بيروت | Clouds 28.7 c

حسين سلامي مكان محمد علي جعفري، لماذا؟ بقلم السيد صادق الموسوي

حسين سلامي مكان محمد علي جعفري، لماذا؟ بقلم السيد صادق الموسوي

مجلة الشراع 3 أيار 2019 العدد 1899

سألت ((الشراع)) العلامة السيد صادق الموسوي عما يعنيه تعيين اللواء  حسين سلامي قائداً للحرس الثوري بديلاً عن قائده السابق اللواء محمد علي جعفري فكان رده موسعاً مع مقدمة تأريخية شاملة، لذا ننشر من الرد الشامل مرحلة تأسيس الحرس الثوري، ليؤكد السيد الموسوي ان لا معنى خاص لهذا التغيير..

وجاء جواب السيد الموسوي كما يلي:

كانت مداميك نظام الشاه تتهاوى أمام الثورة الشعبية الشاملة ورؤساء الحكومات يقدمون استقالاتهم واحداً تلو آخر، لكن بقي ولاء المؤسسة العسكرية للشاه قائماً، ويستمر الجيش في توجيه رصاصات بنادقه إلى صدور المتظاهرين العزّل ويتساقط القتلى بالعشرات بل بالمئات في مختلف المدن الإيرانية.

وفي هذه المرحلة بالذات بدأت فكرة تشكيل لجان شعبية من الشباب والمتطوعين لتنظيم أمور الأحياء والمدن والعناية بشؤون القتلى والجرحى ومتابعة أوضاع المعتقلين، وسمّيت بـ ((كميتهاى انقلاب)) أي اللجان الثورية، وكانت المساجد والحسينيات هي مراكز التجمع وقواعد الإنطلاق لهذه اللجان.

وبعد اضطرار الشاه للخروج من ايران ومع وصول الإمام الخميني إلى طهران في 1شباط/ فبراير 1979  وظهور علامات سقوط النظام، تنامى دور هذه اللجان،وتطور دورها في الفترة بين 1 و 11 شباط/ فبراير يوم انهيار آخر معاقل النظام الشاهنشاهي واستسلام قيادات الجيش، فقامت هذه اللجان بالسيطرة على أغلب الأمور وبادرت إلى جمع الأسلحة في مراكزها وتشرف على مقارّ المؤسسات الحكومية، وتقوم باعتقال رموز نظام الشاه، واحتجازهم بل وإجراء المحاكمات لهم في بعض الحالات.

مع تعيين الإمام الخميني مهدي بازركان رئيساً للحكومة المؤقتة وتداعي أركان حكومة تيمور بختيار المعين من قبل شاه ايران أخذت هذه اللجان صفة رسمية وصار لها مقرات ومعسكرات وتعين لها قادة ومسؤولين، وبعد فترة وجيزة كان لا بد من انشاء مؤسسة عسكرية مضمونة الولاء للثورة الإسلامية كون المؤسسة العسكرية الرسمية ما زالت تحنّ في أغلب تركيبتها لنظام الشاه، وبعض قادتها حتى بعد اعتقالهم وأثناء محاكماتهم أكدوا ثباتهم على وفائهم للقسم العسكري الذي سبق وأدّوه لخدمة النظام الشاهنشاهي.

هنا كان تأسيس حرس الثورة الإسلامية في إيران بعد أشهر قليلة من الانتصار بالإستعانة بالعناصر التي كانت قد تدرّبت على يد المقاومة الفلسطينية في لبنان ومنها الأخ عباس آغا زماني الملقب بـ ((أبو شريف)) وبقي لفترة قائداً للحرس، لكن مجموعات المؤسسة العسكرية الناشئة كانت غير منسجمة فيما بينها، ولم يكن التنسيق اللازم موجوداً بين قادتها، فعيّن الإمام الخميني آية الله السيد علي خامنئي الذي كان حينها عضواً في مجلس قيادة الثورة مسؤولاً لتوحيد صفوف المؤسسة الوليدة، وتناوب على قيادة حرس الثورة حتى اليوم محسن رضائي ورحيم صفوي ومحمد علي جعفري وحسين سلامي .

وبعد محاولة الإنقلاب الفاشلة التي قام بها قائد القوة الجوية ((أفضلي)) أصبح دور حرس الثورة الإسلامية أكثر أهمية، لكون بعض الخلايا التي لم تزل تكنّ الولاء والحنين لنظام الشاه لم تيأس بعد من إمكانية إعادة عقارب الساعة إلى الوراء ومن ورائهم بعض الدول الإقليمية التي كانت في تحالف تام مع شاه ايران، والاستخبارات الاميركية لم تكن بعيدة عن هذا التوجه رغم تخوف الولايات المتحدة من انعكاس الأمر على موضوع رهائنها المحتجزين في طهران.

ومع بدء الحرب العراقية على الجمهورية الإسلامية وتفكك صفوف المؤسسة العسكرية الرسمية تنامى بسرعة دور حرس الثورة واللجان الثورية في صد العدوان وحشد المقاتلين للتوجه إلى ساحات القتال إضافة إلى قوات التعبئة ((بسيج)) التي ساندت الحرس واللجان الثورية في رفد الجبهات بالمقاتلين.

ومع استمرار الحرب لمدة 8 سنوات توسع وتكرس دور حرس الثورة في مجالات متعددة لها علاقة بالحرب ومواجهة العدوان بأي شكل من الأشكال.

