بيروت | Clouds 28.7 c

وديعة خالد عبدالناصر لــ الشراع ((6)) خطة خالد عبدالناصر للتصدي لـ مبارك/ بقلم: محمد خليفة

*خالد خطط لمواجهة مبارك لقطع الطريق على توريث ابنه جمال

*انفتح خالد على الاخوان وتبرع لعائلات المعتقلين منهم

*شجعت خالد على الترشح ضد مبارك واختلفت معه على التوقيت

*النظام منع ايمن نور من الترشح ولفق له تهماً باطلة

*خالد أعد خطة محكمة لإسقاط مبارك لكنه مات قبل تنفيذها

 

 

في ما يلي حلقة جديدة من ((وديعة خالد جمال عبدالناصر)) لـ ((الشراع)) وتتضمن خطته للتصدي للرئيس حسني مبارك والحؤول دون توريث ابنه جمال، وهي الخطة التي شاء القدر عدم تنفيذها بسبب وفاة خالد.

الزيارة الأخيرة

 أما زيارتي الأخيرة , ولقائي المطول مع خالد فكانت في حزيران/ يونيو 2005, تلبية لدعوة ملحة منه, كررها علي خلال مدة قصيرة, مما أشعرني بأنه يريدني لأمر مهم يتجاوز مجرد اللقاء ولا يريد الافصاح عنه في الهاتف, فلبيت الدعوة, لا سيما أنني لم أزره بعد الأزمة الصحية الخطيرة والعلاج الجراحي في مستشفى الجامعة الاميركية في باريس لإزالة ورم خبيث من رأسه.

عندما وصلت الى مطار القاهرة, وخرجت من الطائرة وجدته بانتظاري عند السلم, وإلى جانبه ضابط أمن ومرافق شخصي. أراد أن يعبر عن محبته لي بهذه الطريقة غير الضرورية. استقبلني بحرارة, وأخذني الى صالون الشرف, وأعطى جواز سفري للضابط لختمه, وأرسل مرافقه لاحضار حقيبتي, وجلسنا نشرب القهوة.

 قال لي: لقد حجزت لك غرفة في ((الانتركونتيننتال)), وسددت إيجارها سلفاً, ولكني لا أريد أن تنزل في الفندق, أريدك أن تنزل في البيت عندي, لكي نستثمر الوقت, وحرصاً على سلامتك, لأنك هذه المرة قادم بدعوة مني, فأنت ضيفي, وأنا مسؤول عن سلامتك حتى تعود, وبصراحة لن أكون مطمئناً عليك في الفندق. وأضاف: الاستخبارات المصرية لا أمان لها!

قلت له: يشرفني أن أنزل معك في البيت فأنا مشتاق لك جداً. ثم وضع لي ((قواعد)) للالتزام بها. أولها أنه رجاني ألا أخبر أحداً من أصدقائنا بأنني مقيم في بيته, لأن ذلك سيحرجه معهم, لأنه في العادة لا يستضيف أحداً في بيته. أما أنا فقال لي ((أنت لك مكانة خاصة عندنا, وعائلتي كلها داليا والاولاد يشاطرونني الشعور نفسه, ولا ننسى وقفتك معنا في بلغراد)). ثم طلب مني ألا أخرج من البيت الى المدينة أو للقاء أصدقاء وحيداً.  فالتزمت ولم أخرج إلا مرتين أو ثلاث مرات وحدي, بينما خرجت دائماً معه ومعنا مرافقة أمنية قوية. واقترح علي أن نذهب الى الغردقة للراحة , فقلت له أفضل البقاء في القاهرة للالتقاء بالاصدقاء.

 أقمت عنده في منزله بمصر الجديدة عشرة أيام, فكان لدينا فائض من الوقت لنتكلم في كل شيء, ونلتقي مع بعض الأصدقاء والشخصيات كالاستاذ محمد حسنين هيكل, والاستاذ محمد احسان عبدالقدوس, والصديق حمدين صباحي, وحسين عبدالغني, وأصدقاء عرب. وزرت وحيداً عدداً قليلاً من الأصدقاء: أمين اسكندر, د. ضياء رشوان, مصطفى بكري, ضياء داوود, عبدالحليم قنديل, ود. صفوت حاتم.

