بيروت | Clouds 28.7 c

من هنا نبدأ - الخميني يفتقد جمال عبدالناصر / بقلم: حسن صبرا

كانت ثورة الامام الخميني في ايران (خريف 1978 – شتاء 1979) تفتقد وجود جمال عبدالناصر في مصر كي يتم الإفادة الكاملة من تأثيراتها الهائلة والانتقال من حالة الاستنفار العربي – الايراني – وصولاً الى الحروب المتنقلة بين الأطراف مباشرة او بالواسطة الى تشكيل الجبهة الحضارية – الثقافية – الاقتصادية- العسكرية – الجماهيرية.. الأخطر والأهم في تاريخ العلاقات بين العرب وإيران، وتحديداً الفرس الذين استقبلوا الاسلام وبات الأساس في توجهاتهم وسلوكياتهم ومعتقداتهم..

وكان تحدي الصهيونية العالمية والسياسة الاميركية الحامية لها في كل الحقول.. هو المقياس الأهم في توجه أي عربي، شاباً او هرماً، سياسياً او عاملاً، حزبياً او مستقلاً، من المغرب الى البحرين..

هذا التحدي هو الذي دفعنا لأن نقول للامام الخميني في شهر ت1/ اكتوبر 1978 لدى استقباله لنا لأول مرة بحضور حفيده السيد حسين مصطفى الخميني:

ان ما يدفعنا لتأييدك والسير معك هو انك تخوض الآن المعارك نفسها التي خاضها جمال عبدالناصر ضد اسرائيل والاستعمار والرجعيا ت في المنطقة..

هذه القوى هزمت جمال عبدالناصر.. ونأمل ان تنتصر أنت فيها.

فهل كان هو المسار الذي سرنا فيه هو نفسه مسار الثورة الايرانية:

نظرياً.. نعم فما زالت أميركا وإسرائيل والرجعيات هي عدوة الجمهورية الاسلامية، وما زالت هذه القوى هي عدوتنا.. وبعضها يحكمنا.

عندما زرنا ايران كوفد ناصري بعد 3 أسابيع من انهيار حكم الشاه ونجاح الثورة الشعبية بقيادة الامام الخميني ضده – قابلنا امام جامع طهران آية الله السيد محمود طالقاني وقدمنا له أنفسنا كناصريين وأهديناه ملصقاً عن لقاء حتمي بين العروبة والاسلام، فقال لنا انه كان يستمع الى خطابات جمال عبدالناصر عبر راديو ((ترانزستور)) مهرب الى سجن ((ايفين)) شمالي طهران.. وكان بقية السجناء السياسيين ومنهم رئيس حركة تحرير ايران مهدي بازركان يتداولون الراديو بينهم ليتمكنوا من الاستماع الى ما كان يقوله عبدالناصر.

الامام الطالقاني الراحل قال لنا انه بكى عندما أعلن جمال عبدالناصر قطع علاقاته مع ايران بسبب اعتراف الشاه محمد رضا بهلوي بإسرائيل، وقال انه بدل ان تكون مصر وإيران جبهة واحدة ضد اسرائيل ها هي ايران تصبح حليفة لإسرائيل (فيما بعد صار النظام المصري صديقاً لاسرائيل وما زال على خلاف مع ايران).

الطالقاني سخر من الحلف الاسلامي الذي كان يقوده شاه ايران والملك السعودي فيصل تحت الراية الاميركية ضد جمال عبدالناصر ((كان كميل شمعون الماروني في لبنان (1952 – 1985) وكان خارج السلطة جزءاً من هذا الحلف)).

أعادنا كلام الامام الطالقاني الى تلك المرحلة التي نظم فيها الامام الخميني ثورته الأولى في 15 خرداد/حزيران – يونيو 1963.. فشلت تلك الثورة، واتهم شاه ايران جمال عبدالناصر بأنه كان يمولها ضده، وتم اعتقال الامام الخميني وحكم عليه الشاه بالاعدام، ولم ينقذه سوى تغطية الحوزة العلمية في قم وكبار المراجع بأن الخميني يملك شروط المرجعية، وبالتالي يمنع اعدام المرجع فتم نفيه الى تركيا ومنها نزل الى العراق حيث استقر في النجف (1964 .. الى حين نفاه صدام حسين عام 1978 فجاء الى فرنسا (نوفل لوشاتو) الى ان عاد فجر 1- 2 – 1979 لتنتصر الثورة يوم 10 – 2 – 1979.

