بيروت | Clouds 28.7 c

ترامب يتوسل / بقلم السيد صادق الموسوي

ترامب يتوسل / بقلم السيد صادق الموسوي

مجلة الشراع 17 ايار 2019 العدد 1901

 

على عكس ما تبدو العراضات والبيانات الأميركية في الأيام الأخيرة فإن الواضح أن ترامب التاجر يريد البضاعة ولا يريد العراك، انه يبدي فتلات عضلاته وعينه على السلعة، لكنه نسي أن الإيراني هو أيضاً معروف بأنه ماهر في حياكة السجاد حتى أن السجاد الأغلى ثمناً في العالم هو ما يسمى بـ ((العجمي))  أي الذي يحيكه الإيراني بكل أناة وطول بال، فإذا كان ترامب انطلق من  رأس المال الذي أخذه من أبيه صاحب بيوت الدعارة وكسب ملايين الدولارات بحنكته ومن مجال والده نفسه، فإن تاريخ الإيراني يثبت أنه يقطع الرقبة لا بالسيف البتار بل بالقطنة كما يقال.

هذا في الإطار العام، أما في الواقع الميداني فإن ترامب وصل إلى الرئاسة عن طريق الخطأ حتى أن المجلة الأميركية المعروفة Newsweek وضعت على غلافها صورة هيلاري كلينتون وعنونت: Madam president متأكدة من فوزها، وهو يتملكه عقدة سلفه الرئيس باراك أوباما في تصرفاته كافة، ويرى شبحه يلاحقه في ليله ونهاره وحلّه وترحاله، حيث ألغى في بدء رئاسته قانون أوباما للرعاية الصحية المعروف بـ Obamacare، وتكلم بالمنطق العنصري ليكسب ذوي البشرة البيضاء فتسبب بالمواجهات العنصرية في مختلف المدن الأميركية وانطلاق المسيرات المعادية للسود من قبل العنصريين البيض، وحتى تعدي الشرطة على المواطنين ذوي البشرة السوداء جهاراً نهاراً، والاصطفاف الكامل إلى جانب الكيان الصهيوني العنصري المجرم والدفاع عن مجازره ضد أطفال فلسطين في سياسته الخارجية، وأخيراً العفو عن جندي أميركي قاتل عمداً لمواطن عراقي سجين أعزل حيث أدين الجندي في المحاكم الأميركية وحُكم عليه بالسجن 25 عاماً.

وكان الخروج من الإتفاق النووي مع ايران تحت تأثير عقدة أوباما أيضاً كما بيّنته في مقال سابق، لأنه لا يريد أن يسجل في تاريخ الولايات المتحدة سابقة حسنة لرجل غير أبيض البشرة، لكنه في مسيرته منذ انطلاقتها واجه العزلة المتزايدة يوماً بعد يوم حتى أنه في خروجه من الإتفاق النووي لم يؤيده سوى بنيامين نتنياهو رئيس الكيان الصهيوني ودولتين عربيتين مخاصمتين لإيران فقط، وأعلن العالم كله وبالفم الملآن تأييده للإتفاق ومعارضته لقرار الرئيس الأميركي، ولما أعلن نقل سفارته إلى القدس المحتلة من تل أبيب المحتلة قبلها لم تسانده أية دولة في حينه، وبعد ذلك لما أعلن تأييده لضم مرتفعات الجولان المحتلة للسلطة الصهيونية مخالفاً لقرار الأمم المتحدة لم ينل سوى تأييد طرف واحد وهو سلطة الإحتلال نفسه.

