الحلقة العاشرة من كتاب الزميل حسن صبرا : سورية سقوط العائلة عودة الوطنالاسد وعرفات الشيطان وتلميذه
الشراع 11 كانون ثاني 2025
كتب نائب رئيس جمهورية اسبق، ثم وزير ثقافة وارشاد اسبق ايضاً في ايران سيد عطا الله مهاجراني في جريدة الشرق الاوسط الاثنين في 5/3/2012 :"كنت في الهند لحضور جنازة راجيف غاندي ،حينما التقيت بياسر عرفات واقمنا في فندق قصر تاج محل. سألني عرفات عن رأيي فيه كان هذا سؤالاً عويصاً بالنسبة لي. وبالرجوع الى تلك الايام ،نجد ان عرفات كان يدعم صدام فأجبته كأخ اصغر في رأيي انه أذكى تلميذ للشيطان! ضحك عرفات ضحكة مجلجلة، خاطبني قائلاً اتريدني ان اعرفك على معلم الشيطان انه حافظ الاسد صديقك.
الاسد اخرج عرفات من السجن 1965 واخرجه من سوريا 1983 ..
افضل توصيف لعلاقة حافظ الاسد وياسر عرفات ،هو ان ابا عمار كان حريصاً على استمرار مواجهته مع الاسد ،وان حافظ كان لا يثق بعرفات ابداً ،لأنه كان عاجزاً عن الامساك بأي موقف من مواقفه.
كان عرفات ضد ان يعمل اي صلح مع الاسد ،وهو كان يحب ان يظل ضحية لآل الاسد ..وكانت هذه الحالة تجلب لعرفات عطفاً شعبياً فلسطينياً وعربياً، حيث لم يكن نظام الاسد يتمتع بأي عطف عربي ،خصوصاً اذا كان الصراع قائماً مع الفلسطينيين، وكان عرفات يصرف كل هذا دعماً مالياً وسياسياً من بعث العراق ،خصم نظام البعث السوري، ومن دول الخليج وكثيراً من الدعم المصري السياسي والاعلامي نكاية بالأسد.
كان عرفات بطل شعار القرار الوطني الفلسطيني المستقل، وكان حافظ الاسد حساساً جداً تجاه استقلالية القرار في فلسطين ولبنان والاردن.
فشل الاسد في التأثير في الاردن طيلة حياته وحكمه ،بل ان عمان كان لها قدرة على التوازن مع دمشق فلسطينياً.. والاهم امنياً وعندما كان الاسد يرسل عناصر فلسطينية للتخريب في الاردن ،كان الملك حسين يفتح معسكراته لتدريب مئات عناصر الاخوان المسلمين في عز الصراع بين الاسد والجماعة الإسلامية.
واذا ارسل امن الاسد سيارة مفخخة لتنفجر في قلب سوق تجاري في عمان ،كان امن الملك حسين يرسل سيارة اخرى بالمقابل. فقام توازن الرعب بين الاثنين ونشأ بين النظامين امر واقع قائم على التعايش كيفما كانت طبيعته. اما لبنان فان له في نفس الاسد حسابات طالما اشتهى حكام دمشق قبله ان يحققوها.. لكن ديمقراطية الحكم في سورية بعد الاستقلال وطيلة عهد الاحزاب والشخصيات المستقلة الوطنية وسيادة ابناء المدن على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعسكرية الأمنية في سورية ولبنان، انشأت بين البلدين تجانساً وتعاوناً وتنسيقاً ظهر في المظاهرات التي كثرت في تلك المرحلة من الزمان بين العائلات السياسية الكبيرة في البلدين (رياض الصلح، صائب سلام، تقي الدين الصلح... ثلاثه رؤساء وزراء لبنانيون تزوجوا من سيدات سوريات من كبرى عائلات دمشق وحلب وحمص..)
وعندما حارب حافظ الاسد العائلات السياسية في سورية ،اكمل حربه بالضرورة ضد العائلات السياسية في لبنان ( سنقرأ تفصيلاً حول هذا الموضوع في مكان آخر من هذا الكتاب).
اما فلسطين او تمثيلها السياسي الوطني المجسد في منظمة التحرير الفلسطينية فلم تغب لحظة عن سياسة الاسد طيلة حياته وحكمه.
عاند عرفات كل تطلع للأسد نحو " فلسطينه" او منظمته ،وعندما ادرك ان الاسد يريد دخول لبنان للامساك به ورقة اضافية يعوض فيها عجزه عن استمرار الصراع المسلح ضد اسرائيل، رفع عرفات في وجهه شعار القرار الوطني الفلسطيني المستقر، وكان هذا مقتل اي علاقة بين الاسد وعرفات.
بدأت العلاقة بين الاسد وعرفات في السجن الدمشقي عام 1965 وانتهت العلاقة بين الرجلين وكل منهما لا يطيق للآخر ذكراً.
اعتقلت قوات الامن السورية مؤسس حركة فتح ياسر عرفات في دمشق عام 1965 بسبب قتله ضابطاً فلسطينياً بعثياً ،واحيل الى محكمة عسكرية. ولم يخرجه من السجن الا حافظ الاسد وكان يومها وزيراً للدفاع في سوريا، ويروي عبد الحليم خدام أن فاروق القدومي البعثي الفلسطيني هو الذي توسط له عند الاسد ،وكان ابو اللطف عضواً في قيادة حركة فتح.
