بيروت | Clouds 28.7 c

أدعياء السلفية أيضًا وأيضًا / بقلم الشيخ أسامة السيد

 

أدعياء السلفية أيضًا وأيضًا
بقلم الشيخ أسامة السيد

الشراع 31 تشرين الأول 2024


الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى. 
قال الله تعالى في القرآن الكريم:{يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وقولوا قولًا سديدًا يُصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يُطع الله ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا} سورة الأحزاب.
يزعم أدعياء السلفية أنهم أهل التوحيد وأنهم أتباع النبي صلى الله عليه وسلم بحق ولكنهم في الواقع على خلاف ما يدَّعون وما انتسابهم إلى التوحيد إلا منكرًا من القول وزورًا، وتراهم يمعنون في تكفير الأمة بغير حق ولا حياءٍ ولا يعتقدون مصيبًا سواهم ويتناقضون فيما بينهم تناقضًا عجيبًا، وإذا ما أقام أحدٌ الحجَّة عليهم اتهموه بالغباء والتحامل على دعوة التوحيد بزعمهم وفيما يلي نبيِّن للناس صورةً واحدةً من صورٍ شتَّى من أشكال تناقضهم العجيب.  
قال ابن كثيرٍ في كتابه "البداية والنهاية" وهو عند أدعياء السلفية عُمدة في "ابن تيمية" فيما جرى عند موته في معرض الثناء عليه والتعظيم له: "وجلس جماعة عنده قبل الغسل وقرءوا القرآن وتبرَّكوا برؤيته وتقبيله ثم انصرفوا ثم حضر جماعة من النساء ففعلن مثل ذلك ثم انصرفن" وفيه "وألقى الناس على نعشه مناديلهم وعمائمهم وثيابهم وذهبت النعال من أرجل الناس وقباقيبهم ومناديل وعمائم لا يلتفتون إليها لشغلهم بالنظر إلى جنازته وصار النعش على الرؤوس تارة يتقدم وتارةً يتأخر وتارةً يقف حتى تمر الناس" وفيه "وشرب جماعةٌ الماء الذي فضل من غسله واقتسم جماعة بقية السدر الذي غُسل به ودُفع في الخيط الذي كان فيه الزئبق الذي كان في عنقه بسبب القمل مائة وخمسون درهمًا وقيل: إن الطَّاقية التي كانت على رأسه دُفع فيها خمسمائة درهم وحصل في الجنازة ضجيج وبكاء كثيرٌ وتضرُّع وختمت له ختمات كثيرة بالصَّالحية وبالبلد وتردد الناس إلى قبره أيَّامًا كثيرة ليلًا ونهارًا يبيتون عنده ويُصبحون" 
الحقيقة للناظرين
قلت: بينما يُحرِّم الوهابية كل ذلك بل هو عندهم من وسائل الشرك لأنهم يرمون المتبرك بآثار الصَّالحين بالكفر، وقد صرَّح أحد دعاتهم واسمه عبد الرحمن بن حسن وهو حفيد محمد بن عبد الوهاب في كتابه المسمى " كتاب التوحيد وقرة عيون الموحدين" بتكفير أهل الأقطار الإسلامية لأنهم يتوسلون ويتبرَّكون بأولياء الله فقال: "وكما جرى لأهل مصر وغيرهم فان أعظم آلهتهم أحمد البدوي" وزعم أن أهل العراق يعبدون الشيخ عبد القادر الجيلاني فقال في الكتاب نفسه: "وكان أهل العراق ومن حولهم كأهل عمان يعتقدون في عبد القادر الجيلاني كما يعتقد أهل مصر في البدوي" وكذلك زعم في الكتاب المذكور أن أهل الشام يعبدون ابن عربي فقال: وأعظم من هذا عبادة أهل الشام لابن عربي" بل وعطف التكفير على أهل نجد والحجاز قبل انطلاق الدعوة الوهابية فقال في الكتاب المذكور: "وجرى في نجد قبل هذه الدعوة وفي الحجاز واليمن وغيرهما من عبادة الطواغيت والأشجار والأحجار والقبور ما عمت به البلوى" 
