بيروت | Clouds 28.7 c

 أم على قلوب أقفالها ؟! ألغاز ((داعش)) و((النصرة)) لا يحلها غير السوريين! / بقلم : محمد خليفة

منذ ثماني سنوات على الأقل, يلاحظ المسافر في الحافلات العامة التركية بين مدينة غازي عينتاب ومدن أقصى الجنوب والشرق التركيين, الريحانية وانطاكية, وأورفا, كثافة حواجز التفتيش الأمنية, عسكرية, واستخباراتية, وشرطية, وعندما تسأل عن السبب يقال لك: البحث عن الارعابيين, أو منع وصول المتطرفين الى سورية,.. وغير ذلك من إجابات مشابهة.

ويروي لي صديق عربي سافر عام 2013 من أحد مطارات أوروبا الرئيسية الى أحد مطارات جنوب تركيا: بعد جلوسي في مقعدي بالطائرة ساورني شك بأني صعدت طائرة أخرى, فتسعون بالمائة من الركاب ملتحون, وعلى رؤوسهم قبعات, ويرتدون دشاديش عربية, أو سراويل أفغانية وباكستانية, فهل هؤلاء ذاهبون للسياحة والسباحة؟ أم للقتال في صفوف ((داعش)) و((النصرة)) في سورية..؟ وكيف يعبر هؤلاء الحدود ويدخلون ويخرجون عبر الدول بأمان..؟

ولماذا لم نسمع عن اعتقال بعضهم للاشتباه بهم, أو إعادة بعضهم الى بلدانهم..؟

هذه الأسئلة التي يطرحها الاعلاميون والمحللون السياسيون والمراقبون منذ سنوات عديدة لم تفقد مبرراتها, وما زالوا يطرحونها بين الحين والآخر.

في الماضي كانت الملاحظة أن حركة هؤلاء السياح المزيفين تتم من الغرب الى تركيا, ومنها الى سورية والعراق, أما الآن فالحركة تتم في الاتجاه المعاكس بعد أن أنهوا مهامهم القتالية!

((المرصد السوري لحقوق الانسان)) قدم قبل أيام أكثر من تقرير بالغ الاهمية ترصد وتوثق هروب مئات ((الدواعش)) من سورية الى تركيا, ومنها الى أوروبا. وتذهب التقارير الى أن تصفية آخر جيوب ((داعش)) في ريف دير الزور تتم بهدوء وصمت, حيث يخرج عشرات الوف السكان بحجة الهرب من ((داعش)), بينما هم في حقيقة الأمر موجات بشرية يدفعها بشكل منظم التنظيم نفسه ويتسلل بينهم مئات المقاتلين ((الدواعش)) للهروب. ويتهم المرصد المعروف بموثوقيته ودقة معلوماته ((المخرج الأميركي)) بتنظيم عملية انسحاب وانتقال ((الدواعش)) بطريقة محكمة.

 ويؤكد المرصد ضلوع ثلاث جهات أخرى في تسهيل هروب ومرور هؤلاء المقاتلين المتطرفين عبر الدول:

-مقاتلو قسد الكرد الذين يعتقلون حوالى 800 ((داعشي)), مع عائلاتهم في شرق وشمال سورية, ويريدون تسليمهم لدولهم مقابل أثمان مالية وسياسية.

-موظفون وعاملون فاسدون في منظمات إغاثة عالمية تنشط في المناطق الشرقية من سورية بحجة تقديم المساعدات الانسانية للمهجرين والنازحين.

-مسؤولون في أجهزة الشرطة والاستخبارات التركية يسهلون حركة هؤلاء ذهاباً وإياباً.

