بيروت | Clouds 28.7 c

بعد استعادة رفات الجندي الاسرائيلي زخاريا باومل والبحث عن رفات رفيقيه من التالي: الطيار الاسرائيلي رون آراد، أم ايلي كوهين؟ كتب صبحي منذر ياغي

بعد استعادة رفات الجندي الاسرائيلي زخاريا باومل والبحث عن رفات رفيقيه من التالي: الطيار الاسرائيلي رون آراد، أم ايلي كوهين؟ كتب صبحي منذر ياغي

مجلة الشراع 19 نيسان 2019 العدد 1897

 

ما زال موضوع إستعادة اسرائيل لرفات الجندي الاسرائيلي زخاريا باومل، الشغل الشاغل لدى القيادة العسكرية في حزب الله، ولدى المسؤولين في جهاز الاستخبارات الايرانية ((اطلاعات))، كون عملية استعادة رفات باومل تمت في عملية أمنية نوعية معقدة، من دون علم حزب الله وايران، وبتنسيق استخباراتي روسي - اسرائيلي، وربما سوري.

والجندي الاسرائيلي زخاريا باومل، هو واحد من الجنود الاسرائيليين الثلاثة الذين فقدوا في لبنان خلال معركة ((بيارد العدس-  السلطان يعقوب)) الشهيرة في 10 حزيران/ يونيو 1982، خلال الاجتياح الاسرائيلي للبنان عام 1982، وهم  يهودا كاتس، وتسيفي فليدمان، وزخاريا باومل، يوم تقدمت المدرعات الإسرائيلية عبر البقاع الغربي من منطقة البيرة، متوجهة نحو عيتا الفخار وصولاً الى البقاع الأوسط لاحتلال طريق دمشق- بيروت، والسيطرة على الطريق الدولية من المصنع إلى ضهر البيدر، حيث حصلت مواجهة عسكرية ضارية بين القوات السورية التي كانت بقيادة العميد الركن علي حبيب قائد اللواء 58، والفصائل الفلسطينية – اللبنانية المشتركة من جهة، والقوة الاسرائيلية المعززة بالدبابات من جهة أخرى واستمرت المعركة حوالى ثماني ساعات وحتى ساعات الليل، فقدت اسرائيل خلالها حوالى 8 دبابات وسقط لها عدد من القتلى.

وحسب شهود عيان شاركوا في المعركة  ((.. قامت مجموعة من الفلسطينيين من الجبهة الشعبية- القيادة العامة، ومن أبناء المنطقة، بأخذ ثلاث جثث قتلى اسرائيليين من بينهم زخاريا باومل، ودفنتهم يومذاك في منطقة مجهولة  في عيتا الفخار، قبل أن تقوم المروحيات الاسرائيلية بسحب الجثث التي بقيت في ساحة المعركة)).

ومنذ ذلك الزمن لم توفر اسرائيل وسيلة لكشف مصير جثث جنودها المفقودين في لبنان، فجندت العملاء والمخبرين، وتلقت في هذا الصدد معلومات وتقارير ضخمة من مصادر استخباراتية دولية صديقة، ولكن دون جدوى.

إلا ان التصريحات الصادرة عن مسؤولين إسرائيليين، كسرت الجمود في هذه القضية- اللغز، عندما نقلت صحيفة ((هآرتس)) الإسرائيلية عن المتحدث بإسم وزارة الدفاع الروسية الميجور جنرال إيغور كوناشينكوف في أيلول/ سبتمبر 2018 قوله: (( إن القوات الروسية في سورية تساعد في عملية بحث خاصة عن رفات الجنود الإسرائيليين الذين فقدوا في معارك سابقة)).

وكان الروس وخلال  عام 2016، سلموا إسرائيل واحدة من دبابتين إسرائيليتين سلمهما بشار الاسد لبوتين هدية مكافأة له على دعمه في مواجهة الشعب السوري الثائر كانتا جزءاً من معركة السلطان يعقوب، والتي كان الجيش الروسي عرضها في متحف سلاح المدرعات في موسكو.

مخاوف حزب الله

الاعلان عن عملية استعادة رفات الجندي زخاريا باومل، شكل صدمة للايرانيين ولقيادة حزب الله، خصوصاً بعد اعلان  اسرائيل عن دور روسي في هذه العملية. واعتبرت مصادر مقربة من حزب الله  ناشطة في مجالات اعلامية، ((ان التعاون الأمني الروسي- الاسرائيلي ، يشكل ظاهرة خطيرة يجب التوقف عندها، اذ يخشى الحزب والايرانيون أن يتطور هذا التعاون في مجالات تمس أمن الحزب، والتي يعتبرها حزب الله من الخطوط الحمراء..))