وفي كتابهم المسمى "كيف نفهم التوحيد" يقول مؤلفه محمد أحمد باشميل: "أبو جهل وأبو لهب أكثر توحيدًا لله وأخلصُ إيمانًا به من المسلمين الذين يتوسلون بالأولياء والصالحين ويستشفعون بهم إلى الله" 
وقال صالح بن فوزان الفوزان في كتابه المسمى "التوحيد" : "فالتبرك بالأماكن والآثار والأشخاص أحياء وأمواتًا لا يجوز لأنه إما شركٌ أو وسيلة إلى الشرك".
بل طغوا أكثر من ذلك فقد نقل الشيخ أحمد بن زيني دحلان مفتي مكة في أواخر السلطنة العثمانية في كتابه "الدرر السنية" "عن أحد أتباع محمد بن عبد الوهاب قال: عصاي هذه خيرٌ من محمد لأنها يُنتفع بها في قتل الحية ونحوها ومحمدٌ قد مات ولم يبق فيه نفعٌ أصلًا"
قلت: وحيث صرَّح الوهابية بكل هذا كما ظهر لك من مصادرهم بل بلغ سوء الحال بهم إلى أن قال قائلهم في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال كما شهد به المفتي دحلان وهذا من أشنع الضلال بل قد نصَّ أبو يوسف القاضي في كتاب "الخَرَاج" "على أن من سبَّ النبي صلى الله عليه وسلم أو كذَّبه أو عابه أو تنقَّصه خرج من الإسلام" ولا فرق بين ما لو صدر مثل هذا عن أحدهم بحق رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته أو بعد موته فإن حرمته ميتًا كحرمته وهو حي، فعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حياتي خيرٌ لكم تُحدثون ويحدثُ لكم ووفاتي خيرٌ لكم تُعرض عليَّ أعمالكم فما رأيت من خيرٍ حمدت الله عليه وما رأيت من شرٍ استغفرت الله لكم" رواه البزَّار في "مسنده" وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد": "رجاله رجال الصحيح"
أقول: وإزاء ذاك فماذا يرى أدعياء السلفية فيما نقله ابن كثيرٍ عن أفعال المغترِّين بابن تيمية بعد موته وإن كان هذا عندهم شركٌ فبماذا يحكمون على ابن كثيرٍ وقد أورده على وجه التعظيم لابن تيمية، أم يستحون من التصريح بنسبة النبوة إلى ابن تيمية وقد زعم أحد دعاتهم واسمه فواز المرعبي وهو من جنوب لبنان في بعض تسجيلاته "أن ابن تيمية أعلم من الأئمة الأربعة بكثيرٍ وأنه لا مقارنة بينه وبين الأئمة الأربعة وأعلم من التابعين وأعلم من بعض الصحابة" ولعله استحى أن يقول أعلم من كل الصحابة فاقتصر على البعض. وقال الوهابي عبد العزيز السَّدحان في كتابه الذي سمَّاه "الإمام ابن باز دروسٌ ومواقف وعبر": "نُقل عن بعض أهل العلم مقولة مفادُها لو لم نُخبَر بختام النبوة لقلنا: إن ابن تيمية نبي فعُرضت على بعض أهل العلم فبَالغ في إنكارها وعرضتها بنفسي على سماحته (أي ابن باز) فتبَسَّم ضاحكًا وقال: نعم لذلك أصل، ثم ذكر حديث "لو كان بعدي نبيٌ لكان عمر بن الخطاب". وهذا معناه مساواة ابن تيمية بسيدنا عمر فانظروا إلى هذا الغلو القبيح جدًا.
وزعم ابن القيِّم وهو من أخصِّ تلاميذ ابن تيمية في كتابه "مدارج السَّالكين" "أن ابن تيمية اطَّلع على اللوح المحفوظ وأخبر بهزيمة التتار سنة اثنتين وسبعمائة للهجرة" ويقرأ الوهابية هذا فيه زاعمين أنه من كرامات ابن تيمية. بينما ينكرون على غيرهم كرامات الشيوخ الصادقين.
والكلام في بيان تناقضاتهم وتعظيمهم المفرط لابن تيمية يطول جدًا ولكن فيما ذكرته مقنعٌ يقنع به من أراد الحقيقة والإنصاف والحمد لله أولًا وآخرًا.