وعام 1983 اخرج حافظ الاسد ياسر عرفات من كل سوريةمتهماً اياه بانه ذهب الى شقيقه رفعت ليؤلبه ضد اخيه حافظ ، وكان رفعت يجهز نفسه لخلافةشقيقن عبر تعزيز قواته "سرايا الدفاع" لمواجهة قوات ضباط اخيه علي حيدر، علي دوبا، علي اصلان، شفيق فياض، ابراهيم الصافي ..وهو الامر الذي حصل عكسه تماماً وانتهى بترحيل رفعت وضباط حافظ ليظل رفعت في موسكو ولفترة، قبل ان يغادر الى اوروبا حيث ما زال يعيش حتى اليوم بينما عاد ضباط الاسد الى مواقعهم يومها.
كان عرفات يسر لمن حوله ان حافظ الاسد سمح لنفسه ان يشق حركة فتح ويؤسس ما يسمى "فتح الانتفاضة "برئاسة العقيد ابو موسى وابو صالح في ايار مايو 1983 ،وانا من حقي ان اشق النظام السوري نفسه، ولم يكتف عرفات بلقاء رفعت فخرج ليدلي بتصريح عبر إذاعة "مونتي كارلو "العربية منتقداً فيه الوضع في سورية شامتاً بالصراع الداخلي فيها.
لكن حافظ الاسد نجح في شق فتح فعلاً، كما نجح عرفات في شق معظم التنظيمات الفلسطينية المسلحة. وحاول ان يشجع رفعت على الانشقاق عن اخيه حتى جاءه ضابط سوري من الامن العسكري برتبة رائد يبلغه ان عليه ان يغادر دمشق فورا، لأنك خرجت عن قواعد الضيافة. فحملته سيارة الى مطار دمشق الدولي ليغادرها مطروداً من جديد بعد ان حملته قبلها باخرة يونانية خارج لبنان في نهاية الاجتياح الصهيوني لبيروت ولبنان صيف 1982.
يروي رئيس اليمن الجنوبي السابق علي ناصر محمد للمؤلف ان حافظ الاسد طلب منه التدخل مع ياسر عرفات لمنعه من امداد شقيقه رفعت بالمال ،لان رفعت يعمل ضد مصلحه اخيه.
قال الاسد لعلي ناصر ان دولة في الخليج العربي (السعودية) ارسلت لرفعت مبلغ 10 ملايين دولار، وان هذا معناه سعي دول الخليج العربي وتحديداً الرياض لفتنة داخلية في سورية .
اتصل علي ناصر بعرفات ليساله هل صحيح انه يريد مساعدة رفعت ضد اخيه حافظ ؟فضحك ابو عمار قائلاً لعلي ناصر: "الله انا لسه ما ابتدتش انا لسه في اول الطريق. "
ويتابع علي ناصر قائلاً للمؤلف :"ان ابا عمار عاد الى الجدية الكاملة في حديثه ليقول له: امال اسمح لحافظ انه يلعب معي داخل فتح ( يشير عرفات الى انقلاب جماعة ابو موسى وابو صالح وخالد العملة في حركة فتح ضد رئيسها عرفات في ايار مايو 1983 في البقاع اللبناني بتدبير من استخبارات الاسد ثم قتل القائد الفلسطيني المؤيد للشرعية سعد صايل ابو الوليد في البقاع ايضاً)
تحريض طائفي
يروي ابو اياد انه بعد طول خصام بين عرفات والاسد وهو ما تكرر كثيراً وجه حافظ الدعوة الى ياسر لحضور عرض عسكري جوي في احدى القواعد العسكرية السورية.
وفي حين جلس عرفات الى جانب الاسد جلس ابو اياد الى جانب رفعت شقيقه. وخلال اندماج الرئيسين في متابعة العرض الجوي من بعيد سأل رفعت الرجل الثاني في حركة فتح :الا ترى ان اوضاعنا متشابهة في لبنان انظر كيف يكرهنا اللبنانيون ويتعاملون مع العلويين في طرابلس والشمال تعامل السيد مع العبد ،واللبنانيون هؤلاء تعاملوا ويتعاملون مع الفلسطينيين بالطريقة نفسها، ليختم رفعت قوله لابي اياد هذا الوضع يستدعي منا ان نتعاون نحن الاثنين لمواجهة اللبنانيين..
وعندما اخبر ابو اياد عرفات باقتراح رفعت لمعت عينا عرفات وهو يقول لزميله :"لقد كنت طوال الفترة بين تلقينا الدعوة لحضور العرض العسكري الجوي وجلوسي مع حافظ اسأل نفسي ترى ماذا وراء هذه الدعوة.. الآن اجبتني على ما دار في ذهني".
كان عرفات يرى ان حافظ الاسد لا يرضى في العلاقة مع اي من مسؤولي لبنان وفلسطين (والاردن قبل توازن الرعب بينهما ) ان يكون في منزلة بين المنزلتين، فهو اما تابع له منفذ لأوامره او هو عدو وفي احسن الحالات خصم لا يمكن التعاون معه.
كانت تهمة الانتماء الى حركة فتح تعادل تهمة التعامل مع اسرائيل ،وكذلك تهمة الانتماء او التعاون مع العراق او مع البعث العراقي.
لذا
اختار عرفات ان يكون خصماً للأسد ،وهذا اكسب له من جميع النواحي ،وكثيرا ما استفزت الختيار عبارة كان الاسد يتمسك بالحديث فيها وهي ان فلسطين هي جنوب سورية ، وكان عرفات يردد ان فلسطين هي عاصمة العرب.
وعندما تحدث الاسد عن منطقة الحمة انها سورية رد عرفات ولمرة واحدة ان الحمة فلسطينية ،كما شبعا لبنانية ..والاثنتان احتلتهما اسرائيل من تحت القبضة السورية وفي عهد حافظ الاسد عندما كان وزيراً للدفاع خلال عدوان ٥ حزيران يونيو 1967.