إن دونالد ترامب حاول الحصول على أي فوز خلال رئاسته ليغطي خروجه من الإتفاق النووي مع ايران فطلب ودّ زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ اون، ونسي كل ما كان يقوله عن وحشيته وديكتاتوريته وإجرامه بحق شعبه، بل تتالت عبارات التبجيل من الرئيس الأميركي في حق الزعيم الكوري الشمالي، وسارع إلى لقائه مرة في كوريا الجنوبية وثانية في فيتنام، وفي كل مرة كان يوحي قبل اللقاء بأن النصر مضمون، وأن كوريا الشمالية ستتخلى عن ترسانتها النووية بفعل الأداء الناجح ودهاء دونالد ترامب، لكنه عاد من اللقاءين خالي الوفاض مطأطئ الرأس، وسلّمه الزعيم الكوري فقط رفات بعض جنوده الذين قُتلوا في الحرب العالمية الثانية في كوريا في صناديق مغلقة ولا ندري هل بقي شيء من تلك الرفات بعد مضي 74 عاماً على دفن الأجساد، أو أن الكوريين حنّطوا تلك الأجساد يومئذ واحتفظوا بعناوين مقابرهم طوال تلك الفترة، لكن عقدة أوباما برزت جليّة لدى ترامب عندما قال: لو كان هذا الأمر حدث في عهد أوباما لجعلوا منه بطلاً قومياً، وكان واضحاً مكابرة ترامب لما ردد مراراً أنه واثق من الزعيم الكوري حتى كان التهديد الجديد بالقنبلة النووية وإجراء تجربة إطلاق الصاروخ الباليستي، وما يزال الرئيس الأميركي ((صاحب المهارات)) لا يقرّ بأنه خُدع من قبل الزعيم الكوري الشمالي ((الشاب الحديث))، ويحاول توسيط رئيس وزراء كوريا الجنوبية لينقذ ماء وجهه أمام الرأي العام الأميركي وشعوب العالم بعد أن أوهمهم أنه سيحتفل سريعاً بالفوز العظيم وستتخلى آخر دولة شيوعية غير كبرى عن أسلحتها النووية بـ((فضل حسن أداء وعبقرية دونالد ترامب)) وسيغطي على نجاح سلفه أوباما والدول الدائمة العضوية الأخرى وألمانيا في الإتفاق النووي مع الجمهورية الإسلامية في ايران.

وبعد فشله هذا حاول التدخل في فنزويلا في أميركا اللاتينية والتي تُسمى الحديقة الخلفية للولايات المتحدة الأميركية، وساند المعارض للرئيس المنتخب شعبياً نيكولاس مادورو واعترف بـ خوان غوايدو رئيساً مؤقتاً شرعياً، وحثّ حلفاء أميركا في العالم ليعترفوا به رئيساً، وأرسل مئات الأطنان من المساعدات الغذائية لتكون وسيلة لدعم ذلك (( الرئيس)) واستمالة الشعب إلى جانبه، واستعمل من جهة ثانية كافة أدوات الضغط وتنظيم موجات من التظاهرات بإشراف مباشر من الاستخبارات الأميركية وحتى قطع الكهرباء عن عموم الشعب، وفرض المقاطعة الإقتصادية الشاملة من أجل تأليب الرأي العام الفنزويلي على الرئيس المنتخب، ووجّه هو وأركان إدارته عشرات النداءات للشعب والجيش الفنزويليين لينضموا إلى غوايدو ويتخلوا عن مادورو، ووضعت السلطات الأميركية كبار المسؤولين في الدولة الأوفياء للرئيس المنتخب على اللائحة السوداء وفرضت عليهم عقوبات وفي الوقت نفسه خصصت مبالغ مالية ضخمة لكل ضابط رفيع في القوات المسلحة ينضمّ إلى المعارضة، وأخيراً لوّح الرئيس الأميركي بالتدخل العسكري المباشر، وهو على يقين بأن الأمور بعد هذه الخطوات ستُحسم خلال أيام قليلة أو أسابيع معدودة على أبعد تقدير، لكن الفشل كان من نصيبه وها هو الرئيس نيكولاس مادورو باقٍ في منصبه ويسانده الجيش وتؤيده غالبية الشعب بل تزيد شعبية لأن المعارض له أداة للإرادة الخارجية ورهينة للولايات المتحدة ومستند إلى دعم البنتاغون و CIA وهذا ما يرفضه كل مواطن يحب الإستقلال والسيادة لوطنه.

