بيروت | Clouds 28.7 c

 أضواء على فضائل الصحابة / بقلم الشيخ أسامة السيد

الحمد لله وكفى وسلامٌ على عباده الذين اصطفى.

قال الله تعالى في القرآن الكريم: ((محمدٌ رسول الله والذين معه أشدآء على الكفار رحماء بينهم تراهم رُكعًا سُجدًا يبتغون فضلاً من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل)) الآية سورة الفتح.

لئن كان التاريخ مليئًا بالعظماء وكانت صحائف الماضي تزدحم بأسماء الرجال الرجال فإنه مع ذلك يبقى زمن الصحابة الكرام عصرًا شاهدًا على حياة ثلةٍ صحبت نبي الله محمداً صلى الله عليه وسلم واهتدت بهديه، ولا يخفى كم قدَّم هؤلاء الأصحاب الميامين من خيرٍ وإرشادٍ وسعيٍ حثيثٍ في سبيل قمعِ الشر وبثِّ الهدى والفضيلة في مجتمعات الدنيا التي كانت تغرق في الجاهلية العمياء، وإنه لشرفٌ لنا اليوم وفي هذا الزمن الذي يموج بالفتن أن نتكلم عن بعض فضائل الصحابة العِظام ليكون ما نُسطره حافزًا لهذا الجيل نحو التقدم والرُّقي لبلوغ ذرى المجد، ويناسب ابتداءً أن نتكلم في تعريف الصحابي.

من هو الصحابي

إن الصحابي في اصطلاح العلماء هو من لقي النبيَّ صلى الله عليه وسلم حال حياته على طريق العادة ((أي كما يلقى الناسُ بعضهم بعضًا)) فآمن به ومات على الإيمان، وبهذا يُعلم أنه لا يدخل المرء في الصحابة بمجرد أن رأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم في المنام، ولا من لم يلقه صلى الله عليه وسلم وكان في زمانه، وخرج بذلك من لقيه ولم يكن مؤمنًا أو لقيه وآمن به لكنه ارتد بعد موته صلى الله عليه وسلم كالذين لحقوا مسيلمة الكذاب واعتقدوا نبوته وغيرهم.

تفاوت فضل الصحابة

وحيث علم هذا فليُعلم أن الصحابة فيهم أفضل الناس بعد الأنبياء، وذلك أن أفضل الخلق الأنبياء، ثم إن أفضل البشر بعد الأنبياء أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي عليهم السلام، وقد جاء في فضائلهم أحاديث كثيرة، فمن ذلك ما رواه الترمذي عن الإمام علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((رحم الله أبا بكرٍ زوّجني ابنتَه وحملني إلى دار الهجرة وأعتق بلالاً من ماله، رحم الله عمر يقول الحق وإن كان مرًا تركه الحق وما له من صديق، رحم الله عثمان تستحييه الملائكة، رحم الله عليًا اللهم أدر الحق معه حيث دار)). وهؤلاء الأربعة هم الخلفاء الراشدون والصحابة المقدمون. وتفضيلهم على حسب ترتيب خلافتهم هو المعتمد كما نصَّ على ذلك أبو حفصٍ النسفي في ((عقيدته)) ثم يليهم في الفضل بقيةُ العشرة المبشرين بالجنة على تفضيلٍ فيما بينهم يعلمه الله حيث لم يرد نصٌ صريح في بيان مَن مِن الستة الباقين من العشرة أفضلُ، وهم الذين ورد تبشيرهم عن نبي الله صلى الله عليه وسلم في حديثٍ واحدٍ فقد أخرج الترمذي عن عبد الرحمان بن عوف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((عشرة في الجنة أبو بكرٍ في الجنة وعمر في الجنة وعثمان في الجنة وعليٌ في الجنة وطلحة في الجنة والزبير في الجنة وعبد الرحمان بن عوفٍ في الجنة وسعد بن أبي وقاصٍ في الجنة وسعيد بن زيد في الجنة وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة)). ومناقب هؤلاء العشرة الكرام كثيرة والكلام في فضلهم يطول جدًا، وإنما سمُّوا بالعشرة المبشرين لأنه قد جاء تبشيرهم في سياقٍ واحدٍ، وإلا فقد بشَّر النبي الصادق المصدوق كثيرًا من الصحابة الكرام بالجنة وقوله حق، ونحن بالتالي نشهد بالجنة لمن شهد له المعصوم صلى الله عليه وسلم، فمن ذلك ما رواه الطبراني عن أم مُبَشِّرٍ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يدخل النار رجلٌ شهد بدرًا والحديبية)). وأصحاب الحديبية هم الذين كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الحديبية ((اسم مكان)) حيث جرى الصلح بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين كفار قريشٍ يومها، وكان هذا الصلح لمصلحة المؤمنين.

ثناء الله على بعض الصحابة

وقد أثنى الله تعالى على بعض الصحابة في كتابه الكريم فمن ذلك ما جاء في الآية المذكورة أول المقال ومن ذلك أيضًا قوله تعالى: في سورة التوبة: ((والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسانٍ رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعدَّ لهم جناتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدًا ذلك الفوز العظيم)) وفي تفسير ((السابقون)) أقوالٌ ذكرها ابن الجوزي في ((زاد المسير)) وغيره فقيل: هم الذين آمنوا قبل الهجرة الشريفة وقيل هم أهل بدرٍ، والمهاجرون الذين هاجروا من ديارهم تنفيذًا لأمر الله ورسوله، والأنصار الذين أووا ونصروا. وفي معنى ((الذين اتبعوهم بإحسان))ٍ قال الطبري في ((جامعه)): ((هم الذين أسلموا لله إسلامهم وسلكوا منهاجهم في الهجرة والنُصرة وأعمال الخير)).

وأثنى الله على سيدنا أبي بكرٍ بعينه فقال في سورة التوبة: ((ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا)) قال البغوي في ((تفسيره)): ((ثاني اثنين أي هو أحد الاثنين، والاثنان أحدهما رسول الله صلى الله عليه وسلم والآخر أبو بكر الصديق)). وقوله ((معنا)) أي الله معنا بالحفظ والتأييد، ومن كان الله معه فهو من المتقين الصالحين لقوله تعالى: ((إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون)) سورة النحل. وجاء في ((تفسير الطبري)) في قوله تعالى: ((فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين)): ((عن مجاهدٍ في قوله ((وصالح المؤمنين)) أبو بكر وعمر)).  وحيث عُلم هذا فليعلم أنه تجب محبة الصحابة الأطهار الأبرار بتعظيمهم التعظيم اللائق بهم من غير غلوٍّ ولا تفريط، قال الإمام الطحاوي في ((عقيدته)) ((ونحب أصحابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نفرِّط في حب أحدٍ منهم ولا نتبرأ من أحدٍ منهم ونبغض من يبغضهم وبغير الخير يذكرهم)).

فإياك أن تزيغ بعد هذا البيان فإن الصحابة الكرام هم الذين نقلوا للأمم الدين ونشروه في أصقاع الأرض بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحملوا للدنيا مشاعل النور فجزاهم الله خير الجزاء والحمد لله أولاً وآخراً.     

الوسوم