محاولة فاشلة للحريري
————
تدخل كثيرون لرأب الصدع بين حافظ وياسر من دون جدوى ،حتى رفيق الحريري حاول قبل ان يصبح رئيساً للوزراء في لبنان ان يتوسط بين الرجلين، وقصد عرفات الى فندق "الكريون" في باريس في الزيارة التاريخية التي قام بها ابو عمار الى فرنسا.
عرف عرفات بموضوع وساطة الحريري وكان الاخير صديقاً لحسيب الصباغ وهو متمول فلسطيني معروف ،وصديق ابي عمار ويلتقي حافظ الاسد.
حاول الصباغ تسهيل مهمة الحريري لكن عرفات تعمد ان يبقى الحريري في صالون الفندق التاريخي لفترة طويلة ،بحجة انه مشغول باستقبال وفود دولية وتلقي مكالمات مهمة.
لم يكن عرفات كذلك، لكنه اراد ايصال رسالة الى الحريري انه صديق الاسد او انه مكلف بمهمة خاصة من الاسد ،وانه يريد ان يبيض وجهه معه ،وهو لن يكون جسر عبور لأحد.
خلال لقاء الحريري وعرفات لم يحصل الرجل الذي سيصبح واحداً من اهم رؤساء الوزراء في لبنان ،على اي كلمة او وعد او نقاش جدي، مما دفع الحريري للخروج غاضباً محمر الوجه ليضرب بكتفه مسؤولاً فلسطينياً هو رياض الهيجا ،من دون قصده ثم يعتذر منه.
حاول حسيب الصباغ ثانية مع عرفات.. انما هذه المرة مع صديقيه باسل عقل وسعيد خوري وتوجه الثلاثة الى تونس حيث مقر عرفات بعد اخراجه من لبنان مرتين 1982 على يد اسرائيل 1983 على يد حافظ الاسد.
قال الثلاثة لعرفات ان هناك مؤشرات ايجابية على استعداد الاسد لتسوية الامور معهم ،ووافقهم على هذا الرأي عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية الشاعر محمود درويش وكان من حضور اللقاءمندوب المنظمة في تونس الحكم بلعاوي.
كان رأي الاكثرية ان يوافق عرفات على فتح صفحة جديدة مع حافظ الاسد ،قالوا له قل انك موافق ونحن سنأتي بالصلح من دمشق.
رد عرفات بطريقته: انا اعرف ان حافظ لن يعطيكم شيئاً، ومع هذا اذهبوا وجربوا وانا في انتظاركم.
ذهب الثلاثي الفلسطيني الى دمشق ،وقابلوا حافظ الاسد وعادوا بعد اسبوع وهم يحملون رسالة من القيادة السورية كما قالوا.. تحمل 15 سؤالاً على عرفات ان يجيب عليها.
كلمة سؤال استفزت عرفات وكاد يمزق الاوراق التي تحمل هذه الأسئلة، لكنه تحت الحاح ورجاء المجتمعين قبل ان يستمع الى الأسئلة ،وقد تولى محمود درويش قراءتها وكان اولها:
-ما هو رأي القيادة الفلسطينية والاخ ياسر عرفات بالاتصال بالعدو الصهيوني ،علماً بان القانون السوري يعاقب بالإعدام كل من يثبت تعامله مع العدو الصهيوني؟
- كيف تنظرون الى العلاقات السورية الفلسطينية علماً بان سورية تقف على خط النار مع اسرائيل بينما لم تعد منظمة التحرير على جبهة الحرب المباشرة مع اسرائيل؟
- ما هو موقفكم من المنظمات الفلسطينية التي تلتزم الموقف المبدئي لسورية في استمرار الصراع المسلح مع العدو الصهيوني؟
وقبل ان يكمل درويش قراءة الرسالة قاطعه عرفات وهو يصرخ: انا مش قلت لكم ده مش عايز مصالحة ده عاملي محاكمة ،وكمان شوية يقول تعال سلم نفسك علشان حاعدمك.
انفعل عرفات ووقف وهم بمغادرة القاعة المقامة تحت الارض ،والتي كان عرفات يعقد فيها اجتماعاته عندما يكون في تونس.. لولا مسارعة الجميع لثنيه عن ذلك ،وعلى الرغم من انقسام المجتمعين حول القبول بمبدأ الرسالة والرد عليها، وبين اهمالها وعدم الرد ابداً استجاب عرفات اخيراً لإلحاح الثلاثي ،الذي كان يشكل صندوق الدعم الدائم للمنظمة مالياً، وهو في الوقت نفسه رسول دائم له في كثير من المحافل العربية خاصة الخليجية والدولية ( امريكا واوروبا) ورضخ للرد برسالة توضح الموقف الفلسطيني.
لم يكن عرفات بحنكته وخبرته ليرفض الرد على رسالة حافظ الاسد حتى لو كانت ملأى بالإهانات وبالتخوين وبالتهديد المباشر وفق القانون السوري ،وكلف لجنة بإعداد وكتابة الرسالة الرد.
وبعد ان اكمل محمود درويش كتابة الرسالة التي اعدتها لجنة مشكلة من الحضور بدأ قراءتها وكانت البداية بحد ذاتها مدخلاً لكشف موقف عرفات الحقيقي.
قرأ محمود درويش مطلع الرسالة وهو يقول:
سيادة الرئيس حافظ الاسد رئيس الجمهورية العربية السورية
يسعدنا..
