بيروت | Clouds 28.7 c

في ذكرى ثورة 6 أبريل على نميري هل يتكرر السيناريو؟ عمر البشير.. انتهى الدرس يا غبي / بقلم: محمد خليفة

في ذكرى ثورة 6 أبريل على نميري هل يتكرر السيناريو؟ عمر البشير.. انتهى الدرس يا غبي / بقلم: محمد خليفة

مجلة الشراع 5 نيسان 2019 العدد 1895

 

*((البشير)) تبلغ أمر عمليات دولياً يطالبه بالاستقالة

*السيسي عرض عليه دعماً عربياً مقابل التضحية بـ((الاخوان))

*الجيش رفض منذ شهر إطلاق الرصاص على المتظاهرين 

*الانتفاضة أسقطت ((النظام)) بطرق مبتكرة لم يستطع مواجهتها   

*بلغ عدد الشهداء منذ  بداية الانتفاضة 64 شهيداً, وعدد الجرحى 2400 مصاب وبلغ عدد المعتقلين 3650 تقريباً, يزيد وينقص يومياً حسب الافراج وارتفاع وتيرة الاعتقاﻻت

*((الاخوان)) تخلوا عن البشير, وقطر توقفت عن دعمه مالياً, وتركيا نأت بنفسها, وروسيا حذرته من قمع المحتجين لأن ((الغرب)) سيتحرك فوراً!

*البشير يأمل بملاذ آمن في السعودية, لأنه يخشى الملاحقة القضائية في السودان أو أمام محكمة الجنايات الدولية بعد استقالته

 

كالعادة غاب عدد غير قليل من قادة الدول العربية عن قمة تونس الأخيرة لأسباب مختلفة, ولكن ثلاثة منهم اتسم غيابهم بفقدان صلاحيتهم الشرعية, داخل بلادهم وخارجها, هم عبدالعزيز بوتفليقة, وعمر البشير وبشار الأسد ولئن لم يحسم بعد مصير الأخير فإن البشير وابو تفليقة حُسم أمرهما وأصبحا فعلياً خارج السلطة, وإن تأخر الإعلان عن ذلك رسمياً, بسبب حاجة الأطراف الداخلية والخارجية لانتقال هادىء في السلطة, تجنباً للانزلاق الى اضطرابات عنفية تكرر سيناريوهات سورية وليبيا واليمن سابقاً.

وإذا كانت نهاية بوتفليقة باتت واضحة ومحسومة, بسبب عجزه الصحي, وتحرك الشارع, وانحياز الجيش له فإن مصير البشير غير واضح بالدرجة نفسها, إلا أنه حسب مصادر سودانية مطلعة محسوم كمصير الأول, وقد أذعن هو نفسه لقرار الشارع, بعد أن فقد السيطرة على مؤسسات الدولة, وخصوصاً الجيش, وبدأ يبحث عن ضمانات مناسبة له قبل تسليم السلطة, وعن ((ملاذ آمن)) يلجأ اليه.   

وأكدت المصادر المطلعة لـ ((الشراع)) أن الرئيس البشير غاب عن قمة تونس - وهو الذي كان لا يغيب عن أي قمة عربية أو أفريقية, أو اسلامية - لأن أركان النظام العربي الفاعلين حسموا مواقفهم منه, وأبلغوه رفضهم لاستمراره أو مساعدته, بعد أن منحوه ((فرصة أخيرة)) أبلغها له الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي, ولم يقبل بها.

وذكرت المصادر ذاتها أن الموقف العربي يعكس اجماعاً دولياً تشارك فيه حتى روسيا التي حذرته من عواقب قمع الانتفاضة الشعبية وإسالة الدماء, لأن الدول الغربية سيكون لها تحرك حازم ضده.

وختمت المصادر المطلعة معلوماتها بتأكيدها أن البشير يفاوض الآن سراً بعض أطراف المعارضة على تسليم السلطة, مقابل ضمانات بعدم محاكمته لا في السودان, ولا أمام محكمة الجنايات الدولية.

 وكشفت المصادر أن السودان يتهيأ لدخول مرحلة انتقالية تنظم إجراءات الانتقال لعهد جديد يشبه عهد الرئيس المؤقت السابق عبدالرحمان سوار الذهب عام 1985 بعد إسقاط الشارع للرئيس جعفر نميري. وأوضحت أن الجيش أوقف إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين بقرار من قيادته, منذ بداية آذار/ مارس المنصرم, تعبيراً عن انحيازها لمطالب الشارع, وابتعادها عن الرئيس.

