"السيد محمد محمد صادق الصدر"
ودوره السياسي والاجتماعي/ بقلم محمد المشهداني
الشراع 10 كانون اول 2022
ولادته.
هو السيد محمّد بن محمّد صادق بن محمّد مهدي بن إسماعيل بن صدر الدين (1258 ــ 1338 هـ)، (الذي سمّيت أُسرة آل الصدر باسمه) بن صالح بن محمّد بن إبراهيم شرف الدين (جدّ أُسرة آل شرف الدين)، وصولاً إلى موسى (أبو سبحة).بن إبراهيم المرتضى بن الإمام موسى بن جعفر (ع) ولدي في 17 ربيع الأول سنة 1362 هـ، في يوم المولد النبوي الشريف، الموافق 23 آذار سنة 1943 م في النجف الأشرف، حيث نشأ السيد الصدر الثاني في أسرة علمية معروفة بالتقوى والعلم والفضل، منهم: جده لأمه الشيخ محمد رضا آل ياسين (توفى 1370 هـ) وهو من المراجع المشهورين حيث زامنت فترة مرجعيته مع مرجعية السيد أبو الحسن الأصفهاني (توفى 1365 هـ)، ووالده العلامة حجة الإسلام السيد محمد صادق الصدر (توفى 1403 هـ).
"نشأته العلمية"
بدأ الدرس الحوزوي في سنٍّ مبكّرةٍ، حيث كان ذلك في سنة 1373 هـ، وقد ارتدى الزيّ الحوزوي وهو ابن إحدى عشرة سنة، حيث بدأ بدراسة النحو والمنطق والفقه وغير ذلك من دروس المقدّمات على يد والده السيّد محمّد صادق الصدر، والسيد طالب الرفاعي، والشيخ حسن طرّاد العاملي، ودخل كلّيّة الفقه سنة 1379 هـ. دارساً على يد مجموعة من أساتذتها، وهم:
_في الفلسفة الإلهيّة على يد الشيخ محمد رضا المظفر
_في الأُصول والفقه المقارن على يد السيد محمد تقي الحكيم
_في الفقه على يد الشيخ محمد تقي الإيرواني
كذلك حضر عند بعض الأساتذة من ذوي الاختصاصات والدراسات غير الحوزويّة: كالسيّد عبد الوهّاب الكربلائي مدرِّس اللغة الإنجليزيّة، والدكتور حاتم الكعبي في علم النفس، والدكتور فاضل حسين في التاريخ، وكذا درس الرياضيات في الكلّيّة نفسها، وتخرّج من كلّيّة الفقه سنة 1383 هـ. ضمن الدفعة الأُولى من خرِّيجي الكلّيّة.ثُمَّ دخل مرحلة السطوح العليا، فدرس كتاب الكفاية على يد أُستاذه السيّد الشهيد محمّد باقر الصدر، وكتاب المكاسب على يد السيّد محمّد تقي الحكيم. ثمَّ أكمل دراسة كتاب المكاسب عند الشيخ الحجّة صدر البادكوبي. ثمَّ حضر دروس البحث الخارج عند جملة من أعلام النجف الأشرف، وهم:
_السيّد محمد باقر الصدر في الفقه والأصول
_السيد أبو القاسم الخوئي في الفقه والأصول
_السيد روح الله الموسوي الخميني في الفقه
_السيد محسن الحكيم في الفقه
_السيّد إسماعيل الصدر في الفقه.
وفي الجانب العرفاني فقد تعرف في عام 1977 م على العارف الحاج عبد الزهرة الكرعاوي وهو من تلاميذ السيد علي القاضي، فسلك معه في طريق الله تعالى لسنتين، حتى شهد له شيخه بتمام المعرفة والوصول.
"مرجعيته"
تصدى السيد الصدر الثاني للمرجعية الدينية بعد وفاة السيد عبد الأعلى السبزواري، وذلك عام 1993 م، وسعى للحفاظ على الحوزة العلمية في النجف، وكما سعى إلى تربية طلاب الحوزة العلميّة في النجف الأشرف تربية إسلاميّة نقيّة، موفّراً لهم كلّ ما هو ممكن من الأسباب المادّيّة والمعنويّة التي تتيح لهم جوّاً دراسيّاً مناسباً يمكنهم به تخطّي المراحل الدراسيّة بصورة طبيعيّة، ومن خطواته الكبيرة أهمها إرسال المبلغين إلى أنحاء العراق كافة لتلبية حاجات المجتمع، وهداية الناس إلى ما يُرضي الله، وكما كان تجاوبه حقيقيّاً مع المجتمع. ولا سيّما فيما يرتبط بالطبقة المستضعفة، فسعى لتقديم كلّ ما هو متاحٌ له من إمكانات مادّيّة، فكان يساعد الفقراء والمحتاجين ويرعاهم.
