بيروت | Clouds 28.7 c

هل يدفع ثمن الانسحاب الاميركي من سورية كما دفعه في العراق؟ ((خطة)) على نار خفيفة للاطاحة بالحريري بغطاء داخلي وعربي ودولي - بقلم: زين حمود

  • *إخراج الحريري يجري العمل عليه في ((مطبخ)) يعمل بكتمان شديد
  • *بديل الحريري جاهز وهو شخصية تعمل لتأمين غطاء عربي ودولي
  • *عدم وجود دعم كامل من المرجعية العربية للحريري من شأنه فتح المجال للاطاحة به
  • *مهرجان 14 شباط.. هل يحوله الحريري الى محطة نوعية ما بعدها ليس كما كان قبلها
  • *فشل المحاولات لإحراج الحريري لإخراجه ولم يبق إلا الاطاحة به
  • *إحباط وخيبات في بيئة الحريري وإنحدار الخط البياني لشعبية تيار المستقبل
  • *هل يخرج الحريري من الرئاسة الثالثة مع الانسحاب الاميركي من سورية كما حصل مع الانسحاب من العراق عام 2011؟
  • *التسوية الرئاسية سقطت وتنظيرات جبران باسيل حول تكرار ثنائية بشارة الخوري ورياض الصلح تتبخر
  • *الحريري الأب لم يكن ليلجأ للاستعانة برؤساء سابقين لدعمه سنياً

 ليس معروفاً بعد ما يحضره الرئيس سعد الحريري في ذكرى اغتيال والده الرئيس رفيق الحريري, سواء كان على جاري عادته خلال السنوات القليلة الماضية حيث تحول الاحتفال الى مجرد تجمع لإلقاء الخطب وسط حشد جماهيري عادي او كان على مستوى السنوات الأولى التي أعقبت جريمة الاغتيال في العام 2005 حيث كان الاحتفال تعبيراً عن الشعبية الواسعة لا بل الجارفة لما سماه الوريث السياسي للشهيد الكبير في خطبه الأخيرة ((الحريرية السياسية)).

فقد تكون الذكرى مناسبة لإستنهاض  التيار الحريري بعد ان أصابه ما أصابه من وهن وخيبات وإحباط وتراجع خلال السنوات الماضية, الا ان المسألة ليست بهذه البساطة كونها تحتاج أولاً الى تمويل لم يعد متوفراً كالسابق,كما تحتاج وهذا هو الأهم استعادة الثقة بسياسات من قبل جمهور تعرض في منطقة المشرق برمتها لا بل في مناطق أوسع لعملية كسر لإندفاعة كانت حركته تزخر بها لا سيما مع بدء الأزمة السورية قبل سبع سنوات ونيف.

هذه الإندفاعة كسرت من جراء التنظيمات المتطرفة التي أساءت للاسلام ومارست اسوأ أنواع التشويه لصورته أمام المسلمين والعالم, ومن جراء الحرب الاقليمية والدولية الواسعة التي شنت على مجموعاته المتشددة والارعابية وعلى رأسها تنظيم ((داعش)) و((جبهة النصرة)) فضلاً عما يسمى اليوم ((هيئة تحرير الشام)).

ولا يقتصر الأمر على انكسار الاندفاعة المذكورة للسنة في الإقليم عموماً وفي لبنان خصوصاً, فثمة شكوك في ان تكون ذكرى 14 شباط /فبراير واسعة الحضور شعبياً، خصوصاً في ظل عدم عودة العلاقة بين الحريري والمرجعية العربية الى سابق عهدها, فضلاً عن أسباب أخرى تتعلق بأن العصبية التي كانت تشد عضد جمهور التيار الحريري لم تعد موجودة كما كانت سابقاً في ظل انتقادات يسمعها الجميع اليوم حول أداء ما عرف بالحريرية بعد العام 2005 بدءاً ممن تولوا المسؤولية بإسم التيار في ذلك الوقت وصولاً الى اليوم حيث تكثر الاتهامات من داخل الصف الواحد وفي طليعتها الاتهام الموجه لـ((تيار المستقبل)) وزعيمه بإيلاء  لعبة السلطة الأولوية على ما عداها وتحويلها الى هدف مركزي يمكن المساومة من اجله على ثوابت عديدة وأبرزها من دون شك المضي في انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية مقابل عودة الرئيس الحريري الى رئاسة الحكومة.

ولعل هذا ما يقود للقول بأن المأزق اليوم لا يقتصر فقط على الرئيس المكلف وحده بل يشمل الحريرية السياسية كعنوان وطني مرتكزه سياسات الرئيس الشهيد وثوابته في الاعتدال وتدوير الزوايا والسعي الى التفاهمات وإعادة بناء الدولة, فنرى اليوم الحريري ((الضعيف حسب الاتهامات))  مضطراً للتمترس خلف مواقف رؤساء حكومة سابقين او قيادات سنية سابقة لم يكن الحريري الأب ليكرسها كمرجعية موازية او منافسة له, او  ينتظر تسريبة في جريدة تتضمن كلاماً منسوباً لمسؤول في حزب الله ويتحدث فيه عن تمسك الحزب به في رئاسة الحكومة لأن لا بديل له في هذه المرحلة.

