بيروت | Clouds 28.7 c

اراد السادات اعدام رجال عبد الناصر فهدد القاضي برمي نفسه في النيل / الحلقة الثانية من مذكرات محمد فايق (مسيرة تحرر)

 

اراد السادات اعدام رجال عبد الناصر فهدد القاضي برمي نفسه في النيل / الحلقة الثانية من مذكرات محمد فايق (مسيرة تحرر)

الشراع 26 شباط 2024

 

  • أشرف مروان يدلي بما شاهده في منزل السادات

 


ذكر أشرف مروان أنه كان موجودآ في مجلس السادات عندما أذيعت أخبار الاستقالات . وقال السادات بمجرد سماعه هذه الأخبار إنه سيعلن أن هذه الاستقالات جاءت بعد زيارة روجرز ، وأن هذه المجموعة لا تريد علاقة مع أمريكا. هنا تدخل محمد حسنين هيكل قائلآ إن مثل هذا الاعلان سوف يجعل الشارع متعاطفآ مع هذه المجموعة ، 
والأفضل أن نجعل الديمقراطية هي نقطة الخلاف . وليس موضوع الأمريكان . هنا تذكر 
السادات القصة الوهمية التي دأبت أجهزة الإعلام على تردادها بعد ذلك عن أن(( شابآ مجهولآ)) حضر ذات يوم إلى بيته يحمل أشرطة تسجيل تثبت تآمر هذه المجموعة ضده ، 
في حين أن واقع الأمر أن هذا الشاب أتى بتسجيل تلفوني بين فريد عبد الكريم - أمين الأتحاد الاشتراكي في الجيزة وقتئذ - والصحافي الكبير المعروف محمود السعدني يتهكمان فيه على السادات وبعض أفراد عائلته ، واستخدم السعدني في هذا الحديث أسلوبه الساخر الذي عرف به . ثم قال السادات إنه ينوي وضع هذه المجموعة تحت الإقامة الجبرية ،في منازلهم ثلاثة أو أربعة أيام ، ثم يرسلهم بعدها إلى الواحات أسبوعا أو اثنين إلى أن تهدأ الأمور. هنا تدخلت السيدة جيهان السادات حرم الرئيس - بحسب رواية أشرف مروان - لتقول : (( لا يصح يا أنور أن تفعل ذلك مع هؤلاء فهم كبراء البلد ....)) ، وبعد هذا الحديث ، انصرف أشرف مروان وانصرفت إلى منزلي ، كما انصرف الموجودون جميعهم ، بمن فيهم الفريق أول محمد فوزي وزير الحربية المستقبل ، ليناموا في منازلهم وهم يعرفون أن إقامتهم سوف تحدد في هذه المنازل بناء على ما نقله أشرف مروان عن الرئيس السادات . 
بطبيعة الحال لم يكن ذلك تصرف متآمرين يريدون قلب نظام الحكم . كانت الاستقالات من وجهة نظري ونظر معظم هؤلاء هي نهاية الأزمة التي كانت قد نشبه بينهم وبين رئيس الجمهورية ، لكن السادات اتخذ منها شيئآ آخر . 

 

  • السادات يتهم المستقياين بالتآمر ويضم إليهم قائمة كبيرة ممن يريد التخلص منهم

    —————


قبل فجر 14 أيار /مايو سحب الحرس المحيط بمنزلي من رجال الشرطة.
بآخرين من رجال الحرس الجمهورية . وجاءني ضابط من الحرس الجمهورية برتبه
وأبلغني أن إقامتي أصبحت محددة في منزلي ، وأنه يمكنني استقبال أي زوار ،