"نشاطه ودوره السياسي والاجتماعي"
ادى السيد الصدر الثاني دوراً مهما في قيادة الانتفاضة الشعبانية عام 1991 م، فكان له الدور الفعّال فيها، ومن أهم مواقفه هو ما نقله الشيخ اليعقوبي في كتابه "السيد الصدر الثاني كما أعرفه،"حيث ذكر: بعدما بدأت قوات الحرس الجمهوري الزحف نحو مدينة النجف الأشرف وبدأ القصف المدفعي عليها، كان السيد الصدر في جامع الهندي وقد صلى فيه صلاة الظهر والعصر وبعد انتهاء الصلاة أُحيط السيد بحماية مكثّفة من المجاهدين يتبعها صيحات وتكبيرات والصلاة على محمد وآل محمد حتى دخول الحرم الحيدري، فصعد السيد على سطح الكيشوانية. المواجهة لباب القبلة والناس تجتمع في الصحن الشريف، وهم يقابلونه بالهتافات، والقى السيد الصدر الثاني كلمة مختصرة حثّ فيها علـى نصرة الثورة الإسلامية المباركة ودعمها والمشاركة فيها لعل الله سبحانه يرحم هذا المجتمع وينشر لواء الإسلام في ربوع هذا البلد. وبعدها أمر السيد بتشكيل لجنة لقيادة الانتفاضة ويكون هو على رأسها، ولكن في اليوم التالي تم اعتقال السيد الصدر ــ والقضاء على الثورة ــ ونقله إلى منطقة الرضوانية في الضواحي الشمالية الغربية لبغداد حيث خُصّصت لاحتواء (المعارضة)، وبعد خمسة عشر يوماً تم إطلاق سراحه.
"إقامة صلاة الجمعة"
كانت الحكومة في العراق تمنع التجمعات الدينية وبالأخص بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران، وخوف النظام السابق من الشيعة في العراق بالقيام بثورة مسلحة بقيادة رجال الدين واقامة دولة إسلامية في العراق على غرار ما حصل في إيران. وفي هذا الظرف الحرج بادرالصدر الثاني وهو لابس كفنه لإقامة صلاة الجمعة التي أفتى بوجوبها التعييني، حيث اعتبر صلاة الجمعة هي الوسيلة الراجحة في إيقاظ الأمة، وبثّ فيها روح الشجاعة والثقة بالنفس بإمكانية التغيير وعدم القبول بالواقع الذي هم فيه مهما كانت الطريقة التي يحكم بها النظام في ذلك الوقت.وقد وفق السيد الصدر في ذلك الأمر بسبب عدّة عوامل، منها:
اعلان الحكومة العراقية أنها بصدد حملة إيمانية وطنية، فاستغل الصدر هذه الأجواء لإقامة صلاة الجمعة، التي كان يقيمها أهل السنة في عموم العراق، وعلى هذا الأساس فإن الحكومة لا يمكن أن تمنع صلاة هي كانت قد شجعت على أداءها.
_صلاة الجمعة كانت دينية ولم تكن سياسية، ومنع هكذا صلاة يتعارض مع ما تدعو إليه الحكومة من حملتها الإيمانية المزعومة.
_كذلك تمتاز فريضة صلاة الجمعة بوجود خطبتين لا تصح الصلاة من دونهما، وهذا العامل قد ساعد السيد الصدر أن يتواصل مع الناس بشكل مباشر مما كان له الدور في قيادة حركة دينية إصلاحية شاملة.
_إنَّ صلاة الجمعة كانت تعالج كل حالات الانحراف في المجتمع العراقي، وحركة السيد الصدر كانت إصلاحية تعالج الكثير من الأمراض الاجتماعية بشكل عام، وليست مقتصرة على الجانب السياسي.