كان رهاننا كناصريين على ان تلتقي ايران ومصر لإعادة التاريخ الى مساره الصحيح بحتمية اللقاء بين الدولتين الأكبر في المنطقة وكنا نجد تأييداً بل وسعياً من جانب صديقنا الشيخ محمد منتظري (رحمه الله) لتجسيد هذه القناعة، وكان يردد لنا ان الامام يؤيد هذا التوجه وانه يعتبر مصر رائدة لأي عمل وحدوي اسلامي بوجود الأزهر قلعة في داخلها.

قال لنا الشيخ محمد (ابن خليفة الامام الشيخ حسين علي منتظري المعزول) وكنا على مائدة عشاء في فندق ((انتركونتيننتال في طهران في آذار / مارس 1979: ان الانكليز سلموا عدن لليساريين (الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن) حتى لا يتسلمها الناصريون اليمنيون ولو انتصر الناصريون الذين كانوا يشكلون نحو 80% من قوى التحرير لوحدوا اليمن لكن بريطانيا كانت تمنع أي وحدة بين أي بلدين عربيين.

كان الاندفاع الشعبي العربي لمؤازرة ثورة ضد شاه ايران صديق اميركا وإسرائيل والفرح بها عارماً وما كان الحكام العرب إلا معادين لها، وهم بين تابع لأميركا او طامح للعلاقة معها.

والغريب ان أميركا نفسها تخلت عن الشاه بعد أن أدركت ألا امكانية لبقائه في ظل الثورة الشعبية الشاملة ضده في بلده، بينما كان كثيرون من الحكام العرب الذين كان يهددهم الشاه ملتاعين من ضعفه وانهيار حكمه مستمعاً الى نصيحة اميركية بمغادرة ايران.

غادر محمد رضا بهلوي تاركاً وهماً في نفوس كثيرين بأنه عائد الى السلطة كما أعاده انقلاب أردشير زاهدي عام 1953 بعد قرارات د. محمد مصدق بتأميم النفط.
لكن الشاه الذي كان شرطياً أميركياً – ايرانياً في منطقة الخليج العربي، وجد رفضاً اميركياً لا انسانياً لاستمراره في اميركا ولو كان للعلاج، وما وجد سوى أنور السادات لاستقباله.. وعلاجه حتى فارق الحياة ودفن في صحن مسجد الرفاعي في مصر القديمة.

غير ان هذه لم تكن سوى قمة رأس جبل الجليد من التناقضات بين ايران الجديدة بقيادة الخميني وبين المواقف العربية الأكثر حدة بغياب جمال عبدالناصر.

اذ وبدلاً من ان نتكاتف مع ايران لمجابهة اميركا – اسرائيل دفعتنا أميركا الى الحروب بين ايران وبين العرب.. فكانت الحرب العراقية – الايرانية (1980 – 1988) وكانت خطيئة الاجتياح العراقي للكويت وتداعياتها الأخطر وهي إسقاط العراق كله.. لتنفجر كل الصراعات الكامنة منذ ما قبل الاسلام بين العرب وايران، وان يتحول العراق من ساحة لقاء الى ساحة وغى بين القوميتين.

ومن أجل الامانة والموضوعية نحن نحدد نقاط الافتراق الاستراتيجية التي طبعت بصماتها بقوة فوق نسيج العلاقات بين العرب وايران:

  1. 1-بداية كانت ايران وما زالت تحتكم الى مرجعية واحدة داخلية لها الضبط والربط.. بينما ما زال العرب في أنظمة مستعدة في أي لحظة لمحاربة بعضها، ومحاصرة هذه لتلك وإضرار هذه بمصالح الأخرى.. عادوا الى ما قبل قول الله انا خلقناكم شعوباً وقبائل.. وما تعارفوا.. وهذا يعني ان العرب تعاملوا مع ايران بالمفرق بينما هي تعاملت معهم بالجملة.
  2. 2-كان الخصم الأكبر لايران الاسلامية هو نظام أنور السادات في مصر.. وهل هي مصادفة ان تنتصر الثورة في ايران في 10-2- 1979، وهي أقفلت سفارة اسرائيل في طهران ورفعت فوقها علم فلسطين ولم يمض سوى 44 يوماً حتى وقّع أنور السادات اتفاقية كامب ديفيد التي أخرجت مصر من الصراع العربي – الصهيوني في 26 /3/ 1979.
  3. 3-كان مسعى الامام الخميني لنصرة المستضعفين في العالم وفق ما ورد في الدستور الايراني هو الغطاء العقائدي للحرب العراقية – الايرانية (1980 – 1988) فضلاً عن التحريض على الثورة الدينية ضد نظام صدام حسين (الكافر) وفق التحريض الايراني.. وقد ترافق ذلك مع اعلان الامام تشكيل جيش من 20 مليون مسلم لتحرير القدس وكان هذا يعني حتماً المرور بالعراق للوصول الى فلسطين عبر سورية وقد اندفع حاكمها حافظ الأسد لتأييد ايران الجديدة ضد شقيقه العربي في العراق توأمه في حزب البعث العربي الاشتراكي. حفرت هذه الحرب الطويلة عميقاً في أرض الكراهية بين ايران والعرب.. وما زالت.

