بيروت | Clouds 28.7 c

موازين القوة والقرار داخل حركة حماس

 

موازين القوة والقرار داخل حركة حماس

 
  • ورقة سياسات مركز تقدم للسياسات – لندن
    أكرم عطا الله

 

تقديم : منذ انطلاقة حركة حماس ظل موضوع مركز القرار يتنقل بين الداخل والخارج ورغم سيطرة الحركة على قطاع غزة وإقامة نظامها الخاص ومؤسساتها العسكرية والمدنية ، الا ان ذلك لم يحسم تحولها لمركز للقرار ، ولا زالت قيادة الخارج وعلى راسها عضو المكتب السياسي للحركة وزعيمها السابق خالد مشعل ، تتمتع بدور وتاثير كبيرين ، لا بل ان بعض التقديرات تشير الى ان الخارج كان له الدور الحاسم ، في تجنيب الحركة ضربة كبرى في المعركة الأخيرة وانها ساهمت في انضباط الحركة للتحذيرات الإسرائيلية بالبقاء على الحياد العسكري في الضفة الغربية وقطاع غزة والتي استهدفت قيادة حركة الجهاد الإسلامي حصرا .
تحاول هذه الورقة متابعة مسارات التحول في مركز قرار الحركة بين الداخل والخارج، وهل سيتمكن خالد مشعل من تمرير رؤيته السياسية البراغماتية على قيادة الداخل والإبقاء في ذات الوقت على وحدة الحركة.

في التحليل:

منذ بدايات الحركة في قطاع غزة، ترأسه حماس القيادي الأكثر حضورا وتأثيرا في الحركة الاسلامية الشيخ أحمد ياسين. فقد تم اختياره زعيما للحركة الاسلامية في نهاية ستينات القرن الماضي، وحال ذلك دون بروز أية نزعات تنافسية داخلها فقد كان بمكانة الأب الروحي للحركة.
بعد الانطلاقة تعرضت الحركة لعدة ضربات ولم يمر عامان إلا وكانت معظم قيادات الحركة في السجون الاسرائيلية ما استدعى تشكيل مكتب سياسي لسد الفراغ في ظل غياب الزعامة واستمرار الملاحقات في الداخل وقد شكلت الحركة مكتبها السياسي كهيئة سياسية للحفاظ على زعامة في الخارج بما يوفره الخارج من ضمان الاستمرار ومرونة في التحرك والاتصال والاستثمار السياسي.
في تلك الظروف، توسعت صلاحيات المكتب السياسي في الخارج على حساب الداخل المغيب في السجون، وتسلم دفة القيادة خالد مشعل عام 96، عزز مكانته ودوره، استمرار اعتقال سلطات الاحتلال الإسرائيلي للأب الروحي والزعيم التاريخي .
في أكتوبر عام 97 أطلق سراح الشيخ أحمد ياسين بعد فشل محاولة اغتيال رئيس المكتب السياسي خالد مشعل في عمان ،عندما اشترط الملك حسين اطلاق سراحه مقابل عناصر الموساد الذين قاموا بمحاولة الاغتيال ، جاء اطلاق سراح الزعيم التاريخي ، بعد توقيع منظمة التحرير الفلسطينية اتفاقا مع اسرائيل تشكلت بموجبه السلطة الوطنية بمؤسساتها الأمنية والعسكرية والمدنية ، الامر الذي حال دون استمرار حركة حماس من تنفيذ برنامجها الخاص ، ما يعني ضعف حضورها الامر الذي أبقى على بعض القوة لدى المكتب السياسي وزعيمه الذي زادت فرص حضوره أكثر بعد نجاته من محاولة الاغتيال الفاشلة ليتحول الى حالة رمزية بثقل لافت .
مع بداية الانتفاضة الثانية التي وفرت للداخل أجواء وفرصة للعمل يمكن القول ان الداخل أخذ يستعيد حضوره، لكنه لم يصادر تماما دور الخارج ممثلا برئيس المكتب السياسي وحصل ما يشبه تقاسم الصلاحيات والقوة بالتناسب بين الميدان وما يمثله من حضور بالفعل اليومي وبين الخارج الذي يقوم بالفعل السياسي والاتصالات الخارجية وتلقي التبرعات وامداد الحركة بالداخل. كان هذا الدور يزيد من قوة الخارج مستفيدا من التعاطف العربي مع الانتفاضة الفلسطينية، ترافق ذلك مع انتشار الفضائيات وبروز جيل من الخارج قادر على ملئ المساحة التي توفرت مستندا لقوة الفعل في الداخل لتكتمل سيطرته على الحركة باغتيال الزعيم التاريخي الشيخ المؤسس وبعده بشهر الرجل القوي بالحركة الدكتور عبد العزيز الرنتيسي.
مع انقسام الاقليم مبكرا بين محورين “الممانعة والاعتدال “وجدت الحركة نفسها في محور “الممانعة” لتستقر في دمشق التي وفرت لها كل امكانيات العمل مدعوما من المحور الذي تقوده إيران. لكن هذا الاصطفاف لم يمنع حركة حماس من تلقي الدعم المالي والإعلامي والاسناد من التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، في هذه المرحلة تعززت قوة ومكانة قيادة الخارج أكثر، ليصبح قرار الحركة بالكامل لدى رئيس المكتب السياسي في دمشق لأسباب مختلفة منها :
– غياب قيادات وازنة في الداخل بفعل الاعتقال أو الاغتيال
– شيخوخة الجيل المؤسس.
– حجم الامكانيات التي توفرت لدى قيادة الخارج ، والحاجات التمويلية واللوجستية المتزايدة للداخل.
عام 2006 أجريت الانتخابات الفلسطينية وفازت حركة حماس بالأغلبية في المجلس التشريعي، ليعود الداخل مستندا الى نتائج الانتخابات بقوة جديدة ومركزا للقرار، شكلت الحركة حكومتها وأصبحت محل أنظار العالم، ليبدأ في مزاحمة الخارج، تبعتها مجموعة أحداث كانت تستدرج ممكنات قوة للداخل بالإضافة لنجاحها في الانتخابات التشريعية وهي .
– تَحَقُق التجربة في قطاع غزة كأول تجربة للحركات الاسلامية تنجح للوصول للحكم في الوطن العربي.
– تمكنت الحركة من حسم معركتها مع السلطة الفلسطينية عام 2007 والتي انتهت بالسيطرة الكاملة على قطاع غزة.
– خاضت الحركة أول حروبها مع اسرائيل عام 2008 .
كل هذه التطورات، راكمت ميزان القوة والقرار في صالح قيادة الداخل، وإن لم يصادر صلاحيات الخارج لكن الضربة الأكبر التي تلقاها الخارج جاءت عام 2011 عندما وقفت حركة حماس ضد النظام في سوريا، وساندت الثورة ضد النظام والتي كان اشقاء حركة حماس، الاخوان المسلمين السوريين القوة الرئيسية في المعارضة المسلحة. بالخروج من سوريا وجدت قيادة حماس في الخارج نفسها وقد فقدت قاعدة مهمة وجانبا مهما من دعم “محور المقاومة والممانعة ” المالي والعسكري. في هذه الاثناء كانت الحركة في غزة تحقق تجربتها السياسية والاعلامية وبدأت بالاعتماد على سلطتها المطلقة في الحكم ماليا إلى حد ما، من خلال الضرائب والاستثمارات الخاصة، فيما كان الخارج قد بدأ رحلة التشتت والبحث عن مكان جديد وبفقدانه جغرافيا دولة الطوق بات الخارج يفقد أبرز ممكنات قوته التي كان يقف عليها بصلابة حيث ظل حاضرا حتى بعد تنامي حضور الداخل لكن بعد موجة العنف التي اجتاحت الاقليم، تغيرت موازين القوى داخل الحركة.
جاء اتفاق القاهرة للمصالحة بين حركتي حماس وفتح عام 2013 ليعكس واقع التغيير في الموازين الداخلي للحركة متوجا ذروة ضعف قيادة الخارج والقوة التي باتت لقيادة الداخل، فقد وقع رئيس المكتب السياسي على الاتفاق فيما تعاطى معه الداخل بشيء من اللامبالاة وتمكن من منع تنفيذه.
تعززت مكانة غزة بعد وصول قيادات كان قد أطلق سراحها في صفقة الأسرى الى مواقع قيادية في الحركة أبرزها كان أحد أكبر مساعدي الشيخ ياسين يحيى السنوار مؤسس أول جهاز عسكري للحركة منذ تأسيسها، ليكتمل الأمر مع تسلم أحد قيادات غزة اسماعيل هنية رئاسة المكتب السياسي عام 2017 وانتهاء دور مشعل الذي كان يعني اكتمال انتقال مركز الثقل وعودته للداخل وبالتحديد الى قطاع غزة بعد ربع قرن على وجوده في الخارج.
ينبغي الإشارة الى أن أحد العوامل المؤثرة في موازين القوى الداخلية لحركة حماس خلال العقد الماضي كان يرتبط مباشرة بالعوامل الخارجية ، فانتقال المكتب السياسي بعد “ثورات الربيع العربي” الى قطر أضعفت مكانة قيادة الخارج رغم كل الإمكانيات التي توفرت لها ، خاصة وان وجود القيادة في الدوحة صار محل خلاف حتى بين أبناء حركة حماس، ليحدث ما يشبه التباين لأول مرة . ظل قطاع غزة وقيادته أقرب للمحور الإيراني وقد زاد من قوته عاملان:
الأول سقوط نظام الاخوان المسلمين في مصر وتولي المشير عبد الفتاح السيسي الحكم.
الثاني فشل مراهنة الخارج على سقوط النظام في سوريا ونجاح محور إيران القريب لغزة من الحفاظ على نظام بشار الأسد في دمشق في مواجهة خصومه من التيارات المدعومة من قطر التي كان يقيم فيها رئيس المكتب السياسي.
عوامل داخلية ومستجدات خارجية بدت نذرها في انتخابات الهيئات القيادية في الحركة عام 2021 حيث ظهرت عودة ما لرئيس المكتب السياسي السابق للحركة خالد مشعل مدعوما من تركيا وقطر ، إذ جرى ما يشبه التسوية بإعادة انتخاب اسماعيل هنية لرئاسة المكتب السياسي للحركة فيما تسلم الرئيس القديم منصب “رئاسة حركة حماس في الخارج” ما فهمه البعض أنه تمهيدا لعودته حين انتهاء ولاية هنية .
تطورات إقليمية جوهرية جرت في السنة الماضية، أهمها المصالحة الخليجية ،وتطبيع البعض العربي علاقاته بإسرائيل ، ترافق مع انسداد افاق التسوية مع الفلسطينيين ، لكن الأهم هو استمرار العمل الاسرائيلي الحثيث لتعزيز حالة التهدئة مع القطاع واتباع سياسة جديدة – قديمة مع حماس ، تقضي ،عرض بعض التسهيلات الاقتصادية لقطاع غزة مقابل التزام حركة حماس بالتهدئة الكاملة وضبط الحدود . مما يجدر التوقف عنده ان حركة حماس اجتازت هذا العام تجربتان ربما أعطتا مؤشرات هامة ، الأولى عندما جرت مسيرة أعلام المستوطنين بالقدس والتي كانت سبباً للحرب العام الماضي وكذلك الهجوم على قطاع غزة لمدة ثلاثة أيام في أغسطس الماضي ضد حركة الجهاد ، ضبطت الحركة في الضفة والقطاع نفسها ، ومقاوميها ، ما يؤشر لسياسة أكثر عقلانية بدأت تنتهجها الحركة ولكنها بالقطع تقلل من دور القطاع لصالح مستجدات سياسية تزيد من حضور الحركة بالخارج والتي يرأسها وفقا الرئيس السابق للحركة والتي عبرت عنها زيارته للأردن والانفتاح على نظامها ، ورغبة دول خليجية بسحب الحركة من تحت العباءة الايرانية واضعاف مؤيديها داخل الحركة لصالح تقوية تيار أقرب للخليج .
واضح أن قيادة قطاع غزة تشعر بتلك التغيرات فقد باتت بين نارين ، الضغوط المعيشية التي يرزح تحتها مليونا انسان محاصر بالفقر والبطالة وغياب الأفق من جهة ، والقبول بالعرض الإسرائيلي لتسهيلات مقابل أمن مطلق من جهة أخرى ، ما يعني تحول الحركة في القطاع الى إدارة أقرب لحكم السلطة الفلسطينية في رام الله ، الامر الذي يساهم في اضعاف الحركة وعزلها عن حواضنها الاجتماعية في الداخل والخارج ، والاهم إضعاف دور الداخل وقيادته لصالح الخارج المدعوم من قوى إقليمية ترغب بعودة مشعل لقيادة الحركة ، تمهيدا لعودة التوافق والانسجام مع واقع نظم الاعتدال العربي والخليجي على وجه الخصوص .