جاءت هذه التطورات كحصيلة تراكمية للحراك المدني الذي بدأ في 19 كانون الأول/ ديسمبر الماضي, وتحوله الى انتفاضة عارمة مستمرة يومياً في كافة الولايات والمدن, منذ ما يزيد على مائة يوم. ويتوقع أن تبلغ ذروتها غداً السبت 6 نيسان/ أبريل الذي يصادف الذكرى السنوية الرابعة والثلاثين للانتفاضة التي أسقطت نميري. إذ يحشد قادة الحراك والمعارضة ملايين المواطنين لتكرار سيناريو إسقاط نميري.   

وتؤكد المصادر ذاتها أن ((الانتفاضة)) حققت انتصاراً حاسماً بسحب البساط من تحت أقدام النظام, بحيث لم يعد له تأثير على الشعب السوداني. و((لم يعد هناك مواطن واحد يقبل الاعلان عن تأييده للبشير, بما في ذلك القوى الاسلامية الموالية التي تشكل حاضنته الاجتماعية, كالمؤتمر الوطني السوداني أو المؤتمر الشعبي ((جناح الترابي)). وذكرت المصادر أن المطالبة بإسقاط النظام والبشير أصبحت جزءاً من ثقافة السودانيين اليومية , يتداولونه في المدارس الابتدائية وحتى الجامعات , وفي الشارع , ومواقع العمل, وتتبناه تحالفات المعارضة الأربعة الرئيسية التي انتظمت بها عشرات الاحزاب والنقابات, وفصائل كردفان المسلحة والفعاليات الاجتماعية والأكاديمية, وهي:

1 – ((تجمع المهنيين)) الذي يضم نقابات الاطباء والمهندسين والاكاديميين والمعلمين فضلاً عن القوى العاملة.

2 – كتلة ((نداء السودان)) بقيادة الصادق المهدي, وهو تحالف كبير يضم عشرات الاحزاب, وفصائل كردفان المقاتلة.

3 – ((قوى الإجماع)) وهو تحالف حزبي قومي يساري يضم الحزب الشيوعي والبعث والناصري, ومنظمات وشخصيات أخرى.

4 – ((التجمع الاتحادي المعارض)) الذي يجمع عشرات المنظمات المنشقة عن الحزب الاتحادي الديموقراطي, بسبب موالاة قيادته للبشير قبل عقدين.

 ويتقدم الصفوف الآن بعض أبرز القادة السياسيين الذين قادوا ثورة 1964وثورة 1985 مثل فاروق أبو عيسى, والصادق المهدي. وتتداول الأوساط حالياً عدة مبادرات لخروج البشير من السلطة ونقل البلاد الى عهد جديد عبر مرحلة انتقالية , تتقدمها ((مبادرة أساتذة جامعة الخرطوم)) التي لقيت ترحيباً من أكثر القوى السياسية, ويقال إن البشير يتعاطى معها إيجابياً, لكونها مبادرة غير حزبية ولا سياسية, وما تتمتع به الجامعة من نزاهة.

وتتميز انتفاضة الشارع السوداني بمزايا خاصة تميزها عن انتفاضات البلدان العربية في مطلع العشرية الحالية, أهمها:

1 – الطابع الشبابي للمحتجين إذ تتراوح اعمار غالبيتهم بين 20 و26 سنة.

2 – المستوى الثقافي العالي لغالبية المحتجين, وهم من الطلاب والمثقفين والسياسيين.                

3 – الحضور الكثيف والمؤثر للعنصر النسائي.

4 – الطابع السلمي المثالي, وتجنب التخريب والصدام بأجهزة الأمن, أو ((الملثمين)) (الشبيحة والعصابات) التي زج بها النظام للاعتداء على المحتجين.

5 – الاستقلالية التامة عن الخارج ورفض جميع أشكال التدخل الخارجي العربي أو الاقليمي أو الأجنبي.

 6 - ابتكار تكتيكات لا قدرة للنظام على مواجهتها مستمدة من الثورة الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي , كتكتيكات موقع ( منبر شات ) النسائي الذي يرصد سلوكيات ضباط الشرطة والأمن المعادية, ويكشف أسماءهم وصورهم وينشر عناوينهم ويحرض الناس عليهم, ويضغط على عائلاتهم، وتشكيل لجان لزيارة ذوي المعتقلين والجرحى والقتلى للتضامن معهم وكشف انتهاكات النظام لحقوق الانسان. وتشكيل جماعات أخرى تتوجه للمساجد التي يسيطر النظام عليها, وتبث خطابه السياسي بواسطة آلاف الأئمة المنتسبين لجماعة الاخوان وحزب البشير, وقيام شباب الحراك بالتصدي لهم وفضح خطابهم أمام الناس!.