"مواجهة السلطة الحاكمة في العراق"
تحول السيد الصدر الثاني إلى رمز يقود ظاهرة إسلامية، وجرّاء هذا الأمر حدث تصعيد بين الصدر الثاني والسلطة الحاكمة، حيث حاولت السلطة أن تتدخل في شؤون صلاة الجمعة، في الكثير من المدن العراقية، فقد مارست الضغط على وكلاء السيد الصدر في جميع المحافظات العراقية من خلال الطلب المتكرّر منهم بالدعاء إلى الرئيس صدام حسين، ولم يكن هذا الطلب جديداً، بل حاولته السلطة مرات عديدة دون جدوى، وعندما فشلت السلطة في انتزاع الدعاء لصدام، ذهبت إلى اسلوبها التهديدي، لمنع صلاة الجمعة والتي أصرّ الصدر الثاني على إقامتها وأوصى بإقامتها حتى بعد مقتله وبعد رفض الدعاء لصدام بهذه الصلاة مهما كان الثمن، تطورت المواجهة بعد ذلك إلى صدامات سبقت اغتيال الصدر الثاني في عدد من المدن العراقية، منها الناصرية حيث سقط عدد من القتلى واعتقلت الدولة عدداً من وكلاء الصدر الثاني، وطالب السيد الصدر ومن خلال منبر صلاة الجمعة في مسجد الكوفة بإطلاق سراح المعتقلين من خلال هتافات أمر جمهور المصلين بترديدها (نريد.. نريد.. فوراً.. فوراً.. إطلاق سراح المعتقلين).
في ظل رفض السيد الصدر الثاني ووكلائه المتكرّر لطلبات السلطة الدعاء لرئيس الدولة، طالبت السلطة الصدر الثاني بمنع المسيرة السنوية التي يقوم بها عشرات الألوف من المشاة إلى كربلاء من مختلف مدن العراق، لكن السيد أصدر أمراً إلى الناس بالتوجه إلى كربلاء وذلك خرقاً للمنع الذي أصدرته السلطة الأمنية، وقد استجاب الزوّار لطلب الصدر الثاني وتوجهوا إلى كربلاء، لكن السلطات سرعان ما طلبت من الصدر التراجع عن موقفه فرفض ذلك، ثم هُدد بالقتل وطُلب منه أن يكتب أن الظروف لا تسمح بمثل هذه التظاهرة فرفض أيضاً، فصدر أمر بوضعه في الإقامة الجبرية، واعتقل وكلاءه في المدن العراقية، لكن الصدر الثاني خرق أمر الإقامة الجبرية مع ولديه مصطفى ومؤمل وذهب إلى الكوفة وصلى آخر صلاة جمعة وهي الجمعة (45) مما أغضب السلطة فقرّرت التخلص منه ودبرت له عملية الاغتيال.
"الاعتقالات التي تعرض لها"
قام نظام صدام باعتقال السيد الصدر الثاني عدة مرات، ومنها:
1_ في عام 1972 م قام النظام باعتقال السيد محمد الصدر مع السيد محمد باقر الصدر والسيد محمد باقر الحكيم (رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق. فيما بعد)
2_عام 1974 م قام النظام باعتقاله في مديرية أمن النجف وعندما احتج على سوء معاملة السجناء نُقل إلى مديرية أمن الديوانية والتي كانت أشد إيذاء للمؤمنين من بقية مديريات الأمن، وقد بقي رهن الاعتقال عدة أسابيع.
3_عام 1998 م قام النظام باستدعاء السيد محمد الصدر والتحقيق معه عدة مرات.
4_عام 1999 م قام النظام بالتحقيق مع السيد الصدر مرات عديدة وتهديده قبل اغتياله.
"اغتياله"
كان من عادة السيّد الصدر أنْ يجلس في مكتبه (البرانيّ) بعد صلاتي المغرب والعشاء في يومي الخميس والجمعة، ليخرج بعدها إلى بيته، وفي يوم الجمعة 4 ذي القعدة سنة 1419 هـ الموافق 19 من شباط عام 1999 م خرج السيّد على عادته ومعه ولداه- السيّد مصطفى والسيّد مؤمّل- بلا حمايةٍ، وفيما كانوا يقطعون الطريق إلى بداية منطقة (الحنّانة) في إحدى ضواحي النجف القريبة، وعند الساحة المعروفة ب- (ساحة ثورة العشرين)، جاءت سيّارة، ونزل منها مجموعة من عناصر السلطة وبأيديهم أسلحة رشّاشة، فأطلقوا النار على السيارة التي كان يستقلها السيد مع نجليه، وسرعان ما اصطدمت العجلة بشجرة قريبة فترجل المهاجمون من سيارتهم وبدأوا بإطلاق النار بكثافة فقتلوا جميعاً.
وبعد اغتيالهم حضر جمع من مسؤولي السلطة إلى المشفى، وذهب آخرون إلى بيته، ولم يسمحوا بتجمهر المعزّين أو الراغبين بتشييع جنازته، ولذا قام بمهمّة تغسيله وتكفينه مع نجلَيه مجموعةٌ من طلّابه ومريديه، ثُمَّ شيّعوه ليلًا، حيث تمّ دفنه في المقبرة الجديدة الواقعة في وادي السلام. وفي كل سنة يحيي مقلديه ومحبيه ذكرى مصرعه
محمد المشهداني _ العراق _ الشراع