الأقارب فحسب. كان الضابط يتكلم بأدب شديد وتأثر بالغ. قطعت التلفونات كلها التي كانت في المنزل والخطوط المباشرة مع الإذاعة. وكان ذلك أيضا ما تم بالنسبة إلى بقيه المستقيلين ، وهذا ما كنا نتوقعه ، كما سبق وأخبرنا أشرف مروان ، لكن المفاجأة أن آخرين قد ضموا إلى المجموعة ، مثل علي صبري - الذي لم يكن له أي علاقة بالاستقالات - بل إنه بعد أن سمع الاستقالات اتصل بي تلفونيا ليسألني هل هذه الاستقالات من جانبكم ، أم هي إقالات قام بها السادات ، كما فعل مع شعراوي جمعة . وكان ذلك دليلا على أنه لم يكن يعلم بأي شيء عن هذه الاستقالات . 
في اليوم نفسه (14أيار/مايو) ألقى السادات خطابا طويلا . مدعيا أن هناك مؤامرة ضده لقلب نظام الحكم ، يشترك فيها وزراء الحربية والداخلية والإعلام وغيرهم من الوزراء ، ويتزعم هذه المؤامرة علي صبري الذي كان قد أقيل من منصبه كنائب لرئيس الجمهورية 
قبل زيارة وزير الخارجية الأمريكي. كانت الاتهامات غير متماسكة ، فمعروف أن أي مؤامرة لقلب نظام الحكم تبدأ بالاستيلاء على أجهزة الإعلام ، وهو نقيض ما حدث ، فقال كنت وزيرا للإعلام ، تركت الجهاز الإعلامي مستقيلا ، كما من غير المعقول أن وزير الحربية الذي يشارك في قلب نظام الحكم أن يترك الجيش مستقيلا ويذهب إلى منزله . 
صاحب الحملة الإعلامية التي أطلقها السادات بعض الأعمال الديماغوجية
وجدت عربة نقل مكشوفة وقد حملت شبانا صغار السن يطوفون أمام منزلي 
ومنزل صبري القريب من منزلي ، ويهتفون بأصوات عالية (( أفرم أفرم ياسادات)) ، كان ذلك
محزنا ، فقد كان دليلا قاطعا على أن السادات قد حنث بوعوده كلها بأن يكون حكم
حكما ديمقراطيا . كما كان صراخ الشبان بهذا الهتاف وطوفانهم أمام المنزل يمثل 
تردادها قلقاًلأهالينا وأولادنا . 
ثم بدأت سلسلة من الإجراءات المخالفة للقانون والدستور ، قام بها السادات ، 
إسقاط عضوية 17 عضوا من أعضاء مجلس الشعب ( البرلمان المنتخب)  من 
دون الإجراءات القانونية ، من بينهم رئيسه لبيب شقير ، ووكلاء المجلس كمال الحناوي
السيد علي وضياء الدين داوود ، كما كنت شخصيا من بينهم ، حيث كنت نائبا 
عن دائرة قصر النيل ، وكان من بينهم آخرون لم يقدموا للمحاكمة ، ولا لأي مساءلة ، 
لكن وجودهم في المجلس غير مرغوب فيه ، مثل كمال الحناوي والمهندس البديوي فؤاد

كما أطلقت حملة إعلامية مكثفة لإخفاء المخالفات القانونية والدستورية التي 
التي قام السادات ، وتحميل المسؤولية كلها لهذه المجموعة المستقيلة وأعوانها ، واتهامهم بالتآمر لقلب نظام الحكم ، بل التركيز على كيفية انتصار السادات وقدراته الخارقة التي عبر عنها محمد حسنين هيكل ترويجا لهذه الخدعة ، بقوله : ((أزاحهم بعصا الجميز)) . 
إلا أن الحقيقة كانت مختلفة تماما عما صوره الإعلام والاتهامات التي وجهها 
السادات إلى المستقيلين ، فلم يخطر لأحد منهم أي فكرة تتعلق بإزاحة الرئيس أنور السادات من موقعه أو قلب نظام الحكم بالقوة ، كما جاء في نص الاتهام
الذي وجه إليهم ، فقد كان
الاهتمام الأول لمعظم أفراد هذه المجموعة هو تصفية آثار العدوان والإعداد للمعركة ،
وكانت الأحاديث الهاتفية التي سجلت بينهم تدور في معظمها عن المعركة والإعداد لها ، 
وكان بعضهم قد انخرط بالفعل في الإعداد بصورة مباشرة للمعركة، على نحو لا يستقيم معه أي تفكير في التآمر على   رئيس الجمهورية . فالفريق أول محمد فوزي كان يعد اللمسات الأخيرة ليبدأ المعركة ،التي كان قد تحدد موعدها التقريبي في مقابلة مع الرئيس السادات 1971/4/26 ( من أقوال الفريق فوزي في التحقيق - ووفقا لما سبق أن تقرر في لجنة الدفاع) ، كما كان علي صبري أيضا المشرف على السلاح الجوي ، مهموما في المقام الأول بالمعركة ، وكان من أحد أسباب معارضته للاتحاد الثلاثي بين مصر وسورية وليبيا، تأثير هذه الاتفاقية في المعركة واستكمال إجراءاتها من استفتاء وغيره، قد تشتت جهود الدولة وتبعدها من المعركة ، انتظارا للاستفتاء الشعبي وغيره من الإجراءات . 
وكنت أنا كوزير إعلام ، قد انهمكت في إعداد الرأي العام داخليا وخارجيا للمعركة التي أصبحت وشيكة ، كما سبق وأوضحت . وكانت هذه هي اللحظة التي انتظرناها طويلا 
حتى أصبح الجيش جاهزا وتوازن القوى في مصلحتنا ، كانت هذه في نظري هي لحظة الخلاص من الإحساس الثقيل بالمسؤولية عن هزيمة 1967 . 
كانت هذه المجموعة - في معظمها - منشغلة بكل ما يتعلق بالمعركة وإعداد الدور
لبدء تحرير الأرض ، ونجح السادات في إقناع جميع هذه القيادات ،بأن الحرب
بالفعل في فترة الربيع ، كما قرر مجلس الدفاع ، ووصل الأمر بالسادات إلى أن حدد 
الموعد التقريبي لبدء المعركة بالاتفاق مع الفريق أول محمد فوزي في أوائل أيار/ مايو ، 
فوزي قد عرض عليه آخر تخطيط للعمليات العسكرية عندما ذهب إليه في منزله في

