بيروت | Clouds 28.7 c

العدالة الدولية: بشار في السجن.. والأدلة متوفرة / بقلم محمد خليفة

 

 *اوروبا تلاحق المجرمين بموجب ((الولاية القضائية العالمية))

*((قانون سيزر)) الأميركي لا سابق له في التاريخ

*منظمات غربية حكومية ومستقلة عملت في سرية تامة منذ 2011 على توثيق الجرائم في سورية بانتظار ساعة القصاص, وتقدم ملفاتها للمحاكم حالياً   

*ملفات الجرائم الكيماوية تتضمن أدلة على استعمال النظام لها 336 مرة, والروس متورطون بقوة .

*أهم الأدلة على مسؤولية بشار الأسد: وثيقة تحمل توقيعه على قائمة بإعدام آلاف الضحايا في سجن صيدنايا

 

 

قلت لأنور البني: أصبحت الملاحقة القضائية لمرتكبي الجرائم ضد الانسانية في سورية جبهتنا الأخيرة مع النظام الهمجي.

 فرد مصححاً: بل هي الجبهة الأولى!

تبادلت هذه العبارات السريعة الأسبوع الماضي مع الناشط السوري البارز ((مدير المركز السوري للدراسات والابحاث القانونية)) أثناء زيارة عمل قام بها الى ستوكهولم مع حقوقيين سوريين والمان, بالتعاون مع محامين وحقوقيين سويديين, هدفها الرئيسي إقناع السلطة القضائية السويدية بمواكبة الدول التي طبقت مبدأ ((الولاية القضائية العالمية)), وهو مبدأ يسمح للقضاء في أي دولة بملاحقة مرتكبي ((الجرائم ضد الانسانية)) لأنها بحسب المفهوم الدولي المعاصر موجهة للانسانية جمعاء, وتتخطى الاختصاص الوطني للقانون.

 ولمزيد من الايضاح نشير الى أن الجرائم ضد الانسانية أشد أنواع الانتهاكات, وغالباً ما ترتكبها منظمات وجيوش وأجهزة, لا أفراد أو عصابات, تنفيذاً لمخططات واستراتيجيات عقائدية, بغرض الإبادة, أو التطهير العرقي والديني, أو الاحتلال, تستعمل فيها أسلحة محرمة.

 ومن المعروف أن أجهزة نظام الاسد, الاستخبارات, والجيش والشبيحة, وقوات حلفائه كافة, مارست هذه الانتهاكات وغيرها بشكل ممنهج كجرائم الحرب, والتعذيب, والاعدامات خارج القضاء , واستعملت الأسلحة المحرمة بشكل وثقته منظمات دولية وسورية محترفة, مثل الامم المتحدة, ومنظمة حظر الأسلحة الكيماوية, وأمنستي, وهيومان رايتس ووتش, و((معهد السياسة العالمية العامة)).

 ورغم جسامة هذه الانتهاكات, فقد نجا أركان النظام الوالغون في دماء مواطنيهم من المحاسبة, بفضل دور محامي الشيطان الذي تولته روسيا في مجلس الأمن. ولكن هذه رغم غزوها وتمكن آلتها العسكرية الجبارة من القضاء على ((جبهة الصراع الحربي)), وتمكنها من تحجيم ((جبهة الصراع السياسية)) بإضعاف المعارضة السياسية, تواجه الآن جبهة جديدة تدخل الصراع بزخم دولي, هي ((جبهة الصراع القضائي والحقوقي)) تحت سقف ((الولاية العالمية الشاملة)).

حقوقيون سوريون لاجئون في أوروبا تحركوا في الأعوام الأخيرة بجهود وإمكانات فردية شحيحة متسلحين بالإرادة والإيمان بالعدالة, لاقناع الدول التي يعيشون فيها بمحاكمة مرتكبي جرائم الحرب وضد الانسانية, خصوصاً أن عدداً منهم وصلوا اوروبا مع اللاجئين فأصبحوا ((صيداً ثميناً)) حسب وصف نائبة رئيس ((لجنة العدالة والمساءلة الدولية)) نيرما يلا ستيش, وبات ممكناً توقيفهم والتحقيق معهم والحصول على معلومات واعترافات فائقة الأهمية, ثم محاكمتهم, وهذا ما جرى.