والمضحك أن الولايات المتحدة بررت فشلها هذا بوجود حزب الله والإيرانيين والمعدود من الجنود الروس في فنزويلا ومساندة هؤلاء للرئيس المنتخب مادورو، ما منع غوايدو من حسم الأمور لصالحه، وطالب وزير خارجية الدولة الكبرى بكل صراحة بخروج عناصر حزب الله اللبناني والإيرانيين وكذلك الجنود الروس من البلاد.

وبعد هذا فتح ترامب ملف كوبا الذي أنهى الرئيس أوباما العداء التاريخي بينهما وأعاد علاقات بلاده معها، وبدأ بتوتير الأجواء والتهديد والوعيد متهماً الكوبيين أيضاً بإرسال جنود لحماية مادورو، لكن الجميع يعلم أن هدف ترامب ((التاجر)) ليس حرية الشعب الفنزويلي بل السيطرة على الثروة النفطية الكبيرة في فنزويلا من خلال تنصيب عميل للولايات المتحدة يأتمر بأوامرها، كما يتعامل مع عدد من الدول النفطية الأخرى في منطقتنا حيث يفرض عليهم ترامب الكمية التي يجب عليهم استخراجها والسعر الذي يجب أن يبيعوا به، ومكان صرف الأموال التي يقبضونها ثمناً لثروتهم الوطنية وهو يصف علناً وفي كل مناسبة قادة تلك الدول بأقبح الأوصاف ويُذلّهم بأفصح العبارات.

وأخيراً في الملف التركي فالرئيس الأميركي هو موضع ابتزاز من قبل الرئيس اردوغان عالمكشوف، فتركيا عضو في الناتو ويشتري صواريخ  s400 الروسية، وعندما يهدده ترامب بفسخ اتفاق بيع تركيا طائرات F -35 الأميركية الحديثة المتطورة عقاباً ترد عليه تركيا باستعدادها لشراء سوخوي 75 الروسية، وفي تركيا أيضاً قاعدة انجرليك العسكرية الأميركية لكن تحرك القوات الأميركية رهن بالموافقة التركية، وتركيا تحارب المجموعات الكردية في سورية والعراق لكونها تشكل خطراً على أمنها وتشجع أكراد تركيا على الإنفصال عنها وتشكيل دولة كردية على حدودها وترامب يدرب تلك المجموعات ويموّلها، ويريد تلك المجموعات غطاءً يبرر وجودها في سورية، والولايات المتحدة تريد محاصرة ايران وهذا لا يمكن حصوله لكون تركيا تحافظ على أفضل العلاقات معها وهما يتشاركان في التعامل مع الملف السوري وحتى العراقي في بعض الأحيان، وما التدخل الإيراني السريع عبر اللواء قاسم سليماني الذي أدى إلى إلغاء نتائج الإستفتاء في كردستان العراق على الإستقلال فوراً إلا الدليل الواضح على مدى القدرة والنفوذ الإيرانيين في الساحة العراقية في العاصمة بغداد وفي منطقة الحكم الذاتي الكردي كذلك. 

