بيروت | Clouds 28.7 c

عابد فهد: براعة متعددة الوجوه 

في دور تاجر اللحوم في مسلسل طريق*تبدو شخصية تاجر اللحوم السوري جابر سلطان  التي يؤديها الفنان عابد فهد في مسلسل ((طريق)) من نموذج ((السهل- الممتنع)).. فأداء شخصية الرجل الأمي، صاحب النكتة واللسان اللاذع، العفوي بتلقائية طفل والمخاتل بعقلية تاجر، خريج مدرسة الحياة الزاهد بالتعليم، والمكتفي منه بما يجعله ((يفك الخط)) ويتهجى التكنولوجيا…يتطلب الكثير من الصدق الفني والإيمان بمواقفها والإخلاص لها، بما يمنحها أصالة وجودها، ويثريها من دون مبالغة تجعلها مصطنعة. 

فك رموز شخصية جابر سلطان على هذا النحو، وفهم تفاصيلها والقبض على جوهرها، لم يكن بطبيعة الحال عملية بناء ذهني مجردة يقوم بها مؤدي الشخصية وحسب، وإنما كان عليه أن يبني الشخصية ابتداء من تشريح الورق، ويبث الروح فيها لاحقاً من مصادرها الواقعية عبر مجموعة من الأفعال والتكيفات التلقائية في الكلام والسلوك والتصرف والشعور واستجاباتها العاطفية، وتركيب كل هذه الأشياء في شخصية واحدة، تجعل من جابر سلطان شخصية فريدة رغم صفاتها التقليدية. 

عملياً لا تبدو كل ملامح شخصية جابر اكتشافاً خاصاً وصوراً مبتكرة من خيال الفنان عابد فهد، وإنما هي أشبه بلغة مألوفة يستمدها الرجل من المصادر الواقعية لشخصية ((جابر)). ولكن العامل الحاسم في تجسيد هذا الدور، ولا سيما في انقلاب الشخصية من التراجيدي الى الكوميدي، تولد من خبرة عابد فهد وذكائه في ادارة دوره، وسيطرته على كل ما يتعلق بملكاته من جسد وصوت وخيال ومشاعر وأحاسيس.. وتسخيرها في مقترحات حركية وصامتة ولغة جسد وأساليب سلوكية وصوتية تثري الشخصية. 

هكذا نتتبع تلقائية ((جابر)) وهي تنتقل عبر شفاه عابد فهد وعلى وجهه وفي حركاته وفي الإيحاءات الدرامية الخالصة، التي يهبط بها أحياناً إلى مستوى السخرية، لنتذكر معاً كيف تتحرك يد ((جابر)) بهدوء تتهجى حروف اسمه وهو يقوم بالتوقيع، وكيف ينقلب تردد يده في كتابة الاسم إلى ثقة مبالغ بها وهو يبصم بإبهامه فوق توقيعه. وكم يبدو فرح الرجل صبياناً في لحظة يجد نفسه فيها على حافة الحب مع ((أميرة))، حين تتقاطع مصائرهما ويتبادلا تقديم الخدمات، وصولاً إلى تبادل العبارات والتمنيات ذاتها عن صحة أخيه وأختها..  فلقاءاتهما المتكررة. 

وإلى جانب الأمثلة السابقة عن تكيفات التصرف والشعور التي يبديها عابد فهد في أداء شخصية ((جابر))، يحقق الرجل مجموعة من التكيفات المتعلقة بطريقة الكلام والسلوك، ومنها نبرة صوته وطريقة تحدثه السريعة التي تتداخل فيها الحروف على نحو تبدو غير مفهومة أحياناً، إلى الحد الذي بدا فيه كما لو أنه يستنسخ شخصية الفنان جورج وسوف، وهو يستلهم بساطة وعفوية وطريقة كلام هذا الأخير، وبعضاً من حركاته في بناء شخصية ((جابر)). 

وإلى جانب طريقة الكلام، يتميز ((جابر)) بترنحه أثناء المشي واهتزاز قدميه أثناء الوقوف، وارتجافات عضلات وجهه. فضلا عن قاموسه اللغوي الشعبوي الذي أعد بطريقة لا تخفي طبيعة عمل الرجل، وعلاقته التجارية اليومية، ومستواه العلمي والثقافي. 

ورغم اننا اتفقنا منذ البداية على ان ملامح شخصية ((جابر)) ليست اكتشافاً خالصاً من خيال عابد فهد، لكن الدرجة العالية التي يبديها في السيطرة على كل ملكاتها، وتقديمها على نحو تلقائي مضبوط، كما لو أنها تولد من عقله وروحه وجسده، يؤكدان البراعة الفنية المتعددة الوجوه للفنان عابد فهد في التعامل مع شخصية ((جابر))، واشتغاله عليها انطلاقاً من موهبته التمثيلية العالية. 

الوسوم