بيروت | Clouds 28.7 c

العلم قبل القول والعمل -بقلم الشيخ أسامة السيد/الشراع 24 تشرين ثاني 2022

 

العلم قبل القول والعمل

بقلم الشيخ أسامة السيد

الشراع 24 تشرين ثاني 2022

الحمد لله وكفى وسلامٌ على عباده الذين اصطفى.

قال الله تعالى في القرآن الكريم:{قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب}  سورة الزُّمر.

قال الإمام الطبري في "تفسيره": "يقول تعالى ذكره قل يا محمد لقومك: هل يستوي الذين يعلمون ما لهم في طاعتهم لربهم من الثواب وما عليهم في معصيتهم إيَّاه من التَّبعات والذين لا يعلمون ذلك فهم يخبطون في عشواءٍ لا يرجون بحُسن أعمالهم خيرًا ولا يخافون بسيئها شرًا، يقول: ما هذان بمتساويين". وفيه: "وقوله: إنما يتذكر أولو الألباب يقول تعالى ذكره: إنما يعتبر حُجج الله فيتَّعظ بها ويتفكَّر فيها ويتدبَّرها أهلُ العقول والحجى لا أهل الجهل والنقص في العقول".

قلت: فقد تضمن ما جاء في كتاب الله تعالى مدحَ العلم وذمَّ الجهل فمن يعلم العقيدة ويعرف أحكام الشريعة فهو يسير في نور العلم يهتدي به حيثما كان وهو ليس كمن فقدَ ذلك فيعيش كالبهيمة لا يعرف حدودًا ولا يُراعي أحكامًا ولا يستضيء بضياء المعرفة. وقد قال ربنا تعالى في سورة النور:{ومن لم يجعل الله له نورًا فما له من نور} قال الطبري في "جامعه": "يقول: من لم يرزقه الله إيمانًا وهدىً من الضلالة ومعرفة بكتابه فما له من نور. يقول: فما له من إيمانٍ وهدىً ومعرفةٍ بكتابه". وبالتالي: فمن كان يريد السلامة التمس نور العلم في كل شىءٍ يريد أن يفعله أو يقوله حتى يتأتَّى له عمله متقنًا بخلاف من دخل في عملٍ ما أو حوارٍ ما بجهلٍ فإنه يفضح نفسه ويفسد من حيث يظن أنه يصلح.

العلم أولًا

وإنما تُعرف أصلًا طرق النجاة لتُتَّبع وطرق الهلاك لتُحذر بالعلم، ومن أراد الدرجات العالية في الآخرة فإنما يهتدي إليها بالعلم ومن أراد حظًا من الدنيا فإنما تُنال الدنيا كذلك بالعلم، ومن نظر في طبقات الناس وأحوال المجتمع لم يشتبه عليه ذلك. ولأهمية العلم فقد عنون الإمام البخاري في صحيحه "باب العلم قبل القول والعمل"، ومن القواعد المتفق عليها عند أهل العلم كما قرَّر ذلك عبد الله بن حُسين بن طاهرٍ في كتاب "سُلَّم التوفيق" وغيره أنه "يجب على كل مسلمٍ أي بالغٍ عاقلٍ أن لا يدخل في شىءٍ حتى يعلم ما أحلَّ الله تعالى منه وما حرَّم لأن الله تعالى تعَبَّدنا أي كلَّفنا بأشياء ونهانا عن أشياء فلا بُدَّ من مراعاة ما تَعبَّدنا الله تعالى به". ويُستفاد من هذه القاعدة أنه يجب أي فرضٌ على من أراد أن يدخل في عبادةٍ ما كالصلاة والزكاة والصيام والحج أو معاملةٍ ما كالشركة والإجارة والرهن وغير ذلك أن يتعلم ما يحتاج إليه في هذا الشأن أي القدْر الذي يسلم بتعلمه وتطبيقه من الوقوع في الحرام، وإلا فمن دخل في عبادةٍ ما أو معاملةٍ ما بغير علمٍ فهو آثمٌ، حتى لو جاء بالعمل صحيحًا بالمصادفة لم يسلم من المعصية وذلك أن عليه ذنب الجهل إذ لم يلتزم ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أمر وجوبٍ بقوله: "طلب العلم فريضةٌ على كل مسلم"  رواه البيهقي عن أبي سعيدٍ الخدري.