وما ان نطق محمود درويش كلمة يسعدنا حتى انفعل الختيار صارخاً:" ايه ايه يسعدنا بتقول ايه ؟يسعدنا اسمعوا يا جماعة ده بيقول يسعدنا. احبط الشاعر محمود درويش واحمرت اذناه ..ووقف لا يلوي على امر لا موقف لا رد بل صدمة صراخ عرفات وهو يكرر يسعدنا.. انا كنت محضر رسالة من امهات الادب لتصحيح العلاقة مع حافظ والاخ محمود بيقول يسعدنا.
وبعد ان تماسك محمود درويش رد بسخرية كانت كفيلة لإضحاك الجميع وقلب الجلسة وهو يقول يا اخ ابو عمار سأبدأ رسالتي لحافظ الاسد بالقول: يؤسفنا.. انفجر الجميع ضحكاً، وكان اغلب الضحك مصدره ان امراً لم يتغير بين عرفات والاسد لتطوى صفحة وساطة اخرى فاشله.
عرفات - الاسد
بين بين
يوري اندروبوف ويوري افنيري
وبعد مجيء رئيس الاستخبارات السوفياتية (الكي جي بي) في موسكو يوري اندروبوف اميناً عاماً للحزب الشيوعي السوفيتي حاكماً اول في هذه الدولة السابقة.. استقبل حافظ الاسد ياسر عرفات في دمشق لبحث الاوضاع في المنطقة ،على ضوء المتغيرات التي فرضها الاحتلال الصهيوني للبنان عام 1982.
قال الاسد موجهاً كلامه لعرفات في موسكو :"يا ابو عمار.. امين عام للحزب الشيوعي يهودي ويكره الصهيونية ويعتبر ان الصهاينة يعملون على تدمير الاتحاد السوفيتي من الداخل ،وانت ما زلت تستقبل صهاينة في لبنان وفي تونس وترسل لهم مبعوثين الى اوروبا.
استمع عرفات الى كلام الاسد الى نهايته ،وهو يتمزق من الغيظ ليقول له متباهياً.. انا يا سيادة لرئيس اخترقت المجتمع الصهيوني كله وعندي يوري افنيري مشكلاً طابوراً خامساً داخل اسرائيل.
كتم الاسد غيظه كالعادة، وهو يدرك الا امل في اي تسوية او مصالحة مع سياسي تبدو حركته عصية كالزئبق عن الامساك.
ومع نفي قيادات سورية حول حافظ الاسد (عبد الحليم خدام مثلا) ان تكون خلفية او الانتماء القديم لياسر عرفات الى جماعة الاخوان المسلمين في مصر احد اسباب الصراع بين الرئيسين السوري والفلسطيني، الا ان الوقائع التي توالت منذ التقى الرجلان عام 1965 تؤكد ان هذا الانتماء كان حاضراً في الصراع بين حافظ وعرفات ،حتى غاب الاثنان عن الحياة.
ينفي خدام وقائع عديدة معروفة ومتداولة عن علاقات الاثنين:
منها ان عرفات اخذ على الاسد انه امتنع عن توفير الغطاء الجوي للدبابات السورية التي دخلت الاردن خلال احداث ايلول سبتمبر 1970 لنجدة المنظمات الفلسطينية في حربها مع الجيش الاردني.
وينفي خدام ما أورده باتريك سيل كاتب سيرة حافظ الاسد في كتابه: "حافظ الاسد- الصراع على الشرق الاوسط" من ان حافظ الاسد امتنع كوزير للدفاع عن تأمين الغطاء الجوي للدبابات السورية التي اندفعت داخل الاراضي الأردنية للدفاع عن المنظمات الفلسطينية التي كانت تقود حرب حياة او موت في الاردن ،في مواجهة الجيش الاردني بلغت ذروتها في ايلول/ سبتمبر 1970.
يقول خدام ان حافظ الاسد كان اتخذ مقر القيادة كوزير للدفاع في مدينة درعا على الحدود الأردنية الفلسطينية المحتلة، حين كانت الدبابات السورية تدخل مدناً اردنية ( اربد) لتوفير حماية للمنظمات الفلسطينية بالضغط على الملك حسين لوقف قصف دبابات الجيش الاردني لمواقع المنظمات الفلسطينية، التي كانت انتشرت في اجزاء كبيرة في عمان داخل وخارج المخيمات الفلسطينية.
يقول خدام: ان قرار الدخول الى الاردن اتخذته القيادة القطرية لحزب البعث الحاكم في دمشق وكذلك قرار الخروج من الاردن.
هنا يكشف خدام ان حافظ الاسد كان ضد انشاء منظمة الصاعقة- قوات طلائع الحرب الشعبية كمنظمة بعثية فلسطينية ،تشارك في العمل الفدائي ضد اسرائيل بعد 67 وكان يرى ان الجيش هو الذي يجب ان يحارب اسرائيل ،وليس المنظمات الشعبية العسكرية. وكان هوس الحرب الشعبية طريقاً لتحرير فلسطين قد سيطر على أفكار جماعة صلاح جديد حين وقف رئيس الحكومة يوسف زعين وقال اننا سنزرع سوريا بالأشجار لنحولها الى غابات لممارسة حرب التحرير الشعبية ضد اسرائيل مثلما كان ثوار فييتنام يحاربون القوات الاميركية في الادغال. !!
ويبرر خدام في حديث مطول مع الكاتب ،قرار الخروج من الاردن بما يلي:
1. اتصال من جمال عبد الناصر برئيس الجمهورية السورية نور الدين الاساسي يقول له فيه ان الامريكان اتصلوا بنا عدة مرات يهددون بانه اذا لم تنسحب القوات السورية من الاردن ،فإن اسرائيل ستضرب داخل سورية وان عبد الناصر لم يشف بعد من جراح العدوان الصهيوني على البلاد العربية عام 1967 ،حين حشد جمال جيشه في سيناء لرفع الضغط عن الحدود السورية، بعد ورود انباء عن حشود صهيونية عليها.