 كما التقيت لوحدي بالمرحوم أحمد بن بلة في شقته الخاصة في القاهرة مع زوجه العظيمة زهرة وابنته الكبرى ((بالتبني)) وكانت قد أصبحت شابة ناضجة ومثقفة. كان لقاء مميزاً جداً, ومفعماً بالحرارة. قالت لي ابنته: بابا وماما وأنا نعزك معزة خاصة, وقلت لها: وأنا أحبكم محبة لا حدود لها. واقترحت علي أن نعيد تحديث الحوار الذي أجريته معه ((المنشور منذ عام 1984 في مجلة ((الشراع)), ثم في كتاب بعنوان: ((حديث معرفي شامل)) قلت لها لا مانع عندي, والقرار هو لبابا, فوافق أيضاً وطلب التريث.

أما الموضوع الذي شغل الحيز الأكبر من أحاديثنا واوقاتنا فهو خطته الجريئة لمواجهة الرئيس حسني مبارك. إذ كان خالد على وشك اتخاذ قرار كبير بمستوى قراره إنشاء تنظيم ثورة مصر عام 1984. وقد ألح علي خالد لأزوره, وأعطيه رأيي بهذا القرار. وكانت خطة المواجهة مع حسني مبارك عبر الترشح للانتخابات الرئاسية, لقطع الطريق عليه, وعلى توريث ابنه جمال. ولاحظت أنه يجري اتصالات مكثفة مع أطراف كثيرة للتهيئة له, مصرية وعربية, كان يخطط للمواجهة ويريد أن يكون ترشحه ضربة قاصمة للنظام, تقلب المعادلة رأساً على عقب.

خطة التصدي لمبارك

في سياق التحضيرات لهذه العملية أخبرني بالانفتاح على جماعة الأخوان, وقد أقام وليمة كبيرة لقادتهم في منزله, ثم طلب مني أن أرافقه في زيارة للصحافي الاخواني محمد احسان عبدالقدوس, وفي أثناء الزيارة قدم خالد مبلغاً من المال تبرعاً لعائلات المعتقلين من الأخوان, واستأذن محمد عبد القدوس ضيفه بنشر خبر التبرع في الصحافة فوافق خالد, ونشر الخبر فعلاً, ولم ينشر أني كنت معه, وساهمت في التبرع بمبلغ بسيط أيضاً للهدف نفسه.

بالطبع شجعت خالد عبدالناصر على الترشح بوجه مبارك أو ابنه, وأيدته في خيار المواجهة العنيفة, وكان الخلاف الوحيد هو حول التوقيت, إذ كنت اريده أن يبدأ فوراً بحملة سياسية قوية ضد مبارك عنوانها رفض التوريث ورفض التجديد. لأن هذه الحملة من شأنها أن تجعله مرشح الشعب المصري ضد مبارك ونظامه  المهترىء, وتمنحه تأييداً واسعاً مصرياً وعربياً, خصوصاً أن النظام منع أيمن نور من الترشح ولفق له تهماً باطلة لأنه كان يخشى ظهور أي مرشح قوي, فما بالكم بترشح خالد جمال عبدالناصر..؟!

واستقر الرأي بعد مناقشات طويلة أن يبدأ خالد بحملة سياسية هادئة, وتوثيق علاقاته مع كافة التيارات والاتجاهات السياسية من اليمين الى اليسار, تحضيراً للترشح في انتخابات 2011 كمرشح إنقاذ وطني, لا كمرشح ناصري, وأن يكون الهدف تجديد روح ثورة 23 تموز/ يوليو, وإعادة مصر الى مكانها القيادي في العالم العربي.

هكذا كانت الخطة, لكن القدر أراد شيئاً آخر, فقد قامت ثورة 25  كانون الثاني/يناير 2011 في بداية عام الانتخابات الرئاسية والعامة وأسقطت مبارك في الشارع لا عبر صناديق الانتخاب, ثم مات خالد في ايلول/سبتمبر من العام نفسه.     

عندما ودعت خالد وعدت الى ستوكهولم لم أكن أدري أنها ستكون الزيارة الأخيرة للقاهرة, وآخر فرصة لي لوداعه, ووداع بطل آخر هو احمد بن بلة الذي توفاه الله عام 2012. رحل البطلان في فترة واحدة, رحمهما الله إذ ربطتني بهما علاقة حميمة جداً, قبل أن يرحلا رحلتهما الأخيرة, ولكن هذا هو ما حدث, رحمهما الله.