وفي الغالب يقع الجاهل إن أقدم على عملٍ ما في خللٍ يُبطل ويُفسدُ عمله وهو لا يدري، ومصداق هذا في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى:{قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالًا الذين ضلَّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يُحسنون صنعًا} سورة الكهف. قال أبو حيَّان في "البحر المحيط" "والأخسر من أتعَبَ نفسه فأدى تعبُه به إلى النار".

وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رُبَّ صائمٍ ليس له من صيامه إلا الجوع ورُبَّ قائمٍ ليس له من قيامه إلا السهر" رواه ابن ماجه فهذا الحديث ينطبق على الجاهل الذي يُخلُّ بشروط وأركان العمل فلا يصح منه.

أقسام الناس

وحقيقة الأمر أن الجاهل كالتائه في الصحراء بلا دليلٍ لا يدري أيقرب من مبتغاه أم يبتعد فإن من جهل علم الدين لا يضمن صحة صلاةٍ ولا زكاةٍ ولا غير ذلك من أعمالٍ هذا إن سلم له إيمانه أصلًا، ومن هنا  كان لا بد من العلم ابتداءً فالعلم يحرسك من الضلال والمهالك وأما المال فأنت تحرُسه. ثم إن العمل الصَّالح لا ينبغي أن يُراد به إلا طاعة الله ورضاه، وهو بهذا المعنى موعودٌ صاحبه بالثواب ولا يكون ذلك إلا بالعلم والتطبيق الصحيح. وقد قيل: "العلم نورٌ والتَّعبد على الجهل لا ينقذ صاحبه يوم القيامة". وكم من أناسٍ انصرف أحدهم للعبادة بزعمه ولم يُحصِّن نفسه بالعلم ولم يُحصِّل ما تصح به العبادة فأغواه الشيطان وأهلكه،والتاريخ مشحونٌ بالأمثلة الدَّالة على خطورة العمل بغير علم والاستغناء عن تحصيله ففي "تفسير القرطبي" عن الحسن البصري في قوله تعالى:{ومنهم من يقول ربنآ ءاتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار} قال: "حسنة الدنيا العلم والعبادة". وفي "حلية الأولياء" لأبي نُعيم عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالبٍ عليه السلام في وصيته لكُميل بن زيادٍ قال: "الناس ثلاثة فعالمٌ ربَّانيٌ ومتعلمٌ على سبيل النجاة وهمجٌ رَعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح لم يستضيئوا بنور العلم" ثم قال: "العلم يزكو على العمل، والمال تُنقصه النفقة، ومحبة العالم دينٌ يُدان بها، العلم يُكسِب العالمَ الطاعةَ في حياته وجميلَالأُحدوثةِ بعد موته، وصنيعة المال تزول بزواله". فانظر كيف قدَّم الإمام عليٌ عليه السلام العلمَ على العمل فجعل العلمَ سبيلًا للنجاة أي يتعلم فيعمل بعلمه فينجو ولم يجعل العمل بلا علمٍ سببًا في ذلك وأفاد كلامه: "العلم يزكو على العمل"تقديم العلم على العمل ثم إن محبة العلماء العاملين أي تعظيمهم التعظيم اللائق بهم دينٌ أي من الدين فإننا مأمورون بذلك لِما خُصُّوا به من الفضل عند الله،ومعنى الرَّعاع السَّفِلة من الناس كما في "المصباح المنير" للفيومي. 

والحمد لله أولًا وآخرًا.  

1