وأكد مصدر فلسطيني تولى في السابق مسؤولية أمنية حساسة في حركة فتح ، خلال دردشة مع ((الشراع)): ((ان التنسيق الاستخباراتي الروسي- الاسرائيلي في هذا المجال بدأ منذ سنتين، خصوصاً بعد وصول معلومات للروس من جهات أمنية سورية، ان أحد المعتقلين البارزين من ((الاسلاميين)) الذين سبق وأن سيطروا على مخيم اليرموك في دمشق، اعترف بمعلومات خلال التحقيق معه من قبل جهاز أمن الدولة السورية ، عن وجود جثث اسرائيلية مدفونة في مقبرة الشهداء قرب المخيم.. وهذا ما دفع بالروس الذين يحاصرون المخيم من خلال عناصر الشرطة العسكرية الروسية الى تكثيف عملية البحث داخل مقبرة الشهداء، حتى توصلوا الى اكتشاف مكان رفات باومل. وقد تؤدي عمليات البحث التي ما زالت مستمرة لاكتشاف مصير رفات رفيقيه)).

نقل الجثث الى سورية ولكن كيف جرى نقل رفات الجندي باومل الى سورية؟

المصدر الفلسطيني أشار الى انه وفي عام 1985  كانت معلومات ترددت ان  الجبهة الشعبية – القيادة العامة التي سحبت الجثث من أرض المعركة  أمرت بنقل الجثث من عيتا الفخار الى اليرموك، قبل انسحاب قيادة منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان الى تونس، ولم يستبعد المصدر الفلسطيني تعاون الاستخبارات السورية مع الروس في عملية استعادة رفات باومل، في اطار إبداء النظام السوري لمزيد من ((نواياه الحسنة)) تجاه اسرائيل، والمجتمع الدولي للحفاظ على وجوده واستمراريته.

وكانت وثيقة صادرة عن شعبة الاستخبارات العسكرية السورية عام 1984  نشرتها منذ أيام مواقع الكترونية، تضمنت دلائل حول معرفة النظام السوري بمكان وجود جثث الاسرائيليين، ومعرفة الجهة التي تولت دفن هذه الجثث واخفائها وقد جاء في الوثيقة والمرسلة إلى ((مكتب سيادة القائد العام للجيش والقوات المسلحة)) حافظ الأسد:

..((بناء على التوجيهات الواردة في برقية سيادتكم رقم 11 / في تاريخ 24 / 4 / 1984، المتعلقة بجثث وأشلاء جنود العدو الإسرائيلي الثلاثة ((زاخاريا باومل، تسفي فيلدمان، يهوذا كاوتس))، من ملاك الكتيبة 662 / الفرقة 90 في جيش العدو، التي تمكن مقاتلون من ((الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة)) من سحبها من دبابات وعربات العدو المحترقة في محيط قرية ((السلطان يعقوب)) و((كامد اللوز)) اللبنانية بمساعدة جنود من اللواء 81 في الفرقة الثالثة في الجيش العربي السوري، وعملاً بقرار مكتب الأمن القومي رقم 17 / س تاريخ 18 / 4 / 1984 القاضي بعدم التصريح عن وجود أية جثث لجنود العدو بحيازة الجيش العربي السوري، بخلاف الجثث الست التي جرى التصريح عنها، وبالتالي عدم شمول الجثث الثلاث بعملية تبادل الأسرى المقرر تنفيذها في 28 حزيرن/ يونيو الجاري عبر معبر القنيطرة المحررة، نحيط سيادتكم علما بما يلي:

جرى دفن جثث الجنود الثلاثة المذكورين في مكان سري خاص من مقبرة الشهداء في مخيم اليرموك بمعرفة مباشرة من السيد أحمد جبريل الأمين العامة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة، والسيدين طلال ناجي وعمر الشهابي من قيادة الجبهة، وبإشراف تام من قبل رئاسة الفرع 235 /الضابطة الفدائية في شعبة الاستخبارات العسكرية. علماً بأن شعبة الاستخبارات احتفظت بكافة متعلقاتهم الشخصية، بما في ذلك لوحات التعريف المعدنية وشراشف الصلاة والكتب الدينية التي تعرض بعضها للاحتراق بشكل كبير.

ولكم الأمر سيدي القائد العام.

دمشق في 2/6/1984

نسخة إلى: الرفيق رئيس مكتب الأمن القومي)).