أوروبا تحاسب مجرمي سورية

في الخريف الماضي أصدر المدعي العام الاتحادي الألماني، بيتر فرانك مذكرتي توقيف دوليتين, بحق رئيس جهاز الاستخبارات الجوية اللواء جميل حسن, ورئيس مكتب الأمن القومي اللواء علي المملوك،  بتهم عديدة, ومنها ارتكاب جرائم ضد الإنسانية, بموجب مبدأ الولاية العالمية الذي تبنته المانيا عام 2002, وكان المحامون السوريون هم من جهزوا ملف الدعوى ووفروا الأدلة, وأهمها صور هربها العسكري المنشق المعروف بإسم ((سيزر)) لضحايا التعذيب، وشهادات الناجين من التعذيب في الاستخبارات الجوية. ورحب المدعي العام الالماني بالملف. وكشفت مجلة ((دير شبيغل)) إلى أنه يحقق أيضاً في انتهاكات منسوبة لـ24  من أركان النظام.

وفي ت1/ اكتوبر 2018 أصدرت فرنسا ثلاث مذكرات توقيف دولية بحق مملوك وحسن, واللواء عبد السلام محمود من الاستخبارات الجوية, في قضية تتعلق بمقتل فرنسيين- سوريين ((عدنان ومازن الدباغ)) اتهمتهم بالتواطؤ في أعمال تعذيب وجرائم ضد الانسانية, وجرائم حرب, غير أن الخطوة لم تتم بموجب ((الولاية العالمية)) بل الولاية الوطنية لأن المغدورين مواطنان فرنسيان. وتبذل جهود لاقناع القضاء الفرنسي لتوسيع ولايته الى بقية الجرائم.

وتتابعت الخطوات على الطريق نفسه, فأوقف القضاء الالماني قبل أسابيع العقيد أنور رسلان وضابط الصف إياد غريب المنشقين عن جهاز أمن الدولة عام 2012 وأسند لهما تهمة التعذيب والقتل والنهب والتهجير.

والاسبوع الماضي وصل ستوكهولم الحقوقيان أنور البني, ومدير ((المركز السوري للاعلام وحرية التعبير)) مازن درويش, ومعهما الحقوقي الالماني باتريك كروكر من المركز الاوروبي للحقوق الانسانية وحقوق الانسان (ECCHR) وبمساعدة الحقوقي السويدي جون ستافر مدير مركز (المدافعون عن الحقوق المدنية)), وبعد مباحثات مع المدعية العامة تسلمت ملفات دعاوى, مبنية على شهادات لتسعة سوريين اعتقلوا وتعرضوا للتعذيب أدلوا بمعلومات عن الضباط الممارسين للتعذيب, وتم تسجيل الدعوى, وينتظر أن تصدر مذكرات توقيف بحق عدد من المسؤولين.

 وفي النمسا والنرويج يجري اعداد ملفات دعاوى مشابهة.  

والجدير بالذكر أن بعض هذه الدول, وخصوصاً السويد حاكمت في الأعوام الأخيرة بعض المجرمين السوريين اللاجئين فيها, من كل الأطراف, بموجب الولاية العالمية, وبعضهم يقضي الآن عقوبته في سجونها.       

 وتجدر الإشارة الى أن منظمات وجهات من دول عديدة, وبعضها حكومية, عملت سراً منذ بداية الثورة السورية على توثيق الجرائم والانتهاكات الفردية والجماعية . وعلى سبيل الذكر ((لجنة العدالة والمساءلة الدولية)) التي وثقت ملفات وشهادات مئات الضحايا بجهد مشترك أوروبي - أميركي, تكلفت عشرات ملايين الدولارات بانتظار ساعة تطبيق العدالة على أبطال الجرائم والمجازر الكبار, وعلى رأسهم بشار الاسد الذي تؤكد المصادر التي سألناها توفر الأدلة والاثباتات على مسؤوليته عن اعدام آلاف الأبرياء, لا سيما في سجن صيدنايا الذي وصفته أمنستي ((المسلخ البشري)). وقال لنا مصدر أوروبي ((نحن على يقين أن بشار وزمرته لن يفلتوا من العقاب بل سينتهون وراء القضبان))!

