بيروت | Clouds 28.7 c

لماذا لم يستطع سعد اكمال مسيرة رفيق الحريري؟ بقلم حسـن صبرا

 

لماذا لم يستطع سعد اكمال مسيرة رفيق الحريري؟ بقلم حسـن صبرا

الشراع 27 كانون ثاني 2022

  • عدا عن اختلاف التكوين الموضوعي بين الاب والابن.. 
  • بين الاب الذي بنى والابن الذي ورث
  • بين الاب الذي بدأ من الصفر والابن الذي ولد وفي فمه ملعقة ذهب
  • بين الاب الذي نجح عندما عرف كيف يختار من معه وبين الابن الذي كان من معه سبباً من اسباب فشله
  • بين الاب الذي كانت له تجربة حزبية حمل فيها منشورات سرية لحركة القوميين العرب وسار ساعات في الجبال بين لبنان وسورية وبين الابن الذي فتح عينيه على اندثار العمل النضالي العروبي الا في التنظير
  • بين الاب الذي اعطوه لقب البلدوزر لقدرته على العمل والاقتحام وبين الابن الذي وصف من اكثر من جهة بأنه كسول
  • بين الاب الذي تلتقط راداراته والمعيته كل كلمة مفيدة واقتراح بناء وفكرة تستهويه ويظل يتابع اصحابها حتى يحصل على ترجمة لهذا كله ولو كانوا في بلاد الواق الواق وبين الابن الذي يمل الاجتماعات الطويلة والاستقبالات العريضة ويكاد يعد بلاط الارض او لمبات الثريات او نقوش السجاد وهو يجلس مع الضيوف ونادراً ما تأتي عينيه في عيونهم...


عدا عن كل هذا فلننظر الى الظروف الموضوعية التي اتت برفيق الحريري الى السلطة في لبنان...


توفرت لرفيق الحريري حاجة حاكم لبنان وسورية حافظ الاسد له بعد اكتمال سيطرته الاخير على لبنان اثر تجديد التفويض الاميركي للاسد الذي بدأ مع الصفقة التي عقدها الاسد مع هنري كيسنغر في شباط/فبراير عام 1974...


  اختار حافظ الاسد رفيق الحريري رئيساً للحكومة اللبنانية عام 1992 في مواجهة معارضة للاصولية العلوية في سورية التي قالت للاسد:

كيف تختار شخصية سنية يحمل الجنسية السعودية وهو شريك شركاء الملك فهد في الإعمار ومؤسساته وهو على صلة بالاميركان وصديق رئيس فرنسا جاك شيراك صديق صدام حسين؟

كيف نأتي بشخص له هذه المروحة من العلاقات العربية والدولية ولدينا اصدقاء في لبنان لا يعرفون غير سورية؟


قال اصوليون علويون لحافظ الاسد:

نحن لم نصدق اننا انتهينا من تسلط سنة دمشق وحلب وحمص واللاذقية علينا  فكيف تأتينا بسني قوي من لبنان يملك هذه المؤهلات؟ 
قال حافظ الاسد:

لبنان كله سقط في ايدينا خصوصاً بعد انهاء تمرد ميشال عون، لكن الازمة الاقتصادية في لبنان ستنقلب سلباً علينا ونحن لا نستطيع تلبية حاجات هذا البلد لا في الكهرباء ولا في الإعمار ولا في الخدمات ولا في الطرقات ولا في الصناعة... ورفيق الحريري وبسبب مما تشتكون منه يستطيع ان يوقف لبنان على قدميه ...
حاجة الاسد الى رفيق الحريري هي التي مكنت الحريري الأب ان يظهر مواهبه الاسطورية بالعمل وكان يوصل الليل بالنهار...

وفي احيان كثيرة كان يبدأ عمله في السابعة صباحاً ليلاحق اتصالاته مع اليابن قبل ان ينام من فيها ومع أميركا وايضاً قبل ان ينام من فيها 
كان لدى رفيق الحريري مشروع نهوض كلف البلد كثيراً وكان يعلم ذلك وإن كانت صدمته الشهية المفتوحة للبلع والجشع والفجع الى المال لنبيه بري والياس الهراوي ووليد جنبلاط وضباط حافظ الاسد حكام لبنان...

كان الحريري ابن مدرسة سعودية يعرف ان المال هو الطريق الى تأليف النفوس 

صحيح... لكنه ذهل من حجم فساد هؤلاء وغيرهم في لبنان الذين ما كانوا ليمرروا اي مشروع ولو كان افتتاح مدرسة إذا لم يحصل كل منهم على نصيب من الرشوة ودائماً مالاً او ان هذا يريد تعيين مديرها وهذا يريد تعيين ناظرها وهذا يريد ان يأتي بالمقاول وهذا يريد ان يشتري مختبرها وهذا يريد ان يدهن ابوابها !!

 الى هذا الحد من السخرية كان يتم تحويل اي مشروع لرفيق الحريري في لبنان الى تنفيعات لهؤلاء...


سألت الرئيس رفيق الحريري بعد ان طلب من مجلس الوزراء زيادة خمسة آلاف ليرة على تنكة البنزين بما اثار ضجة كبيرة عند الناس ادت الى تأجيل الطلب:

دولة الرئيس 
سليمان فرنجية على حق بألا تزيد على تنكة البنزين الا الفي ليرة..

فكان جوابه:
حسن خمسة آلاف ستصبح الفين!