نيسان /أبريل ، لكن السادات لم يكن جادا عند تحديد هذه التواريخ ، إنما كان تحديدها جزءاًمن خطته لتخدير هذه المجموعة ،في الوقت الذي كان يستعد للتخلص منهم . 
لم يكن صحيحا ما تظاهر به السادات في خطابه في 14 أيار/مايو بأنه كان مغلوبا على أمره ، ومحاصرا من المهمينالمتهمين  ، ما دفعه إلى إرسال ابنته إلى محمد حسنين هيكل في منزله ، 
وأنه استطاع أن يحبط المؤامرة التي حاكتها هذه المجموعة ضده . وواقع الأمر أنه لم يكن هناك أي تآمر من هذه المجموعة ، إنما كان السادات هو الذي خطط ودبر لهذا اليوم كما 
اعترف - بعد ذلك - في حديث أدلى به إلى موسى صبري ( رئيس تحرير جريدة الأخبار )، يتضح منه أنه خطط لهذا اليوم ، (( وأن الخطة كانت جاهزة ومعدة منذ شهرين ، والواجبات موزعة دون أن يشعر أحد)) .
يقول السادات في الصفحة نفسها : (( إنه كان يخشى الأمن المركزي المسلح من أ
المانيا الشرقية - لأنه يتبع شعراوي جمعة)) . في حين أن جمعة كان مخدرا تماما من ناحية السادات ، وكان يتصور أن السادات لا يمكن أن يتخلص منه ، لأنه يحتاج إلى خدماته ، 
ولأنه أخلص له بصورة كاملة ، وعمل السادات بشتى الطرق  لتأكيد هذه المفاهيم عنده ، ومنها إيهامه بأنه سوف يسند إليه منصب رئيس الوزراء . 
أما الجيش ، فقد كان السادات مطمئنا إليه تماما وذلك بفضل الفريق محمد فوزي الذي قدمه لكبار الضباط والوحدات الرئيسة ، لأن ذلك أمر ضروري للمعركة . كما كان السادات قد ربط مع الفريق محمد صادق رئيس أركان حرب الجيش ،وجعله عينه الساهرة على الجيش ، وهو شخصية طموحة ، وكان في الوقت نفسه محل ثقه الفريق أول محمد فوزي ، وهو ما جعله في موقع يستطيع منه أن ينقل إلى السادات صورة كاملة لما يجري في الجيش . 

كما كان السادات قد وثق صلته بالليثي ناصف قائد الحرس الجمهورية والقوة العسكرية الوحيدة الموجودة في القاهرة . علاوة على ذلك ، كان السادات مطمئنا تماما
إلى أن شخصية الفريق أول فوزي المنضبطة إلى أبعد الحدود ، وتفانيه في أداء واجبه العسكرية وتفرغه التام للإعداد للمعركة ، تجعل تآمره على رئيس الجمهورية أمرا مستحيلا

كان السادات هو الذي انقلب على الدستور باتخاذ العديد من الإجراءات المخالفة للدستور والقانون ، مثل اعتقال أعضاء مجلس الشعب وإنهاء عضويتهم ، ثم اعتقال قيادات الاتحاد الاشتراكي - التنظيم السياسي الوحيد - وإنهاء عضويتهم ، على الرغم من أنهم كانوا قد انتخبوا من الشعب بعد بيان 30 آذار /مارس .