هكذا يحتدم حالياً الصراع على جبهة العدالة, ولن تستطيع روسيا وايران حماية رأس الأسد, بل إن الجنود المجهولين الذين قلنا إنهم يناضلون على هذه الجبهة في سرية تامة يجمعون الادلة والاثباتات على دور المسؤولين الروس في اقتراف ((الجرائم ضد الانسانية)) لملاحقتهم. وفي هذا السياق يمكننا الاشارة الى التحقيق الذي أنجزه ((معهد السياسة الدولية العامة)) والذي أشارت صحيفة ((الواشنطن بوست)) له في 19 شباط/ فبراير الجاري عن استعمال النظام للأسلحة الكيماوية 336 مرة بين غاز الأعصاب وقنابل الكلور, ووجود كميات منهما حتى الآن في حيازة ((قوات النمر)) بقيادة العقيد سهيل الحسن المدعوم من الروس. وهو مؤشر على التحرك في هذا الاتجاه.

لا بد من الاشارة أيضاً الى ((قانون سيزر)) الذي أصدره الكونغرس الاميركي في يناير الماضي لمحاسبة مرتكبي جرائم الحرب, وضد الانسانية, والابادة  وهو ((أول قانون من نوعه في التاريخ)) حسب وصف الخبراء, لأنه يتعهد بملاحقة كل الكيانات ((دولاً ومنظمات وشخصيات)) المتورطة في انتهاكات سورية, أو ساعدت عليها, أو تواطأت مع أطرافها. ولكن القانون الاميركي سياسي لا قضائي لأن ((الادارة)) تملك صلاحية تطبيقه أو عدم تطبيقه, حسب الرغبة, والمصلحة, ولا يمكن تحويله قانوناً تعمل به المحاكم الاميركية, كما يجري في اوروبا, إلا أنه يضيف الى قانون ((الولاية العالمية)) سلاحاً جديداً ضد الدول والمنظمات التي اشتركت في التنكيل بالشعب السوري.

وتتزايد المبادرات على هذه الجبهة، إذ يتحرك نواب في البرلمان البريطاني لسحب الجنسية الانكليزية من أسماء الأسد لأنها تدافع عن سياسة بعلها, ويتوقع حسب المصادر التي التقيناها أن تطبيق الولاية العالمية, لن يقتصر على الدول الأربع, كما أن التقدم على هذا المسار أحيا آمال الضحايا السوريين بالعدالة , وشجع كثيرين منهم على تقديم شكاوى والأدلاء بمعلوماتهم  مما يعزز التحول نحو تطبيق العدالة الدولية.

 ويؤكد الحقوقيون أن أولى نتائج هذه التحركات أن كبار المسؤولين السوريين اصبحوا مطلوبين للعدالة, ولن يستطيعوا أداء أي دور سياسي أو إداري بعد اليوم, وسيضطر النظام للتخلص منهم واحداً بعد آخر, كما فعل مع غيرهم!   

 

 

بشار الأسد وقع على قوائم اعدام آلاف الضحايا في سجن صيدنايا

أسماء الأخرس: بريطانيا تسحب منها الجنسية!

جميل حسن: مطلوب المانياًً

علي المملوك: ومطلوب لبنانياً

صورة من وثائق سيزر ((تعذيب حتى الموت 11 ألف مخطوف))

من ندوة الحقوقيين السوريين والاوروبيين في السويد عن جرائم النظام السوري

جون ستافر، أنور البني، باتريك كروكر ومازن درويش

 

الوسوم