مراسلات ماكماهون الشريف حسين وغدر الإنكليز وسايكس بيكو ووعد بلفور/ كتب: عبد الهادي محيسن
الشراع 26 شباط 2024
تكونت مراسلات ماكماهون والشريف حسين من عشر خطابات متبادلة في الفترة ما بين 14 تموز 1915 وآذار 1916 ، بين الشريف حسين بن علي شريف مكة والسير هنري ماكماهون المندوب السامي البريطاني في مصر .
كان الشريف حسين بن علي هو الشخص المؤهل لإبطال دعوى الجهاد المقدس التي دعا إليها السلطان العثماني في نظر بريطانيا ، نظراً لمنصبه الديني كحامي لمدينتي مكة والمدينة المنورة وبالتالي الكعبة المشرفة والمسجد النبوي الشريف ، وكذلك نسبه الى الرسول ( ص ) .
كانت قد لقيت التطلعات العربية بالاستقلال عن الأتراك تأييدا من قبل بريطانيا ، خاصة بعد نشوب الحرب العالمية الأولى ودخول تركيا العثمانية فيها الى جانب ألمانيا ، بالرغم من نصيحة الشريف حسين للسلطان محمد رشاد بعدم دخول الحرب .
ولم يكن ذلك التأييد البريطاني نابع عن إيمانها بحق العرب بالاستقلال والتحرر والوحدة ، ولكنه كان نابعا من رغبتها بإلحاق الهزيمة بتركيا وحليفتها ألمانيا من خلال إبطال دعوى الجهاد المقدس ، التي كان من المتوقع أن يعلنها الخليفة العثماني بتحريض من ألمانيا وذلك لكسب رعاياها ورعايا حلفائه الفرنسيين والروس المسلمين في الهند وأفريقيا ووسط آسيا .
ووفقا للرسالة الأولى بتاريخ 14 تموز 1915 فمن ضمن مراسلات الحسين ماكماهون حاول الشريف حسين أن يستغل حاجة الإنكليز إليه والى العرب للحصول منهم على اعتراف باستقلال ووحدة الأقطار العربية في قارة آسيا أولا ، وجاءت الرسالة مطابقة لمطالب الجمعيات العربية في سوريا وبلاد الشام ، والتي يطلق عليها إسم ميثاق أو بروتوكول دمشق 1925 .
انتدب الشريف حسين آنذاك الأمير فيصل للذهاب الى الأسيتانة ليقابل الصدر الأعظم ويخبره بأن هناك أمور خطيرة ، وخلال وجوده التقى بقادة الحركة العربية وأعضاء الجمعيتين العربية الفتاة التي أصبح عضوا فيها ، وجمعية (العهد) وذلك بناء على طلبهم وأطلعوه على نص الميثاق الذي تضمن شروط العرب لعقد اتفاق مع بريطانيا والدخول الى جانبها في الحرب .
وطلبوا منه أن يقدمه الى والده كي يجعله أساسا لمفاوضاته مع بريطانيا ونص على ما يلي : " 1- اعتراف بريطانيا العظمى باستقلال البلاد العربية الواقعة على الحدود التالية :
شمالا : خط مرسين أضنة الى حدود إيران .
شرقا : امتداد حدود إيران الى الخليج العربي جنوبا .
جنوبا : المحيط الهندي .
غربا : على امتداد البحر الأحمر ثم الى البحر الأبيض المتوسط الى مدينة مرسين .
2- إلغاء جميع الامتيازات الإستثنائية التي منحت لأجانب بمقضى الامتيازات الأجنبية الموقعة سابقا من السلطنة العثمانية وبين بريطانيا وفرنسا وروسيا .
3- عقد معاهدة دفاعية بين بريطانيا وبين الدول العربية المستقلة .
4- تقديم بريطانيا وتفضيلها على غيرها بالنسبة للمشروعات الاقتصادية .
استجابت بريطانيا الى مطالب الشريف حسين وفقا لمذكرة ماكماهون الثانية بتاريخ 24 تشرين الأول 1915 مع بعض التحفظات بخصوص الساحل السوري والعراق وسواحل شبه الجزيرة العربية .
إلاّ أن الشريف حسين لم يقرها بهذه التحفظات ، ولكنه أجل البحث فيها الى نهاية الحرب مع تأكيده على عدم إمكانية التنازل عن شبر واحد لفرنسا ، وكان يؤكد دائما على أنه لا فرق بين عربي مسلم وعربي مسيحي ، فالعرب عرب قبل أن يكونوا مسلمين ومسيحيين .
طلب الإنكليز استثاء أجزاء من سوريا تقع غرب مناطق المدن السورية دمشق حمص حماة وحلب ، مراعاة لاهتمام فرنسا بشأنها كحليف رئيسي في الحرب ، وبعد كشف النقاب عن اتفاقية سايكس بيكو المعقودة في أول أيار 1916 والتي اتفقت فيها كل من بريطانيا وفرنسا على تقاسم الأراضي العربية التابعة للدولة العثمانية في غرب آسيا ، ومن قبل ذلك إعلان تصريح بلفور في 2 تشرين الثاني 1917 ، في رسالة موجهة من وزير خارجية بريطانيا آرثر بلفور الى اللورد دي روتشيلد أحد أبرز أوجه المجتمع اليهودي البريطاني ، وذلك لنقلها الى الاتحاد الصهيوني لبريطانيا العظمى وإيرلندا
والذي أعلن فيه تعاطف بريطانيا ودعمها لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين ، وإنشاء دولة لهم فيها ، اعتبر الشريف حسين والمثقفون العرب كلا الاتفاقيتين والتعهد خرقا لمراسلات الحسين ماكماهون ، وهو ما طالب به الانكليز استثناء من الاتفاق من المنطقة الساحلية لبلاد الشام ، علما بأن جواب الشريف حسين القاطع على ذلك كان الإصرار على عروبتها وعدم استثناءها مهما كلف الأمر .
وبناء عليه فقد رفض الشريف حسين التصديق على معاهدة فرساي 1919 وكذلك عدم الاستجابة لاقتراح بريطانيا عام 1921 للتوقيع على معاهدة أنجلو هاشمية وقبول الانتداب ، وصرح بأنه لا يتوقع منه وضع إسمه على وثيقة تُسلّمفلسطين الى الصهاينة وتسلم سوريا الى الأجانب ، وبعدما فشلت محاولتان بريطانيتان أخريتان للتوصل الى معاهدة ثنائية عامي 1923 و 1924 .
ومع تعليق المفاوضات في آذار 1924 وفي غضون ستة أشهر سحب البريطانيون دعمهم للشريف حسين لصالح حليفهم عبد العزيز بن آل سعود الذي أقرهم على ما أرادوا ثم شرع بموافقتهم على غزو المملكة الحجازية الهاشمية .
عبد الهادي محيسن ... كاتب وباحث