بيروت | Clouds 28.7 c

أضواء حول معجزة الإسراء والمعراج/قلم الشيخ أسامة السيد

أضواء حول معجزة الإسراء والمعراج/قلم الشيخ أسامة السيد

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى.

قال الله تعالى: ((سبحان الذى أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصا الذي باركنا حوله لنريه من ءاياتنا إنه هو السميع البصير)) سورة الإسراء.

لقد أيَّد الله سبحانه وتعالى الأنبياء بمعجزاتٍ باهراتٍ كانت دليلاً على صدق دعواهم فيما يُبلّغونه للناس، وما من نبيٍ إلا وكانت له معجزات إلا أن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم كان أكثرهم معجزاتٍ وأوفرهم دلالاتٍ ولو أردنا بسط المقال في معجزاته عليه الصلاة والسلام لطال الكلام جدًا، وحيث إننا بين يدي مناسبة الإسراء والمعراج فيُناسب أن نتكلم بشيءٍ عن هذه المعجزة العظيمة.

يظن بعض الناس أن الإسراء والمعراج شيءٌ واحد ولكن الحقيقة غير ذلك فالإسراء شيءٌ والمعراج شيءٌ آخر، فأما الإسراء فكان من البيت الحرام إلى المسجد الأقصى وقد ورد في إثباته نصٌ صريح وهو قوله تعالى المذكور أعلاه فمن أنكره كان مكذبًا للقرآن وتكذيبُ القرآن ضلالٌ ومروقٌ من الدين. وأما المعراج فمعناه السُلَّم وشبهه، قال الجوهري في ((الصَحاح)): ((والمعراج السُلَّم)). وقال الخليل بن أحمد في ((العين)): ((والمعرَجُ الطريق الذي تصعدُ فيه الملائكة والمِعراج شبهُ سُلَّم)). وذلك أنه قد نُصبت للنبي صلى الله عليه وسلم المرقاة وهي درجة من ذهبٍ وأخرى من فضة فرقي بها بصحبة جبريل عليه السلام حتى جاوز الأفلاك وبلغ السبع الطِباق. وقد ثبت المعراج في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم، أما القرآن فلم ينصَ عليه نصًا صريحًا بل ورد فيه ما يكاد يكون صريحًا وهو قوله تعالى: ((ولقد رءاه نزلةً أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى)) سورة النجم. فإن قيل: قوله تعالى(( أسرى بعبده)) وقوله ((ولقد رءاه)) يحتمل أن يكون الإسراء منامًا والرؤية منامية، قلنا: هذا تأويل ولا يسوغ تأويل النص أي إخراجه عن ظاهره لغير دليل عقليٍ قاطع أو سمعي ثابت بل ذلك عبثٌ والنُصوص تُصان عن العبث كما قاله الرازي في ((المحصول)).

 

المقصود من الإسراء والمعراج

 

فيُعلم من هذا أن الإسراء والمعراج كانا شيئًا حقيقيًا بالروح والجسد في اليقظة وما ذلك على الله بعزيزٍ، وإننا نعجب ممن يُنكر هذه المعجزة الكبرى ويردها بدعوى أنه يستبعد حصولها أفلا يعلم هذا المفتون أن الله على كل شيءٍ قدير؟!! وإذا ما وصلنا إلى زمنٍ تمكن فيه الناس من محادثة بعضهم البعض بالأجهزة المتطورة رغم حؤول البحار والمحيطات والقارَّات، واستطاعوا قطع المسافات التي كان يستغرق قطعها الأشهر والسنوات بساعاتٍ أو سُويعاتٍ بما أنجزوه من الصناعات التي توصلوا إليها بهذا العقل الذي جعله الله فيهم، فما المانع من حصول الإسراء والمعراج وليس في العقل ولا في الشرع ما ينقض ذلك، بل إن العقل والشرع يؤيدان ثبوته.

وإذا ما عُلم هذا فنُقرُّ بالإسراء والمعراج تكريمًا وتعظيمًا للنبي محمدٍ صلى الله عليه وسلم وهذا هو المقصود من هذه المعجزة المباركة خلافًا لما يظنه بعض الناس، حيث اعتقد بعضهم أن النبي صلى الله عليه وسلم عُرج به ليلتقي برب العالمين وهذا ضلالٌ مبين بل هو خلاف ما أجمع عليه المؤمنون لأن الله تعالى لا يحويه مكانٌ ولا يجري عليه زمانٌ، موجود سبحانه وتعالى بلا مكان.