ونعود إلى الملف الإيراني، فبعد الخروج الأميركي من الإتفاق النووي وفشل المراهنة على حدوث اضطرابات شعبية في ايران تؤدي إلى سقوط النظام وبعد عدم تحقق نبوءة مستشار الأمن القومي جون بولتون بأنه سيحتفل مع المعارضة المنتصرة برأس السنة الميلادية لعام 2018 في طهران، وبعد إصدار سلسلة القرارات بالعقوبات على ايران، والفشل الذريع في تطبيق تلك القرارات من خلال أساليب اعتادت ايران على استعمالها وتمرست عليها طوال 40 عاماً أي منذ انتصار الثورة الإسلامية للإلتفاف على تلك العقوبات وتجاوز آثارها، وبعد فشل ترامب في تسجيل حتى فوز واحد له منذ بداية عهده في منطقة في العالم أو في ملف من الملفات التي فتحها، وبعد تخبطه على صعيد الداخل الأميركي حتى وصل الأمر مؤخراً إلى جمع أكثر من عشرة ملايين توقيع يطالب أصحابها بالبدء بإجراءات عزل الرئيس ترامب، ووقوف أكثرية النواب من الديموقراطيين وانضمام عدد من الشيوخ الجمهوريين إلى الديموقراطيين ضد قراراته، وسحب أعضاء المجلسين بأكثرية الأصوات صلاحية البدء بشنّ الحرب ضد ايران من يده، إضافة إلى الطعون القضائية المستمرة ضد مختلف قراراته منذ أول يوم من توليه الرئاسة، وصدور مواقف من كثير من أعوانه في المستويات العليا بعد عزلهم ((تيوترياً)) تفضح خفايا سلوكه، والشكاوى العديدة من عشرات النساء اللواتي اعتدى عليهن أو تحرش بهن جنسياً، كل هذا أجبره على التوسل للقاء مع الإيرانيين يعيد إليه شيئاً من ماء الوجه لعله يكسب فوزاً يؤمّن له الأصوات في الدورة الثانية من الإنتخابات الرئاسية، وهو رغم العراضات العسكرية والبيانات الصحفية يصرح كل يوم بأنه يودّ اللقاء مع الإيرانيين وينتظر اتصالاً هاتفياً من أحد من القادة الإيرانيين، وحسب محطة cnn التلفزيونية الأميركية فإن البيت الأبيض سلم قبل أيام السفارة السويسرية في طهران التي ترعى المصالح الأميركية رقم الهاتف الخاص للرئيس الأميركي لتسلمه بدورها للطرف الإيراني أملاً في اتصال أي مسؤول ايراني معه فجاءه الجواب من عضو في الفريق الإيراني المفاوض سيد عباس عراقجي مستخفاً: رقم هاتفنا موجود عند الأميركيين إذا أرادوا الإتصال.

ومن جهة أخرى، يؤكد ترامب كل يوم وكذلك مستشاره للأمن القومي جون بولتون ووزير خارجيته مايك بومبيو أنهم لا يريدون حرباً مع ايران، وإنما يريدون من وراء كل هذه العراضات والتهديدات الدخول في مفاوضات لعلها تخرج باتفاق عليه توقيع دونالد ترامب يغطي على إنجاز باراك أوباما.

والطريف أن ترامب يصرح بأن من يمنع اتصال الإيرانيين به هو جون كيري وزير الخارجية الأميركي السابق من خلال مكالماته المتكررة مع وزير الخارجية الإيراني د. محمد جواد ظريف وحثّه على عدم التواصل مع الفريق الحاكم حالياً طالباً محاكمة كيري على ذلك، مؤكداً أنه اذا اجتمع مع الرئيس الإيراني في غرفة واحدة فهو قادر على استعمال مهاراته في التفاوض والوصول معه إلى تفاهم على كل الأمور العالقة.

ومن جهة أخرى، وتوسلاً لفتح قناة اتصال أيضاً مع الجمهورية الإسلامية أعطت الولايات المتحدة الضوء الأخضر لرئيس وزراء كوريا الجنوبية مون جاي إن استناداً إلى نجاح تجربته في التوسط بينها وبين كوريا الشمالية وتأمين لقاء قمة بين ترامب وكيم جونغ اون، ليعرض هذه المرة وساطته بين دونالد ترامب وأحد المسؤولين الإيرانيين لعل ذلك يفتح الطريق للقاء مع الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني أو على الأقل بين وزيري خارجية الجمهورية الإسلامية الإيرانية الدكتور محمد جواد ظريف ووزير خارجية الولايات المتحدة مايك بومبيو.

