بيروت | Clouds 28.7 c

من مزايا شهر رمضان / بقلم الشيخ أسامة السيد

من مزايا شهر رمضان / بقلم الشيخ أسامة السيد

مجلة الشراع 10 أيار 2019 العدد 1900

 

الحمد لله وكفى وسلامٌ على عباده الذين اصطفى.

قال الله تعالى في القرآن الكريم: ((شهر رمضان الذي أنزل فيه القرءان هدىً للناس وبيناتٍ من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه)) سورة البقرة.

لا شك أن رمضان موسم خيرٍ وبرٍ وطاعةٍ وأجرٍ فهو أفضل الشهور وأعظمها عند الله تعالى ولذلك يغتنمه الصالحون ويتسابق فيه بالجدِّ المفلحون، والأخبار عن فضائل رمضان وفضائل الصيام كثيرة جدًا فكم لهذا الشهر من أثرٍ بليغ في تهذيب النفس وصفاء القلب وكم لأيامه من مساهمةٍ عظيمةٍ في تعلُّم الصبر والمواساة، وأي خسارة لحقت من فاته خير رمضان وأي أجرٍ حازه من اغتنم شهر رمضان، وقد كان السلف الصالح يدعون الله ستة أشهرٍ أن يُبلِّغهم رمضان فإذا صاموا دعوا الله ستة أشهرٍ أن يتقبَّل منهم صومهم ولقد قيل:

من فاته الزرع في وقت البذار فما                        تراه يحصد إلا الهمَّ والندما

طوبى لمن كانت التقوى بضاعته                          في شهره وبحبل الله معتصما     

فالكيِّس من شمَّر عن ساعد الجِدِّ واغتنم رمضان قبل أن ينقضي فلعله لا يُدرك رمضان آخر، فقد روى ابن حِبَّانٍ عن أبي سعيدٍ الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يشبع المؤمن خيرًا حتى يكون منتهاه الجنة)).

من مزايا رمضان

إن المؤمن الكامل لا يملُّ من الاهتمام لتحصيل الخير حيثما تيسَّر له ولا يضيع فرصةً من فُرص العمر التي جعلها الله في حياة المؤمنين، فكيف إذا كانت الفرصة هي شهر رمضان الذي شرَّفه الله بمزايا ليست لغيره من الشهور وهي مزايا تساعد على تقوية النفوس واستنهاض الهمم في المسارعة إلى العمل الصالح، وجديرٌ بنا في هذا المقام أن نتكلم عن بعض مزايا رمضان المبارك فنقول:

إن لرمضان مزايا ليست لغيره فمن ذلك ما جاء في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اذا جاء رمضان فُتِّحت أبواب الجنة وغُلِّقت أبواب النار وصُفِّدت الشياطين)). ومعنى الحديث يحتمل أنه على ظاهره وحقيقته وأن تفتيح أبواب الجنة وتغليق أبواب النار وتصفيد الشياطين علامة لدخول الشهر المبارك وتعظيم حُرمته، ويكون التصفيد للشياطين ليمتنعوا فيه من إيذاء المؤمنين والتشويش عليهم فيصيرون كالمسلسلين بالأصفاد، ويحتمل أن يكون المراد المجاز فيكون إشارةً إلى كثرة الثواب والعفو وأن الشياطين يقلُّ إغواؤهم وإيذاؤهم ليصيروا كالمصفّدين، ويؤيد هذا المعنى الرواية الأخرى للحديث في صحيح مسلم بلفظ: ((فُتِّحت أبواب الرحمة)) فيكون ذلك عبارة عمَّا يفتحه الله تعالى لعباده من الطاعات في هذا الشهر التي لا تقع في غيره عمومًا كالصيام والقيام وفعل الخيرات الكثيرة والانكفاف عن كثيرٍ من الحرام وشهوات النفس وهذه كلها أسبابٌ لدخول الجنة والنجاة من النار، ويكون تصفيد الشياطين عبارة عمَّا ينكفون عنه مما لا يتمكنون منه في هذا الشهر خلافًا لما عليه حالهم في سائر الشهور.