والأكثر وضوحاً في هذا المجال هو ما قيل للحريري مباشرة من قبل أكثر من مرجعية وشخصية وفي مقدمتهم الرئيس نبيه بري لدى البحث في حلول للعقد التي تعترض تشكيل الحكومة: هل تؤدي دورك كرئيس مكلف تشكيل الحكومة ومن يشكلها أنت أم غيرك. والمقصود هنا بالطبع وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل.

الاتهامات كثيرة وبعضها بالطبع ممنهج وغير بريء، خصوصاً وأن من لم يعد يجد له مكاناً في الدائرة الحريرية يبحث جاهداً عن أطر مستحدثة ولو بأشكال نخبوية من أجل تأمين استمراريته على الخارطة السياسية في لبنان, إلا ان هذه الاتهامات ورغم خلفياتها ومبالغات بعضها لا تلغي ان الخط البياني للزعامة الحريرية آخذ بالانحدار ولو لم يصل بعد الى الحدود التي يتوخاها خصوم الحريرية سواء داخل الطائفة السنية او في عموم البلاد.

وثمة تعليق يتناول الحال الذي وصل اليه الحريري اليوم ورد على لسان سياسي مخضرم أشار فيه الى ان الحريري يساعد منافسيه وخصومه على النيل منه سواء بصمته أحياناً او بغض الطرف عن مشكلات لا يمكن غض الطرف عنها والأهم من كل ذلك, انه مهما يكون موقف الحريري اليوم او سياسته فإنه سيجد دوماً من ينتقد هذا الموقف او هذه السياسة  وممن يفترض ان يكونوا معه في كل الظروف, في السراء والضراء، خصوصاً وانه كان ((ولي نعمتهم)) والجسر الذي سلكوه للوصول الى ما كانوا وصلوا إليه من مناصب ومكاسب ونفوذ.

كل ما ورد لا يتصل فقط بمسألة داخلية تخص تياراً سياسياً بوزن تيار المستقبل وزعيمه بل تتعلق بمآل الأمور في المرحلة المقبلة.

اذ لم يعد السؤال المطروح يتعلق بإمكانية خروج الرئيس سعد الحريري من رئاسة مجلس الوزراء بعد الاخفاقات المتتالية وعلى مدى نحو ثمانية أشهر في موضوع تشكيل الحكومة وتعثره دون وجود أفق يبشر بإمكان تجاوز العقد القائمة في زمن قريب.

السؤال المطروح اليوم يتصل بتوقيت هذا الخروج او ساعة الصفر الخاصة به, في تكرار ولو بسيناريو جديد ((لإقالته)) من رئاسة الحكومة عام 2011 عندما كان في البيت الأبيض مجتمعاً بالرئيس الاميركي ((السابق)) باراك أوباما, عندما دخل للقائه كرئيس للحكومة اللبنانية وخرج  رئيساً سابقاً.

وحتى الآن لم تنجح  مع الحريري المحاولات القائمة على قاعدة ((الإحراج فالإخراج))، ولذلك فإن العمل جار حالياً وعلى نار هادئة او خفيفة لإخراجه ((بسلاسة)) من جنة الحكم, بعد تهيئة الظروف المناسبة للاطاحة به, وتكليف شخصية أخرى بكل ما تحتاجه من غطاء سني وداخلي وعربي ودولي مسؤولية تشكيل الحكومة الجديدة. مع التركيز هنا على الغطاء العربي بكل ما للكلمة من معنى يشمل كل ما قد يخطر ببال مراقب او معني بوضع الحدث اللبناني تحت مجهر قراءة ما سيتوالى من تطورات, في مرحلة جديدة دخلها لبنان والمنطقة كذلك منذ فترة قريبة.

ورفع الغطاء العربي,لا سيما من قبل من كان يحتضن ((زعامته)) له الأولوية في المطبخ السياسي العامل حالياً وبدأب على إزاحة الحريري, وهو ما يراد منه عملياً دفع الرئيس المكلف للاعتذار عن الاستمرار في مهمته, لا سيما وان مؤشرات مباشرة لرفع الغطاء المذكور لا بد وان تلقي بظلالها على الأجواء الداخلية وأجواء الطائفة السنية, بشكل يتحول معه الرفض المعلن لإعتذار الحريري او تقيده بمهلة لتشكيل الحكومة الى ((صمت)) ((المؤيد ضمناً)) او الى ترحيب بتكليف الشخصية المقترحة لتكون بديلاً للحريري.

والقضية هنا لا تقتصر على ما يروج اليوم عن انتصار محور وهزيمة محور, رغم ان المسألة على هذا الصعيد يمكن طرحها من زاوية الإشكالية المستمرة في العلاقة بين الحريري والنظام السوري, ورفض الحريري لأي شكل من أشكال إعادة تطبيع العلاقة مع دمشق حتى ولو من باب الإستفادة من معبر نصيب على الحدود الاردنية – السورية, في وقت بدأت فيه مرحلة جديدة من فتح السفارات العربية في العاصمة السورية وكذلك سياقات جديدة لتسويات وتفاهمات أقل ما يقال عنها انها طوت عناوين العمل عربياً لإسقاط النظام السوري.