ووفق المصادر ان استعادة رفات الجندي الاسرائيلي، وفي هذه الظروف، له دلالاته العميقة، على تعاون جدي أمني بين عدد من الاجهزة الاقليمية في مجال استكمال إقفال عدد من الملفات الأمنية التي تشغل اسرائيل، والتي تصب ربما في خدمة مستقبل بنيامين نتنياهو السياسي، وأبرزها استكمال الكشف عن رفات الجنديين الاسرائيليين الآخرين يهودا كاتس، وتسيفي فليدمان، والكشف عن مصير الطيار الاسرائيلي المفقود في لبنان عام 1986 رون أراد، واستعادة اسرائيل لرفات الجاسوس الاسرائيلي ايلي كوهين ، الذي اعدم في ساحة المرجة في دمشق في 18 ايار/ مايو 1965 .

وموضوع مصير  الطيار المفقود رون اراد، يعتبر من أبرز اهتمامات اسرائيل والذي وظفت  له الاستخبارات الاسرائيلية فريق عمل ضخماً للكشف عنه، منذ العام 1986، يوم وقوعه في الأسر بيد مجموعة من حركة ((أمل)) بقيادة الحاج مصطفى الديراني في شرق صيدا عند هبوطة بمظلته اثر إصابة طائرته. وتوصلت اسرائيل الى اختطاف الحاج الديراني من منزله في قصرنبا في البقاع، عشية عيد الاضحى عام 1994، من خلال عملية أمنية قامت بها قوة من الكوماندوس الاسرائيلي.

مصير أراد تجاذبات وخلافات

وفي معلومات خاصة أدلى بها مسؤول حزبي سابق لـ(( الشراع))، ان الديراني الذي ترك حركة ((أمل)) لخلافات تنظيمية، سلم الطيار رون اراد لحزب الله، الذي سجنه في منزل على اطراف بلدة ميدون في البقاع الغربي، إلا أنه وفي عام 1988 وخلال مواجهات ما بين المقاومة واسرائيل تعرضت ميدون لغارات مكثفة من الطيران الحربي الاسرائيلي، أدت الى تدمير البلدة بشكل كامل، فترك حراس اراد مكانهم للاحتماء بعد تعرض المنزل الذي يحتجز فيه رون اراد للتدمير الجزئي الذي سمح له بالهرب ليقع من جديد أسيراً بأيدي مجموعة مسلحة تنتمي لحزب لبناني موال للنظام السوري، فاقتاده مسؤول المجموعة الحزبية الى بلدة في البقاع الأوسط  ليسلم أراد بناء على أوامر رئيس الحزب للنظام السوري.

معلومات كثيرة ترددت حول مصير اراد من بينها، انه نقل من سورية الى ايران بتابوت خشبي بعد موته نتيجة اصابته، وأخرى انه ما زال حياً لدى محتجزيه.. وصار ملف رون أراد  محل تجاذبات وخلافات ومزايدات في الساحة السياسية الاسرائيلية.

أما موضوع الجاسوس ((ايلي كوهين)) الذي شنق في سورية عام 1965 ودفن في مقبرة اليهود في دمشق، فهو يختلف كلياً عن قضية اراد، وعن قضية الجنود الاسرائيليين المفقودين. فرفات كوهين مدفونة في سورية، وزوجه العراقية الأصل ناديا كوهين التي ما زالت على قيد الحياة وتقيم في اسرائيل، لم تتوقف عن مناشدة الرئيس حافظ الاسد، ومن بعده الرئيس بشار الاسد لتسليمها رفات بعلها، وكان آخرها في تشرين الأول/ اكتوبر الماضي  2018 ، وفي إطار كلمتها التي ألقتها خلال مؤتمر طبي تم عقده في مدينة نهاريا الإسرائيلية، حيث توجهت الى الرئيس الاسد بقولها : ((أتوسل إليك، وأطلب منك أن ترحم وترأف بحالنا، وتفرج عن رفات بعلي إيلي كوهين، فقد بلغت من العمر 83 عاماً، أرجوك أنظر إلينا واعفُ عنا، أتوجه إليك بخالص المحبة، أرجو أن يعم السلام في بيتك، وفي بلدك، أطلب منك الرحمة، أطلق سراح إيلي، أعد رفاته، أرجو أن تستجيب هذه المرة إلى ندائي، ويكون ردك العطاء. أمد يدي للسلام، من أجل شعبك وشعبنا.. يمكننا العيش بصورة مغايرة)).

فهل ستؤدي التطورات الاقليمية والدولية الى التوصل الى الخواتيم النهائية في ملفات عدة ومن بينها الملفات الاسرائيلية، والتي لا يمكن أن تتحقق الا بتنسيق وتعاون مع السلطات السورية؟ وخصوصاً مع أجهزتها الاستخبارية ؟

((.. كل شيء متوقع في ظل مشاريع التسويات التي تعد للمنطقة في الكواليس والأروقة الاقليمية والدولية..)) هكذا يجيب مسؤول دبلوماسي غربي في لبنان تعتبر دولته من الدول المؤثرة في الساحة السورية.

 

الوسوم