بيروت | Clouds 28.7 c

عسكر السودان مدعوم عربياً ومدنيوه منقسمون داخلياً / بقلم: محمد خليفة

عسكر السودان مدعوم عربياً ومدنيوه منقسمون داخلياً / بقلم: محمد خليفة

مجلة الشراع 24 ايار 2019 العدد 1902

 

*الصادق المهدي وأسرته متورطون بجرائم النظام السابق ويقسمون صف الثوار    

*الهجوم المسلح أكد استمرار ((كتائب الظل)) فما علاقتها مع المجلس العسكري ؟!

 

 

 اعتبر الاتفاق الأولي الذي توصل اليه الطرفان الرئيسيان, قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري انجازاً كبيراً في محادثاتهما, لأنه حسم مسائل مهمة, وخصوصاً مدة الفترة الانتقالية بثلاث سنوات, وتشكيل ثلاث سلطات تدير البلاد, مجلس سيادي مشترك من العسكر والمدنيين, وحكومة تكنوقراط مدنية, وهيئة تشريعية تضم 300 عضو, ثلثاها لقوى الحرية والتغيير, والثلث لبقية الأحزاب السياسية.

إلا أن الاتفاق لم يمنع تجدد الخلافات, ولا الشد والجذب. إذ ما زالت المماحكات للأسبوع التالي تعيق المفاوضات, بدليل تعليق الجلسات لمدة ثلاثة أيام من جانب المجلس العسكري, واعتبر ضغطاً على الجانب الآخر, فضلاً عن وجود خلافات جوهرية في تفاصيل الاتفاق ذاته.

الأهم من ذلك حوادث اطلاق النار والهجوم على المتظاهرين في ساحة الاعتصام يوم 13 أيار/ مايو والتي أدت الى إصابة أكثر من عشرة معتصمين مدنيين ومقتل ضابط من الشرطة العسكرية. إذ اعتبر بعض المحللين الحادث الذي جاء بعد تعليق المفاوضات مباشرة عملية ضغط من العسكر على قوى الحرية لتقبل بشروطها التي تستند الى أن حالة البلاد الأمنية تتطلب انهاء مرحلة المفاوضات بسرعة وإعطاء الجيش صلاحيات واسعة في المجلس السيادي. وهناك من رأى في الهجوم المسلح دليلاً على أن مؤسسات النظام السابق (((كتائب الظل)) ما زالت حية وفاعلة, وتحاول تخريب الثورة بأساليب مختلفة بدليل أن الهجوم إستهدف العسكر والمدنيين معاً. إلا أن المشككين بنوايا العسكر رأوا في الحادث دليلاً على تواطؤ بين المجلس العسكري والدولة العميقة, هدفه احتواء الثورة وإحباطها لصالح حل وسط بين مطالب الشعب السوداني, وأنصار النظام السابق, لا يمضي بعملية التغيير والتطهير الى مداها المطلوب, ولا يصل الى رقاب قادة النظام السابقين المسؤولين عن الفساد والاستبداد.

دور المهدي وأمثاله

يوم الاثنين في 13- 5- 2012 أخفق الجانبان مرة أخرى في الاتفاق على نسب التمثيل بينهما في المجلس السيادي, ورئاسته وصلاحياته, حيث يتشبث كل منهما بمطالبه, لأنه يعلم أنها الحد الفاصل بين من يقبض على مقود  السلطة الفعلية في المرحلة الانتقالية, ومن تكون له الكلمة الفاصلة في تقرير إجراءات الانتقال الى النظام الجديد.

في هذه المفاوضات التي تحولت ((معركة حاسمة)) يتوقف عليها مصير الثورة, يمتلك العسكر أوراقاً تفاوضية أقوى من الجانب الآخر, أهمها وحدتهم التامة, وقدرتهم على التلاعب بالعوامل الأمنية دعماًَ لموقفهم, وحصولهم على مساندة دولية خارجية, من الدول العربية والاقليمية, في الأسابيع التي أعقبت إزاحة الطاغية. وأما الورقة السرية في أيديهم, فهي الخلافات الجدية والعميقة بين أطراف قوى الحرية والتغيير, تمنعهم من التفاوض كجبهة متراصة على رؤية مشتركة وبرنامج عمل موحد فيما بينهم, ووجود قوى رجعية وقريبة من النظام السابق تشاطر العسكر عدم رغبتهم بتعميق التغيير والتطهير والمحاسبة, نتيجة تورط بعضها في فساد وجرائم النظام السابق.

 يأتي على رأسها مثلاً زعيم حزب الأمة وطائفة الأنصار ورئيس وزراء أسبق هو الصادق المهدي الذي كان السودانيون يتوقعون منه موقفاً ثورياً أكثر جدية ومصداقية في مواجهة البشير طوال ثلاثين سنة, وعلى الأخص بعد عودته من منفاه الاختياري, لأنه كان يملك سلاح الشرعية لكونه آخر رئيس حكومة منتخب قبل إنقلاب 1989, بيد أن المهدي هادن البشير وتصرف بطريقة تصالحية مع النظام السابق وفاوضه مرات عديدة في أديس أبابا وفي جيبوتي وفي اوروبا, وكافأه البشير بضم عدد من أسرته وحزبه الى حاشيته. وعندما ثار الشعب سخر الصادق منه ووصفه ((بوخة)) أي هوجة مؤقتة. ولكن مع صمود الإنتفاضة وانتشارها عبر الاقاليم وانضمام القوى السياسية  والنقابية, سارع الى محاولة تصدرها معتمداً على إرثه, فشكل جبهة ((نداء السودان)), وفي الوقت نفسه حجز موقعاً في ((قوى الحرية والتغيير)) أكبر تحالف سياسي حالياً ووقع على ميثاقه, وأصبح جزءاً منه, ولكنه ظل يراوح بين تأييد حذر للعسكر, ويعتبرهم جزءاً من الثورة تارة, وتارة أخرى يطرح ميثاق ((الخلاص والحرية والمواطنة)) الذي ينظر له كبديل مضاد لبيان الحرية والتغيير الذي سبق أن وقع عليه حزب الأمة القومي الذي يرأسه الصادق!

المهدي واحد من شخصيات وقوى عديدة تصطف مع الثورة حالياً, لكنها تتبنى مواقف ومطالب غير ثورية, تجاوزتها حركة الشارع والأحداث, ولم تعد تقبل بها الناس.

السبب في هذا التذبذب بين الثورة والعسكر يكمن في أن المهدي متورط تماماً في علاقات مشبوهة مع النظام السابق, وأي محاسبة له ولرموزه ستطال أسرة المهدي فإبنه عبدالرحمان كان من أقرب مساعدي البشير اليه, وابنه الآخر بشر أحد كبار مسؤولي الاستخبارات! والمهدي ظل دائماً يستجيب لمبادرات البشير الكاذبة للمصالحة بحجة تعزيز الوحدة الوطنية, للتغطية على نظامه الاجرامي, وشارك الصادق المهدي في لقاءات كثيرة مع البشير أو ممثليه في عواصم عديدة, ولم يتخذ مرة واحدة موقفاً صلباً من جرائم البشير, أو الدفاع عن الديموقراطية.

البشير ليس وحده الذي قفز الى صف الثورة متأخراً, بل هناك كثيرون تسللوا الى قوى الحرية والتغيير, ليعيقوا حركتها لا لدعمها. هذه الحقيقة تظهر الآن آثارها, بوجود تباينات وخلافات جدية بين الأفرقاء, يضعف موقفهم التفاوضي, ويقوى المجلس العسكري!

 

الوسوم