القضية تتصل بحلفاء الحريري العرب او بالعلاقة الملتبسة بالمرجعية العربية والمقصود السعودية بالدرجة الأولى والتي ظهر واضحاً خلال السنوات القليلة الماضية انها لم تعد تولي لبنان الأهمية التي كانت توليه إياها سابقاً كما انها لم تعد تحصر علاقاتها بمرجعية لبنانية واحدة اي الحريري الاب ثم الابن ,بل ان علاقاتها سنياً ولبنانياً تعددت وتنوعت ,ما افقد الحريري بداية خاصية كونه الجسر الوحيد الذي تمر عبره كل علاقات السعودية بلبنان قبل ان يكتمل ذلك ويصل الى حدود غير مسبوقة لدى استقالته العام الماضي وما رافق تلك الاستقالة من ظروف معروفة قبل عودته عنها.

القضية تتصل أيضاً بعلاقة الحريري بحلفائه الداخليين, وأدائه خلال العامين المنصرمين خلال ما عرف بالتسوية الرئاسية التي ادت الى انتخاب عون رئيساً للجمهورية وعودة الحريري الى رئاسة الحكومة.

تلك التسوية التي جعلت شخصاً مثل جبران باسيل ينظر لها ليضعها في مصاف العلاقة بين بشارة الخوري ورياض الصلح, قبل ان تتبخر تنظيرات وزير الخارجية وتتحول التسوية الى ما اضحت عليه على مستوى ممارسة السلطة المشكو منها وتالياً رفع الصوت عالياً ضدها من قبل معترضين عليها من كل الأطياف والأطراف والأفرقاء مسيحياً وإسلامياً, ومن اقصى الشمال الى أقصى الجنوب بحجة انها ولدت فساداً غير مسبوق في حجمه ونسبه وفشلاً في ادارة الملفات وعكست أحادية في السلطة  وكلاماً من العيار الثقيل ضدها من نوع ما قاله زعيم المختارة وليد جنبلاط عن فشل العهد.. الخ.

إضافة الى ذلك فإنها ولدت ريبة لدى بعض الأطراف الوازنة وعلى رأسها حزب الله, التي شهدت علاقته بالتيار الوطني الحر اهتزازات توازي لا بل تتجاوز الاهتزازات التي شهدتها علاقة تيار المستقبل بحلفائه السابقين من القوات اللبنانية الى حزب الكتائب والحزب التقدمي الاشتراكي فضلاً عن شخصيات بوزن بطرس حرب وفارس سعيد وغيرهما.

ومؤدى هذا الكلام ان أي شخصية سنية جديدة يجري اختيارها لرئاسة الحكومة كبديل للحريري لن تكون صلاتها مع الرئاسة الأولى ولا سيما مع جبران باسيل كما كانت علاقة الحريري بالعهد ووزيره المميز, ولهذا السبب فإن ما يسمى التسوية الرئاسية التي حكمت مرحلة العامين الأولين من ولاية عون سقطت الى غير رجعة كما يشدد مصدر واسع الاطلاع, وبالتالي لا يمكن لحكومة جديدة ان تشكل وفق تلك التسوية, بكل ما يفضي اليه هذا الواقع الجديد من خلاصات لا تشير فقط الى التغيير الذي قد يشمل رئيس الحكومة بل وأيضاً تبدل سياسات وتوجهات كان العهد ورئيسه ميشال عون ووزيره جبران باسيل عازمين على المضي فيها استناداً الى التسوية الرئاسية المذكورة.

من خلال كل ما ورد آنفاً, يمكن القول ان مسألة اخراج الحريري من رئاسة الحكومة باتت مسألة وقت في ظل وجود ((مطبخ)) يعمل على ذلك على نار خفيفة وفي ظل وجود شخصيات تعمل على ان تكون بديلاً له ولو بكتمان شديد في الأوساط العربية والدولية وتحقق تقدماً على هذا الصعيد وفي ظل عدم وجود دعم كامل من قبل المرجعية العربية لبقائه ومنع الإطاحة به.

إلا أن الأمر في نهاية المطاف يبقى  مرتبطاً بالطبع بما قد يفعله الحريري في مواجهة كل ذلك, خصوصاً وانه مجّرب في هذا المجال, بعد ان ذاق في العام 2011 كأس الاطاحة به مع رئيس الوزراء العراقي السابق اياد علاوي في صفقة اميركية - ايرانية عشية الانسحاب الاميركي من العراق كان عرابها جيفري فيلتمان السفير الاميركي السابق في لبنان.

فماذا سيفعل الحريري وهل هو قادر على قلب الطاولة بما سيفعله, حتى لا يتكرر مع الانسحاب الاميركي من سورية وما قد يرافقه من صفقات ما حصل معه يوم الانسحاب الاميركي من العراق؟

زين حمود

 

 

الوسوم