المناضل الوطني أحمد مريود ومحاولة إغتيال الجنرال غورو/ بقلم عبد الهادي محيسن
الشراع 9 كانون ثاني 2023
قرر المناضل أحمد مريود قطع رأس الأفعى وذلك بإغتيال الجنرال غورو وبدأ رصد تحركاته ولم يطل الإنتظار فجاء الخبر من القنيطرة بأن غورو سوف يتوجه إليها سائحا عند الشركس وذلك في يوم 23 حزيران 1921 عندها بدأ الزعيم أحمد مريود يرسم خطة الهجوم فشكل مجموعة إنتحارية تتألف من محمد ضاهر من شبعا ومحمود حسن من جباتا الخشب وأبو دياب الرازي من دمشق وشريف شاهين من جباتا الزيت وخليل مريود من جباتا الخشب .
وهذا ما جاء في مذكرات الجنرال كاترو التي نشرها العام 1954 حيث يقول كاترو : كان غورو يحب كثيرا المجيء الى دمشق وكان يحب جوها التاريخي وكانت الإيحاآت الطالعة من حجارتها العتيقة توقظ فيه الرجل الرومنطيقي والعسكري معا ... وكان غورو يتذوق عطر الشباب الخالد وعطر المخيلة الكبرى .
إن الرجل الذي دمر ميسلون هو أيضا ذلك الرجل الذي يقوم بدور الدليل السياحي لأقاربه وأصدقائه كلما جاؤوا الى دمشق ومن بين هؤلاء شقيقته ماري تريز غورو ، غير أن إحدى هذه الجولات السياحية تحولت الى مأساة يوم حلت في دمشق شقيقة غورو وإحدى بنات عمه وسألني غورو الى أين يذهبون ؟ فاقترحت عليه زيارة القنيطرة القريبة من دمشق .
ويتابع الجنرال كاترو الملقب بملك دمشق والصديق الشخصي والمعاون الموثوق للجنرال غورو ، حديث الذكريات فيقول :
كان من المستحيل الإبقاء على الزيارة سرية كما كنت آمل وذلك لأسباب تتعلق بأمن المفوض السامي نفسه ، فقد كانت حياته مهددة دون شك من قبل أولئك الذين لجؤوا الى مناطق الإنتداب البريطاني وأقصد بذلك شرق الأردن ، وقد كان الوطنيون السوريون بزعامة متطرف يدعى أحمد مريود يلاحقون تحركات غورو منتظرين الفرصة المناسبة لاغتياله .
والمعروف أن الطريق الواصلة بين دمشق والقنيطرة لم تكن بعيدة من مدينة إربد الأردنية حيث كان يقطن مريود أكثر من 60 كم وفي ضوء ذلك كان يجب الحؤول دون مثل هذه المحاولة بإقامة حراسة مشددة على تلك الطريق ، وهكذا أصدرت الأوامر بأن يتولى الحراسة على طول الطريق رجال درك سوريين على أحصنتهم يكون كل واحد منهم على مرآى من الآخر .
ويعلق الكاتب والباحث اللبناني سمير عطا الله على هذه الإجراأت التي إتخذها كاترو لحماية الجنرال غورو من حادث إغتيال محتمل ومتوقع كونه يعرف نوايا الزعيم المتطرف أحمد مريود بقوله :
ولكن جميع الإحتياطات التي إتخذها كاترو لم تكن كافية وسوف يكون في إمكان رجال مريود التسلل الى صفوف الدرك بشكل مذهل ... كيف ؟ وهل فعلوا ذلك بالتواطؤ مع الدرك لا يقول لنا الجنرال ، لكنه يروي في أي حال أن غورو أراد أن يصطحب شقيقته وإبنة عمه في سيارته فنصحه أن لا يفعل .
والحديث هنا لكاترو : أنك يا سيدي الجنرال تقوم برحلة رسمية في بلد مسلم حيث لا تعطي التقاليد للنساء أكثر من دور بعيد ، ومطلوب منك أكثر من غيرك أن لا تتحدى مشاعر المواطنين ولذا فمن الأفضل أن تستقل السيدات سيارة أخرى من سيارات الموكب " .
قبل الجنرال غورو الإقتراح مترددا وهكذا استقل سيارته المكشوفة ومعه فيها الى جانب السائق مترجمه عن العربية الكولونيل بارنيت وخلف السائق على كرسي صغير الجنرال كاترو وفي المقعد الخلفي جلس حقي العظم حاكم دولة دمشق والى يمينه جلس غورو .
وخلف سيارة غورو كانت هناك سيارة القائد العام للقوات العسكرية في دمشق ومساعد الأمين العام للمفوضية العليا وفي نهاية الموكب كانت سيارة الآنسة غورو وقريبتها المدام لونغمار .
يقول كاترو : " فانطلق الموكب في سرعة تتقدمه سيارة الجنرال القوية ، وكانت السماء مشعة وفي الأفق بدا جبال الشيخ طاغيا وكان رجال الدرك في كل مكان .. وما أن تخطى الموكب الطريق السهلة وابتدأ يأخذ طريق الجبل حتى بدا أربعة من رجال الدرك بثياب مهلهلة وهم يحملون بنادق الموزر وقد هرعوا الى المكان الذي يفترض أنهم يحتلونه .
فكرت بمعاقبتهم فيما بعد على نوعية أطقمهم لكن ما أن تخطى الموكب المنعطف الجبلي حتى فتح الفرسان الأربعة النار يدعمهم شريك خامس كان مختبئا وراء الصخور ، وفي الطلقات الأولى أصيب الكولونيل بارنيت الذي هب واقفا وسقط على الطريق وأصيب حقي بك العظم إصابة خفيفة أي غير مميتة .
أما غورو فكانت حصته ثلاث رصاصات ، وحين سمع الرصاص قال لي غورو بكل هدوء " إنهم يطلقون النار علينا من فوق فهل معنا رشاش " وكنت بردة فعل عفوية قد التقطت رشاشا لكني وجدته فارغا وكانت جيوبه في مكان ما من هذه السيارة التي لم آلفها كثيرا وشعرت أن السرعة وحدها يمكن أن تنقذنا .
فصرخت في أذن السائق أسرع يا بني أعطني الذخيرة فدلني عليها بإشارة منه لكننا كنا قد إبتعدنا عن مرمى الإغتاليين ووصلنا الى مركز درك حقيقيين وهنا غيرنا عجلةالسيارة وتفقدناها فوجدنا فيها أكثر من 14 رصاصة فقال لي غورو : إنني مدين لك لأنك أنقذت حياة شقيقتي التي كانت لا بد أن تجلس هنا فأجبت سيدي الجنرال لقد أنقذنا حياة الآنسة غورو لكننا لا نعرف مصير بقية الموكب وبارنيت قتل .
وأنت نفسك نجوت بأعجوبة إنني أتحمل المسؤولية لأنني مسؤول عن كل شيءعلى أراضي الإنتداب ولذا أرجو أن تقبل إستقالتي ...
عبد الهادي محيسن .... كاتب وباحث .