الخلاصة:

ليس سهلا على حركة كبرى ذات امتدادات شعبية في الداخل والشتات الفلسطيني ، ولديها مكانة مميزة عند الشعوب العربية والإسلامية ، ان تغادر موقعها الذي احتلته بسبب اعلائها لراية المقاومة ، ان تقبل بدور الوكيل الأمني للمحتل ، وثقافة وعقيدة أنصارها وقوتها المسلحة – كتائب عزالدين القسام – لا تسمح بقبول قراءة موضوعية لواقع التطورات التي جرت في الإقليم في السنوات الأخيرة والتكيف معها ، لهذا فالتقديرات القريبة من الحركة ترجح تمرد قيادة الحركة في الداخل والاستجابة للضغوط القاعدية والشعبية والعودة لمربع الاشتباك الدائم مع الاحتلال في كل الساحات وهو خيار مكلف وباهظ الكلفة بالنظر الى تطورات حالة المقاومة في الضفة الغربية والتي تراقبها الحركة بعناية .
ليس مضمونا ان يكون خيار العودة للاشتباك مع الاحتلال طريقا لإعادة ميزان القوة والقرار لقيادة الداخل في الحركة، في ضوء استمرار حالة الحصار المفروض على القطاع، والشروط الإقليمية الضاغطة وتراجع القضية الفلسطينية والعمل العربي المشترك لصالح اعتبارات اقتصادية وسياسية ضاغطة داخل كل بلد، وفي مرحلة دولية انتقالية تتميز بالحروب والتوتر وازمات لا معالم واضحة لنهاياتها.
حماس باتت اليوم على مفترق طرق وخياراتها تزداد صعوبة، تماما مثل كل تيارات الاسلام السياسي ذات الجذور الاخوانية التي يعيش ازمة فكرية وسياسية، ولا يبدو لها من مخارج انية، وهو المأزق الذي يبدو ان قيادة حماس في الخارج ستعيشه أيضا .