحث أزمة سد النهضة في اثيوبيا التي سحبت 20 % من مياه النيل خلال خمس سنوات فإذا بصبي الاخوان ايمن نور يقترح وعلى الهواء ارسال طائرات مصرية لقصف السد.. ثم يتبعها بكلام يخفف فيه من هذا الاقتراح بالقول انه ((تهويش يعني)).. وضبط مرسي ضاحكاً من هذا الاقتراح الساخر.. لكن المصريين أخذوه شهادة على الهزل وسوء التخطيط والسياسة العشوائية..

استعدى الاخوان المسلمون في مصر كل قوى المجتمع المدني المصري، وسخر الاخوان من اسلام بقية المصريين عندما خرج المتحدث الاعلامي بإسمهم محمود غزلان ليقول في حديث لمجلة ((الاذاعة والتلفزيون)): ((جئنا نعلم المصريين أحكام دينهم)) وهذا يعني ان المصريين من دون الاخوان يجهلون أحكام دينهم!! أعلن كثير من النشطاء والمثقفين والفنانين نيتهم الرحيل عن مصر اذا تمكن الاخوان من حكم مصر وخلال أقل من سنة من حكمهم عبر مرسي.

أعرب كثير من المصريين الذين انتخبوا مرسي نكاية بشفيق او تجريباً لحكم اسلامي بعد فشل التجارب الأخرى في نظرهم، او استفادة من خدماتهم (زيت وسمنة ورز ولحمة وفراخ و50 جنيه للصوت الواحد..) عن ندمهم لأنهم انتخبوا مرشح الجماعة..

شهدت مؤسسات ومصانع وشوارع وجامعات مصر اضرابات واعتصامات ومجابهات عنيفة وحرائق مشبوهة.

صارت مصر تغلي خلال هذه السنة.. تنادى شباب مصري 90 % منه ناصري السياسة والثقافة لانشاء حركة تمرد لسحب ثقة المصريين من رئيس الجمهورية محمد مرسي، جمعوا خلال أشهر 33 مليون توقيع على لوائح اشترط في قبولها تسجيل الرقم القومي لكل مواطن يوقع.. حددوا يوم 30 حزيران/ يونيو لاعلان النتيجة وهو تاريخ انتخاب مرسي عام 2012.

احتشد المصريون من جديد في ميدان التحرير اعتباراً من يوم 25 حزيران/ يونيو، رفض مرسي النتيجة، طالباً تدخل الجيش لفض الاعتصام، رفض الجيش المصري التدخل.

كان المشير طنطاوي استقال من موقعه كوزير للدفاع، واقترح الفريق عبدالفتاح السيسي (رئيس جهاز الاستخبارات الحربية) مكانه، تولى السيسي موقعه كوزير للدفاع، لم يلتزم طلب مرسي فض الاعتصامات في معظم ميادين مصر ضد الاخوان، اتهمت الجماعة الجيش بأنه ضالع في تنظيم حركة تمرد وفي حملة التواقيع وفي حماية الاعتصامات بل والتحريض عليها.

يوم 3 تموز/ يوليو 2012 خرج المصريون من جديد استجابة لمطلب السيسي بالحصول على تفويض للتعامل مع الأزمة الناشئة عن اعلان فراغ منصب الرئيس بقرار شعبي كانت حركة تمرد خلفه خرج المصريون بالملايين في يوم جمعة وفي شهر رمضان، وفي شهر تموز/ يوليو كانت درجة الحرارة فيه تقارب الـ 40 درجة.

شكل السيسي هيئة وطنية لادارة أمور البلاد مؤقتاً برئاسة المستشار عدلي منصور وعضوية محمد البرادعي وآخرين، استقال البرادعي متهماً الجيش بالديكتاتورية وخرج من مصر وما زال بعيداً عنها ومعارضاً سلمياً.. حكم منصور لمدة سنة وكان ملتزماً كل ما تريده المؤسسة العسكرية. تنادى مصريون كثر لتوقيع عرائض تدعو السيسي للترشح للرئاسة، قال السيسي اذا جئت رئيساً سأجعل المصريين ينسون طعم النوم، انتخب المصريون السيسي رئيساً ونام مرسي في السجن (ست سنوات). اعتصم الاخوان وأنصارهم في ميدان النهضة قبالة جامعة القاهرة، وفي ميدان رابعة العدوية لمدة شهرين بعد دخول مرسي السجن، حولوا رابعة الى منبر مفتوح للخطابات، حشدوا قواهم الجماهيرية داخله، والأخطر ان الجماعات الارعابية نشطت في أعمال قتل وتخريب في سيناء، فسرها قائد اخواني اسمه محمد البلتاجي، بأن هذه الاعمال كلها ستتوقف اذا عاد مرسي الى كرسي الحكم، وقال محامٍ اخواني اسمه صبحي الصالح، وقد جاء به طارق البشري عضواً في هيئة كتابة الدستور التي ورط فيها المجلس العسكري الاخوان: ((ان الصراع في مصر الآن هو صراع الرسول محمد ضد كفار قريش)).

انحازت جموع المصريين خلف الجيش، تم فض اعتصام ميدان نهضة مصر باكراً، وتم فض اعتصام ميدان رابعة العدوية في شهر آب/ اغسطس 2012، وذهب ضحيته مئات الاخوان وأنصارهم (قدرتهم منظمة حقوق الانسان العربية الموثوقة بنحو 700 قتيل).

انفجرت حرب سيناء بأسماء منظمات مختلفة وكلها ارعابية اسلامية ضد الجيش المصري، انتخب المصريون عبدالفتاح السيسي ضمانة لأمن بلدهم.. سجل المصريون للسيسي انه خلصهم من حكم الاخوان، وانه جنب بلدهم مصير ليبيا وسورية والعراق واليمن (والآن السودان.. وربما الجزائر غداً).

مات محمد مرسي في السجن كرئيس سابق للجمهورية، وما زال الرئيس الأسبق حسني مبارك ملاحقاً بعدة دعاوى.. وحضر شاهداً منذ عدة أشهر في قضايا متهماً فيها محمد مرسي.

شهر حزيران/ يونيو شهر غريب في فضاء وأبراج محمد مرسي: فيه انتخب رئيساً، فيه عزل من الرئاسة ودخل السجن، وفيه مات بنوبة قلبية كان لسجنه الأثر الأكبر في حصولها.. حمى الله مصر من تداعياتها.

 

الوسوم