والجدير بالذكر أن البشير والاخوان أسسوا خلال ثلاثين سنة أول ((دولة اخوانية)) في العالم العربي, أفقدت ((مؤسسات الدولة)) طابعها القومي , وتحويلها أخوانية حزبية. ولكن الانتفاضة تمكنت في مائة يوم من تفكيك الدولة الأخوانية, وتحشيد الشعب كله في مواجهة النظام وعزله تماماً.

قرار دولي بإسقاط البشير

أما على الصعيد الخارجي فكشفت المصادر المطلعة أن البشير فشل في الحصول على أي دعم عربي. إذ حسمت مصر والسعودية و((الامارات والبحرين)) منذ البداية مواقفها منه, نتيجة موقفها الجذري من ((الاخوان)) وارتباطات البشير بالمحور المضاد. وحذرت الرياض والكويت منذ بداية الانتفاضة رعاياها من السفر للسودان فاعتبر بمثابة سحب للثقة بالنظام, وامتنعت الامارات عن تقديم أي عون مالي.

 وكشفت المصادر أن زيارة البشير للقاهرة أواخر كانون الثاني/ يناير 2019 استهدفت طلب الدعم العربي بوساطة مصر ولكن الرئيس السيسي أبلغه أن الدول العربية تطالبه بالتخلص من ((الاخوان)) وحل أحزابهم, واستبدالهم بدعم الجيش له, كشرط لدعم مصر والعرب, لكن البشير رفض العرض, لأنه مستحيل التنفيذ, نتيجة تجذر ((الأخوان)) في مؤسسات الدولة واعتماد ثقافتهم كايديولوجيا رسمية للنظام.

وكشفت المصادر أن المحور الاخواني الاقليمي تخلى أيضاً عن البشير, وخصوصاً قطر التي أعلنت بعد الانتفاضة وقوفها بجانبه, ولكن الدعم بقي كلامياً لأن الامير اعتذر عن عدم تقديم أي مال, وتسجل المصادر أن الشيخ يوسف القرضاوي مرشد الأخوان المقيم في قطر ألقى خطبة هاجم فيها البشير من دون تسميته, وذكره بحرمة سفك دماء المسلمين. كما أصدر ((اتحاد العلماء المسلمين)) بياناَ يدين قتل المحتجين, الأمر الذي ترجم موقفاً أخوانياً دولياً من البشير الذي كان أصلاً منشقاً عن ((الجماعة)) ولم يكن ملتزماً بها إلا بالفكر. 

وكشفت المصادر أن البشير استنجد بالروس حماة كل الطغاة فرفضوا تقديم شيء, ونصحوه بعدم قمع المحتجين لأن الدول الغربية ستتحرك فوراً ضده بشكل عملي. وفهم البشير أن الروس متفاهمون مع الغرب على ضرورة رحيله بسبب سجله الأسود. وقالت المصادر أن تركيا نأت بنفسها عن السودان أيضاً. وأما الدول الافريقية فتقدمت بمبادرات لاحتواء الوضع, تتسلل خلفها  فرنسا التي تحاول ملء الفراغ نيابة عن الأوروبيين بسبب غياب الدول الكبرى عن الساحة الداخلية وخصوصاً أميركا, رغم الزيارات المتكررة لوفود أميركية وبريطانية داعمة بشكل واضح للحراك, وللانتقال لنظام ديموقراطي، تعامل معها النظام بحذر شديد.

وفي ضوء هذه التطورات تؤكد المصادر أن الرئيس البشير أدرك أن عليه الرحيل طوعاً بطريقة مشرفة, قبل أن يتم اسقاطه وإحالته الى القضاء الدولي أو الداخلي, لأنه لن يجد من يرحب باستقباله أو حمايته إذا قاوم ارادة شعبه, وتعتقد هذه المصادر أن البشير يجري اتصالات مع اطراف المعارضة للحصول على ضمانات لسلامته الشخصية من الملاحقة القضائية بعد استقالته, واتصالات عبر وسطاء مع بعض الدول للانتقال اليها, وهو يركز على المملكة العربية السعودية كملاذ آمن له! 

ورأت المصادر أخيراً أن انتفاضة السودان كالجزائرية لا تقل مستوى ونضجاً عن انتفاضات الشعوب الأوروبية, بما فيها السترات الصفر الفرنسية, وكلها تعكس تقارباً في الوعي والثقافة والحقوق والخبرات في ظل الثورات الرقمية والعولمة, مما يبشر بتقارب جوهري بين شعوب جنوب المتوسط وشماله, يتجاوز الانقسامات النمطية العنصرية والحضارية والسياسية.      

 

 

جعفر النميري: حاكم السنين السوداء

عمر البشير: باحث عن ملاذ آمن

عبدالرحمن سوار الذهب: المتعفف عن السلطة

صورة عن التظاهرات: شعب الثورات السلمية الناجحة       

       

 

الوسوم