ومع انتهاء الحرب انتقل دور هذه المؤسسة للإستفادة من تجارب سنوات القتال وبناء كيان قوي يمنع كل طامع من التفكير بالاعتداء على الجمهورية الإسلامية، فبعد أن كانت إيران فاقدة لصواريخ تصدّ الطائرات العراقية المغيرة وصواريخ تدكّ مواقع المعتدين على بُعد 80 كيلومتراً، عمل الخبراء في مؤسسة الحرس على تطوير القدرة العسكرية وبنوا فيها القوات الجوية والبحرية ومختلف المجموعات التي تضمها المؤسسات العسكرية الرسمية في مختلف دول العالم وصار جيشاً رديفاً لمؤسسة الجيش النظامي متكاملاً معه وصار تبادل القيادات بين المؤسستين أمراً إعتيادياً.

وفي مجال الصواريخ مثلاً بات الحرس الثوري اليوم يمتلك أقوى وأكبر مجموعة للصواريخ الذكية التي تصل مداها إلى أكثر من 2500 كيلومتر والتي باستطاعتها تدمير منصات الصواريخ الأميركية والصهيونية، وقد أثبت قدرتها فعلياً من خلال قصف قواعد الإرعابيين على الحدود العراقية - السورية انطلاقاً من الأراضي الإيرانية وتدميرها بدقة متناهية مما أثار دهشة الصهاينة والأميركيين.

ولدلك نرى نتنياهو وترامب والسائرين في ركبهم يركزون على وجوب وقف تطوير الصواريخ الإيرانية، ويصرحون علناً بأنهم يخافون من تصدير المنظومة الصاروخية الإيرانية المتطورة إلى مجموعات المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق واليمن وغيرها وهذا ما يعطل دور القواعد العسكرية الأميركية المنتشرة في المنطقة ويهدد بزوال الكيان الصهيوني من أساسه في حال تجرّؤه على الإعتداء مجدداً على لبنان، خصوصاً وأن هذه الصواريخ في العام 2006 استطاعت الوصول إلى عمق الكيان الصهيوني وأجبرته على وقف عدوانه والرضوخ لشروط المقاومة، وفي قطاع غزة المحاصر بالكامل تمكنت هذه الصواريخ من صد العدوان في حربين على الأقل ولم يتمكن الصهاينة من التقدم خطوة واحدة داخل القطاع رغم استعمالهم لأحدث ما أنتجته مصانع الأسلحة من أدوات تدميرية فتاكة محرمة دولية، بل استطاع المقاومون التوغل في صفوف الصهاينة وأسر جنودهم مما أجبرهم مذلولين على التفاوض لإطلاق سراحهم، وما يزال لدى المقاومة الفلسطينية أسير صهيوني على حد علمي توسّط اسرائيل مصر من أجل إطلاق سراحه.

وقبل فترة تمكنت المقاومة الفلسطينية من إطلاق صاروخ نحو تل أبيب وهذا ما بثّ الذعر في قلوب الصهاينة، وأعلنت المقاومة أنها قادرة على توجيه صواريخها لأبعد من ذلك، مما أربك قادة الكيان المحتل وأصابتهم الحيرة من كيفية الحصول على هذه الصواريخ وطريقة إيصال إبران لها إلى القطاع المحاصر بإحكام من جميع الجهات.

ولا بد من الإشارة إلى القفزات الكبيرة في مجال تطوير الصواريخ الإيرانية والطائرات المسيّرة منذ العام 2006 حتى اليوم مما يزيد من رعب الأعداء وترددهم في مجرد التفكير للإعتداء على الجمهورية الإسلامية قي إيران.

ويتبع الحرس الثوري مباشرة لآية الله خامنئي كونه القائد الأعلى للقوات المسلحة، ويتمّ تعيين قادته ونواب قادته ومسؤولي القطاعات فيه من قبل القائد مباشرة، ويحدد القائد سياسة مؤسسة الحرس وينظم خطواته ويوجهه في تحركاته.

وقد دأب آية الله خامنئي منذ انتخابه بعد وفاة الإمام الخميني على تعيين المسؤولين في مختلف القطاعات التابعة له لمدد معينة ويتم في بعض الأحيان التمديد لبعض المسؤولين لضرورات يراها هو، وهذه القاعدة تسري على قائد حرس الثورة الإسلامية والقطاعات التابعة له أيضاً، وفي التعيينات الأخيرة حلّ نائب قائد الحرس محل القائد كما حدث هذا من قبل حيث كان رحيم صفوي نائباً لمحسن رضائي فعيّنه آية الله خامنئي محل رضائي، فلا يتوقع تغيير يُذكر في سياسة الحرس علماً أن القائد السابق قد تمّ تعيينه في موقع آخر مهم أيضاً.

لذلك أؤكد أن لا معنى خاص للتغييرات التي حصلت مؤخراً، وأن تزامن التغيير هذا مع إعلان الرئيس الأميركي ترامب وضع الحرس الثوري على لائحة الإرعاب لا يعني وضع متطرف مكان معتدل مثلاً، فالجميع في مؤسسة حرس الثورة الإسلامية من أعلى القمة حتى القاعدة يلتزمون شرعاً وقانوناً بتعليمات آية الله خامنئي القائد الأعلى للقوات المسلحة.

 

الوسوم