بيروت | Clouds 28.7 c

اللبنانيون والعرب وإيران / بقلم السيد صادق الموسوي


اللبنانيون والعرب وإيران / بقلم السيد صادق الموسوي

مساحة حرة

الشراع 23 كانون ثاني 2022


في البداية لا بد من مخاطبة الذين ظلوا طوال عقود يتبرؤون من العروبة، ويفتخرون بالفينيقية، ولا يقبلون الكتابة بالعربية، بل كانوا يروّجون للغة اللبنانية، والذين يرون أنفسهم امتداداً لفرنسا ويصفونها بالأم الحنون، ويقيمون الصلوات على نيتها كل عام، من أولئك نسأل:

  • أين ذهبت تلك الشعارات بل تلك القناعات؟
  • هل تركتم الفينيقية التي كنتم تتبجحون بها وآمنتم هذه الأيام بالعروبة ؟
  • هل تخليتم عن الترويج للغة اللبنانية وبدأتم تتحدثون باللغة العربية ؟.
  • هل قطعتم الحبل السري مع أمكم فرنسا واقتنعتم حقيقة بأنكم تنتمون قومياً إلى العرب؟
  • هل  أوقفتم الصلاة على نية فرنسا سنوياً في الصرح البطريركي في بكركي وبرئاسة البطريرك شخصياً؟

ثم إن لبنان هذا كانت له علاقة وطيدة مع إيران طوال حكم الشاه محمد رضا بهلوي، وكان:

كميل شمعون

وبيار الجميل

لهما أوثق العلاقات معه ولهم مربط فرس في قصور الشاه في طهران وشمال إيران، وكان الشاه يغدق عليهما من أموال الشعب الإيراني ويقدم لهما الدعم العسكري طوال فترة الحرب الأهلية بذريعة مواجهة الشيوعيين، وكان السفير الإيراني الجنرال منصور قَدَر هو صاحب النفوذ القوي في الدولة اللبنانية..

وكان الجيش الإيراني مشاركاً في قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة مع الكيان الصهيوني لسنوات حتى انهار نظام الشاه وانتصرت الثورة وتغيرت منهجية إيران فانسحبت القوة الإيرانية.

  • فماذا كان حال لبنان في تلك الفترة، وهل كان لبنان يومئذ أيضاً تحت الإحتلال الإيراني في نظر أصحاب السيادة وحماة الإستقلال؟


أما علاقات الدول العربيةجميعاً فإنها كانت على خير ما يرام مع شاه إيران، بل كان هو المتكبر عليهم والمتحكم بسياساتهم، ولا نريد هنا ذكر تفاصيل علاقة كل دولة عربية مع إيران الشاه.
هذا في مجال العلاقات بين لبنان الدولة وإيران الشاه.

أما العلاقات التاريخية المتبادلة بين الشعبين اللبناني والإيراني فإنها تعود إلى قرون خلت،

حيث انتقل علماء كبار من لبنان وتوطنوا في إيران وتبوّأوا مناصب رسمية عليا في الدولة ومواقع دينية كبرى أيضاً، بل كان لهم دور مهم في تأسيس وهندسة أهم مدينتين في إيران هما مشهد وإصفهان ومساجد وعمارات بمواصفات فريدة عجز علماء الغرب حتى اليوم عن كشف أسرارها.


وفي المقابل فالجميع يعلم أن رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى سماحة السيد موسى الصدر هو ابن إيران، وقد قدم إلى لبنان وهو يحمل الجنسية الإيرانية، وهو احتفظ بها حتى أواسط سبعينيات القرن الماضي حيث سحبها منه شاه إيران بسبب المواقف التي اتخذها تأييداً لنهضة الإمام الخميني الراحل.
وحركة أمل أيضا قامت على أكتاف الشهيد مصطفى شمران الإيراني الجنسية الذي عاد إلى بلده، وتبوء منصب وزير الدفاع بُعيد انتصار الثورة الإسلامية في إيران في حكومة مهدي بازركان، ثم قاد مجموعات مقاتلة غير نظامية لمواجهة دعاة الإنفصال قبل اندلاع الحرب العراقية ـ الإيرانية، وشارك في قيادة العمليات بعد اندلاعها، واستشهد في إحدى الجبهات.
أما العلاقة التاريخية بين العرب وإيران فإن أغلب مؤلفي كتب الصحاح لأهل السنة هم من بلاد فارس ( بخارا، نيسابور، ترمذ )..

وقد بدأت حركة العباسيين الأولى ضد الحكم الأموي إنطلاقاً من بلاد خراسان، وكانت القيادة العسكرية لأبي مسلم الخراساني، ثم كانت حركة المأمون العباسي بعد موت أبيه هارون وزحفه إلى بغداد وقضاؤه على أخيه الأمين بدعم الخراسانيين أيضاً.
وفي ثورة العراقيين ضد الإستعمار البريطاني المعروفة بثورة العشرين كانت القيادة بأيدي علماء دين إيرانيين منهم الميرزا محمد تقي الشيرازي والسيد هبة الله الشهرستاني وشيخ الشريعة الإصفهاني وآية الله أبوالقاسم الكاشاني الذي عاد إلى وطنه بعد ذلك وتحالف مع الدكتور محمد مصدق وقادا معاً ثورة شعبية أجبرت شاه إيران على الهرب في العام ١٩٥٣
وفي موضوع فلسطين فإن السيد الكاشاني وأيضاً السيد مجتبى نواب صفوي زعيم " فدائيان إسلام " هبّا لمساندة الثوار الفلسطينيين بعد احتلالها من قبل العصابات الصهيونية، وفتحا باب بالتطوع للمواطنين الإيرانيين، وانضم الآلاف استعداداً لنصرة إخوانهم الفلسطينيين، لكن النظام الإيراني والكيانات العربية قاموا بعرقلة حركة المتطوعين ومنعهم من الوصول إلى ساحة المعركة.


هذا هو الواقع بين لبنان والعرب وإيران قديماً وحديثاً ورسمياً وشعبياً، ونحن نضع هذه الحقائق الساطعة هذه أمام الذين يؤسسون التجمعات لمواجهة " الإحتلال الإيراني في لبنان "، وكذلك أمام الذين يثيرون الضغائن بين أبناء الأمة الإسلامية، مرة بين العرب والفُرس، وتارة بين السنة والشيعة، وبين مكونات كل دولة عربية بذرائع شتى، وذلك في وقت يتحد فيه الأوروبيون رغم اختلاف لغاتهم ودياناتهم وثقافاتهم وتاريخهم الحافل بالحروب الطاحنة.

هذا الواقع المرير هو نتاج الانصياع لإيحاءات المستعمرين والخضوع لتعليمات المستكبرين، وسلطة العملاء الخانعين والتخلي عن تعاليم رب العالمين وأمره للمسلمين بالوحدة والإعتصام بحبل الله المتين، ونهيه عن التفرق والخصام وذلك في قوله تعالى:

( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون ) صدق الله العلي العظيم.

السيد صادق الموسوي