ومن أراد الوقوف على حقيقة الغاية من الإسراء والمعراج فلينظر القرآن والسنة حيث دلاّ على تشريف النبي صلى الله عليه وسلم بذلك بإطلاعه على جملةٍ من عجائب مخلوقات الله في العالم العلوي أي السموات وما فيهن كما جاء ذلك في حديث أنسٍ الطويل الذي رواه مسلم في الصحيح وغيره، وإطلاعه على جملةٍ من تلك العجائب أثناء إسرائه من البيت الحرام إلى المسجد الأقصى.

تشريف النبي صلى الله عليه وسلم

 

 فقوله تعالى ((سبحان الذي أسرى بعبده)) تنزيهٌ لله، قال الطبري في ((تفسيره)): ((تنزيهًا للذي أسرى بعبده وتبرئةً له مما يقول فيه المشركون من أن له من خلقه شريكًا وأن له صاحبةً وولدًا، وعُلُوًا له وتعظيمًا عما أضافوه إليه ونسبوه من جهالاتهم وخطأ أقوالهم)). ومعنى ((أسرى بعبده)) أي سيَّره ليلاً، قال الرازي في ((مختار الصحاح)): ((أسرى أي سار ليلاً)) والمرادُ بعبده سيدُنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم. فإن قيل: إذا كان معنى الإسراء السير ليلاً وهو مفهوم من قوله ((أسرى)) فلماذا أكَّده بقوله ((ليلاً)) فالجواب: ((ذَكر ليلاً ليُنبّه أنه كان في طائفة منه)). قال السمعاني في ((تفسيره)): ((أي لبيان أن ذلك كان في جزءٍ من الليل لا كله)). وقوله تعالى ((من المسجد الحرام)) أي حيث الكعبة المشرفة وإنما سُمي بذلك لحُرمته أي لعظَمته وفضله على سائر المساجد وللأحكام الخاصة به. وقد انطلق صلى الله عليه وسلم بصحبة جبريل عليه السلام إلى ((المسجد الأقصا)) وإنما سمي بذلك لتقاصيه أي لبعده عن المسجد الحرام وكلاهما من بناء أبي البشر وأول الأنبياء آدم عليه السلام. فعن أبي ذرٍ قال: ((قلتُ يا رسول الله أي مسجدٍ وُضع في الأرض أول؟ قال: المسجد الحرام، قال: قلتُ ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى، قلت: كم كان بينهما، قال: أربعون سنة)) رواه البخاري ومسلم. ولكن جدّد بناءَ الكعبة نبيُّ الله إبراهيم عليه السلام وجدّد بناءَ الأقصى نبيُّ الله سليمان عليه السلام، وفي معنى قوله تعالى ((باركنا حوله)) قولان أحدهما بكثرة الأنبياء الذين كانوا في تلك الأرض ولأنه موضع مهبط الملائكة، وثانيهما بالماء والشجر.

قال السمعاني في ((تفسيره)): قوله ((لنريه من ءاياتنا)) أي من عجائب قدرتنا وقد رأى هناك الأنبياء ورأى آثارهم وقوله ((إنه هو السميع البصير)) ذكر السميع ها هنا ليُنبّه على أنه المجيبُ لدعائه وذكر البصير ليُنبَه على أنه كان الحافظَ له في ظلمة الليل)).

وقد جمع الله الأنبياء في المسجد الأقصى فصلّى بهم نبينا محمد عليه وعليهم الصلاة والسلام إمامًا ثم كان العروج إلى السموات العلا فأمسى في السماء وأصبح في الأرض. وما زالت هذه المعجزة شاهدًا على فضل نبينا صلى الله عليه وسلم وما زالت أنظار أبناء الأمة تشخص نحو فلسطين منتهى الإسراء وبداية المعراج التي لم ولن تكون يومًا ملكًا تاريخيًا ولا مستقبليًا لأولئك اليهود بإذن الله.

 والحمد لله أولاً وآخراً.

الوسوم