ليلة القدر

ولا شك أنه إذا كان الحال هكذا فإن العاقل يغتنم هذه الفُرصة ويجتهد ما استطاع في طلب الزيادة من الخير بدل أن تذهب أوقاته سدىً فينقضي رمضان وتضيع الأوقات وقد فوَّت على نفسه الخير الكثير لا سيما خيرات ليلة القدر وهي مزيةٌ أخرى من مزايا رمضان فقد جعل الله تعالى في هذا الشهر ليلةً هي خير من ألف شهر أي العبادة فيها خيرٌ من العبادة في ألف شهرٍ من الشهور التي ليس فيها ليلة القَدر، وهي الليلة التي نزل فيها القرآن الكريم قال تعالى: ((إنَّأ أنزلناه في ليلة القَدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خيرٌ من ألف شهر)) سورة القَدْر. وليست ليلة القدر مختصةً بليلة معينةٍ بل قد تكون أول الشهر أو وسطه أو آخره، وقد أنزل الله القرآن الكريم ليلة القدر في الرابع والعشرين من رمضان وقتها دفعةً واحدةً من اللوح المحفوظ فوق السماء السابعة إلى مكانٍ في السماء الأولى يقال له بيت العزة، ثم صار جبريل عليه السلام ينزل به من السماء الدنيا مُفرَّقًا بحسب الوقائع والحوادث في مدة ثلاثٍ وعشرين سنة. روى الطبراني وغيره عن ابن عباسٍ قال: ((فُصِل (أُخِذ) القرآنُ من الذكر (اللوح المحفوظ) فوضِع في بيت العزة في السماء الدنيا (السماء الأولى) فجعل جبريل يُنزله على النبي صلى الله عليه وسلم)).

ومن فضائل ليلة القدر ما جاء في الحديث الذي رواه البيهقي وغيره عن أنسٍ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا كان ليلة القَدْر نزل جبريل عليه السلام في كبكبةٍ (جماعةٍ) من الملائكة يصلون (يدعون بالخير) على كل عبدٍ قائمٍ أو قاعدٍ يذكر الله)). ولا شك أن الكيِّس لا يُعرِض عن هذا الفضل بل يسعى في تحصيله ويهتم لأمره، فإذا ما كانت التسبيحة الواحدة يقبلها الله من العبد خيرًا من الدنيا وما فيها فما بالك بكل هذه الخيرات التي جعلها الله في رمضان أفلا يجدر بنا التماسها؟ بلى.

اجتهد ولا تتكاسل

فاجتهد أخي المؤمن ما استطعت هذا الشهر واصبر على أداء الطاعات فيه فإن ربنا يغفر فيه مغفرةً عظيمةً لمن صامه لله تعالى وهذه أيضًا مزيةٌ عظمى، فعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدَّم من ذنبه)) متفقٌ عليه. ومعنى ((إيمانًا)) تصديقًا بأن صومه حقٌ مع التصديق بما ورد فيه من الثواب، ومعنى ((احتسابًا)) طلبًا للأجر من الله وذلك بأن يُخلص الصوم فيه لله وحده لا يقصد طلب محمدة الناس له ولا غير ذلك مما يُخالف الإخلاص. فمن كان هذا حاله غفر الله له. قال النووي في ((شرح صحيح مسلم)): ((المعروف عند الفقهاء أن هذا مختصٌ بغفران الصغائر دون الكبائر)). ولا يدخل في هذا ما كان من تبعات الناس كظلمهم فإنه لا بد أن يُبرِّئ ذمته في هذه الحال، ولا ما فاته من صلاةٍ أو صومٍ أو زكاةٍ بغير عذرٍ فإنه يجب قضاء ذلك.

والحمد لله أولاً وآخراً.

 

الوسوم