بيروت | Clouds 28.7 c

 الجنرال الغامض قايد صالح: أقرب للحراك الثوري أم للنظام؟ بقلم: محمد خليفة


 الجنرال الغامض قايد صالح: أقرب للحراك الثوري أم للنظام؟ بقلم: محمد خليفة

مجلة الشراع 31 أيار 2019 العدد1903

 

*العلاقة بين الجيش والحراك تقترب من حافة الصدام

*طالب الابراهيمي يتحدى الجيش: ويقود مبادرة للانقاذ الوطني

*معلومات عن انقلاب عسكري للإطاحة بالجنرال العجوز !

   

 تشير تطورات الأسابيع الثلاثة الأخيرة في الجزائر الى ظهور أزمة ثقة بين الحراك الشعبي والمؤسسة العسكرية, ممثلة برئيسها الجنرال قايد أحمد صالح لم تكن موجودة, بسبب إصرار المتظاهرين والقوى السياسية على اقتلاع النظام السابق, قبل إجراء أي انتخابات رئاسية, بينما يتمسك الجنرال الذي أصبح فعلياً صانع القرار الأوحد على ((حل دستوري)) أي من خلال النظام السابق وإجراء الانتخابات في 4 تموز/ يوليو المقبل, في ظل رئاسة عبد القادر صالح أحد الباءات الأربعة الذين شملتهم لعنة الشارع, وبإشراف حكومة يرأسها نور الدين بدوي, وزير داخلية بوتفليقة ومهندس الإنتخابات المزورة طوال عشرين سنة!.

في بداية الحراك حظي قائد الجيش بتقدير الجزائريين نتيجة دوره الحاسم في احباط ((العهدة الخامسة)) وإجبار  الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة على التنحي, ومحاكمة رموز الفساد. إلا أن هذه المكانة بدأت تنحسر بسبب إصراره على أجندة ((الحل الدستوري)) وتمسك غالبية الجزائريين ب،((حل سياسي جذري)) رافضة الانتخابات في 4 تموز/ يوليو.

تفاقم الخلاف وأنذر بأزمة وطنية كبيرة, لأنه ليس خلافاً على ((روزنامة التغيير)) وخطوات الانتقال الى نظام جديد, ولكن لأنه يخفي مخاوف وشكوكاً بأن الجيش يقاوم التغيير الجذري ويريد حلاً يجدد النظام.

ويرى بعض رموز الحراك أن الجيش لم يستجب لمطالب الشعب, بل تحرك لإنقاذ النظام الذي أسقطته ثورة 22 شباط/ فبراير وامتصاص نقمة المتظاهرين وسخطهم. ويتهم هؤلاء الجنرال صالح بعلاقته العضوية بالنظام السابق وضلوعه في سياساته وسلوكياته الفاسدة طوال عقدين, لأنه ظل موالياً لبوتفليقة حتى بدأ مركبه يغرق, وأصبح كل من فيه يفكر بطريقة للقفز منه والنجاة بنفسه. ويعتقد هؤلاء أن نظام بوتفليقة لم يزل قائماً بالدستور المطبق, والمجلس الوطني ((نواب)) الذي لم يحل, وبات رئيسه عبد القادر بن صالح رئيساً مؤقتاً للدولة, وهو من أسوأ رموز عهد بوتفليقة, ومن خلال الحكومة التي تدير البلاد, والمؤسسة العسكرية التي أمسكت بالسلطة, والمجلس الدستوري القائم, ومن خلال قانون الانتخابات الذي صاغه النظام السابق وضمنه شروطاً تعجيزية مقيدة لحرية الترشح.

هذا التباين أخذ أبعاداً خطيرة في الأسابيع الأخيرة, مع تشكل استقطاب حاد بين الشارع والجيش انعكس في هتافات الحراك في الجمعات الثلاث الأخيرة المطالب ولو بشكل جزئي باستقالة الرئيس المؤقت وقائد الجيش ذاته ورئيس الحكومة, وعارض إجراء الانتخابات الرئاسية في مطلع تموز/ يوليو, وطالب بمرحلة انتقالية تشهد تغييراً جذرياً. وفي المقابل انعكس الاستقطاب في خطابات الجنرال العجوز التي أصبحت تقليداً اسبوعياً يكرس صوته وصورته كمحرك للأحداث وحاكم فعلي للبلاد.