فسألته كيف؟

فأجابني: الف لنبيه، والف لوليد، والف للي بعلمك منهم (يقصد ضباط الاسد) فيبقى للخزينة الفين وسليمان بيعرف هدا الشي لكنه بدو..


كان ضباط الاسد في لبنان وفي سورية شركاء النهب المنظم لخزينة الدولة اللبنانية مع الهراوي وبري وجنبلاط واتباعهم في عهد الحريري وكان هو يدرأ المطامع الكبيرة والاخطار الضخمة بالاخطاء الكبيرة... وإلا اما استطاع إنجاز اي شيء 
قال لي مرة ان سليم الحص لا يريد ان يخطىء لذا هو  لم يشتغل اما انا فأريد ان اشتغل حتى لو اخطأت لأن البلد بحاجة الى شغل كثير..


والملك فهد؟


كان الملك فهد معجباً بالحريري الاب واثقاً به وعندما سمع الحريري من صديقه عبد الحليم خدام يريده رئيس الحكومة اللبنانية القادم استشار الملك فهد فقال له الملك السعودي النبيه:

اسمع يا رفيق ، الاسد ارسل يسألني بأنه يريدك رئيساً لحكومة لبنان وهو يقصد ان يقبض ثمن تعيينك لأنك سعودي وقريباً مني فقلت للشرع (وزير خارجية سورية الذي ارسله الى السعودية لهذا الغرض ) والله هذا شأن بينكم وبين لبنان ونحن نبارك اي شأن يخدم لبنان...

 
وقد سمعت هذه الخلاصة من المرحوم علي الشاعر وكان واحداً من المع مستشاري الملك فهد وكان كثير  الخبرة في الشأن اللبناني ولم يكن يكن وداً للنظام السوري..
جاء الحريري رئيساً للحكومة اللبنانية وهو يحمل درع تثبيت من اهم حاكمين عربيين معنيين بالشأن اللبناني فهد والاسد وتحت ظلال حمايتهما استطاع النجاح زد على ذلك ان فهد كان يدرك ان الاسد يتحرك في لبنان بتفويض اميركي كما اوردنا منذ العام 1974, لذا فهو لم يعارضه بل كان مهتماً بإنجاح ابن المملكة رفيق الحريرى الذي كان يقول لأحد الصحافيين الذين كانوا يهاجمون المملكة ثم يطلب المال من الحريري:
شوف حبيبي انا لحم كتافي من السعودية فما تجي تطلب مني مصاري وانت عم تهاجم السعودية!


الى ذلك ان الحريري فوق كل مواهبه استطاع اقامة علاقات جيدة مع رئيس الجمهورية الاسلامية في ايران الشيخ علي اكبر هاشمي رفسنجاني وسعى لوساطة بينه وبين ولي عهدها القوي الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز...


اليست هذه فوارق جوهرية بين الحريري الاب ونجله الاقرب اليه في السياسة والعائلة وقد سلمه ادارة اوجيه في حياته؟ 


متغيرات عديدة حصلت بعد ذلك اهمها:

١- وفاة حافظ الاسد ومجيء بشار وريثاً له
واذا كان حافظ وجد في الحريري حاجة فإن بشار جاء مشبعاً بكراهية شديدة للحريري لاسباب لن نذكر منها سوى ان الاصولية العلوية التي حاولت ثني الاسد الاب عن المجيء بالحريري وجدت ضالتها في الاسد الابن وهو الذي نقل كل الحقد العلوي ضد سعد الشاب طري العود الذي وجد نفسه يلبس ليس فقط عباءة ابيه السياسية بل وايضاً مسؤلية مواجهة النظام الذي تركه حافظ الاسد امانة بين يدي ابنه...
ولن  ندخل في محاولة الملك السعودي عبد الله الساذجة لإبعاد بشار الاسد عن ايران وحمله سعد الحريري على زيارة دمشق للقاء الاسد الابن في مرتين ولا في تقييد حركة الحريري في السياسة وفي الاقتصاد وفي الخدمات منذ اغتيال الحريري الاب الى الآن... بل نقفز مباشرة الى وقوع الحريري الابن ضحية من حوله الذين زينوا له جريمة انتخاب ميشال عون رئيسًا للجمهورية اللبنانية فإذا هي منفعة لهم في الصفقات التي عقدوها مع صهره الصغير...

وهذا يقودنا مباشرة لإجراء مقارنة بين محيط الاب ومحيط الابن


كان رفيق الحريرى ذا فراسة في معدن الرجال وحسن اختيارهم والاهم بعد ذلك في توظيفهم في خدمة مشروعه السياسي والعمراني والمالي وعلاقاته المحلية الاسلامية والمسيحية والعربية والدولية بينما وقع سعد الحريري فريسة عدد من معاونيه الذين ورثهم من والده او جاء هو بهم واخطرهم على مسار الحريري ابن عمته نادر الذي كان خاله ابعده وهو يعرف  لماذا ابعده الخال ليصبح تحت اسم مدير مكتب سعد الحريري هو مدير توجيه الحريري وهنا كانت الطامة الكبرى...

واخيراً 

عمل رفيق الحريري بجناحي فهد والاسد... وهذا هو سعد ملاحق من محمد بن سلمان وبشار الاسد
لم ينجح بشار في تحجيم سعد لكن ابن سلمان نجح في اخراج سعد من العمل السياسي (ولن نتحدث الآن عن دور ابن سلمان في افلاس سعد الحريري الابن ) اليس هذا كافياً لإظهار كيف لم يستطع سعد الحريري اكمال مسيرة رفيق الحريري؟


حسن صبرا
الشراع