وعلى خط آخر ألغى وزير الخارجية الأميركي قبل أيام ليلة فجأة زيارته المقررة إلى المانيا وسافر على عجل وفي الليلة الظلماء إلى العراق والتقى رئيس الوزراء عادل عبد المهدي ورئيس الجمهورية برهم صالح، ليطلب منهما التوسط مع ايران لفتح كوّة لتنفيس الإحتقان وإخراج دونالد ترامب من الورطة التي هو فيها، وبومبيو يعلم علم اليقين أن العراق اليوم هي قريبة من طهران أكثر من أي وقت مضى، وأن النفوذ الإيراني يشمل إضافة إلى مفاصل الدولة العراقية في أعلى مراتبها، القوى السياسية المختلفة والحشد الشعبي وهي القوة العسكرية الرديفة للجيش النظامي العراقي والذي تأسس بناءً لفتوى الجهاد الكفائي للمرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني، لكن كافة عمليات التدريب والتسليح تمّت وتتم بواسطة لواء القدس في الحرس الثوري الإيراني بقيادة قاسم سليماني، وكذلك ((حركة النجباء))، إضافة إلى ((قوات بدر)) التي تأسست في ايران أثناء الحرب العراقية - الإيرانية قوامها العراقيون، وهي ايديولوجياً تتبع ولاية الفقيه فيها أي آية الله خامنئي، و((سرايا السلام)) التابعة للسيد مقتدى الصدر أيضاً لن تكون بعيدة عن ايران، خصوصاً إذا بدأ العدوان الأميركي ضد الجمهورية الإسلامية في ايران.

وقد رأى العالم كله أن نوري المالكي الذي حصل على أكثرية المقاعد في مجلس النواب العراقي والذي يجعله حكماً رئيساً للوزراء رضي بتوصية آية الله خامنئي وتنازل عن حقه القانوني لصالح حيدر العبادي، وأن عادل عبد المهدي لم يكن ليصل إلى موقع رئاسة الوزراء لولا الرضا الإيراني عنه وتأييدها له، وما الحفاوة البالغة التي أحيطت بها الزيارة الأخيرة الرسمية للرئيس الشيخ حسن روحاني من قبل الدولة العراقية والمرجعية الدينية والأطراف السياسية المختلفة وزعماء العشائر العراقية والتي دامت ثلاثة أيام في مقابل الزيارة الليلية الخاطفة للرئيس الأميركي ولمدة ثلاث ساعات فقط مع إطفاء أضواء الطائرة الرئاسية ورفض المقامات العراقية كافة اللقاء معه إلاّ أوضح دليل على الواقع السائد اليوم في العراق.

وهنا لا بد من الإشارة إلى مقال نُشر في مجلة ((الشراع)) بتاريخ 26/ 4/ 2004 تحت عنوان ايران حكم العراق من طهران، وجاء هذا في وقت كان الجنود الأميركيون ومعهم حلفاؤهم يتواجدون في كل شارع وكل زقاق وكل مدينة في العراق ومندوب أميركا المفوض أمر العراق بريمر متربع في بغداد والقائد العسكري للقوات المحتلة هو الأميركي جون أبي زيد الذي هو اليوم سفير الولايات المتحدة في المملكة العربية السعودية، فكيف يمكن اليوم لترامب وغيره أن يحدّوا من النفوذ الإيراني في بلاد الرافدين ومراسم الأربعين لزيارة الإمام الحسين عليه السلام بمشاركه أكثر من عشرين مليون زائر، حوالى ثلاثة ملايين منهم إيرانيون، ومختلف المناسبات الدينية التي تجمع الشعبين العراقي والإيراني، وهكذا فلا يمكن لأحد في العالم أن يضعف الوشائج الأخوية بين العراق وإيران.

وأضيف إلى قائمة مناطق النفوذ الإيراني سورية التي أرادت الدول العربية ومن ورائها القوى الغربية الكبرى والصغرى إسقاط النظام فيها خلال 24 ساعة أو على الأكثر في غضون 36 ساعة لقطع حلقة التواصل مع لبنان والمقاومة الإسلامية فيه، لكنهم جميعاً فشلوا في ذلك من خلال الوقوف الإيراني الكامل إلى جانب الرئيس السوري وانضمت بعد فترة روسيا وها هم اليوم جميعاً وبعد حوالى 9 سنوات يقبلون بواقع بقاء بشار الأسد في السلطة.