2. ان القادة السوفيات اتصلوا نحو 10 مرات بالقيادة السورية تطلب منهم الانسحاب فوراً من الاردن ،والا فان اسرائيل ستتدخل ونحن- الكلام لموسكو- لن نستطيع ان نفعل شيئا.
وينفي خدام ما تردد ان حافظ الاسد استخدم فشل القيادة القطرية بقيادة نور الدين الاتاسي وصلاح جديد ويوسف زعين في ايلول سبتمبر 1970 للقيام بإنقلابه في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام نفسه ،ويؤكد ألا علاقه بين الامرين بل ان انقلاب الاسد في 16/11/1970 جاء لأسباب داخلية بحتة يرد ذكرها في الكتاب.
على الرغم من نفي خدام لكل هذه الوقائع، ليدلي برؤيته التي تكتسب صدقية من مكانته وموقعه وشخصيته ،الا ان الصراع الذي دار بين النظام والاخوان المسلمين في سورية طيلة الفترة من 1978 حتى 1982 لم يغب عنها يوماً ذكر دور جماعات في حركة فتح تعاطفت مع الاخوان خصوصاً حين راح نظام الاسد يرتكب المجازر الواحدة تلو الاخرى ،حتى كانت اضخمها حين دبر مجزرة حماه عام 1982 التي راح ضحيتها عشرات الالاف من المواطنين السوريين، بينهم المئات من جماعة الاخوان انفسهم.
كان حافظ الاسد اصدر عام 1971 بعد ان اصبح رئيساً للجمهورية قراراً وزعه على كل القطاعات العسكرية على الجبهة بأن اي فدائي يحاول التسلل عبر الجولان الى اسرائيل يطلق عليه النار فوراً ،او اذا اعتقل يحول الى المحكمة بتهمة الجاسوسية.
قال ابو عمار للعقيد السوري مجاهد السمعان :ان آخر معركة حصلت في جرش في الاردن وسقط فيها جرحى كثيرون من الفدائيين الفلسطينيين ،وكان هؤلاء بحاجة الى اسلحة وذخائر ونقل الجرحى.
اتصل عرفات بالأسد في دمشق طالباً منه ارسال سيارات اسعاف فرد الاسد "بيصير خير".
ثم ارسل الاسد رئيس الاستخبارات العسكرية يومها العقيد حكمت الشهابي الى الحدود لمنع ادخال اي سيارة اسعاف من الاردن الى سورية التي كانت تحمل جرحى المعارك مع الجيش الاردني.
وعندما تسلل المئات من الفدائيين الفلسطينيين هاربين من مواجهات مع الجيش الاردني اوقفتهم استخبارات الاسد واعتقلتهم وجماعتهم في شاحنات حملتهم مباشرة الى الحدود اللبنانية وتركتهم داخل لبنان ،رغماً عن اي موقف لبناني.
قال لهم الاسد ابقوا في لبنان ونحن سنسلحكم!
طرد كل المنظمات الفلسطينية والوحيدون الذين قبلهم هم جماعة احمد جبريل وقد فتح لهم معسكرات في الغوطة ،واعتبرهم جزءاً من القوات السورية.
ولن ينسى عرفات ايضاً بالرغم من كل اقوال عبد الحميد خدام :ان صلاح جديد غامر بسلطته في سورية بإرسال قوات مدرعة عبرت الحدود الى الاردن لنجدة المنظمات الفلسطينية في حربها الشرسة مع الجيش الاردني.
وعندما تعرضت الدبابات والمدرعات السورية لضربات عسكرية من الجيش الاردني ورفض حافظ الاسد توفير غطاء جوي لها، مما ادى الى انسحاب القوات السورية، فان عرفات بدا انه الخاسر الاكبر من مجيء الاسد رئيساً للجمهورية في سوريا 1971 بعد انقلابه على صلاح جديد في16/11/1970 وهو ما سيرى نتائجه المأساوية عندما يحتل الاسد لبنان ،بدءا من صيف العام 1976 ليشارك اسرائيل حربها ضد منظمة التحرير الفلسطينية التي سترغم على الخروج من لبنان بعد الاجتياح الصهيوني له صيف 1982.
) فصل خاص بالكتاب عن صراع حافظ الاسد مع كمال جنبلاط تحت عنواني القرار اللبناني الوطني المستقل ومشاركة جنبلاط بالثورة الفلسطينية التي قاتلها الاسد في لبنان)
من يصدق: الاسد يستلطف عرفات !!
يتحدث كثيرون عن ان لقاءات حافظ الاسد وياسر عرفات كانت تبدأ دائماً في جلسات الصفاء، بطرائف كان الرئيس السوري يطلب سماعها من الزعيم الفلسطيني ليلقيها عرفات بطريقته التي تثير اعجاب وضحك مستمعيه حتى لو كانت عادية.
كان ابو اياد قد ابلغ خدام مرة ان عرفات كان ومنذ كان طالباً في مصر يدبر المقالب التي تثير الدهشة لطرافتها وقد رواها خدام الاسد فانتهز الاخير فرصة لقائه مع ابي عمار يسأله عنها فضحك عرفات ورواها كما يلي:
كان الطالب ياسر عرفات في كلية هندسة القاهرة رئيساً لإتحاد الطلبة الفلسطينيين وقد تكتل ضده طلاب كثيرون لإسقاطه في الانتخابات المقبلة ،مما دفع ياسر عرفات للتفكير بطريقة يؤجل فيها هذه الانتخابات. فتوجه الى ضابط في مباحث امن الدولة المصري مشرفاً على الحركات الطلابية ليطلب منه تأجيل الانتخابات بناء على طلب الطلاب فرد عليه الضابط المصري :بان هذا الامر لا تتدخل فيه الاستخبارات المصرية.. وعليه ان يدبر اموره بنفسه.