وكانت هناك مفارقات مثيرة للجدل في المواقف الايرانية بعد الثورة ومنها:

أ-الاعتقاد بالاسلام يلغي الشعور بتقدمية العروبة وسعيها لتجسيد الوحدة. وكانت حرب الايمان الاسلامي ضد العروبة ضد المنطق الوحدوي الاسلامي، من هنا لم يكن مفهوماً أبداً اعتبار المرّوج والمحرض والمفكر الارعابي الأول سيد قطب شهيداً عند الايرانيين، وهو ضد العروبة وما زال تلامذته يردفون كل الجماعات الارعابية بكره شديد للعروبة وإيران معاً.

وكان أمراً غريباً أن تؤيد ايران الاسلامية جماعات ((البوليساريو)) الشيوعية في المغرب ضد وحدة الأراضي المغربية نكاية بالملك الحسن الثاني (وكان صديقاً لشاه ايران) وهذا على حساب الوحدة العربية والاسلامية.

كان أول صدام فكري – سياسي مع الثورة حصل خلال نقاش مع رئيس المكتب السياسي لحزب جمهوري اسلامي في ايران د. حسن آيت (رحمه الله) بحضور المرشح الأبرز سابقاً للرئاسة في ايران جلال الدين الفارسي بسبب وجود وفد من ((البوليساريو)) في ايران والاحتفاء به رسمياً وعقائدياً (رغم ماركسيته).

ب- مع تفهمنا لمحاولة ايران الحضور في الجسد العربي عبر قناتين:

1-دينية هي الاخوان المسلمين.

2- وسنية عبر هذه الجماعة وصولاً الى فلسطين عبر حماس كما عبر الجهاد الاسلامي.
إلا ان ايران تخطىء بهذا وتستثير مشاعر عربية عميقة ضد هذه الجماعة الارعابية التي لم تترك أي اثر ايجابي في أي بلد عربي انتشرت فيه بل وحكمته كما حصل في مصر لسنة واحدة (2012 – 2013).

هنا تضع ايران نفسها في مواجهة المشاعر الشعبية العربية شبه الشاملة في كراهية الاخوان الذين تحالفهم.

نعم انها السياسة والتكتيك والمصالح الآنية والنكايات السياسية.. لكن ايران تخسر في هذه الحالة في أمرين:

1-أمر كراهية الشعوب العربية للاخوان بما قد ينعكس عليها.

2-أمر استخدام اميركا للاخوان في كل مكان.. وهل هذا من مصلحة ايران؟

اختراق ايران الشيعية للجسد العربي السني عبر الاخوان يصيبها بالعدوى ولن تجد علاجاً من خلاله.

صحيح ان ايران تتحدث عن الوحدة الاسلامية لكن دستورها يكرس شيعيتها ومحاولة التعويض بدعم جماعات اسلامية سنية لم تحدث فرقاً بل انها جعلت هذه الجماعات السنية مكروهة في أوساطها الشعبية.

العرب الآن في أسوأ مراحل سياساتهم وربما وجودهم.. وايران في حالة حصار حقيقي يشارك فيه بعض العرب والأسوأ في الأمر الاعتقاد بأن ايران يجب ان تتقدم على حساب العرب الذين يعادونها.. لأنهم الآن في أسوأ حالاتهم.. والنتيجة ان الضعف أصاب الاثنين العرب وإيران فهل هناك وعي عند الاثنين للالتفات الى ما يحقق مصالحهما او يخفف الخسائر.

لو كان جمال عبدالناصر موجوداً لما وقعت الحرب العراقية – الايرانية وما كان صدام اجتاح الكويت، وقبلها ما كانت اندلعت حرب لبنان، وما كان تجرأ حافظ الأسد على الاقتراب منه..

كم كان الخميني ليفتقد جمال عبدالناصر.. ونحن كذلك.

حسن صبرا

 

الوسوم