ويضاف إلى ذلك النفوذ الإيراني في لبنان، حيث القاصي والداني يعلم أن ميشال عون لم يكن لينال رئاسة الجمهورية لولا موافقة ايران من خلال القوى المؤيدة لها حزب الله وحركة ((أمل))، وسعد الحريري يعلم أنه لولا وقوف ايران خلفه من خلال حلفائها لكان ما يزال معتقلاً في الرياض، وأيضاً لم يكن ليصل إلى السراي الحكومي لولا التوافق مع الثنائي الشيعي الذي لا يتصرف بأي شيء بمعزل عن الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

والتأثير الإيراني في اليمن واضح وجلي ويقرّ به الصديق والعدو والقريب والبعيد، والفشل في حسم الأمور في اليمن طوال حوالى 5 سنوات رغم وجود التحالف العربي - الدولي المعادي للحوثيين، واضطرار الجميع إلى الإقرار بواقع استحالة حصول أي تطور على الأرض بمعزل عن أنصار الله لهو دليل واضح أيضاً على أن النفوذ الإيراني توسع ليشمل مضيق باب المندب الإستراتيجي والبحر الأحمر عموماً، وهذا ما أشار إليه الرئيس روحاني في كلمته قبل أيام بأن النفوذ الإيراني يمتد إلى البحر الأبيض المتوسط وحتى البحر الأحمر.

ويضاف إلى هذا النفوذ التأثير الإيراني في أفغانستان وباكستان خصوصاً مع وصول عمران خان إلى السلطة، وزيارته الأخيرة إلى ايران والبدء بها من خلال زيارة مدينة مشهد المقدسة ومقام الإمام علي الرضا عليه السلام الإمام الثامن من أهل بيت النبوة قبل وصوله إلى العاصمة طهران ولقاء القائد آية الله خامنئي والرئيس روحاني ومن بعد ذلك إصراره على زيارة ضريح الإمام الخميني رضوان الله عليه والإعلان من هناك بأنه يتمنى السير على المنهج الثوري لذلك الإمام في بلاده باكستان.

أما الرئيس الأفغاني فهو يعلم أن بلاده تظل محتاجة لإيران برّاً وجوّاً لأن أفغانستان كما يبدو في الخارطة هي دولة مغلقة لا تطل على البحر وهي محاطة بجارين كبيرين إيران وباكستان لهما ساحل على البحر وحدود محدودة مع تركمنستان وطاجيكستان واوزبكستان في المناطق الجبلية الوعرة وحدود ضيقة جداً مع الصين، لكن وجود المجموعات التكفيرية ومنها طالبان ومؤخراً داعش في مناطق الحدود مع باكستان وتواطؤ بعض الأجهزة الرسمية فيها مع التكفيريين يفرض على الحكومة الأفغانية الإعتماد على الجمهورية الإسلامية الإيرانية في أكثر وارداتها والتي تصل ميناء ((چاه بهار)) الإيراني المطل على بحر العرب ومنها يُنقل أكثرها عبر شبكة سكك الحديد الإيرانية والباقي من خلال الشاحنات الكبيرة الإيرانية أيضاً، إضافة إلى وجود أكبر أقلية شيعية في البلاد متواصلة مع ايران وهي ممثلة في مختلف مفاصل الدولة الأفغانية ومنهم الرئيس التنفيذي لحكومة الوحدة الوطنية عبدالله عبدلله و 12 وزيراً من أصل 25 هم مجموع الحكومة الأفغانية.

