بيروت | Clouds 28.7 c

سقط البشير هل تسقط البشيرية؟ / بقلم محمد خليفة

سقط البشير هل تسقط البشيرية؟ / بقلم محمد خليفة

مجلة الشراع 19 نيسان 2019 العدد 1897

*الاستخبارات العسكرية تحاول الآن تفكيك تركة البشير, واستعادة عشرات المراكز والمقار ومستودعات السلاح التابعة للحزب الحاكم وإشراف نائب الرئيس علي عثمان طه

*سعى اخوان السودان لإقامة حركة اخوانية عالمية بزعامتهم, منفصلة عن القيادة العالمية التقليدية التي تتبع الجماعة المصرية, وطرحوا اسلاماً مختلفاً عن السلفية السعودية 

*البشير أول حاكم سوداني يتجرأ على التحالف الاستراتيجي مع اثيوبيا ضد مصر، ويحاول اغتيال الرئيس مبارك, ويتعاون مع بن لادن!

*سقط البشير في السودان، لكن المؤسسات الأمنية ذات الأهداف المحددة بالقبض على مفاصل السلطة في السودان وقمع السودانيين ما زالت موجودة في الجيش وأجهزته الأمنية وفي الادارة

*سقط البشير في السودان لكن البشيرية ما زالت حاكمة في سورية عبر بشار الاسد، وفي الجزائر في معاندة بعض أجهزة الجيش الجزائري عن تسليم السلطة للمدنيين الذين ثاروا

*سقط البشير في السودان، لكن فرص عودة البشيرية في كثير من الاقطار العربية ما زالت متوافرة لتفتيت البلاد وقمع العباد وتسليم مقدراتها لاعدائهما في مقابل البقاء في السلطة.. أليس هذا ما يمارسه بشار الاسد في سورية؟

 

مثل كل الأنظمة العقائدية الشمولية استولى نظام البشير منذ انقلاب 1989على ((الدولة )) السودانية, ووضع الحزب الذي أسماه ((المؤتمر الوطني السوداني)), وهو مجرد واجهة شعبية لجماعة الاخوان التي دعمت الانقلاب فوراً ووفرت له القاعدة المجتمعية. ومن خلال هذه الواجهة أنشأ البشير منظمات رديفة موازية لمؤسسات الدولة لممارسة السلطة خارج القانون والدستور. وأصبح ((المؤتمر)) المذكور كحزب البعث في سورية, وكاللجان الثورية في ليبيا. ولأن هذه الطغم تعلم أن الشعوب ستثور ذات يوم عليها, لجأ البشير وجماعته الى بناء أجهزة ارعابية تمارس القتل والاعتقال والاغتصاب والتعذيب خارج القانون, أطلق عليها ((كتائب الظل))  وهي كيانات أمنية وميليشياوية منظمة وقوية وتضم عشرات ألوف العسكريين ورجال الاستخبارات والقادة السياسيين والمرشدين الروحيين المشبعين بالأفكار الأسطورية للحزب الحاكم, ونظراً لأهميتها أسندت مهمة الاشراف على هذه الكيانات لنائب الرئيس علي عثمان طه الذي هدد في شباط/ فبراير الماضي بزجها في معركة الدفاع عن النظام والرئيس, وبرز من قادتها أيضاً احمد هارون مساعد البشير, ونافع نافع وغازي صلاح الدين. وقد وثقت منظمة ((هيومان رايتس ووتش)) في الشهر نفسه مئات الجرائم والانتهاكات التي اقترفتها كتائب الظل, والميليشيات السرية, مثل:

أولاً - ((الملثمون)) وهي مجموعات مسلحة تندس بين المتظاهرين وتقوم بالاعتداء عليهم على طريقة الشبيحة في سورية.

ثانياً – ((قوات الأمن الشعبي)) التي تأسست بعد انقلاب البشير فوراً وخضعت لسلطة المؤتمر الوطني، وقيادة حسن الترابي الذي يعتبره كثيرون الزعيم الروحي للإسلاميين في البلاد، وبعد تخلص البشير منه عام 1999 تولى مسؤوليتها علي عثمان طه. ويقول عثمان باونين السياسي السوداني إن ((هذه الميليشيات تتعاون مع الاستخبارات العسكرية والخارجية, وهي التي خططت لاغتيال الرئيس المصري عام 1995 في اثيوبيا)).

