بيروت | Clouds 28.7 c

عقدة فنان اليوم

صار من المألوف أن ترى النجم محاطاً بترسانة من الأجساد البشرية نُطلق عليهم ((بادي غارد))، هؤلاء ينطبق عليهم المثل المصري الشهير ((الشيء لزوم الشيء)) أنت نجم إذن فإن لديك فريقاً ضخماً من الحُراس، كلما ازداد عدد حراسك فهذا دليل لا يحتمل أدنى شك على تمتعك بقسط وافر من النجومية، هؤلاء هم نجوم ما بعد ثورة التواصل الاجتماعي. 

ستكتشف أن نجوم ما قبل تلك المرحلة لا يحيطون أنفسهم بخطوط الدفاع المدججة بالعضلات، مثلاً توم هانكس أو آل باتشينو أو جاك نيكسلون، لن تجد لديهم كل هذه الجحافل من الحراس، قارن مثلاً عادل إمام بعمرو دياب، من الممكن ألا تلمح حارساً واحداً يرافق عادل، بينما عمرو أو تامر أو كاظم هناك كتيبة من الحراس، على أقل تقدير يتابعونهم في كل خطواتهم.

عليك أن تلاحظ نجومنا في العروض الخاصة لأفلامهم، سوف تتحطم لديك تلك الصورة المثالية لهذا النجم أو تلك النجمة، تفاجأ بأن عدداً منهم وبينهم بالمناسبة أنصاف مشاهير، أحاطوا أنفسهم بـ(باي غارد) ليس واحداً بل بفريق كامل وكأنهم بصدد معركة قتالية، تستوقفك تلك الصورة الثابتة لعضلاتهم النافرة وأياديهم المتشابكة، وفي علم قراءة الجسد هذا يعني ألا تقترب و((إلا))، أكيد تعرف ما الذي تعنيه ((وإلا))، خصوصاً لو أضيف لها نظرة بها عين حمرا، حتى لو لم تكن في الحقيقة كذلك فأنت ستراها كذلك.

كثيراً ما تتواجد عشرات الكاميرات ومئات من الصحافيين في مثل هذه العروض الخاصة، مقدمو البرامج يتدافعون بحثاً عن مادة مجانية، حديث لنجم يعرضونه على موجة تلك القناة، يبدو الموقف وكأنه الزفة الصاخبة التي يريد أن يقول من خلالها الفنان أنا مشهور، فيزداد التدافع حوله، هل تشعر مثلي بنفور بعد أن ترى النجم خلف هذا السور البشري المكون من تلك الأجساد، بينما هو فقط يرفع يده ملوحاً وعلى استحياء ومن بعيد لبعيد لجمهوره.

في الماضي كان النجوم يتواجدون في الأماكن العامة، وهناك من يُمسك بـ((أوتوغراف)) يطلب توقيعه، طبعاً في السنوات الأخيرة صار ((الأوتوغراف)) مثل الديناصور المنقرض، ومصيره المتحف بعد أن أزاحته جانباً الصورة ((السيلفي)) التي أصبحت هي لغة العصر.

لو عدتم إلى أم كلثوم في الحفلات واللقاءات الجماهيرية سوف تجدون معها ابن شقيقتها مهندس الصوت محمد الدسوقي، فقط لا غير، وكان تواجده له ما يبرره، بينما عبدالحليم حافظ مثلاً كان يلاحظ بجواره ((المونولجست)) الراحل أحمد غانم، الذي كان يشارك أيضاً في الحفل، رشدي أباظة وفريد شوقي وكمال الشناوي وفاتن حمامة وشادية وغيرهم، لن تلمح أبداً بجوارهم أحداً، كانوا يحرصون على أن يتسوقوا من المحلات العامة ليلتقوا مباشرة مع الناس. لم تكن الجماهير بالطبع من الملائكة ولكن كان لدى هؤلاء فيض من سرعة البديهة لكي يواجهوا أي أزمة، مثلاً أم كلثوم في أغنية ((ليلة حب)) كانت تكرر مقطع ((ما تعذبناش ما تشوقناش)) وفي الوقت نفسه كان أحد المهووسين بصوتها يقترب من المسرح مكرراً ((أعد أعد يا ست))، فلم يمنعه أحد فلا يوجد حراس، ولكنها وبخفة ظلها أشارت إليه قائلة ((ما تعذبناش)) وضحك الجميع وتراجع صاحبنا وهو يضحك على نفسه.

((بادي غارد)) هذه الأيام صاروا مثل حائط الصد، وما ينجحون في تحقيقه ليس هو حماية الفنان بقدر ما هو حرمانه من الاستمتاع بدفء التواصل مع الجمهور.

 

غ.د

الوسوم