والمعروف الآن أن هناك ((قضية)) حقوقية وأمنية وإنسانية مطروحة على طاولات المراجع العليا في الدول الأوروبية التي صدرت آلاف المتطوعين من رعاياها الى ساحات الجهاد في سورية, وترفض اليوم إعادتهم رسمياً, وتمنع حتى عائلاتهم وأطفالهم, ولكنها في الوقت نفسه كما يؤكد رامي عبدالرحمان مدير المرصد السوري تغض النظر عن تسلل كثيرين من هؤلاء ((الدواعش)) الخطرين الى اوروبا. ويؤكد عبدالرحمان أن هؤلاء يدفعون رشى تصل الى مائة ألف دولار مقابل تهريب الواحد منهم, وهذا مبلغ كبير جداً بالنسبة لأي شخص, فمن أين حصل هؤلاء الجهاديون على هذه المبالغ..؟

وإذا كان الفساد والحاجة والطمع يفسر ويبرر تورط مقاتلين من ((قسد)) أو عاملين في المنظمات الاغاثية في تهريب المقاتلين ((الدواعش)), فهل تصلح أو تكفي لتبرير تورط رجال شرطة واستخبارات أتراك كبار في هذا العالم المافياوي الخطير..؟

وهل القصة هنا مجرد فساد ومافيات أم هي أكبر من ذلك وتدخل في نطاق العمليات الاستخبارية الكبرى, وهناك شواهد متراكمة على ذلك..؟  

 كافة هذه المعطيات تلتقي في نقطة مفصلية أخيرة: ما هي الحقيقة الغائبة..؟

 هكذا تتجدد الاسئلة الكثيرة بلا اجابات شافية وتتوالد عن ماهية ((داعش)), وطبيعته التنظيمية.

 هل هو تنظيم ارعابي مستقل ومتماسك, له فلسفته واستراتيجيته لإحياء دولة الخلافة الاسلامية كما يزعم رجاله..؟

 أم هو تنظيم مرتبط بدول وقوى عالمية تستغله لأغراض وأهداف متعددة ومختلفة؟

ومن الذي يحركه ويقوده؟ هل هو المخرج الأميركي كما سماه رامي عبدالرحمان..؟

وما هي العلاقة بين عمليات تهريب وتصفية بقايا ((داعش)) من شرق سورية عبر الشمال ثم تركيا, وبين انسحاب القوات الأميركية من شرق وشمال سورية في الوقت نفسه تنفيذاً لقرار الرئيس ترامب؟

وما هي العلاقة بين تفكيك ((النصرة)) في إدلب التي تتولاها تركيا, وبين تفكيك ((داعش)) في دير الزور..؟

هل هي خطط متعددة الأدوار لتصفية بؤر الحرب في سورية..؟

 وكيف استطاع آلاف من عناصره الوصول من اوروبا وآسيا الى سورية والعراق, ثم العودة الى بلدانهم عبر المطارات واجتياز حدود الدول, وكثير منهم مكشوف ومعروف للانتربول والشرطة والاستخبارات؟

الأسئلة ما زالت تحير الباحثين عن فهم الحقيقة المتوارية خلف الغموض المصطنع مع استمرار تحركات أعضاء التنظيم عبر الدول والقارات, والوصول الى مناطق يتعذر الوصول اليها ثم الخروج منها إلا بواسطة مراكب فضائية والهبوط فيها بواسطة (البراشوتات)), ومساعدة دول, كما سبق أن وصلوا الى سيناء وكذلك مناطق تمتد بين جنوب ووسط وشمال ليبيا..؟ وكيف يتبخر هؤلاء الأشباح من مناطق محاصرة بجيوش دول عظمى قوات التحالف الدولي..؟

الحقيقة الكاملة مؤجلة, وربما مستحيلة, ولكن لا بد من القول أن من يستطيع فك ألغاز وأحاجي وطلاسم ((داعش)) و((النصرة)) يستطيع فك ألغاز الأزمة السورية, وأدوار الدول الفاعلة فيها كافة, من ايران الى اميركا, ومن اوروبا الى الدول العربية, ومن اسرائيل الى تركيا.

الشعب السوري الذي عانى ويلات الحرب والصراع على أرضه هو الأقدر على فهم ألغاز ((داعش)) و((القاعدة)) و((النصرة)) وشقيقاتها المتطرفة, دون نسيان ما اقترفته منظمات الحشد الايرانية ومرتزقة باكستان وأفغانستان, وهؤلاء السوريون اليوم مقتنعون أن هذه المنظمات شبكات دولية منظمة تعمل لصالح الدول الكبرى والاقليمية, والكل ضالع فيها ومتورط في إرتكاب أقذر حمامات الدم في العالم على حساب السوريين.

 

الوسوم