أما في دول مجلس التعاون الخليجي فإن دولة الكويت من خلال أميرها المحنك الشيخ صباح الأحمد الصباح الذي أمضى أربعة عقود وزيراً لخارجية بلاده قبل أن يصبح أميراً ويعرف كثيراً من خفايا الأمور، يتبع سياسة العلاقات الجيدة مع ايران والزيارات المتبادلة بين المسؤولين الكويتيين والإيرانيين قائمة من دون توقف رغم محاولات التكفيريين وضع بعض العراقيل في طريق هذه العلاقات الأخوية، أما العلاقة مع دولة قطر فحدث ولا حرج، خصوصاً بعد الأزمة التي حصلت بينها وبين بعض أعضاء المجلس حيث يتفاخر أميرها علناً بصداقته الوطيدة مع الجمهورية الإسلامية ويضع كل التسهيلات في بلاده للإيرانيين، أما سلطنة عمان فإن للسلطان قابوس تاريخياً أفضل العلاقات مع ايران وألغت في الآونة الأخيرة التأشيرة المسبقة للمواطنين الإيرانيين، وفي الإمارات رغم وجود توتر مؤقت بينها وبين الجمهورية الإسلامية إلاّ أن إقتصاد إمارة دبي على الأحص قائم بشكل أساسي على التعامل مع السوق الإيرانية وحركة الترانزيت للبضائع التي لا يمكن إيصالها مباشرة إلى إيران وحصول الجمارك في دبي على الرسوم الجمركية منها وهي تبلغ عشرات المليارات وودائع المصرف الوطني الإيراني ((بانك ملي ايران)) تضاهي تقريباً ودائع مصرف دبي نفسه.

وفي المحصلة فإن المنطقة كلها متأثرة بالجمهورية الإسلامية في إيران بشكل من الأشكال إما سياسياً أو إقتصادياً، ودولها ستكون المتضررة أولاً وقبل كل شيء في حال حصول أي حرب على ايران المرافق الحيوية والبنى التحتية الهشة لدى كافة الأطراف التي ستقف مع أعدائها إضافة إلى القواعد العسكرية الأميركية المنتشرة على أراضي تلك الدول ستكون عرضة للهجمات الصاروخية أو المدفعية أو عبر البوارج البحرية وبوسائل أخرى لا يمكن البوح بها هنا، والجميع يعلم مدى تطور القدرة العسكرية الإيرانية في مختلف القطاعات والتي قدمت جزءاً بسيطاً منها للمقاومة الإسلامي في لبنان فهزمت الصهاينة في حروبها وخرجت اسرائيل من لبنان صاغرة في العام 2006، وهي تهرّب شقّ الأنفس وعبر طرق ملتوية بعض إمكاناتها لتصل إلى المقاومة الفلسطينية وهي بها تدكّ مواقع المحتلين دون أن تنفع القبة الحديدية لدى الكيان الغاصب ما اضطر وزير داخلية العدو للطلب من الناس في المواجهة الأخيرة النزول إلى الملاجئ في تل أبيب، وقد وصل الأمر إلى تهديد المقاومة بقصف مفاعل ديمونا النووي الإسرائيلي، وفي المقابل لا يجرؤ الجنود الصهاينة على التقدم خطوة واحدة في قطاع غزة الصغير والمحاصر بإحكام من كافة الجهات منذ سنوات ويضطر قادة العدو في كل مرة إلى وقف العدوان بعد فشلهم في بلوغ أهداف عدوانهم والقبول بشروط المقاومين.

إذن فالرئيس ترامب وفريقه بمن فيهم جون بولتون المتطرف يعرفون مخاطر التحرش بإيران وبطريق أولى التعرض لها، لكنهم يبحثون عن أية وسيلة لفتح قناة ولو رفيعة كالشعرة للتواصل مع الإيرانيين، والإيرانيون هم الذين يتحكمون اليوم بالموقف ودول العالم كافة تتحاشى استفزازها لأنها تعلم مدى قدرة الجمهورية الإسلامية في ايران على التحرك على صعيد المنطقة والعالم.

بقلم السيد صادق الموسوي

 

الوسوم