بيروت | Clouds 28.7 c

فتح بلاد فارس في عهد خلافة الفاروق عمر بن الخطاب / كتب: عبد الهادي محيسن

 

فتح بلاد فارس في عهد خلافة الفاروق عمر بن الخطاب

كتب: عبد الهادي محيسن 

الشراع 18 كانون الأول 2023

 

كانت حرب الفرس عسيرة أشد العسر طويلة أشد الطول ، ومع ذلك فقد بلغ منها عمر رحمه الله ما أراد ، وأكثر جداًمما أراد ، ولم يكن يحب المضي في الحرب وإنما كان يحرص على أن يؤمّن العرب في جزيرتهم وفي الشام والعراق من حكم الأجنبي ، وأن يجمعهم ما استطاع على الإسلام ، ولكن بعض الحرب يدعوا بعضها وإذا ابتدأت الحرب ، فقلما يعرف المنتصر لها آخر ، وقد استطاع عمر أن يقف الحرب في الشام عند حدود الروم ، ويمنع المسلمين من أن يقتحموا على الروم حدودهم في الجموع الكثيفة .

ومن جهة أخرى ما زال به عمر بن العاص حتى انتزع منه الإذن بفتح مصر ، فلما تم له الفتح واستطاع المسلمون أن يتجاوزوا مصر غربا الى برقة وطرابلس أوقفهم عند هذا الذي أتيح لهم ، كما وحظرعلى معاوية أن يغزو في البحر ، وكان معاوية شديد الحرص على أن يفتتح قبرص ، ولكن عمر ألح في منعه ،حتى أنذره إن خالف أمره .

أما في العراق فإن سعد بن أبي وقاص أقام في منزله الذي حدده له عمر قريبا من البادية ، وقريبا من حضر العراق أيضا ، وظل كذلك حتى جاءته الفرس في جموع عظيمة ، فلم يكن بُد من قتالها ... فكانت وقعة القادسة التي طالت وشقّت وامتُحن المسلمون فيها امتحانا شديدا ، ولكن الله أنزل عليهم نصره بعد خطوب حيث قتل المسلمون منهم مقتلة عظيمة ولقوا منهم ، مع ذلك شراً عظيما ولكن النصر أطمعهم في النصر وأغراهم باتباع الفرس وغزوهم في عقر دارهم .

وقد استقر في نفس عمر وفي نفس الذين كانوا يُشيرون عليه في المدينة وفي نفس سعد بن أبي وقاص أيضا : أن المسلمين لن يكسروا شوكة الفرس ، ولن يفُلّوا حدهم إلا إذا غزوهم في عقر دارهم وأخذوا عاصمتهم المدائن ، وكانوا يعتقدون أنهم إن دخلوا العاصمة وازعجوا عنها كسرى يزدجرد ملك الفرس أمنوا جانبهم ، وأياسوهم من العراق .

مضى سعد بجيشه الى المدائن فدخلها مُظفّراً وخرج عنها كسرى يزدجرد هاربا وأتيح للمسلمين أن يتخذوا إيوانكسرى مُصلى ، ومنذ فتح المدائن كان عمر يودُ وقف الحرب عند هذا الحد وكان يردد ويقول : وددتُ لو أن بيننا وبينهم بحرا من نار لا يصلون إلينا ولا نصل إليهم ، ولكن الله لم يُنشيء لعمر جبلا من نار ولا بحرا من نار ، ولكن ألقى في نفوس الفرس التصميم على أن يستردوا ما فقدوا ، ويثأروا من المسلمين لهزيمتهم .

فكانت جموعهم لا تفض إلا أذا تألفت منهم جموع أخرى عظيمة الكثرة شديدة البأس وكان المسلمون مضطرين الى أن يفضوا هذه الجموع كلما ائتلفت ، ليأمنوا على ما في أيديهم من جهة وليضيفوا إليها ما يزيده ويكثّره ، وكانت جيوش المسلمين لا تنتصر في موقعة إلا أذا طمعت في أن تنتصر في موقعة أخرى .

وكذلك التقوا بالفرس في جلولاء وانتصروا عليهم والتقوا بهم في نهاوند وانتصروا عليهم والتقوا بهم في حلوان وانتصروا عليهم أيضا ، وقد هم عمر بعد هذه المواقع الكبرى أن يقف الحرب ، وكان قد مصّرَ المَصرين في العراق : " الكوفة والبصرة " وأراد أن يُنزل فيهما جيوش المسلمين ، ليكونوا رِدءا لمن ورائهم ومددا لمن بين أيديهم .

كان ملك الفرس كلما انتصر المسلمون في موقعة أبعدَ في الهرب ، وأحس بعض المسلمين أنهم لن يكسروا شوكة الفرس ولن يفُلّوا حدّهم حقا ما دام للفرس ملك قائم يجمعهم ويُغريهم بالحرب ويدفعهم إليها ، ذلك الى أن المصرين الجديدين في العراق كانا يتنافسان أشد التنافس في الفتح ، وفي بسط ما كان يليانه من الأرض الفارسية .

وكان حظ الكوفة من سواد العراق ومما فُتح من أرض الفرس أعظم من حظ البصرة ، فكان أهل البصرة يطمعون في أن يوسعوا رقعتهم ويُكثروا من الفتوح ، ليُتاح لهم من الغنائم وسِعة الفيء الى ماكانوا يؤمنون به من فضل الجهاد والغزو في سبيل الله ، حتى قال الأحنف بن قيس ذات يوم لعمر وكان عنده وفد البصرة : إن عيشَنا أضيق من عيش إخواننا في الكوفة ، وإننا لن نأمن الفرس ولن نفرُغ منهم حتى نظفر بملكهم أو نقتله .

وما زال المصران يُلحّان على عمر في أن يأذن للناس في الإنسياح في الأرض حتى انتزعوا منه الإذن في ذلكانتزاعا ، فاندفع أهل البصرة حتى بلغوا من الفتح ما أرادوا ، وجعلوا يُزعجون كسرى عن مدن الفرس مدينة مدينة حتى أزعجوه عن خراسان كلها وهي ولاية في أقصى الشرق من بلاد الفرس ، وألجؤوه أن يعبر النهر الى بلاد الترك .

وقد استمد ملك الفرس ملك الترك واستعان به ليسترد وطنه من المسلمين ، فاستجاب له ملك الترك حتى أقبل مؤازرا له ، ولكن المسلمين ثَبَتوا للترك كما ثَبَتوا للفرس من قبل ، وما زالوا بالترك حتى أياسوهم واضطروهم الى أن يرجعوا الى بلادهم ، وبهذا فتحت على عمر بلاد كسرى كلها في هذه المدة القصيرة التي تولى فيها أمور المسلمين عشر سنين وأشهرا ، وما زال يزدجرد مُشردا حتى قُتل في أيام عثمان .

عبد الهدي محيسن ..... كاتب وباحث