بيروت | Clouds 28.7 c

كيف يثبت قدوم شهر رمضان؟ بقلم الشيخ أسامة السيد

كيف يثبت قدوم شهر رمضان؟ بقلم الشيخ أسامة السيد 

مجلة الشراع 3 أيار 2019 العدد 1899

الحمد لله وكفى وسلامٌ على عباده الذين اصطفى.

قال الله تعالى في القرآن الكريم: ((هو الذي جعل الشمس ضياءً والقمر نورًا وقدَّره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يُفصِّل الآيات لقومٍ يعلمون)) سورة يونس.

لقد دبَّر الله الزمان وجعل الشمس والقمر آيتين وخلق فيهما منافع يستفيد منها الناس في حياتهم ومعاشهم، فمن جملة ذلك أنه تُعرف بالشمس أوقات الصلوات والأزمنة من الشتاء والصيف وتُعرف بالقمر الشهوركرمضان وغيره وحساب السنين. وقوله تعالى ((يُفصِّل الآيات لقومٍ يعلمون))أي يبيِّنها لقومٍ يعقلون ويفقهون فينتفعون بعلمهم. 

وقد بعث الله تعالى نبيه الكريم محمدًا صلى الله عليه وسلم فبيَّن للناس هذه الأحكام وقررها بينهم ليعملوا بها كما شرع ربنا تعالى وهي أحكامٌ ثابتةٌ لا تتغيَّر بتغيُّر الزمان ولا تختلف باختلاف نمط حياة الناس وطُرق معيشتهم، وقد كان من جملة ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرشد أمته إلى العمل به مراقبة الهلال لمعرفة أوائل وأواخر الشهور القمرية، وقد عدَّ الفقهاء ذلك من فروض الكفاية أي إن قام به بعض المؤمنين سقط عن الآخرين وإن لم يقم به أحدٌ أثم جميع المكلفين.  

لا مصلحة على خلاف الشرع

ولا ريب أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بلَّغ الأحكام بوحي من الله تعالى كما دل على ذلك بالإضافة إلى الآية أعلاه قولُه تعالى في سورة النجم:((وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحيٌ يوحى)) وما جاء في ((الكفاية)) للخطيب البغدادي عن حسان بن عطية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كان جبريل ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسُّنة كما ينزل عليه بالقرآن)).

وحيث إن هذه الأحكام كانت بالوحي المبين كان ينبغي الرجوع إليها في كل شيء وليس لأحدٍ أن يُعرض عنها بدعاوى واهية وإنه لمن المؤسف أن نُفاجأُ بأناس يريدون منا ترك هذا السبيل وطريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم والاعتماد بدلاً من ذلك على حسابات الفلكيين لتحديد أول الصوم وموعد الفطر، لا على شهادة الثقات برؤية الهلال أو إكمال عدة شعبان. وأنّى لأحد أن يخالف المعصوم صلى الله عليه وسلم وقد قال: ((ليس أحدٌ إلا يؤخذ من قوله ويدع غيرَ النبي)) رواه الطبراني عن عبد الله بن عباس.

وإذا ما كان البعض يرى أن إثبات الشهر بالحساب تقدمٌ وحضارة وأنه ينبغي بمقابل ذلك ترك الطريقة التي بيَّنها النبي صلى الله عليه وسلم فإنما يُنادي على نفسه بالجهل الشديد، ولمثل هؤلاء نقول: أنتم نسختم حكمًا قرره رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بمجرد رأيكم، أفأنتم أصحاب الشرع أم محمدٌ صلى الله عليه وسلم؟! وإذا ما كان صاحب الشرع صلى الله عليه وسلم قد قرر هذه الأحكامَ فبأي هوىً تُبدلون ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم؟! وهل قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا تطور علم الحساب والفلك فاتركوا حديثي؟ وهل أنتم متبعون أم مبتدعون؟! ومن أجاز لكم إذا خالفتم الحديث برأيكم أن نترك الحديث لرأيكم الباطل؟! والحق أنه لا ناسخ لشرع محمدٍ صلى الله عليه وسلم فليقف من كان من قلبه مرضٌ عند حد الشرع، فإن الحق أحق أن يُتَّبع وربنا تعالى يقول: ((إن هذا القرءان يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرًا كبيرا)) سورة الإسراء.

فلا أقومَ مما دلَّ عليه القرآن وقد أمرنا الله فيه باتباع نبيه محمدٍ صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: ((من يطع الرسول فقد أطاع الله)) سورة النساء. وليت شعري بأي وجهٍ يلقى هؤلاء الذين يرون ترك الحديث واعتماد الحساب رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة وهم يدَّعون اتّباعه ويردون حديثه؟! 

                                      

صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته

عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غُبِّيَ عليكم (أي لم تروه) فأكملوا عدة شعبان ثلاثين))رواه البخاري. وفي موطأ مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن غُمَّ عليكم فأكملوا العدة ثلاثين)).

وروى البخاري عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّا أُمّةٌ أميةٌ لا نكتب ولا نحسُبُ الشهر هكذا وهكذا)) يعني مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين وذلك أن الشهر القمري لا يكون غير ذلك، وقوله ((نحن أُمّة أميةٌ)) معناه: ما كلفنا الله العمل بالحساب لمعرفة الشهور وليس معناه أن علم الحساب لا نفع فيه بل هو علم معتبر يُستفاد منه، ولكن الشرع لم يعتبره لمعرفة دخول الشهر وإنما يتم معرفة أوائل الشهور القمرية وانتهائها بظهور الهلال أو بإكمال عدة الشهر الذي قبله ثلاثين يوماً، فيراقب الناس الهلال بعد غروب شمس التاسع والعشرين من شعبان فإن رُئي الهلال كان اليوم التالي أول رمضان وإن لم يُر الهلال يكون اليوم التالي يوم الثلاثين من شعبان، والذي بعده هو أول أيام رمضان، وهكذا بالنسبة لسائر الشهور القمرية. وقد أجمع فقهاء المذاهب الأربعة على أن الصوم لا يثبت بكلام مُنجّم ولا فلكي ولا حاسب كما في ((حاشية ابن عابدين)) من الحنفية وفي ((الدر الثمين)) للشيخ محمد بن أحمد ميَّارة المالكي وفي ((أسنى المطالب))للشيخ زكريا الأنصاري الشافعي وكتاب ((المغني)) لموفق الدين بن قدامة الحنبلي، وقد ذكرنا نُقولَ هؤلاء الأعلام بنصها في مقالٍ سابقٍ فلينظرها من شاء. 

وإذا ما عُلم هذا اتضح أنه لا عبرة بخلاف ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم وأجمعت عليه الأمة، فإن القول بالاعتماد على حسابات المنجمين والمؤقتين وتركَ الحديث لا يُلتفت إليه ومن جعله حُجةً فقد أخطأ خطأً فادحًا، وصدق نبي الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: ((فأيُّما شرطٍ ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائَةَ شرط)) رواه البخاري عن أم المؤمنين عائشة.

والحمد لله أولاً وآخراً.

1

 

الوسوم