وكان عرفات سحب ورقة رسمية من اوراق مكتب الضابط المصري بحجة انه سيكتب فوقها ما يحتاجه من السلطات المصرية ثم احتفظ بها وحملها الى مقر الاتحاد، حيث كتب على الالة الطابعة قراراً امنياً مصرياً اختلقه يأمر بتأجيل الانتخابات الطلابية ورفع عملة معدنية من قرش صاغ واحد وملأها بالحبر ثم ختم بها الامر حتى بدت رسمية ،لأن العملة المصرية المعدنية كانت تحمل علامة النسر.
عقد عرفات اجتماعاً عاجلا للطلاب في مقر اتحاد طلبة فلسطين ليقرأ عليهم امر المباحث المصرية المزعوم ،ليتهدج صوته وهو يظهر حزناً على الامر المصري فيندفع الطلاب الى تأييد التأجيل دون تردد.
بعد انصراف الطلبة استدعى عرفات زميله صلاح خلف (ابو اياد) ليروي له ما حصل وهو يقهقه ..مثلما الاسد حينما رواها عرفات.
لكن الكراهية كانت طاغية
يقول عبد الحليم خدام ان كراهية حافظ الاسد لياسر عرفات بدأت فعلاً عام 1973 حين كانت دمشق تحضر جيشها لحرب تشرين /اكتوبر 1973 وكان الاسد ووفد سياسي وعسكري كبير معه في زيارة سرية لموسكو للبحث في شراء اسلحة جديدة تحتاجها سورية في حربها ضد اسرائيل لاسترجاع الجولان المحتل عام 1967.
تبلغ الاسد ان هناك ازمة نشأت بين الجيش اللبناني في عهد قائده اسكندر غانم ورئيس الجمهورية يومها سليمان فرنجيه وبين المنظمات الفلسطينية ،وان الطيران الحربي اللبناني قصف المخيمات الفلسطينية في بيروت ( كان القصف يستهدف التلال الرملية حول مخيم برج البراجنة) بعد ان خرجت عناصر من هذه المنظمات عدة مرات لقطع طريق مطار بيروت الدولي يومها.
عاد الاسد من موسكو وكلف خدام التوجه الى بيروت للاجتماع بعرفات وفرنجية لوقف النزاع، فجاء ابو جمال الى لبنان ليبلغ الزعيمين ان يوقفا حربهما لان الحرب قادمة لا محالة بين سورية ومصر وبين اسرائيل ،وكل صراع داخلي اليوم يصب في خدمة اسرائيل.
اظهرت سورية يومها العين الحمراء للبنان الرسمي فاقفلت الحدود بين البلدين واستمر الاقفال من ايار/ مايو حتى اغسطس من ذلك العام ،ولم ترفع الخشبة التي استخدمها خالد العظم كرئيس لوزراء سوريا من قبل عام 1951 الا بعد ان حصل الاسد على مجموعة امتيازات كان اهمها تسوية اوضاع 400,000 عامل سوري يشتغلون في لبنان. توجه سليمان فرنجية الى دمشق ليضع الطاعة عند حافظ الاسد لإزالة ازمة كان من شأنها ان تضر كثيراً بالاقتصاد الزراعي والسياحي والاجتماعي اللبناني.
وحين اندلعت حرب تشرين بعد عدة اسابيع امر سليمان فرنجية بفتح مرف بيروت لاستقبال حاجات الجيش السوري التي كانت مرسلة من الاتحاد السوفياتي الى مرفأي طرطوس واللاذقية ،وقد تعذر ذلك لتفرغ حمولتها في مرفأ بيروت ليتم حملها في شاحنات ضخمة الى سورية .
كانت دمشق تحصي على عرفات انفاسه وكلماته ومواقفه ،حتى اذا خرج سفير له في الصين بتصريح قال فيه ان نظام السوري يتآمر على الفلسطينيين، اهتاج الامن السوري ليرفع الامر الى الرئيس الاسد سائلاً اياه موقفاً من ابي عمار، وتتوالى الاجراءات السورية بدءاً من الاتصال بالقيادات الفلسطينية التي تقيم في دمشق مثل ابو مازن، ابو ماهر وغيرهما.. ليطلبوا منهم اتخاذ موقف من هذا الكلام.. فيبدأ "المونولوغ "الفتحاوي، حيث ينهال ابو مازن وابو ماهر على ابي عمار بالشتائم والاتهامات ثم يتم الاتصال به ليطلبوا منه سرعة اصدار موقف ضد هذا السفير لطرده او تجميده او استدعائه والادلاء بتصريح من رئيس المنظمة ياسر عرفات ،ويؤكد متانة العلاقات الاستراتيجية بين دمشق قلب العروبة النابض والشعب الفلسطيني وقيادته.
ولا يعرف بعد كل هذا، هل كان تصريح سفير المنظمة في الصين خطا شخصيا؟ هل كان تصريحه رسالة من عرفات الى حافظ الاسد؟ وهل كانت شتائم ابو مازن وابو ماهر تحت ضغط الوجود في سورية ؟ ام هو جزء من سياق اجراءات متفق عليها بين القيادات حول ياسر عرفات لقول ما يريدون.. ثم لاستيعاب آثاره السياسية في ادهى عملية توزيع ادوار اتقنها وانشأ لها عرفات مدرسة دخل فيها كثيرون من السياسيين العرب بعدها؟!