ثالثاً - قوات الدفاع الشعبي: وهي مؤسسة شعبية عسكرية تنتشر في جميع الولايات, وتساند قوات جهاز الأمن والاستخبارات في العمليات التي يقوم بها في مناطق كثيرة، بحسب باونين.

وفي وقت سابق وفي شهر نيسان/ ابريل الجاري، وعندما تصاعدت الاحتجاجات, برزت ((قوات الدفاع الشعبي)) كفصيل عسكري مواز للجيش النظامي يمكنه التصدي له إذا حاول الانقلاب على البشير! وطالب أحد قادتها قواته بالجاهزية القتالية للتصدي لما أسماه بـ((العمل المعادي)) .

رابعاً – ((كتائب الإسناد المدني)) وهي منظمة شبه عسكرية تقوم بمهام اجتماعية وأمنية لصالح النظام والحزب, تحت شعار ((خدمة المجتمع)) .

خامساً – ((عصابات الجنجويد)) التي أسسها البشير للتصدي للمعارضة في دارفور, وهي عصابات اشتهرت عالمياً بارتكاب أقذر عمليات القتل والاغتصاب وترويع السكان المدنيين.

وتشير المعلومات إلى أن قوات الاستخبارات العسكرية قامت بعد عزل البشير بوضع يدها على مكاتب ومقار بعض هذه التشكيلات الحزبية الميليشوية, وأنها عثرت على عشرات المخازن والبيوت المدنية التي تحوي أسلحة تابعة لقوات الدفاع الشعبي وكتائب الظل، ووجهت ضد الشعب عند تصاعد الاحتجاجات المطالبة بإسقاط النظام. وتوقع المراقبون أن ((تعثر الشرطة العسكرية على المزيد من الأسلحة التابعة لهذه الميليشيات التي نشرت أيضاً القناصة على الأسطح لاستهداف المحتجين)) على الطريقة السورية.

ويقول بانين عن تمويل هذه الميليشيات ((في ظل الأداء الاقتصادي المتواضع للدولة السودانية اعتمدت على غسيل الأموال عبر تسجيل شركات تابعة للدولة ، ويُخصص لها جزء لا يخضع لرقابة, أو مراجعة, من وزارة المالية، ويأتي تحت اسم ((المال المجنب))!

امبراطورية اخوانية في افريقيا!:

كثيرون خارج السودان لا يعرفون أن أحلام البشير تضخمت الى حد التخطيط لتحويل السودان قاعدة مركزية وقيادية لكافة الحركات الاسلامية بين البحر الأحمر والمحيط الأطلسي. ولا يعرفون أنهم أنفقوا الكثير لتحقيقها, حتى أصبح السودان فعلاً مركزاً لكثير من الشخصيات الاسلامية, كزعيم القاعدة السابق أسامة بن لادن, ومركزا للتآمر على الأنظمة المجاورة وخصوصاً مصر وليبيا وتشاد وأريتريا, وملاذاً للهاربين من هذه البلدان. ولم يسبق لأي نظام أو رئيس سوداني قبل البشير أن فكر بالتآمر على مصر, أو محاولة التأثير عليها من جنوبها, لكن هذا ما حدث فعلاً في عهد البشير, إذ أقدمت مجموعة من ((جماعة الجهاد الاسلامي)) المصرية على تدبير محاولة لاغتيال الرئيس السابق حسني مبارك في أديس أبابا أثناء حضوره القمة الأفريقية, وبينت التحقيقات أن المنفذين مصريون, ولكن التخطيط للعملية تم في الخرطوم, وانتقلوا منها الى اثيوبيا بجوازات سودانية, ونقلوا الأسلحة على متن الخطوط الجوية السودانية.

وقالت رواية أخرى إن تنظيم ((القاعدة)) شارك في تدبيرها, خصوصاً أن بن لادن كان مقيماً في الخرطوم, وضالعاً في سياسات البشير ومغامراته الخارجية.

وكان الأب الروحي والزعيم المؤسس للحركة الاسلامية في السودان, وشريك البشير في الحكم خلال السنوات العشر الأولى حسن الترابي أسس عام 1991 ما يسمى ((المؤتمر الشعبي العربي الاسلامي)) الذي ضم أحزاباً وحركات اسلامية من ((45)) دولة اجتمعت في الخرطوم, وانتخبت الترابي رئيساً للجبهة. وكان هذا التتويج بمثابة مبايعة هذه المنظمات الاخوانية وشبه الاخوانية, ولا سيما في دول شمال ووسط أفريقيا, لدور الخرطوم القيادي غير المعهود في السابق.