 بالتوازي مع هذه التطورات لاحظ المتظاهرون جنوح السلطة للقمع لأول مرة منذ 22 شباط/ فبراير وإن بحذر, ومحاولتها منعهم من التظاهر الحر في بعض الميادين, واستعمال قنابل الغاز لتفريقهم, مما وتّر العلاقة بين الشارع والجيش الذي تعهد في البداية بحماية الحراك ومنع التعدي عليه من الشرطة, ورد الحراك بتوسيع نطاق تظاهراته الى قصر الحكومة, ومجلس الدولة, وأمام المحاكم التي تحاكم المسؤولين السابقين.

 

مبادرة الابراهيمي للانقاذ

 

 بلغ الاستقطاب والانسداد وغياب الحوار السياسي درجة التكهن بعودة البلاد الى حكم العسكر, وعودة القمع على نحو ما جرى في التسعينيات. وفي ظل هذا الاحتقان المهدد بانزلاق البلاد للعنف تقدمت ثلاث شخصيات كبيرة بمبادرة للحل لقيت بسرعة ترحيباً من الشارع والقوى السياسية, هم وزير الخارجية الأسبق, وابن العلامة البشير الابراهيمي رئيس جمعية العلماء الاسلامية وأحد أعظم رموز ثورة التحرير 1954 د. احمد الابراهيمي. والحقوقي علي عبدالنور المدافع عن حقوق الانسان منذ تسعينيات القرن الماضي. والجنرال  المتقاعد رشيد بن يلس الذي يحظى باحترام كبير لماضيه رئيساً لأركان الجيش في الثمانينات وعدم تورطه بالفساد أو بالقمع.

طالبت المبادرة بحوار بين المؤسسة العسكرية والحراك الشعبي ((على غرار ما يجري في السودان)) للاتفاق على خطوات الحل والتغيير الجذري تنفيذاً لإرادة الشعب, على أساس المزاوجة بين الحلين الدستوري والسياسي, لأن البديل هو الصدام بين الشعب والمؤسسة العسكرية.

لقيت المبادرة تأييداً شعبياً, ورفع المتظاهرون لافتات مرحبة, ونشرت وسائل الاعلام مقالات وتعليقات ايجابية, فضلاً عن ترحيب أحزاب وشخصيات سياسية بها.

 أما الجنرال قايد بن صالح فتجاهلها في خطاباته. وذكرت مصادر محلية أن المؤسسة العسكرية مستاءة بصمت من مبادرة الإبراهيمي لأنها تعي مكانته بين الجزائريين, ولذلك أمرت الجنرال بن يلس بالانسحاب من المبادرة, فأطاع الأمر العسكري! . كما انسحب علي يحيى عبدالنور بسبب مرضه وكبر سنه, وبقي الابراهيمي وحيداً. وكشفت مواقع اعلامية أن المبادرة جاءت استجابة لطلب شخصيات وقوى سياسية دعته لتحمل مسؤوليته لإنقاذ الجزائر من أخطر أزمة تواجهها منذ الاستقلال. وقال عنها ((لو لم تكن الجزائر في خطر حقيقي لما عدت للعمل السياسي بعد أن اعتزلته منذ سنوات)) . ووصف بعض المعلقين الابراهيمي بـ(( رجل الإنقاذ)) لأنه يتمتع بإجماع وطني أكثر من أي شخص آخر لقيادة المرحلة الانتقالية بدلاً من بن صالح لما يتميز به من اعتدال وكفاءة وخبرة .

أمام هذه التطورات ظهر إتجاه قوي لمقاطعة الانتخابات الرئاسية في تموز/ يوليو القادم, ولم يترشح أي شخصية وطنية مهمة, واقتصر مقدمو طلبات الترشيح على 74 شخصاً, ما لبثوا أن انسحبوا من السباق قبل إغلاق باب الترشيح يوم 25 أيار/ مايو الجاري خوفاً من غضب الحراك عليهم, ولم يبق سوى مرشحين اثنين, مما يعني استحالة إجراء الانتخابات!.

ونتيجة لذلك أصبح إجراء الإنتخابات غير ممكن عملياً , ويتوقع المحللان الجزائريان أمين بلعمري والأخضر فراط أن يضطر قائد الجيش للاعلان قريباً عن تأجيل الانتخابات والبحث عن سيناريو مقبول, وإلا فإنه يخاطر بدفع البلاد الى صدام مع الشعب. وأما المعارض الشهير محمد العربي زيتوت ((عسكري منشق منذ التسعينيات)) فيتوقع حدوث انقلاب عسكري يطيح بقايد صالح لمنعه من دفع البلاد الى أتون أزمة دموية أخطر مما شهدته الجزائر في التسعينيات.

 

الوسوم