عرفات عبد الناصر والاسد
في صنعاء قابل الكاتب ياسر عرفات في شهر رمضان عام 1987 بحضور زميلي الصديق بسام عفيفي وكان يومها مدير العلاقات الخارجية في الشراع.
عند السحور اصطحبني عرفات ممسكاً بيدي لنقطع عشرات الامتار في شبه دهاليز حتى وصلنا الى قاعة الطعام وقد مدت بها طاولة طويلة مستطيلة عليها اصناف الطعام المناسب للسحور.
اثناء تناول الطعام كنت انا وبسام منشغلين بالأكل وكان رحمه الله يجامل ويساير ثم يمنحني سبقاً صحفياً جديداً يضاف الى سبق "ايران جيت "الذي نشرته الشراع في 3/11/1986 في العدد 242.
اسر لي ابو عمار "ان الامام الخميني في طهران شكل لجنة لمعالجة قضية الرهائن الغربيين الذين كانت الاستخبارات الإيرانية السورية قد خطفتهم في لبنان بواسطة حزب الله، واخفتهم في اقبية زنازين استحدثها الحزب لإخفاء ضحاياه ،وان اللجنة مشكلة من علي خامنئي وهاشمي رفسنجاني وعلي ولايتي ،للتفاوض مع الغرب بشأنهم بعد كشف قضية فضيحة" ايران جيت"
قال لي عرفات: ما هو انت يا ابو علي بوظت الدنيا عليهم كانوا معتبرين ان الرهائن دول زي فرخة بتبيض لهم ذهب ،وكانوا حصلوا على اسلحة مهمة من امريكا :صواريخ وقطع غيار طيارات أمريكية مقابل اطلاق الرهائن لكن نشر الحكاية بتاعتك في الشراع اوقف الصفقة ،فلفوا عليها بحكاية الرهائن ،والايرانيين هم اللي عايزين دلوقتي يفاوضوا الامريكان علشان المزيد من الاسلحة.
قال لي وهو يرتشف الشاي وشفتاه ترتعشان وعيناه تلمعان :شوف يا ابو علي انا عارف انك بتحب عبد الناصر قوي وانا والله بحبه كان زعيمنا كلنا ده كان زعيم العرب والمسلمين الله يرحمه شوف.. عبد الناصر انقذ لي حياتي وبعث لي رئيس اركان حرب القوات المسلحة المصرية الفريق محمد احمد صادق ،لما كنت محاصراً في عمان سنة 70 وقعد يدور علي وطلب من الملك حسين ان يلتقيني فثار الملك غاضباً ..لن نجده نحن نبحث عنه في كل مكان..ولما عجز عن ايجاده وجه لي الفريق صادق نداء عبر اذاعة عمان للقاء.. وحصل اللقاء.
قال لي صادق عبد الناصر بيسلم عليك واوصاني ان اهم شيء عندي الان هو ان يخرج ياسر عرفات حياً من هذا الحصار ،فهو رمز المقاومة الفلسطينية وانت عارف الحكاية ..البسوني عقال احد اعضاء الوفد الكويتي الذي رافق اللجنة العربية لاصطحابي من عمان الى القاهرة وكان فيها جعفر نميري وحسين الشافعي والباهي الادغم والشيخ سعد العبد الله الصباح ثم وضعوني في عربة مصريه مصفحة، وفيها سيدات مصريات من عوائل موظفي السفارة المصرية في عمان.
يضحك ابو عمار رحمه الله وهو يقول عندما اوصلوني الى السفارة المصرية بعد اللقاء الاول وتركت مخبئي الذي تعرض للقصف في منطقة اللبيدة فاجأني الفريق صادق قائلاً يا اخ ياسر عليك ان تحلق ذقنك وعندما نظرت اليه معاتباً كأنني اقول له وده وقته..قال لي ستأتي معي الى القاهرة صرخت دلوقتي مش معقول.. واسيب اخواني لمين لا مش ممكن.. فوجدت صادق يقول لي بحسم يا اخ ابو عمار هذه تعليمات الرئيس جمال عبد الناصر وانا انفذها.
وسمعت صادق يردد امر عبد الناصر ان احضرك الى القاهرة لأنه يعتبر ان وجودك حياً خارج عمان هو حفاظ على الثورة الفلسطينية وبعد محاولة مني للمماطلة خضعت لأمر عبد الناصر.
يردد ابو عمار: الله ده جمال عايز ينقذ حياتي على شان انا رمز الثورة يا ابو علي.
وبينما كنت احاول ان أشيد بعبد الناصر قاطعني عرفات وكنا وصلنا الى الكأس الثالث من الشاي المحلى قال اسمع عبد الناصر كان يريدني حياً وصاحبك حافظ الاسد..قالها ضاحكاً وانا مرتبك لهذا التوصيف.. خبى علي حكاية الغزو الصهيوني للبنان سنة 1982.
كل الدنيا قالت لي ابو عمار يا عرفات يا اخ ياسر سيدي الرئيس يا ختيار اسرائيل ستغزو لبنان لإخراجك.. وكنت اقابل حافظ الاسد ولا يقوليش كان عايزني افطس في لبنان كان عايز يموتني.. الله يرحمك يا جمال الله يرحمك يا جمال..