ومن الملاحظ أن هذا الدور برز كاتجاه معاكس للمركزين التاريخيين لقيادة الحركات الاسلامية الشرعية في الرياض, والاخوانية في مصر, وذلك إثر الاجتياح العراقي للكويت وحرب الخليج الثانية 1990 - 1991, وهو العام الذي شهد تحركاً جماهيرياً ساخناً في بلدان المغرب العربي رافضاً لاستقبال السعودية قوات اميركية لتحرير الكويت, وهي المناسبة التي برز خلالها اسلاميو السودان كمعارضين شرسين للحرب على العراق. وبينما أفتى فقهاء السعودية بجواز الاستعانة بالاميركيين, برز الترابي على النقيض, واصطف خلفه كبار الاسلاميين المغاربة, وخصوصاً زعيم حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي, وزعماء جبهة الانقاذ الجزائرية, وقادة ((القاعدة)), ووظف اسلاميو السودان هذه المواقف لخلق قطب أو جناح عالمي ضمن الحركة الاسلامية الاخوانية تتبع السودان.

 الجدير بالذكر أن هذا القطب أو الجناح العالمي تأسس على قاعدة الخروج من عباءة الجماعة الاخوانية السلفية التي تتبع مصر منذ تأسيس حسن البنا لها قبل تسعين سنة, وكرر الغنوشي كثيراً أنه تربى على افكار الشيخ الترابي أو قال : نحن تلاميذ وأبناء الشيخ حسن الترابي!

في تلك الفترة لم يكتف نظام البشير بتحالفه مع بن لادن والقاعدة, بل أعدم البشير عشرات الضباط البعثيين والقوميين العرب بتهمة التآمر عليه، كما تحالف مع رئيس وزراء اثيوبيا ميليس زيناوي, ودشن معه تعاوناً مشبوهاً آخر موجهاً ضد مصر, تطور وتنامى حتى أصبح تحالفاً مائياً للاضرار بحصة مصر من مياه النيل, ظهرت نتائجه الخطيرة في السنوات الأخيرة, في سد النهضة!

كما أقام تحالفاً علنياً مع تركيا الاردوغانية ضد مصر والسيسي, وفتح بلاده الواسعة وموانئه للقوات التركية, والاستثمارات والمشاريع التركية.                         

وعندما سقط القذافي عام 2011 اعترف البشير متباهياً بأنه خدع القذافي سنوات, إذ كان يتقرب منه رسمياً, بينما يمد في السر الجماعات الاسلامية المناهضة لحكمه بالأسلحة, وأكد دوره في إسقاط القذافي.

والبشير مسؤول عن محاولتي انقلاب على نظام ادريس ديبي في تشاد, وفي الثالثة دعم وصول حسين حبري للسلطة, وأصبح حليفاً له في مخططاتهما في وسط افريقيا, كمالي والنيجر, حيث دعما الطوارق, وصولاً الى نيجيريا والجزائر حيث تربطه علاقات قوية مع حركة السلم الاخوانية وبعض الجماعات المتطرفة, وذلك تحقيقاً لحلم اقامة الامبراطورية الاخوانية في شمال ووسط افريقيا!

والسؤال الذي يطرحه اليوم المراقبون في السودان وخارجها: هل يمكن تفكيك الأجهزة الموازية للدولة التي أقامها البشير والاخوان في الداخل السوداني؟ وهل ثمة أجهزة سرية أخرى غير معروفة؟

وهل تتهاوى مع البشير شبكة الجماعات الاسلامية التي أقامها اخوان السودان مع أطراف كثيرة ومتعددة, بما فيها تهريب السلاح الايراني الى حماس والجهاد في غزة شرقاً, أو عبر ليبيا وتشاد ومالي والنيجر والجزائر ونيجيريا غرباً, والى الصومال واريتريا وكينيا جنوباً, والتي كانت كلها على صلة وثيقة بموردي الأسلحة والداعمين الكبار في تركيا ودول أخرى.؟؟!

 

الوسوم