شكوك مشروعة

أريد أن أضيف أنني لست مطلعاً على مرض الوفاة الأخير لخالد, ولا أعلم من ظروفه وملابساته غير ما نشر في وسائل الاعلام, ولكنني أشعر أنه يجب الشك في سبب الوفاة وسبب إصابته بالكبد, ومبعث الشك هو أن العقيدة الاسرائيلية, وسلوك الموساد, يقومان على وجوب الانتقام من كل من يقتل اسرائيلياً عامداً متعمداً. ولا شك أن الموساد تعلم أن خالد مسؤول عن قتل رجالها في القاهرة, مثله مثل محمود نورالدين, ولكنها سكتت عن ذلك رسمياً, لأنها تدرك حراجة موقف شريكها النظام المصري, كما قدرته الولايات المتحدة إذا ما جرى توقيف خالد, ومحاكمته, وإدانته, وحبسه, وهو أمر قد يستفز الشارع المصري على نظام مبارك , فقبلت الدولتان ((الاخراج))  الذي أعده النظام لتفادي المأزق والحرج , وقبلتا تبرئته من التهمة. ولكن هذه التسوية لا تعني انهما صفحتا عنه, أو تنازلتا عن ((حقهما)) في الانتقام منه كما انتقمتا من محمود!

وبالقدر نفسه والدرجة لا أستبعد ان تكون اذرع الموساد قد نالت من محمود نورالدين وقتلته في سجنه.

 ونحن نعلم أن القتل بالسم أو بعقاقير طبية طريقة شائعة وممكنة لأجهزة الاستخبارات ومألوف. وهي في حالة محمود وخالد تحقق مصلحة مباشرة للطرفين المصري والاسرائيلي لدفن القضية الى الأبد, خصوصاً بعد أن قرر خالد في السنوات العشر الأخيرة من عمره تحدي حسني مبارك لإسقاطه من خلال الانتخابات, وإفشال خطة توريث الحكم لإبنه.

 يضاف لما سبق أن اختراق الموساد للأجهزة المصرية احتمال قائم, في ظل فساد الادارة المستشري, واهتراء مناعة الدولة المصرية ذاتها, وتآكل سيادتها منذ كامب ديفيد ونتيجة لها. وقد روى لي حمدين صباحي بعض مشاهداته العيانية حين اعتقل عام 1997 لعدة شهور, وكان الجاسوس الإسرائيلي عزام عزام يقضي عقوبته في السجن نفسه, وهي مشاهدات تصور إهتراء السيادة المصرية على أرضها وفي عقر حصونها الأمنية واختراق الإسرائيليين لها.

 قال لي حمدين: مع أنني مواطن مصري موقوف بتهمة سياسية وبلا عرض على القضاء كنت أعامل معاملة قاسية, وأحرم من الحاجيات الضرورية, وخصوصاً الدواء, بينما كان الجاسوس عزام يحظى بمعاملة ممتازة, واستثنائية جداً, مقارنة مع كل المساجين المصريين, تجعله كما لو أنه يقيم في فندق خمس نجوم.

 وأضاف حمدين: كان نزيلاً في غرفة كبيرة ومفروشة بشكل جيد ومجهزة بتلفزيون ومكتبة, ومسجل. وكانت زوجه تزوره في السجن, وتدخل الى غرفته فيختليان ساعات طويلة!

وقال: كانت سيارة ديبلوماسية تابعة للسفارة الإسرائيلية تحمل الى عزام كل يوم أو يومين كمية كبيرة من المواد الغذائية والمشروبات الروحية, والملابس الجديدة, والحاجيات الكمالية التي لا يحلم بها سجين مصري!

وذكر أن إدارة السجن كانت تعامل الجاسوس العدو معاملة خاصة وتلبي له كل مطالبه ورغباته, وتسمح له بالاتصال هاتفياً بكل من يشاء في اسرائيل والعالم!

 

في الحلقة المقبلة:

خالد عبدالناصر: عندما قامت ثورة سورية

 قلت يستاهلوا.. هم أصل البلاء في التوريث

 

الوسوم