وسهى عرفات
كانت سهى طويل هي المراسلة التي اعتمدتها والدتها الصحفية ريموندا الطويل للتواصل بينها وبين الرئيس ياسر عرفات بعد ان اتخذ من تونس مقراً لمنظمة التحرير الفلسطينية ومكتبه الرئيسي، وكانت ريموندا في باريس بعد ان خرجت من الضفة المحتلة بسبب التضييق الصهيوني عليها ولأنها تستطيع ان تمد عرفات بما يقع بين ايديها من معلومات عن اسرائيل ورأت ان ابنتها سهى التي كانت تحضر رسالة الماجستير في جامعة السوربون هي افضل مرسال بينهما.
ترددت سهى على عرفات كثيراً، وبعد ان كان ابو عمار اعلن اكثر من مرة انه لن يتزوج لأنه متزوج من القضية عاد الى حقه الشرعي بتعدد الازواج واقترن بسهى بعد ان اشهرت اسلامها وظل زواجهما سراً لعدة سنوات.
سهى كشفت في حديث مع جريدة الشرق الاوسط السعودية في عددها الصادر في 20/11/2011 انها تزوجت من عرفات عام 1989 ولم يعلن هذا الزواج الا عام 1992 بعد ان نجاة ابو عمار من الموت في سقوط طائرته في الصحراء الليبية حيث زارته مهنئة له بالنجاة ولتقول له ان الاشاعات عن علاقات سرية بينهما تنهش سمعتها فاعترف بها زوجاً له لمن حوله واعلن ذلك في العام بنفسه.
خلال هذه الفترة كان مصطفى طلاس يتردد الى باريس وكان يلتقي عدداً من النخبة الاعلامية في العاصمة الفرنسية واحيانا مندوب منظمة التحرير الفلسطينية ابراهيم الصوص صديق والدة سها ريموندا.
اعجب طلاس بسهى وحاول كثيراً التودد اليها وكان يرسل لها الهدايا النفيسة للتقرب منها وكان يحملها اليها دبلوماسي سوري في سفارة بلاده في باريس ليعترف هذا الدبلوماسي السوري للكاتب ان طلاس ربما اراد الحصول من سهى على معلومات عن تحركات وعلاقات عرفات رغم ان علاقة سهى بياسر كانت سراً ولكن يبدو ان الاسد كان على علم بالأمر لكن سهى لم تفسح مجالاً ابدا لطلاس، صحيح انها كانت تتقبل هداياه لكنها لم تخرج معه ابداً بل كانت ترسل له مع الدبلوماسي ما يفيد انها على علاقة مع صديق وانها ستتزوج منه قريباً.
بعد ما سمعه طلاس من المرسال الدبلوماسي توقف عن ارسال الهدايا او السؤال عنها.
ليس لدى الفلسطينيين سر
في احدى مبادرات ياسر عرفات بعد 1982 للوصول الى تسوية للصراع الفلسطيني- الاسرائيلي طلب ابو عمار من الرئيس اليمني الجنوبي السابق علي ناصر محمد ان يجمعه بأميني عام الجبهتين الشعبية والديمقراطية لتحرير فلسطين جورج حبش ونايف حواتمه اللذين كانا رفيقين لعلي ناصر في حركة القوميين العرب قبل ان تتمركس بعد نكسة 1967.
قال عرفات اريد الاجتماع بهما بحضورك كي اعرض لهما ان يأخذا بيدهما لتحرك اعتزم القيام به نحو كندا وايطاليا والنمسا كي أحصل على تأييد هذه الدول لمشروع التسويات وهؤلاء لهم تأثير كبير على دول اوروبا الغربية.
اشترط عرفات ان يظل اللقاء والحوارات سرية وطلب ابو عمار ان يوقع الجميع على محضر الاجتماع السري وان يكتب عليه بالأحمر العريض سري جداً حتى لا يشتمه حبش وحواتمة بعد اجرائه هذه المباحثات!!
) يقول علي ناصر انا مسؤولين سوفيات قالوا له ان كل كلمه يقولها فلسطيني ويريد ان تكون سرية جدا يعني ان علينا ان ننشرها للعالم كله).
يتابع علي ناصر انه اعتقد ان هذا الاجتماع ومحضره ظل سرياً الى ان التقى حافظ الاسد في دمشق فسأله الرئيس السوري عن هذا الاجتماع وما جرى فيه.
اعترف علي ناصر بحصول الاجتماع لكنه لم يتحدث عن ما جرى فيه لأنه كان خارج الموضوع وانه ظل سرا بين الثلاثة.
ضحك الاسد وكبس على زر استدعاء لأحد مساعديه فجاءه هذا ليطلب منه ان المحضر السري، فقرأه المساعد والاسد يبتسم حتى نهايته ليقول الرئيس السوري هذا الاجتماع الذي فوض عرفات الذهاب الى كندا فتحوا له الطريق للوصول الى تل أبيب.
المهم في الامر ان حافظ كان مخترقاً للمنظمات الفلسطينية كلها ولم يكن احمد جبريل احد ادواته المعروفة فحسب بل كانت له عيون داخل مكاتب كل المنظمات الفلسطينية تحديداً داخل فتح نفسها ومنظمة التحرير ومكاتبها وسفرائها.
لم ينفذ حافظ الاسد وعده لصلاح خلف ابو اياد بأطلاق سراح عدد من الفلسطينيين امام وفد فلسطيني زاره للمشاركة في دفن جثمان خليل الوزير ابو جهاد.
ومثله وكما الاب كذلك الابن فإن بشار لم ينفذ وعده بإعادة منزل اهل محمود عباس ابو مازن الذي كان الامن السوري احتله خلال صراع الاسد- عرفات وما زال بيت الرئيس الفلسطيني محتلاً في دمشق.
انه حديث الصراع والاحقاد بين آل الاسد وكل الفلسطينيين. بين الشيطان وتلميذه.